التوبةُ من الذنوب بين يدي الدعاء
فإنَّ تراكمَ الذنوب واجتماعها قد يكون سبباً من أسباب عدم إجابة الدعاء،
كما أنَّ التوبةَ والإقبالَ على الله والصدقَ معه سببٌ من أسباب القبول
والإجابة؛ ولهذا قال يحيى بنُ معاذ الرازيُّ رحمه الله: (( لا تستبطئ
الأجابةَ إذا دعوت وقد سَدَدتَ طرقَها بالذنوب )).
فالذنوب لها عواقب وخيمة ونتائجُ أليمة في الدنيا والآخرة، فهي تُزيل
النِّعم وتحلُّ النِّقم، فما زالت عن العبد نعمةٌ إلاَّ بذنب، ولا حلَّت به نقمة
إلاَّ بذنب، كما قال عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه: (( ما نزل بلاءٌ
إلاَّ بذنب، ولا رُفع إلاَّ بتوبة ))، وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِن مُصِيبَةٍ
فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ
مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، فأخبر سبحانه
أنَّه لا يُغيِّر نعمه التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يُغيِّر ما بنفسه،
فيُغيِّر طاعةَ الله بمعصيته، وشكرَه بكفره، وأسبابَ رضاه بأسباب سخطه،
فإذا غيَّرَ غُيِّر عليه جزاء وفاقاً.
ثمَّ إنَّ الذنوبَ سببٌ لهوانِ العبد على ربِّه، وإذا هان العبدُ على الله لَم يكرمه
أحد، كما قال تعالى: {وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكْرِمٍ}،
ثمَّ إنَّ الذنوبَ تستدعي نسيانَ الله لعبدِه وتركَه وتخليتَه بينه وبين نفسه وشيطانه،
وهناك الهلاكُ الذي لا يُرجى معه نجاة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلاَ تَكُونُوا
كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ}، فأمر سبحانه بتقواه
ونهى أن يتشبَّه عبادُه المؤمنون بِمَن
ولهذا فإنَّ الواجبَ على كلِّ مسلمٍ أن يحذرَ أشدَّ الحذَر من الذنوب والمعاصي،
وأن يتوبَ إلى الله عزَّ وجلَّ من كلِّ ذنبٍ وخطيئة، وأن ينيبَ إلى ربِّه ومولاه لينالَ
السعادةَ والطمأنينةَ وليتحقق له الفلاحُ في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا
إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فلا سبيل إلى الفلاح إلاَّ بالتوبة
وروى مسلم في صحيحه عن الأغر بن يَسَار المُزنيِّ رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أيُّها الناس توبوا إلى الله واستغفروه
فإنِّي أتوبفي اليوم مائة مرَّة )).
قال النووي رحمه الله في كتابه العظيم رياض الصالحين: (( قال العلماءُ:
التوبةُ واجبةٌ مِن كلِّ ذنبٍ، فإن كانت المعصيةُ بين العبد وبين الله تعالى
لا تتعلَّق بحقِّ آدميٍّ فلها ثلاثةُ شروط: أحدها: أن يُقلعَ عن المعصية،
والثاني: أن يندم على فعلِها، والثالث: أن يعزمَ أن لا يعودَ إليها أبداً، فإن
فُقدَ أحدُ الثلاثة لَم تصحَّ توبتُه.
وإن كانت المعصيةُ تتعلَّق بآدميٍّ فشروطُها أربعةٌ: هذه الثلاثة، وأن يبرأ
من حقِّ صاحبِها، فإن كانت مالاً أو نحوَه ردَّه إليه، وإن كان
حدّ قذف ونحوه مكّنَه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبةً استحلَّه منها، ويجب
أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضِها صحَّت توبتُه عند أهل
الحقِّ من ذلك الذنب، وبقيَ عليه الباقي، وقد تظاهرت دلائلُ الكتاب والسنة
وإجماع الأمة على وجوب التوبة ))، ثمَّ ساق رحمه الله جملةً من أدلَّةِ الكتاب
والسنة الدَّالَّةِ على ذلك.
فحريٌّ بالمسلم أن يكون تائباً إلى ربِّه، منيباً إليه؛ لترتفعَ درجاتُه، وتُقال
عثراتُه، وتُقبل دعواتُه، وتعلو منزلتُه عند ربِّه، وإنَّا لنرجو اللهَ أن يكتبَ
لنا توبةً نصوحاً، وأن يوفِّقنا لكلِّ خير يُحبُّه ويرضاه.
يسلموو
نورتيني حبيبتي
شكرااااااااا لك
يسلموو
ممتاااااااز