تخطى إلى المحتوى

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون 2024

  • بواسطة
كثيرا ما يريد الناس أمرا ويريد الله أمرا آخر، فيغلب الله تعالى الناس على أمره ويقهرهم على ما أراد وتتهيأ الظروف والأحوال ليقع أمر الله. وقد نزل هذا التعقيب في سياق قصة يوسف عليه السلام في لحظة لا تظهر فيها بوضوح ما دبره الله ليوسف من تمكينه في الأرض.

جاء هذا التعقيب بعد أن بيع يوسف بَيع الرقيق لعزيز مصر، وهذا في حد ذاته لا يمثل نصرة كبيرة ليوسف أن ينتقل من يد من وجدوه في البئر إلى أن يكون عبدا في قصر عزيز مصر، ولكن يد الله تعالى تعمل وتدبر وتوجه. إن أول تمكين ليوسف في الأرض لاحت بشائره أولا بالتمكين في قلب عزيز مصر الذي قال لزوجته (عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا). فقد توسم فيه نجابة ودقة فهم علاوة على هيئته الجميلة ووسامته الفريدة. يقول ابن مسعود رضي الله عنه (أفرس الناس ثلاثه: عزيز مصر حين قال لامرأته " أكرمي مثواه " والمرأة التي قالت لأبيها " يا أبت استأجره " الآية وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما).

ولم يكن قول عزيز مصر لزوجته (أكرمى مثواه) مجرد تهيئة المكان ليوسف بحسن المأكل والملبس والمسكن، ولكنه كان أيضا بتهيئة سبل تربيته وتعليمه حيث أصبح قريبا من دائرة اتخاذ القرار وصنع السياسات كما أتيحت له الفرصة ليتعلم تأويل الرؤى والأحلام الذي كان ذائعا في مصر في ذلك الزمان. إن قيمة الإنسان في أي مجتمع تكون عادة بما تعلمه وبما حصل عليه من معارف، فمن أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ومن أرادهما معا فعليه بالعلم. وقد ظهرت قيمة ما تعلمه يوسف عليه السلام بعد ذلك في لحظة حرجة من تاريخ مصر.

كن مع الله وعش حياتك تحت أمره وثق أن تدبير الله هو الغالب مهما انتفش الباطل وعلا صوت الظالم. إن إخوة يوسف لو علموا ما أعده الله ليوسف لَضَنَّوا عليه بالإلقاء في الجُبِّ، وهذا شأن الظالمين جميعاً. إن الظالم لو عَلِم ما أعدَّه الله للمظلوم لَضَنَّ عليه بالظلم. لا تشغل بالك بتصور كيفية نصرة الله فهذا ليس شأنك، فقط كن تحت أمر الله وسترى تدبير الله من حيث لا تحتسب ومن حيث لا تتصور. قارن بين خطة إخوة يوسف وكيدهم له وإلقائه في البئر طفلا صغيرا، قارن ذلك بموقفهم الذليل المنكسر بين يدي يوسف وهو في أبهة الملك وهم يمدون أيديهم له (وتصدق علينا).

أعرف صديقا كان يقود سيارته على طريق القاهرة – الإسماعيلية حين فوجئ بغلام يعبر الطريق بسرعة، ولكنه ارتبك وتوقف وحاول أن يرجع فارتطم بسيارة الرجل. نزل صاحبنا وتفقد الغلام وحمله معه في السيارة إلى أقرب مستشفى وظل إلى جواره حتى أجريت له جراحة. توجه بعد ذلك لقسم الشرطة ليحرر بنفسه محضرا بما وقع، ومنه إلى النيابة. وهناك فوجئ بأن سائق ميكرو باص قد حرر بالفعل محضرا في الشرطة بالواقعة. كان ذلك السائق حاضرا لحظة الحادثة، فما كان منه إلا أن توجه إلى قسم الشرطة وحرر محضرا بما رأى، وجاء في شهادته أن الغلام عبر الطريق ثم تردد ورجع مرة أخرى ليرتطم بالسيارة. إنك لا تجد في كل مائة رجلا يفعل ذلك. يترك طريق سفره ويذهب ليقدم شهادة لم تطلب منه. ولقد توفي ذلك الغلام بعد حوالي شهرين، وأصر صاحبنا على دفع مبلغ لأسرته ولكنهم أبوا ورفضوا بشدة.

في الأحداث الخاصة والعامة، دقق النظر لترى تدبير الله وكيف أنه غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، أي لا يدرون حكمته في خلقه وتلطفه وفعله لما يريد.

    الونشريس

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.