قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[إنّ الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة]
(رواه البخاري)
الحمد لله {الذي أحسن كل شيء خلقـه، وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه، ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون} (الســجدة:7-9)
أحمده سبحانه وتعالى وهو القائل: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعـدلك في أي صورة ما شاء ركبك} (الانفطار:6-8).. وهو القائل: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} (التين:4)
وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد سيد الأولين والآخرين المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين… وبعد،،،
فهذه رسالة قصيرة جمعتها في أحكام من ابتلاه الله سبحانه وتعالى بفقد حاسة من حواسه، أو طرف من أطرافـه أو جزء من كماله الإنساني… ولله الحكم والتدبير والمشيئة النافذة في خلقه سبحانه.
وقد أردت أن أجعل هذه الرسالة عزاءً وسلوى لكل مصاب، وبياناً لأهم الأحكام الفقهية الواجبة عليه وعلى أهله، ومن يكفله ويرعاه، وبيان الواجب على كل مسلم نحو من ابتلاهم الله، وإني لاحتسب في ذلك من ربي الأجـر والثواب فإن شكر الله على العافية أجر، ومشاركة الصابرين في صبرهم وحزنهم أجر، وتسلية المصابين في مصابهم أجر وأسأل الله أن يجمع لي هذا كله بفضلٍ منه ورحمة إنه هو السميع العليم.
وكتبه عبدالرحمن بن عبدالخالق
* تعريف المقصود بالمعاق:
المعاق هو الذي أصابه نقص أو قصور عن الإنسان السوي في بدنه أو عقله.
ويدخل تحت هذا التعريف أنواع كثيرة من المبتلين كمن فقد بصره، أو سمعه، أو بعضاً من ذلك أو فقد القدرة على تحريك طرف من أطرافه أو أكثر، وكذلك من فقد جزءاً من عقله يجعله دون الإنسان السوي، ويقال إن نحواً من عشرة في المائة من البشر يعانون نوعاً من أنواع الإعاقة…
ومعنى هذا أنه يوجد في العالم اليوم أكثر من خمسمائة مليون إنسان معاق…
وقدرت الإحصائيات أن (80%) منهـم يعيشون في البلدان الفقيرة والتي يسمونها بالعالم النامي والمتخلف.
* المعاق على الحقيقة هو الكافر بالله سبحانه:
اعلم أخي المسلم أن الكفر بالله هو أعظم آفة في الأرض فإذا أردت أن تعرف المعاق على الحقيقة فاعلم أنه الكافر لأن الله خلق له سمعاً، وبصراً، وفؤاداً ليؤمن به ويعبده، ويتبع صراطه المستقيم فعطل كل ذلك وكفر بالله الذي خلقه وسواه وأعطاه السمع والبصر والفؤاد. قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } (الأعراف:179)
فهذا حال الكافر الذي عطَّل سمعه وبصره وفؤاده فلم يستفد به إلا استفادة الحيوان بحواسه وذلك في الطعـام، والشراب، والجماع، ولكن الحيوان مع ذلك أحسن حالاً منه حيث أنه لم يعط أمانـة التكليف، وأما الإنسان فإنه مخلوق مكلفٌ، ولذلك كان حاله إذا لم يقم بما كلفه الله به من الإيمان والعمل أسوأ حالاً من الحيوان عياذاً بالله.
أما المؤمن فإنه استفاد بحواسه وعقله الذي منحه الله إياه فاستعمله فيما خلق له.
وإذا قدَّر الله على المؤمن أن يسلبه واحـدة من هذه الحواس أو الجوارح التي أعطاه فإنه يسقط عنه من التكليف بمقدارها وقدرها…
ثم إن العمى على الحقيقة ليس فقد البصر بل العمى الحقيقي هو فقد البصيرة والإيمان: {فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (الحج:46)
وإن الأعرج أو المشلول المقعد الذي لا يخرج لقتال، أو جهاد هو لا شك أحسن حالاً وأطيب منقَلَباً من صاحب القدمين واليدين الذي استخـدم هذه الجوارح في معاصي الله سبحانه وتعالى. ولأن يكون المسلم فاقداً لعضو لا يستعمله في معصية، خير ممن أوتِيَ هذه الجوارح وسَخَّرها في خدمة الشيطان.
فالمعاق حقيقة ليس من فقد جزءاً من عقله، أو حاسةً من حواسه، أو جارحة من جوارحه طالما أنه قام فيما أبقى الله له من حاسة، وجارحة على طاعة الله…
وإنما المعاق على الحقيقة من رزقه الله السمع والبصر والفؤاد والجوارح، فعطلها عن النظر في الإيمان واستعملها في معاصي الرب الرحمن… فنعوذ بالله من الكفر والخذلان.
أولاً: {كل خلق الله حسن، وبعض خلق الله أفضل من بعض}.
وصف الله نفسه بأنه سبحانه {الذي أحسن كل شيء خلقه} (السجدة:7)، وأنه رب العالمين، فكل العوالم من الملائكة، والإنس، والجن، والطير، وسائر المخلوقات.. الله ربهم وخالقهم؛ فهو بديع السموات والأرض، وهو رب الملائكة، والجن والإنس {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يُحْشرون} (الأنعام:38)
وكل فرد من أفراد هذه المخلوقات خلقه الله فأحسن خلقه، فالبعوضة، والذبابة، والكلب، والحمار، والفراشة، والدودة، وكل دابة في غاية الإحكام، وإبداع الصنع مما يدل على كمال علم الله سبحانه، وعظيم قدرته، وكما أن الله هو رب الذرة الصغيرة، فهو رب المجرة الكبيرة، وكل شيء من ذلك في غاية الإتقان والإحكام..
وقد اختص الله الإنسان من سـائر المخلوقات بأكمل صورة وأحسنها، فجعله قائماً على رجلين، وهذا أكمل من حال الزواحف، ومن مشى من الدواب على أربع مُكبةً على وجوهها… وجعل بِشْرتَه ظاهرةً بخلاف الطير والحيوان الذي يغطيه الريش، والشعر، أو الصوف، أو الوبر، وفضله على سائر الحيوانات بالعقل المدبر، وبتسخير غيره من الحيـوان له {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً} (الإسراء:70)
فالحمد لله أن خلقنا بشراً، والحمد لله على ما أولانا من نعمه العظيمة، وإحسانه الكبير.
ثانياً: حكمة الله في خلق الآفة والنقص:
خلق الله كل شيء سبحانه وتعالى، وقد خلق الآفة والشر، وجعل النقص في بعض مخلوقاته لحكم عظيمة، ومن ذلك:
1) العقوبة على المعاصي، كما قال تعالى: {ظهر الفساد في البر، والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} (الروم:41) والفسـاد هنا هو الآفة والشر الذي يعاقب الله به عباده كالريح العقيم المدمرة، والبركان الثائر، والأمراض، والأسقام، والقحط، والطوفان.. ونحو ذلك.
2) أن يعلم الناس قدرة الله عليهم، وأنه هو الذي يملك نفعهم وضرهـم كما قال تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} (فاطر:2)
3) أن يعلم الناس قدرة الله على خلق الخير والشر، وعلى أنه سبحانه يجازي بالإحسان إحساناً، وأنه سبحانه يعاقب على الإساءة، قال تعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم} (الحجر:49-50)
فالله الذي خلق الجنة وجمع فيها كل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، بل ذخر فيها ما لا عين رأت من نعيم، وما لا أذن سمعت، وما لم يخطر على قلب بشر، فإنه سبحانه وتعالى خلق الجحيم، وجعل فيها أنواع الشرور، والآلام، والأحزان، والعذاب والنكال فوق ما تتصوره العقول {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد } (الفجر:25-26)
4) أن يتذكر -من يعافيه الله- نعمة ربه وإحسانه فيشكره على ذلك، ويعلم فضل الله عليه وإحسانه إليه أن لم يصبه بما أصاب غيره.
5) أن يجعل الله لمن يصيب منه باباً عظيماً للظفر بمرضاته، والفوز بجناته، وتخفيف ذنوبه ورفع درجاته.
وحكمة الله من خلق الشر والآفة، والنقص حكمة عظيمة. فالله هو المحمود على كل صفاته، وأفعاله، وأنعامه.
ثالثاً: الواجب الشرعي على من ابتلاه الله بنقص، أو آفة، أو تعويق:
* يجب على كل من ابتلاه الله بآفة أو تعويق:
1) الاعتقاد بأن ما أصابه لم يكن ليخطِئَهُ، فإن القضاء مكتوب قبل أن يخلق، قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكـم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير* لكي لا تأسوا ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} (الحديد:22-23)
وقال تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه، والله بكل شيء عليم} (التغابن:11)
فعلى المسلم الذي يصاب بأمر يكرهه أن يقول كما علمنا الله سبحانه وتعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالـوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} (البقرة:156-157)
وإذا استقر في نفس المسلم الإيمان بقضاء الله وقدره وأن الذي أصابه لا بد وأن يصيبه، وأنه أمر لا مفر منه، ولا مهرب منه لأن الله قد كتبه في الأزل؛ فإن نفسه تهدأ، وقلبه يسكن، ويكون هذا بداية ومقدمة للرضى بقضاء الله وقدره.
2) أن يوقن بأن الله إذا ابتلى المؤمن فلأنه يحبه ويؤثره على غيره ممن لم يبتله، ولذلك كان الرسل هم أشد الناس بلاءً، وأكثرهم تحملاً للأذى وصنوف الغم، والكرب العظيم، كما قال صلى الله عليه وسلم: [أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه إن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة] (رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في الصحيحة 143)
فقد ابتلى الرسل بالجبابرة المنكرين، والكفار المعاندين، والمكذبين الذين سبوهم وشتموهم، وأخرجوهم وتمالئوا على قتلهم فمن الرسل من هدِّدَ بالإحراق بالنار وألقي فيها، ومنهم من هدد بالإخراج من بلده، ومن هدد بالرجم {لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين} (الشعراء:116).. ومن تآمر به المجرمون ليقتلوه، وشرعوا في تنفيذ إجرامهم..
ومن ابتلي في بدنه كأيوب -عليه السلام- حتى تأذى منه أولاده، وزوجه فأهملوه، وتركوه.. ومنهم ومنهم…
ومن الكفار من عاش سليماً قوياً مجتمع الخلق، حتى قصمه الله مرة واحدة كما جاء في الحديث: [مثل المؤمن كالخامة من الزرع تفيئها الريح مرة وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة] (متفق عليه)
وشجرة الأرز من أشد الأشجار قوة وصلابة، وقد جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً للكافر الذي يبقى قوياً منيعاً متماسكاً حتى يموت، وهو كذلك، فيأتي الله موفوراً ذنبه لم يأت عليه يوم يتذكر قدرة الله عليه فيستغفر، أو يتوب…
وأما المؤمن فإنه لا يزال به البلاء يميله يمنةً ويسرةً حتى يأتي يوم القيامة وليس عليه ذنب.
والخلاصة: إن المؤمن إذا كان محلاً للبلاء من مرض، أو نقص، أو عاهة، فهو محل لرضوان الله وإيثاره له، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من يرد الله به خيراً يصب منه] (رواه البخاري)
3) أن يعلم المصاب بنقص أو عاهة أو إعاقة أن الله يأجر المؤمن على كل مصيبة مهما صغرت ولو كانت شوكة يُشاكها كما جاء في الحديث: [ما يصيب المسلم من نَصَبٍ، ولا وصبٍ، ولا همٍ، ولا حزنٍ، ولا أذىً، ولا غمٍّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه] (متفق عليه)
وكلما عَظُمَ المصاب والبلاء، عظم الأجر والثواب كما جاء في الحديث القدسي: [من أذهبت حبيبتيه فصبر فاحتسب لم أرض له ثواباً دون الجنة] وحبيبتيه يعني عينيه (رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي/1959)
4) أن يعمل المؤمن المصاب على تجـاوز هذا النقص والاستفادة بما بقي، وهذا باب عظيم جداً للإحسان، وتفجير الطاقات.
ففقـد البصر لا يعني نهاية الحياة، وتعطل القوى، وإنسداد الأمل.. بل إن تنمية بقية الحواس قد يعوض فقـد النظر فإن تنشيط السمع، واللمس، وتقوية الفؤاد والقلب، إطلاقٌ لطاقات وإمكانيات سمعه ولمسه وذوقه، وعقله…
وكذلك الحال في فقد السمع، أو فقد طرف من الأطراف أو حاسة من الحواس…
وفي الحديث: [المؤمن القوي خـيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجـز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان] (رواه مسلم)
ومن معاني الحديث أن المؤمن إذا أصابه شيء يكرهه فإن عليه أن يستعين بالله ولا يعجز، أي يستسلم إلى العجز، بل عليه أن يَجِدَّ وينشط، ويعمل في استكمال ما فاته من النقص.
وهـذا الباب أعنى محاولة إعانة من ابتلي بإعاقة على إعادة تأهيل نفسه ليبلغ بما بقي عنده من حواس وأطراف وإمكانيات غاية القدرة، هو ما تتنافس فيه اليوم مراكز تأهيل المعاقين في العالم، للوصول إلى أبلغ النتائج وقد تحقق في هذا الصدد نتائج مذهلة ؛ فالكتابة البارزة للمكفوفين، ولغة التخاطب بالإشارة للصم، واستخدامات الحاسوب (الكمبيوتر) لناقص القدرة العقلية (المتخلفين)، والرياضات البدنية المتقدمة للمعاقين…
وكذلك استحداث آلات عظيمة لمساعدة المعاق كالسيارات الخاصة، والدراجات الخاصة، والكراسي المتحركة، ونظم السكن والمرافق الميسرة.. مما جعل حياتهم أعظم يسـراً، وتمكين كثير من المعاقين أن يعتمدوا على أنفسهم، ولا يكونون عبئاً على غيرهم بل يسر لكثير منهم أن يكونوا أناساً فاعلين منتجين نافعين لغيرهم، بعد أن كانوا عبئاً ثقيلاً على غيرهم، وهذا جميعه بفضل الله ورحمته ومما أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه بقوله: [واستعن بالله ولا تعجز]
رابعاً: واجب السليم والمعافى نحو المعاق والمصاب:
هذه بعض من الواجبات الشرعية لمن عافاه الله من البلاء، وسلمه من الآفة نحو من ابتلاهم الله بإصابة وإعاقة:
1) أن يشكر الله سبحانه وتعالى ويحمده على العافية، وأن يعلم أن ما ابتلى الله به غيره يمكن أن يبتليه هو به، فإن الله قادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأن ينزل عقوبته بمن يشـاء وأن يبتلي من يشاء، وأنه ليس أحد بممتنع عن الله جل وعلا، ولكنه جل وعلا يُصيب ويعافي ويبتلي عباده كما يشاء بالخير والشر {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} (الأنبياء:35)
2) أن يدعو للمبتَلى إذا كان من أهل الدين والتقوى أن يأجره الله ويثيبه ويعافيه وأن يعوضه خيراً مما أخذ منه.
3) العطف على المبتلى، والظن أنه قد يكون عند الله خيـراً من غيره ممن عافاه الله، فرب عبد مدفوع على الأبواب لو أقسم على الله لأبره…
4) الإحسان إلى المبتلى، والمسارعة إلى نفعه وإعانته فإن مساعدة المحتاج من أعظم أبواب الخير. وفي معرض الرسول لبيان أبواب الخير قال: [أن تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق] (متفق عليه)…
والخَرقَ نوع من الإعاقة العقلية، وأن تصنع له يدخل فيه كل ما يصنع للأخرق من خدمة أو إحسان…
فدلالة الأعمى على الطريق، ومساعدته على معيشته، والقراءة عليه، وتعليم الأصم، والعناية بالمقعد، ونحوهم من أعظم أبواب الخير والإحسان.
5) المريض المعـاق في حالة ضعف، وهذه الحالة قد تكون دافعاً لمن وفقه الله سبحانه وتعالى للالتجـاء إلى الله، والطمع فيما عنده، والأمل في التعويض عما فاته في هذه الحياة الدنيا الفانية في الآخرة بالباقية… كما أن شعور السليم الغني بالصحة والعافية، والغِنَى قد يكون دافعاً للجهـول المخذول أن يظن أنه مستغنٍ عن الله سبحانه وتعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} (العلق:6-7)…
ومن أجل ذلك يجب أن نستفيد من حالة الضعف التي يتعرض لها الإنسان بالابتلاء، وذلك بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والطمع فيما عنده، بل إن من أعظم حكم البلاء أن الله سبحانه وتعالى يوجه به عباده إليه قال تعالى: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} (السجدة:21) والعذاب الأدنى هو عذاب الدنيا…
ولا شك أن العمى والصم والعاهة نـوع من العذاب، وقال تعالى في الكفار الذين لم يتعظوا بما أخذهم الله به من الضر: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} (المؤمنون:76)… وقال سبحانه وتعالى أيضاً: {تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} (الأنعام:42-43)
أي هلا إذ جاءهم بأس الله ورأوه في الدنيا تضرعوا ورجعوا إلى الله سبحانه وتعالى، فعلموا أنه ربهم وإلههم ومولاهم، وأنه كما أنه قادر على نفعهم قادر على ضرهم، فاستفادوا من ذلك بالعودة إلى الله، وطاعة رسله..
فالسعـيد من استفاد من دروس البلاء، والشقي من مر عليه البلاء فقال: {قد مس آباءنا الضراء والسراء} (الأعراف:95) فجعل نزول الضر، كمجيء الخير لا ارتباط له بحكمة الخالق المدبر سبحانه وتعالى.
من أجل ذلك وجب على الدعاة إلى الله أن يكون وجودهم عند البلاء للتذكير بقدرة الرب، ورحمته، وتوجيه القلوب إليه، وانتشال من كتب الله له السعادة من حمأة الكفر، والسخط على الله، أو التمرد عليه، والبقاء في الكفر والعناد مع نزول البلاء…
6) يجب على من عافاه الله سبحانه وتعالى من البلاء الذي ابتلى به غيره ألا ينتقص المبتلى ولا يهزأ به، ولا يغتابه به، فسب المبتلي بالعَمَى أو الصمم أو العرج، أو نقص العقل ونحو ذلك كبيرة من الكبائر…
وذكر المبتلى بشيء من ذلك وهو غائب غيبة، لأن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره مما هو متصف به…
وأما إذا كان المعاق معروفاً بهذه الإعاقة وأنها علم عليه لا يتأذى بذكرها فلا بأس أن يعرف بها كما يقال عبدالله بن أم مكتوم الأعمى، وفلان الأعرج، وفلان الأعمش، ونحو ذلك.
خامساً: واجب الأمة والجماعة نحو المعاق:
العناية بالمعوق فرض عين على من تجب عليه كفالته، وفرض كفاية على المسلمين..
العناية بالمعاق والقيام بأمره من فروض الكفايات على الأمة إذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين وإذا لم يقم به أحد كان الجميع آثمين.
فكفالة العميان، والصم، والمشلولين، وسائر المعاقين واجب على مجموع الأمة، كما هو واجبهم نحو الفقراء والمساكين والمعوزين، فكما يجب على الأمة والجماعة سد حاجات هؤلاء يجب علينا كذلك سد حاجات ذوي هذه العاهات وإلا كان الجميع آثمين..
ولا شك أن واجب العناية بكل فرد منهم تقع أولاً على من أناط به الإسلام كفالته، وهم الأصول والفروع.. فالآباء كافلون لأبنائهم لأنهم فروعهم، والأبناء كافلون لآبائهم لأنهم أصولهم، والأقارب، والأرحام يجب أن يكفل بعضهم بعضاً فكما يتوارثون فإنهم يتكافلون…
وعلى كل مسلم أن يقوم بما أوجبه الله عليه في ذلك. ويجب على الأمة والجماعة المسلمة مساعدة كافل العاجز والقائم بشأنه، وخاصة إذا عجز عن كفالته، والقيام بشأنه وخاصة من يحتاجون ويعتمدون في كل شؤونهم على غيرهم كالمشلول شللاً كاملاً الذي يحتاج إلى غيره في طعامه وشرابه، وطهوره، ولباسه وشأنه كله فإن عبء هذا عظيم وثقله كبير على من حوله.
* وهذه بعض واجبات الجماعة، وفروض الكفاية نحو المعاق:
1) وجوب مواساته، وتذكيره بالصبر، وعدم الجزع على ما فاته، والعمل على إصلاح ما يمكن أن يكون قد تهدم من نفسه، وانهد من كيانه فإن العاهة والإصابة تصيب النفس قبل أن تصيب البدن، وهدم النفس أبلغ من تهديم البدن، وقد يحصل مع تحطيم النفس زوال الإيمان، وتمكن الشك، ووجود السخط على الله،، وبغض قضائه وقـدره، وهذا كفر يحطم النفس، ويزيل الإيمان، ومن وصل إلى ذلك فقد خسر الدنيا والآخرة عياذاً بالله سبحانه وتعالى..
والابتلاء قد يدفع كذلك إلى الجزع، وعدم الصبر، وقد يؤدي إلى الانتحار، أو العزلة والانهيار، وهذا كله بوار وخسران للدنيا والآخرة..
ولا شك أن السعي إلى إصلاح البدن، وتكميل النقص، وإعادة التأهيل للجسم دون النفس عمل قاصر، بل هو من ضلال السعي، لأن الدنيا لا تغني عن الآخرة هذا، لو اكتملت، وزانت فكيف والمعاق ربما تكون إعاقته قد حرمته جميع طيباتها من الصحة والمشي والرياضة، والاعتماد على النفس، والتمتع بمباهجها في الطعـام والشراب، والنكاح، والسباحة، والذي فقد هذا كله أو أكثره يصبح من ضلال السعي معه أن يعاد تأهيل ما تبقى من جسمه، وإهمال روحه وذاته وقلبه وإيمانه!!
ولذلك فإن أول واجبات الجماعة والأمة نحو المصاب بإعاقة تحجب عنه طيب الحياة، ومتعة الوجود هو تأهيل قلبه وإيمانه لتلقي الصدمة، والرضا بقضاء الله وقدره، والأمل فيما ادخره الله لعباده الصابرين، وتحقير أمر الدنيا، وأن متاعها قليل، وأيامها معدودة، وأن ما عند الله خير وأبقى.
ويجب أن يكون هذا تذكيراً مستمراً من أجل تثبيت المصاب، وربط قلبه بالله والدار الآخرة.
2) والواجب الثاني هو تأهيل هذا المصاب ليستفيد من بقية ما أبقىالله له من القوى، وتفجير ما لديه من طاقـات، فإن يداً واحدةً مدربة قد تعمل عمل اليدين، والأعرج الذي يفجر طاقاته قد يأتي بما لا يستطيعه صاحب القدمين، ورب أعمى فقد البصر كان له من وعي القلب، وحدة الفهم، ورهافة السمع ما يجعله أكثر بصراً من كثير من ذوي العينين، ورب إنسان فقد القدرة على الاستمتاع بالنساء وجد في متعة العلم والقراءة، وحلاوة الإيمان حلاوةً ولـذةً لا يجدها من يتزوج كل يوم من الحسان، ورب منقطع إلى عبادة الله وذكره يجد من حلاوة الإيمان ما يجعله يقول وهو رهين المحبسين السجن والعمى "إننا في لذة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف"..
والخلاصة أنه يجب إعادة تأهيل المعاق والمصاب في بدنه ليبلغ غاية ما يمكنه من الاستقلال بنفسه، والاعتمـاد عليها في طعامه وشرابه، وطهوره، وحاجاته الأساسية ما أمكن ذلك… وهذا بالتدريب والتعليم، وكذلك بالآلة.. وقد ذكرنا أنه توفر للناس في وقتنا الحاضر من أساليب تعليم الصم، والبكم والعميان، والمتخلفين عقليا ما يعوضهم عن فقد هذه المنافذ والمدركات…
وكذلك قد تيسر من الوسائل المساعدة كالكراسي المتحركة، والرافعات، والأثاث المناسب للمعاق ما يجعـل المصاب بالشلل أعظم قدرة على القيام بخدمة نفسه… وحتى المصاب بالشلل الكامل لأطرافه كلها يوجد له من الأجهزة اليوم ما يساعده في الاعتماد على كثير من أمر نفسه..
إن تأهيل المصاب بتعليمه وتدريبه، وتيسير الوسيلة المناسبة له واجب كفائي على الأمـة، وهو كذلك باب من أبواب الخير والإحسان يجب أن تتنافس المنظمات الخيرية الأهلية، والمؤسسات الحكومية العامة في تحقيقه للمعاق…
وخاصة أن برامج التأهيل قد تكون لبعض المرضى باهظة التكاليف، وكذلك بعض الأجهزة الخاصة لا يقدر عليها ذوو المرضى بأنفسهم، فالصرف من المال العام على هؤلاء، وإعطاؤهم من الزكاة والصدقات لهذا الأمر حق واجب.
3) الواجب الثالث على الأمة وجوب إشراك هؤلاء المعاقين في الحياة العامة، وعدم عزلهم عن المجتمع والناس، وهذا يحقق منافع عظيمة:
أ) تكريم المصاب من المجتمع، وإشراكه في الحياة العامة كمساعدته لحضور الصلوات، وخاصة الجمع والأعياد،ودعوته في دعوات الأفراح والطعام وحضوره مجالس الناس ومنتدياتهم، وزيارة الناس له في منزله، كل هذا فيه شفاء لنفس المريض، وبرءٌ لروحه، وهذا يساعد في إعادة تأهيله نفسياً وجسدياً.
ب) رؤية المعافى للمصاب يكسبه مجموعة عظيمة من الفضائل تكلمنا عنها في الفصل الرابع.
ج) إن رؤية كلٍّ من المصاب للمعافى، والمعافى للمصاب، وتذكير كل منهما لما أوجبه الله سبحـانه وتعالى عليه، فيه مجال عظيم للبر والإحسان والخير، بل وسعادة النفس فسلامك على مصاب والدعاء له، وأخذك بيد أعمى ودلالته، وحملك ضعيفاً على دابته، وكلمة طيبة من المواسـاة يسمعها مبتلي منك، كل هذا من أبواب الخير، وكل هذا يمكن أن يحرم منه المسلمون لو أن كل مصابٍ أغلق عليه بابهُ، ولم يُسمح له أن يـرى الناس أو يرونه، أو جمعوا في نادٍ واحد أو مكان واحد لا يرون إلا أنفسهم، ولا يحس بهم غيرهم، وهذا كله من الفساد في الأرض…
وللأسف أن كثيراً من أهالي المصابين والمعاقين ممن حرموا الخير والأجر بل والرحمة يتبرءون من أولادهم، وفلذات أكبادهم المصابين أو يتنكرون لآبائهم وأمهاتهم فيسجلونهم في معاهد التأهيل، أو دور العجزة، والرعاية بغير أسمائهم الحقيقية حتى لا ينسبون إليهم، ويستحيون أن يقال عنهم أن لهـم ولداً معاقاً، أو أباً مشلولاً، ومثل هؤلاء حرِيٌّ بهم أن يحرمهم الله رحمته في الدنيا والآخرة.
* وجود المعاق في الأمة بركة ونصر وخير:
وجود المعاق بين المسلمين بركة ونصر وخير ؛ فهو باب من أبواب رحمة الله بعباده، فبهم ينتصر المسلمون ويرْزقون، وبالإحسان إليهم والرحمة بهم، يرحم الله عباده. ويعظم لهم الأجر والثواب…
فوجود الفقير رحمة للغني لأن إحسان الغني تهذيب لنفس الغني وتطهير لماله، ورفع لدرجته عند الله… فلولا وجـود الفقير لما زكت نفس الغني، ولما تطهر ماله، ولما وجد باباً عظيماً إلى الجنة، ولما نودي يوم القيامة من باب الصدقة أن تعال أيها المتصدق وادخل من هنا… فهل يكره العاقل من يكون سبب فلاحه ونجاحه وصلاحه؟! فهل يكره وجود الفقير إلا كافر جاهل يقول كما قال أسلافه عندما دُعُوا للإنفاق على الفقراء: {أنطعم من لو يشاء الله أطعمه}!!
قال تعالى: {وإذا قيل لهم انفقوا مما رزقكـم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين}!! (يس:47)، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى هو القـادر على أن يجعل عباده جميعاً أغنياء ولكن حكمته اقتضت وجود الغني والفقير ابتلاءاً لهذا بالغنى، وابتلاءاً لذلك بالفقـر، فالغني يبتلى ليشكر، ويحسن إلى من أمره الله بالإحسان إليه فتزكو نفسه، ويتخلق بالرحمة والشفقة، ويخرج من دائرة البخل والشح، ويتصف بالكرم والإحسان، وهذا تزكية لنفسه وكذلك يزكو ماله، وينمو {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} (البقرة:276) وكذلك يكون له باب عظيم للأجر والثواب فلو عرف الغني ماذا يعني وجود الفقير بالنسبة إليه لبحث عنه في كل مكان ولأحبه من كل قلبه لأنه سبب لرحمته، ورفع منزلته، وصلاح لنفسه لرحمته وكذلك يبتلي بعض عباده بالفقر ليصبروا ويتخلقوا بالتواضع، ويرغبوا فيما عند الله ويبتعدوا عن الحسد والحقد…
ووجود الضعفاء والمساكين والمعاقين والزَّمْنَى في المجتمع المسلم رحمةٌ عظيمةٌ، فهم باب عظيم من أبواب الخير يفتحه الله لعباده ليكون هناك تنافس في البر بهم، والإحسان إليهم ومساعدتهم، وليكون مرآهم تذكيراً بالله، وقدرته على عباده، وأن له الحكمة التامة، والحجة البالغة، وليكون دعاء هؤلاء الضعفاء رحمة ونصراً وعزاً للمسلمين؛ فإن دعاءهم مستجاب عند الله. فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ابغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم] (رواه أبو داود 2335، وصححه الألباني في الصحيحة 779)
سادساً: أخطار اتباع منهج الغرب وطريقته في تأهيل المعاقين:
مما يجب الحـذر منه كل الحذر اتباع منهج الغرب (اللاديني) في تأهيل المعاقين، وذلك أن هـذا المنهج يقوم وفق فلسفة الغرب وعقيدته في الحياة، وهي أنهم يعيشون للدنيا فقط، ولا حياة بعد الموت وأن على الإنسان أن يستمتع بحياته إلى أقصى ما يستطيع، وأنه لا ينبغي له أن يضع أية عراقيل في طريق هذا الاستمتاع، بما يسميه قيوداً للدين، أو الخلق، أو الأعراف والتقاليد… ومن أجل ذلك نبذ الغرب الدين، والخلق، والتقاليد، وجميع الأعراف، ووضعوا بدلاً من ذلك كله القانون العام، وأطلقوا العنان لكل الشهوات، والحريات، وخاصة الجنسية، ومن أجل ذلك كانت إباحة الزنا والعري، والخمور، والرقص، والموسيقى، والشذوذ، وأزيلت كل العوائق التي تحول دون ذلك من فروض الدين، أو الحياء، أو التقاليد، وهذا المنهج لم يطبقه الغرب مع الأصحاء فقط بل راح يطبقه مع المرضى كذلك… وعلماء النفس عندهم يرون أن أعظـم تأهيل للمعاق هو فتح مجالات الاستمتاع بمباهج الحياة لما تبقى عنده من الحواس.. وأن هذا سيجعله يحب الحياة من جديد لأنه يجد فيها شيئاً يستحق أن يتشبث به..
ولذلك تمسكت مراكز التأهيل بهذا النمط الغربي كالعلاج بالموسيقى، والغناء، والأفلام والمتع المحرمة..
وهذا جميعه يضر ولا ينفع، بل الصحة النفسية حقيقة إنما هي في غرس معاني الإسلام واليقين والإيمان، وإدخال السرور على قلب المريض مما يجعله يستمتع بالحلال حسب الإمكانيات التي يسرها الله له…
وسيجد المؤمن دائماً أن ما أبقاه الله له ليتمتع فيه بالحلال فيه عوضٌ عن الحرام، فالتمتع بقراءة الكتاب الكريم، وتعلم العلم النافع أعظم مما يتخيله من يظن أن في الموسيقى والغناء متعة…
وصرف نظر المعاق إلى أن يفني عمره في رسوم تافهة، وهوايات تقتل وقته، وتدمر نفسه كألعاب الورق، والنرد من باب قتل وقته، وملء فراغه… كل هذا إشغال بالتافهات والمحقرات، وحجب للمعاق عن الأمور العظيمة النافعة كالبراعة في العلوم الشرعية النافعة، أو العلوم الدينية المفيدة.
ولقد كان كثير من علماء الأمة الأفذاذ النابغين قد أصيبوا بعاهة من العاهات العظيمة، وقد ألفت كتب كثيرة في أنواع المعاقين الذين كان لهم شأن عظيم في العلوم.
ولا شك أنه يجب التفريق بين ما توصل إليه بعض مخترعي الغرب من الوسائل النافعة في تعليـم المعاقين كالكتابة البارزة، وإن كان الفضل الأول فيها لأعمى من المسلمين اخترعها قبل (برايل) بمئات السنين، ولكنها لم تطبق على نطاق كبير، وكذلك لغة الإشارة للصم، وكذلك الوسائل والآلات الحديثة التي تساعد المعاق، كالكراسي الكهربائية والرافعات، وبرامج الحاسوب، ونحو ذلك، وكل هذا من الوسائل التي يجب الاستفادة منها…
وعلى كل حال يجب التفريق بين التأهيل النفسي، وطرائق الغرب المنحرفة في هذا التأهيل، وبين استخدام الوسائل المادية والمخترعات الحديثة التي تنفع في تأهيل المعاق.
سابعاً: أهم الأحكام الفقهية للمعاق:
قواعد عامة:
* لا تكليف إلا بمستطاع:
اعلم أنه سبحانه وتعالى من رحمته وإحسانه لا يكلف نفساً إلا وسعها، قال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} (البقرة:286)، والوسع هو الجهد والطاقة ومن أجل ذلك يجب على السليم من الواجبات ما لا يجب على المريض، وعلى المبصر ما لا يجب على الأعمى، وهكذا كل من فقـد جارحة من جوارحه أو قوة من قواه، فإنه يسقط عنه من الواجبات الشرعية بحسب ما فقد من قدراته وإمكاناته واستطاعته.
* العقل مناط التكليف:
اعلم أن العقل وهو القدرة على الفهم والإدراك هو مناط التكليف بالإيمان والإسلام، وسائر العبادات، فمن فقـد العقل فأصبح مجنوناً لا تمييز له فإن التكليف يسقط عنه، ولا يسقط التكليف إلا بفقد العقل كله، ويبقى من التكليف بمقدار ما بقي من العقل والإدراك..
* لا يسقط التكليف كله بفقد جزء من مناطه:
ومعنى هذه القاعدة أن المكلف عليه أن يقوم بما يستطيع، فمن قطعت يده مثلاً إلى نصف الذراع وجب عليه في الطهارة غسل النصف الباقي إلى المرفق، ولا يسقط عنه أن نصف الذراع مقطوع، ومن كان لا يستطيع القيام لشلله النصفي فإنه يجب عليه أن يصلي جالساً ما دام يستطيع الجلوس، كما قال صلى الله عليه وسلم: [صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب] (رواه البخاري)
فسقوط وجوب القيام عن العاجز عنه لا يسقط عنه القعود ما دام يستطيعه، فإذا لم يستطع القعود أيضاً انتقل إلى ما يستطيعه، وهو الصلاة على جنب، أو ظهر.
1) الإيمان بالله أعظم تكليف وهو أفضل الأعمال:
سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: [إيمان بالله ورسوله]، قيل ثم أي؟، قال: [جهاد في سبيل الله] قيل ثم أي؟ قال: [حج مبرور] (متفق عليه)
وهذا حديث يجعل الإيمان بالله أفضل الأعمال، وهذا العمل -أعني الإيمان- هو في متناول كل معاق، مهما كانت إعاقته، إلا أن تكون زوالاً للعقل أو معظمه، ففقد السمع، والبصر، والأطراف، وجزء من العقل كل ذلك لا يمنع من الإيمان بالله… بل قد يبلغ الذين أصابهم شيء من هذه الآفات ما لم يبلغه السليم المعافى، والإيمان إذا اقترن بغيره من الأعمال أو الإسلام يعني عمل القلب، وليس الإيمان هو مجرد التصديق الذي يتساوى فيه كل مصدق بالله واليوم الآخر، ولكنه أعمال عظيمة في القلب فوق مجرد التصديق فالتوكل، والخشية، والتقوى، ومراقبة الله ومحبته، وتعظيمه يتفاضل الناس فيها تفاضلاً بليغاً.
وهذه الأعمال القلبية جميعها يستطيعها المعاق في بدنه دون عقله، وهذا يعني أن المعاق في بدنه يملك أعظم تكليف كلف الله به عباده وهو الإيمان به سبحانه وتعالى، ورسالاته، وهذا الإيمان هو أفضل الأعمال على الإطلاق، فالمعاق يملك أن يقوم بأشرف أعمال الدين وأعظمها أجراً وثواباً ومنزلة عند الله، وهو الإيمان به ومحبته، ومخافته وتقواه، ورجاؤه، ومراقبته، والثناء عليه، وحسن الظن به، والرغبة فيما عنده، والأمل بلقائه ومحبة ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: [من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه] (متفق عليه)
فليكن أول ما يتوجه إليه المصاب في بدنه أن يزداد إيماناً ومحبة وقرباً من الله سبحانه وتعالى، وبذلك يكون ما اختـاره وهدى إليه من الإيمان بالله، والرفعة عنده أعظم مما فقده من قوة بدنية قد تكون صارفاً له عن الإيمان والطاعة.
2) لا يزال لسانك رطباً بذكر الله:
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً* وسبحوه بكرة وأصيلاً} (الأحزاب:41-42)..
وقال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} (البقرة:152)
وقال تعالى في الحديث القدسي: [أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه] (رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في الصحيحة 3059)
وقال صلى الله عليه وسلم: [كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم] (متفق عليه)
ذِكرُ الله باللسان والقلب من أيسر الأعمال وأسهلها، وإذا كان السليم المعافى تشغله المشاغل عن ذكر الله، فإن الضعيف المعاق قد هيأ الله له فرصة عظيمة لذكره والانقطاع لعبادته، والتبتل إليه…
والذكر سهل يسير لأنه حركة اللسان فإن لم يستطع المعاق أن يحرك لسانه فليكن الذكر بالقلب…
والذكر لا حد لأكثره: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون} (الروم:17-18)
فليكن الشغل الشاغل، وقضاء الوقت لكل مسلم يريد الخير والمثوبة والأجر العظيم أن يظل لسانه رطباً بذكر الله، ومن ابتلاه الله فقد هيأ له سبباً عظيماً وفرصة عظيمة لعروج الروح، وعلو الشأن: [أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه].. {من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.. الآية} (فاطر:10)
3) الصلاة خير موضوع:
الصلوات الخمس المفروضة هي أعظم الفرائض بعد توحيد الله والإيمان به، وهي ركن الإسلام الثاني كما قال صلى الله عليه وسلم: [بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة] (رواه مسلم)
وهي خير ما وضعه الله لأهل الأرض من الأعمال، وقد فتح الله باب التطوع فيها على مصراعيه، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوات كثيرة تطوعاً، ومن هذا التطوع السنن الراتبة قبل وبعد الصلوات اثنتا عشرة ركعة في اليوم: اثنتان قبل الفجر، واثنتان قبل الظهر، واثنتان بعـدها، واثنتان قبل العصر، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء، وقد جاء في الحديث الصحيح: [من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُنِيَ له بهن بيت في الجنة ] (رواه مسلم)
وأمر الله سبحانه بقيام الليل من الثلث إلى الثلثين. وهناك تحية المسجد، وصلاة الضحى، وصلاة الاستخارة، وهذه النوافل كلها من ذوات الأسباب وهناك النفل المطلق، وهو لا حد له في ليل أو نهار مع ترك الأوقات التي نُهِىَ عن الصلاة فيها وهي: بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس، وقبل الظهر عندما تكون الشمس في كبد السماء إلى أن تزول عن كبد السماء وهو وقت قليل لا يتعدى نصف ساعة، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وما عدا ذلك من الأوقات يصلي فيه المسلم ما شاء من الركعات تقرباً إلى الله وزلفى…
وهذه الصلوات هي أعظم ما يُشْغل المسلم بها نفسه، والانشغال بها من أعظم الفرص المتاحة للمعاق في بدنه، فإن أجره أجر السليم الذي يتمكن من القيام، وقد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: "أريد مرافقتك في الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أو غير ذلك].. قال: هو ذاك: قال صلى الله عليه وسلم: [فأعني على نفسك بكثرة السجود]" (رواه مسلم)
فلو كان هناك عمل أفضل من إكثار الصلاة لحثه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن الصلاة أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله…
ومن أجل ذلك أحث نفسي وإخواني ممن ابتلاهم الله بشيء في أبدانهم أن يستفيدوا من وقتهم بالصلاة، فإن هذا أعظم ما يمكن أن يحصله مسلم في حياته…
4) أهم أحكام الصلاة والطهارة:
والصلاة المفروضة لا تسقط بحال إلا إذا سقط مناط التكليف، وهو العقل فالمجنون وحده هو الذي سقط عنه فرض الصلاة..
ورفعت المحاسبة عن النائم حتى يستيقظ، والمغمى عليه حتى يفيق. فإذا استيقظ النائم وجب عليه أن يصلي ما نام عنه، ولا يجوز لأحد أن يتعمد النوم عن الصلاة المكتوبة فإن هذا إثم عظيم. وجاء في السنة وعيد شديد لمن ينام عن الصلاة المكتوبة.
وكذلك المغمى عليه إذا أفـاق وجب عليه أن يصلي ما فاته من الصلوات… وأما المجنون فإنه لا يصلي ما فاته في حال جنونه إذا رد إليه عقله لأن التكليف يسقط عنه.
ومن أجل ذلك وجب على المعاق بأي إعاقة غير فقد العقل أن يصلي الصلوات المكتوبة، وله أن يجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء للمشقة، ويسقط عنه ما لا يستطيعه من واجبات الصلاة، فإذا لم يستطع القيـام صلى جالساً فإذا لم يستطع الجلوس صلى راقداً، وإذا لم يستطع قراءة الفاتحة أمرها على قلبه فقط… وإذا لم يستطع ركوعاً أو سجوداً أومأ إيماءاً.
فإذا لم يستطع أن يتوضأ وضوءاً كاملاً غسل ما يستطيعه من أعضاء الوضوء التي يجب غسلها أو بعضها، وإذا لم يستطع الوضوء كله تيمم، وإذا لم يستطع التيمم، صلى على حاله، ويسقط عنه الأمران.
ويجب على من يقـوم على كفالة المعاق أن يساعده في وضوئه، فإن لم يكن للمعاق من يساعده سقط عنه جميع ما لا يستطيعه..
ويجب على المعاق إزالة النجاسة عنه، وما لا يستطيعه لا يجب عليه، وإذا دخل الوقت وهو في نجاسة لا يستطيع إزالتها، وليس عنده من يساعده في إزالتها صلى على حاله، ولا تسقط عنه الصلاة بملابسة النجاسة له، هذا إذا كانت النجاسة ملابسة لبدنه، وأما إذا كانت النجاسة تتحول إلى كيس بجواره فلا بأس أن يصلي وهي متصلة به، وإن أمكن عزل (كيس البول، والغائط) عنه وقت الصلاة بنفسه أو بمساعدة من يساعده فحسن، وإن لم يمكنه ذلك فلا بأس أن يصلي والكيس معلق به..
وقد كانت بعض الصحابيات يصلين مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده وتضع إحداهن الطست تحتها من شدة الاستحاضة، علماً أن دم الاستحاضة نجس باتفاق، ومن أجل ذلك نقول إنه لا بأس أن يحضر المعاق صلاة الجماعة في المسجد، وإن كان كيس البول أو الغائط معلق بكرسيه، أو وهو يحمله تحت ثيابه. ومن لم يقدر على ستر عورته من المعاقين كالمحروق الذي لا يستطيع وضع شيء على بدنه فإنه يصلي وإن لم يستر عورته..
وكذلك الشأن في القبلة فإن أمكن أن يتوجه إليها توجه وإن لم يستطع فليصل على حاله إلى أي جهة يستطيعها وإن كان عند المعاق من يعلمه بدخول الوقت وإلا اجتهد وصلى.
والخلاصة أن جميع شروط الصلاة من الطهارة، وستر العورة، ودخول الوقت، والقبلة يسقط عند عدم القدرة عليه.
وتبقى الصلاة واجبة وإن سقطت شروطها لا تسقط، وإن سقطت معظم أركانها من القيام، وقراءة الفاتحة، والركوع والسجود، والجلوس فإن الصلاة لا تسقط كذلك.
فعلى المصلي مهما كانت إعاقته أن يصلي حسب ما يستطيعه، ولا يجوز له أن يقول ما دام أني لا أستطيع الطهارة، أو ستر العورة فإن الصلاة تسقط عني… بل الصلاة لا تسقط بحال إلا بضياع العقل فقط…
وليس الواجب على المعاق أن يصلي الصلاة المفروضة فقط ما دام أنه فاقد لبعض الشروط أو الأركان والواجبات… بل له كذلك أن يصلي النوافل، ويستزيد من التطوع وإن كان فاقداً لبعض شروط الصلاة، أو أركانها.
5) الصوم:
المعاق أو المريض الذي لا يستطيع الصوم أبداً، ولا يرجى برؤه يفطر شهر رمضان ويطعم عن كل يوم مسكيناً أو أكثر وأما المعاق الذي يستطيع الصوم فإنه يجب عليه أن يصوم، ولا يسقط عنه الصوم إذا كانت إعاقته لا تمنعه من ذلك كالأعمى والأصم والمقعد.
6) الحج:
كل معاق يستطيع الركوب والوصول إلى الحج وأداء مناسكه، ولو بمساعدة آلة ككرسي مثلاً فإنه يجب عليه الحج..
وأما إذا لم يستطع ذلك، وتعذر عليه فإنه يسقط عنه فرض الحج، ويحج عنه وليه، كما جاء في الحديث عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: [كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: [نعم]، وذلك في حجة الوداع. (رواه البخاري)
وهذا الحديث دليل على أنه يسقط فرض الحج على من وصلته الفريضة، أو لم يبلغ الاستطاعة إلا بعد أن أصيب أو أعيق إعاقة تجعله لا يثبت على رحل..
والرحل: هو ما يوضع على ظهر البعير ليركب عليه..
ويقاس على ذلك من لا يستطيع السفر بأي وسيلة تمكنه من الذهاب للحج، أما إذا وجد كرسياً أو رافعة، ونحو ذلك فإن هذا يوجب عليه الحج.. وأما من لم يستطع فإن وليه يحج عنه من مال المعاق أو من ماله..
7) القتال في سبيل الله:
أسقط الله فرض القتال عن الأعمى والأعرج والمريض.. كما قال تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج، ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذاباً أليماً} (الفتح:17)
وهذه الآية من سورة الفتح جاءت في معرض إيجاب القتال والأمر به، ولكن لا يمنع الأعرج والأعمى من الخروج مع المقاتلين في الغزو إذا رغب في ذلك، وكان له بعض نفع للمقاتلين، كما خرج عمرو بن الجموح رضي الله عنه في غزوة أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لهم: [قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين].. قام عمر بن الجموح وهو أعرج فقال: "والله لأقحزن عليها في الجنة" (ذكره الذهبي في السير 1/253)
ومعنى (لأقحزن) لأثبن عليها، و(القحز) هو الوثب مع الاضطراب وهو فعل الأعرج إذا وثب.، ولما أراد أبناؤه منعه من الخروج قال للرسول صلى الله عليه وسلم: "والله يا رسول الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة!!"
عن أبي قتادة قال أتى عمرو بن الجموح النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه في الجنة؟ قال: [نعـم] وكانت رجله عرجاء حينئذ] (رواه أحمد ذكره ابن حجر في الإصابة 2/523)
وعن أبي قتادة أنه حضر ذلك قال أي عمرو بن الجموح لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلتُ حتى أقتل في سبيل الله تراني أمشي برجلي هذه في الجنة؟
قال: نعـم، وكانت عرجاء فقُتِل يوم أحد هو وابن أخيه فمر النبي صلى الله عليه وسلم به فقال: [فإني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة] وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما ومولاهما، فجعلوا في قبر واحد. انتهى (رواه ابن أبي شيبة في أخبار المدينة ذكره ابن حجر في الإصابة 2/523)
منقول……..
بارك الله فيكى