ما هو القلق ؟
القلق هو مشكلة نفسية، ونتيجة لظروف الحياة الصعبة التي نعيشها، يتحول القلق إلى مرض، ولكننا يجب ألا ننظر له بمظهر المرض النفسي، وإنما ننظر إليه على أنه مشكلة نفسية شعورية إدراكية، فالشخص القلق تعتريه دائما مشاعر سلبية، فيفقد الثقة بالآخرين، والإحساس بالسعادة، وبالطمأنينة والراحة، وأن جملة هذه المشاعر تتكون لدى عقله الباطن والذي يستمر بالعمل والتفكير المتواصل بالأفكار ذات الطابع السلبي. وقد أشارت آخر الأبحاث إلى أن العقل الباطن داخل اللاشعور يستوعب في الدقيقة ما يقارب من 3 إلى 7 تريليون فكرة وكلمة، في حين أن العقل الواعي يستوعب من 5 إلى 7 أفكار فقط في الدقيقة الواحدة ، فينبع القلق من الاضطرابات التي تحدث في العقل الباطن التي تسببها مشاعر حالية أو دفينة، أو بعض الأفكار التي نؤمن بها أو المواقف التي نتعرض لها .
كيف أعرف أن هذا الشخص مصاب بالقلق ؟
هناك الكثير من الأعراض منها الفسيولوجية والسلوكية، أما الفسيولوجية فتتمثل في قضم الأظافر، وخلع الشعر واللحية بطريقة فيها نوع من المبالغة، كما يعانون من اضطرابات ومشاكل تؤرق نومهم. أما السلوكية فتتمثل في أن مريض القلق يصيبه نوع من التشتت وعدم التركيز الذهني، فعندما تسألينه سؤالا، يضيع ولا يستطيع الإجابة عن السؤال بدقة وموضوعية، أي كما نقول في لهجتنا الكويتية لا تأخذين منه لاحق ولاباطل، فهو لايعرف ما يقول .
ما الأسباب التي تدفع الإنسان إلى الإصابة بالقلق ؟
ليس هناك إنسان لايصاب بالقلق، ومن لايصاب به يكون إنساناً غير طبيعي بلا شك، ولابد أن الأسباب تختلف من شخص إلى آخر، فالأسباب
التي تثير القلق عند الصغار تختلف عن تلك التي تثير القلق عند الكبار.
ولكن يمكن تقسيم هذه الأسباب إلى ثلاث مجموعات :
– الاسباب النفسية : هي الأسباب التي ترتبط بالنفس البشرية للإنسان، حيث يتولد في الشخص إحساس بالاضطهاد وعدم العدالة والسعادة وينتابه شعور أنه مظلوم وأن هناك من يبخس قدره ويحط من أهميته، أو أن الفرص تؤخذ منه، وهذا كله يدفعه إلى الانطواء على نفسه، ناهيك عن مشاعر الحزن التي تتنابه ، فيشرع إلى التفكير السلبي بشكل دائم ومستمر يتمحور خاصة حول ذاته، فهو يرى نفسه بلا حظ، وأن الكل يكرهه ويحاول الإيقاع والغدر به، ويوقن أن لا أحد يحبه.
– الاسباب الاجتماعية : نقصد بها هنا علاقة الفرد المضطربة بالمجتمع أو بأفراد المجتمع ككل، فالشخص المصاب بالقلق يعاني من:
أ. فقدان القدرة على تكوين الصداقات والعلاقات، أي يفتقد للمهارات الاتصالية الاجتماعية.
ب. انعدام الثقة بالآخرين، الانطواء على الذات، وعدم الإفصاح عما يجول
في خاطره.
– الاسباب الفكرية : نقصد بها مجموعة الأفكار المجردة من المنطق، حيث تميل الشخصيات القلقة إلى رسم فنتازيات خيالية من وحي أفكارهم السلبية، ويحبون الانغماس بها وأن يعيشوها .
هل يمكن أن يشعر الأطفال بالقلق ؟
نعم يشعر الأطفال بالقلق مثلهم مثل الكبار تماما ، فهم قبل كل شيء بشر تتملكهم مشاعر وأحاسيس وعواطف مختلفة .
وأكثر الأطفال عرضة للقلق هم الأطفال الذين ينشأون في بيئة تكثر فيها الخلافات الاجتماعية والأسرية، كانفصال أو طلاق الوالدين.
ما أكثر الفئات العمرية إصابة بالقلق ؟
نتيجة للتطورات التي شهدها ويشهدها العالم من حولنا في مختلف المجالات وعلى جميع الأصعدة، بدأنا نلاحظ أن الشباب هم أكثر الفئات التي تدخل دائرة القلق وتعاني منه ، فالشباب هم الذين لديهم أحلام وطموحات وطاقات وإبداعات يريدون تفجيرها، ولكنهم للأسف يصطدمون بجدار قوانين المجتمع والواقع المؤلم والأفكار . فما يكون منهم إلا أنهم يلجأون إلى تخزين هذه الطاقات، مما يدفعهم إلى اعتناق مجموعة من الأفكار السلبية التي تلقي بهم في دائرة القلق.
من أكثر عرضة له النساء أم الرجال ؟
يمكن القول أن القلق يصيب النساء أكثر من الرجال، ولكن مع ظروف الحياة الصعبة التي نعيشها، تساوى الرجال والنساء في درجة الإصابة به، فتشعر النساء بالقلق لأسباب معينة، ويشعر الرجال بالقلق لأسباب أخرى،
ويمكن تلخيص الأسباب التي تدفع الرجال والنساء للشعور بالقلق، وهي:
– الضغوط الاجتماعية
– الضغوط النفسية.
– الأفكار الجديدة التي تتكون داخلهم الناتجة من طبيعة الحياة التي نعيشها .
ففي السابق كان البيت هو مملكة المرأة، والرجل هو الآمر الناهي وانه ملك الغابة الأوحد، ولكن الأمور اختلفت الآن، فاكتشف الرجل أن هناك أطرافاً أخرى أصبحت تشاركه العمل والبيت، وأيقن أن الغابة من الممكن أن تملكها امرأة قمة في الحكمة والجدارة، فتنشأ ما يعرف باختلاف الأدوار .
ما مضاعفات الاصابة بالقلق ؟
لن أدخل في دهاليز المضاعفات، ولكن إذا أهملنا هذه المشكلة سنصل إلى طرق أبواب الاكتئاب، وما أدراك ما الاكتئاب ، فعندما يقع الإنسان فريسة للاكتئاب، يتنامى في ذهنه إحساس بالضيق وعدم الرغبة بالاستمرار في الحياة والى أن يوصله تفكيره إلى نقطة اللا عودة والانتحار.
وهنا أنصح الشخص الذي وصل لهذه المرحلة، أن يراجع نفسه ويفكر بالأسباب التي دفعته إلى الوصول إلى تلك المرحلة.
إذاً ما هو الحل ؟ كيف نستطيع التغلب على القلق ومعالجته ؟
بالطبع أن طريقة ومدة العلاج تختلفان من شخص إلى آخر ومن معالج إلى آخر، ولعل الطريقة المثلى التي يجب أن يتعامل بها المعالج مع المريض، هي أنه لا ينظر إليه على أنه مجرد مريض يشرع في وصف الأدوية له، فأنا ضد تلك الطريقة ، فالعديد من الأطباء يلجأون لاستخدام الأدوية وبأنها هي الحل السريع والصحيح والفعال للكثير من المشاكل والانفعالات النفسية، وهذا بالطبع غير صحيح من وجهة نظري، فالأدوية مهما كانت فعالة فما هي إلى عقاقير ومواد كيميائية، إلى جانب آثارها الايجابية فان لها في الوقت نفسه آثارها السلبية، فما ننشده هنا هي المعالجة النفسية المتكاملة والصحيحة في الوقت نفسه، وذلك أن يمد المعالج أو الطبيب يد المساعدة للمريض، وتقديمه ذلك العون بكل الطرق والوسائل وان كانت تأخذ وقتاً طويلا .
فعندما يقصدني الشخص المصاب بالقلق لطلب المساعدة، فإنني أجلس معه وأحاول أن أرى مدى جديته، ومع المشاركة والتعاون بيننا، نحاول تسليط الضوء على المشاكل والأسباب التي تدفعه إلى الإصابة بالقلق، وأن نحاول إيجاد الحلول المناسبة والمضمونة باستخدام الكثير من الأساليب والطرق منها إعادة بناء الشخصية، وبناء الثقة بالنفس، أي التدعيم الايجابي للشخص المصاب.
وهناك أسلوب آخر أتبعه، وهو أن أجعل المريض يعيش اللحظة التي تؤرقه أو تقلقه، لأن معايشة الموقف تساعدنا على التغلب عليه، فلو فرضنا أن شخصا متهم مثلا بأمر ما، وعليه المثول أمام المحكمة غدا ، فأساعده على تخيل ما يمكن أن يحدث معه، فأجعله يتخيل مثلا لحظة دخوله المحكمة، ولحظة مناداة اسمه للشهادة أو سماع أقواله، ولحظة مخاطبة القاضي له وما يحدث بينهما من جدال ومناقشة، وهكذا ، إلى أن تهدأ أعصابه إلى حد ما ، تساعده على مواجهة هذا الموقف المقلق بالنسبة له في اليوم التالي.
ومن الأساليب الكثيرة التي نتبعها التفريغ الانفعالي أي أن نجعل المريض يفرغ ما في جعبته من مشاعر كره أو حب أو ضيق.. الخ، وبعد ذلك نعمل كمعالجين إلى أسلوب التطمين، وسأضرب مثالا على ذلك للتوضيح:
لو أن هناك سيدة ما متضايقة من حماتها -على سبيل المثال- فنشجعها على الحديث بكل حرية ودون مقاطعة حول طبيعة هذه الخلافات وأسبابها ، ثم نعمل إلى تهدئتها بقولنا مثلا "أنك سيدة مؤمنة، وعليك مثلا تحمل حماتك، فهي سيدة كبيرة، وفي مقام والدتك، أو عليك أن تعاملي أم زوجك باحترام وحب حتى تكوني قدوة صالحة لأبنائك في تعاملاتهم مع من حولهم".
هل هناك نوع من الرياضة تنصح به كمختص يخفف من حدة التوتر ؟
يعتبر المشي هو أفضل علاج للقلق، وأقصد بالمشي ليس المشي الذي يمارسه الرياضيون ، وانما أنصح بالتمشية بهدف الاسترخاء ومناشدة الهدوء دون التفكير في أي شيء يعكر مزاجه ويسبب له القلق، وأن يشغل تفكيره بأمور أخرى كأن يقوم مثلا بتجاذب أطراف الحديث مع صديق له أثناء المشي أو أن ينظر إلى الأبنية والأشجار أو كل ما يحول انتباهه عن مشكلته أو ما يمكن أن يسبب القلق له.
كما أنني أنصح بممارسة الريكي (العلاج بالطاقة)، فهو علاج قد أثبت فاعليته في السنوات الأخيرة، ولا ننسى أثر الاستمتاع للقران الكريم، وممارسة تمارين وحركات الاسترخاء، فكلها أساليب تساعد المريض على مواجهة مرضه والتغلب عليه .
ظهر كثير من النظريات فيما يخص منشأ القلق ، فهل لنا نعرف بعضاً منها ؟
نظرية ترى أن القلق في الأصل متصل بالخوف ومتفرع منه عن طريق عمليات متعاقبة من الربط ، وتنتهي هذه العمليات بنسيان المصدر الأولي الذي أثار الخوف، ويظل الشعور به مع غموض مصدره، فهذا الشعور مساو لحالة القلق، وهذه النظرية أقرب ما تكون لنظرية بافلوف الشرطية، ولا يعلم بالتأكيد الزمن الذي يبدأ فيه الخوف في حياة الطفل، على أنه يوجد حتماً منذ الأسابيع الأولى في الحياة كالخوف من السقوط من علو، والخوف من الصوت العالي، كما تدل على ذلك ردود الأطفال في مثل هاتين الحالتين.
نظرية فرويد في منشأ القلق، وهي تفيد بأن طبيعة الإنسان قد هيأت له إمكانية كبت التجارب النفسية المؤلمة، وعملية الكبت هذه، في نظر فرويد، أكثر ما تكون في سنوات الطفولة.
نظرية الصراع النفسي، تفيد بأن القلق هو النتيجة الطبيعية المنتظرة عند التعارض بين قوتين عاطفيتين.
نظرية ترى أن القلق ينتج عن توفر إحدى حالتين، الحالة الأولى الخوف من الأذى، والثانية الخوف من فقدان الحب، وفي وقت لاحق من نمو الفرد تتفرع أسباب أخرى عن هذين الأساسين، ويستطيع كل سبب من هذه الأسباب الفرعية أن يثير حالة من القلق أيضاً .