اللغة ليست مجرد حروف وأصوات نطلقها كيفما اتفق بل هي عبارة عن سلسلة من الانفعالات والإيماءات تكاد تشترك فيها أعضاء الجسد كله وترتبط ارتباطا وثيقا مع مراكز في المخ تحكمها وتشرف على خروجها، وبتعدد الأصوات واختلاف التعبير تعددت الأمم واختلفت أصواتها ونشأت آلاف اللغات واللهجات من اللغة الأم التي يعتقد أنها العربية التي تغزل بجمالها وكمالها الكثير على مر العصور.
فما سر جمال وإعجاز لغتنا العربية؟ وهل هي أصل اللغات؟!
مما يؤكد قدمها أننا كثيرا ما نجد تشابها كبيرا بين كلماتنا العربية وكلمات إنجليزية وفرنسية وهندية ويونانية وألمانية وغيرها من اللغات تقول الباحثة في علوم اللغة الدكتورة تحية إسماعيل إن نحو 80 في المائة من أفعال اللغة السنسكريتية من أصل عربي وأن نحو 75 في المائة من أفعال اللغة اللاتينية من أصل عربي. وفي بحث آخر ذكرت أن الآرامية والفينيقية وغيرها من اللغات الشرقية كانت عربية الأصل.
خذ مثلا كلمة ”أرز” بالعربية تجدها reise بالألمانية و rice بالإنجليزية و”باطن” تراها bottom بالإنجليزية وجارية أي فتاة أو بنت باللغة العربية تجدها girle بالإنجليزية والقسط أو العدل تجدها juste بالفرنسية وأرجو باللاتينية rego، وقس على ذلك الكثير، وهذا ليس هو السبب الوحيد في تميزها وهيمنتها.. تقول الأستاذة تحية إسماعيل في كتابها (اللغة العربية أصل اللغات) إن السبب الذي يعود إليه الاعتقاد أن اللغة العربية هي الأصل والمنبع هو سعتها وغناها وضيق اللغات الأخرى وفقرها النسبي، فاللغة اللاتينية بها 700 جذر لغوي فقط والسنسكريتية ألفا جذر، بينما العربية لها 16 ألف جذر لغوي يضاف إليها سعة الاشتقاق والتفعيل والتركيب فمثلا لفظ tall تتشابه في النطق والمعنى مع ”طويل”، ولكن في العربية يخرج منها مشتقات وتراكيب بلا عدد (طال ويطول وطائل وطويل وطويلة وذو الطول ومستطيل وطولي ومطول….)، بينما في الإنجليزية لا يخرج منها شيء!
ثم انظر إلى تلوين الوزن بها وكيف يعطي أكثر من معنى مثلا رحيم ورحمن، عنف وعنفوان وقد يصل الاختلاف في المعنى حد العكس مثل قاتل وقتيل.
والحرف العربي في ذاته سر آخر من أسرارها له رمزية ودلالة ومعنى، فالحاء بها ترمز للحدة والسخونة مثل (حمى وحر وحرام وحق)، بينما الخاء يرمز لكل ما هو كريه وسيئ ومنفر مثل (خيانة وخوف وخزي وخنفس وخسة) والطفل يقول أح عند لمس النار والكبير يقول أخ عند فشله في عمل ما، وبعض صور القرآن الكريم تجدها تبدأ بحرف واحد وكأنما هذا الحرف يعني شيئا بذاته، ومن تسيُّدها أيضا أن المعنى الذي تريد قد تحصل عليه من كلمة واحدة أو جملة قصيرة بينما اللغات الأخرى على العكس تماما.
وتكمن روعتها في مخارج الحروف وكيفية نطقها فباختلافها يتغير المعنى، فحرف الباء من طريقة نطقه بفتح الشفاه بعد أن كانت مغلقة يدل على البداية في كل شيء والسين يدلل على المعاني اللطيفة مثل همس وسهل.
لذا يجوز لنا القول إن العربية أصل اللغات بمحافظتها على خصائصها في الإعراب والاشتقاق والمعاني على نحو لا نظير له في اللغات الحية الأخرى ويدل على ذلك بقاؤها عبر الزمن، فلنحبها ونحافظ عليها ونعود للاعتزاز والحديث بها.