بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة والأخوات أعضاء وزوار مدونة نور الإسلام ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
موضوع الفروق بين كلمات القرآن الكريم من الأهمية بمكان ..
وخاصة الذين يطمعون العيش في جو القرآن الإيماني الغير تقليدي ..
هناك كلمات مترادفة وردت في القرءان العظيم ،يجب على القارئ أن يعلم الفروق بينها ،وهذه المعرفة هي السبيل لمعرفة كيفية التعامل مع القرآن الكريم ، وهي السبيل للعيش في أسرار وكنوز القرءان ، وبهذا تتحقق المتعة الحقيقية واللذة التي لا تعدلها لذة !!
نقرأ القرءان .. ولكن لا جديد في القلب والروح ..ولا جديد على دمع العين المتحجر !!
ولذا أهدي إليكم هذا البيان الثاني ، حيث الأول كان بعنوان " الفروق بين المترادفات في القرءان الكريم " ويليه بإذن الله بيانات أخرى متسلسلة .. وذلك مما جمّعته واختصرته وأعدت ترتيبه ليكون لائقاً بذوق حضرتكم ،، فاقبلوا مني هذا الجهد ، ولا تنسوني بدعوة طيبة ،،.
ومن هذا المنبر العظيم ، والصرح الشامخ في انبثاق النور للمسلمين من " نور الإسلام "
وأداءً لبعض الأمانة ، وعدم كتمان العلم خوفاً من اللجْم ومحبةً لمنزّل القرآن سبحانه..
أقدم لحضرتكم ما استطعتُ جمعه من أقوال العلماء في هذا المضمار من هنا وهناك ..
فما كان صواباً فهو بتوفيقٍ من الرحمن ..
وما كان غير ذلك فهو مني ومن الشيطان ..والله المستعان وعليه التكلان .
والآن .. مع بعض الفروق .. والسلسلة متتالية مع الأحباب بإذن الله ..
كل كلمة في هذه المجموعة تمثّل نوعاً من أنواع الرجوع عن نوع من أنواع الخطايا.
1- استغفر: الاستغفار هو بداية السالكين إلى الله تعالى لذا يأتي الاستغفار دائماً قبل التوبة. والاستغفار يعني طلب التوبة والمغفرة.والمستغفر يقدم العذر على ذنبه ويطلب مغفرته .
2- تاب : تأتي بعد الاستغفار ، فبعد أن نستغفر نعترف إلى الله تعالى بأنّا مذنبون ونادمون، فإذا غفر الله لنا لن نعود للمعصية مع الإقرار بالذنب.
ومراحل التوبة هي: أولاً يأتي الاعتراف بالذنب ثم الندم عليه ثم العزم على عدم العودة للذنب . ولذا جاء في قوله تعالى (غافر الذنب وقابل التوب) سورة غافر.
فالمغفرة تأتي قبل التوبة، والتوبة هي الأسباب الموجبة لطلب المغفرة.
والتوبة عكس الاعتذار ،، فالمعتذر يبرر خطأه ويقدم العذر ،، أما التائب يقول لا عذر لي ، يعترف بأنه مذنب ذنباً مطلقاً وفيه تسليم كامل لأن فيه ذلاً من العبد لله رب العالمين.
3- أناب: الإنابة هي السرعة في التوبة. وكل منيب تائب وليس كل تائب منيباً.
المنيب هو الذي يذنب الذنب فيسارع في التوبة ومنها جاءت كلمة النوبة القلبية لأنها تصيب الإنسان بسرعة. والمنيب سريع التذكّر {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء17 {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ }غافر13 . كلما أذنب أعقبها توبة سريعة.
4- آب: الأوبة والإياب: وأوّاب هو الرجوع في القضايا الفكرية. كان له فكر معيّن ثم أثّر عليه قوم آخرون بفكر جديد فيرجع إلى فكره الأول يقال له يؤوب {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }ص30.
الإياب هو الرجوع إلى نقطة الإنطلاق وإلى نفس المكان الذي كان فيه وهو عكس الذهاب.
5- أفاء: الفيء: هو خاص بالحركات التي تعتبر من الفتن ومن ضمنها البغي (فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ الحجرات9) وهو التمرن على الشرعية.
وفتنة أخذت قوماً من الفيء (أي الظلال).
والفيء هو كل ما جاء للبلاد من غنائم من غير قتال.
والفيء هو أن تعود لوضعك الصحيح الأصلي الذي كنت عليه.
6- انتهى: الإنتهاء هو استقامة العقل. العقل يقول أنه خطأ وكل عقل (النهى) هو الذي ينهى صاحبه عن الخطأ. ولهذا سُمي العقل نهى. ({قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ }الأنفال38) ( {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى }طه54) عقلهم ينهاهم عما هم فيه من خطأ.
7- أسِف: الأسف تقال للجماعة وهو تعني التوبة الجماعية ، بمعنى أن ترجع إلى الله عن فعل الآخرين. (رجع إلى قومه غضبان أسفا)
مستغفر – ثم تائب – ثم منيب – ثم أواب – ثم يفيء – ثم منتهي – ثم آسف.
التوبة: هي الطريق الذي يوصل إلى الله تعالى بعد الاستغفار بمعنى يذنب العبد فيستغفر فيتوب فيتوب الله تعالى عليه. وهي من أول العبادات ({فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة37) وما هلك عبد مع الاستغفار وكل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون لأن المخطئ لو أن الله تعالى لا يغفر له ولا يقبل توبته لاستمر في المعصية . ({وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران135 )
الذنوب نوعان:
1- ذنوب قلب :
وهي أشد أنواع الذنوب مثل الكِبر والحقد والإيثار والبغض والحسد والنفاق والغيبة والنميمة والكراهية .
2- وذنوب جوارح : وتركها سهل.
ومن حيث أصحاب الحق :
1- هناك ذنوب تتعلق بحق الله تعالى مثل التقصير في العبادات كالصلاة والصوم. وهي حقوق تُغفر بفضل الله ورحمته مع الاستغفار والتوبة النصوح .
وأما الشرك بالله وهو من حقوق الله سبحانه لا يُغفر إلا بتركه .
2- وذنوب تتعلق بحق العباد مثل أكل مال اليتيم والرشوة والقتل وهتك الأعراض وظلم القاضي والحكم الظالم الجائر والسرقة وغيرها. فهذه لا تُغفر حتى تُعاد إلى أصحابها .
ملاحظة : في قوله تعالى ({وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }الشورى25)
– تعني عندما يتوب العبد بذاته .
– وتعني عندما يدعو العبد بالمغفرةِ لأخيه بظهر الغيب ، وكان الرسولصلى الله عليه وسلم يستغفر للمؤمنين والمؤمنات في كل يوم.
أنواع التائبين:
السابقون : أصحاب النفوس المطمئنة وهؤلاء هم قلّة.
الصالحون : يتوبون عن الكبائر والفواحش ولكن قد يرتكب بعض الصغائر عرَضاً وليس مقصوداً ويندم إذا ارتكبها وهم أصحاب النفوس اللوامة.
تنبيه وملاحظات :
قد ينقل هذا المقال من هذا المدونة لآخر ، وقد يكون حوله تساؤلات واستفسارات ، وسوء فهم لبعض الوارد في المقال.
لذل أحببت أن أوضح ما استطعت لبعض منها :
أولا : وللأمانة العلمية فمصدر الموضوع اختصار من بعض المحاضرات للدكتور أحمد الكبيسي جزاه الله خيرا .
ثانيا : معنى الفكرية في بيان آب :
لا يُقصد بها الفكر المعاصر كما نسمع من التعريفات الدارجة على الألسن ،وإنما يقصد فيها الفكرة كمسمى واضح ، وهو جَعْلُ جُلّ فكر الإنسان لفكرة معينة !!
وفِكْرُ الأنبياء دوما خالقهم سبحانه ، وفكرهم دوما الدعوة إلى الله .
والله سبحانه عندما يقول في كتابه العزيز :
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران191
فهل كل من تفكر في المخلوقات يخرج بفكر جديد غير هذا الدين ؟؟ ويخرج بمنهج جديد !!
أم يخرج بنتيجة حتمية دالة على الخالق سبحانه ويزداد منسوب إيمانه ؟!!
فهذا هو المقصود من كلام الدكتور الكبيسي جزاه الله خيرا .
ثالثاً : أَسِفَاً :
أما إيراد كلمة الجماعية من الدكتور الكبيسي :
أوضحها بعد كلمات عندما قال [بمعنى أن ترجع إلى الله عن فعل الآخرين !!.
قال صاحب التنوير والتحرير :[غضبان أسِفاً حَالان من موسى ، فهما قيدان لرجع ، فعلم أن الغضب والأسف مقارنان للرجوع .
والأَسِف : الذي هو اسم فاعل للذي حل به الأسف وهو الحزن الشديد ، أي رجع غضْبان من عصْيان قومه ، حزيناً على فساد أحوالهم اهـ
ولو رجعنا لكتب التفسير لوجدنا أن الغضب والأسف كان لموسى عليه السلام عندما أخبره الله سبحانه بما فعل قومه في غيابه .
تُرى :هل موسى لم يعتذر ويتأسف لله سبحانه من فعله هو- لأنه ترك قومه لميقات الله بدون إذنٍ من الله ، ولذا كان السؤال :[ {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى }طه83] ،ومن فِعْلِ قومه قبل الرجوع والمغادرة بعبادة العجل ؟!!
رابعاً : أما تصنيف أنواع التائبين :
فلا مشكلة في ذلك ؟!!!
التقسيم يتبع أقسام النفوس :
قال الله تعالى :
1 – النفس المطمئنة :
(( يا أيّتها النّفس المطمئنة * ارجعي إلى ربّك راضية مرضية* فادخلي في عبادي* وادخلي جنّتي )) ( الفجر الآيات : 27-30 )
2 – النّفس اللوامة :
قال الله تعالى : (( ولا أقسم بالنّفس اللوامة )) ( القيامة الآية : 2 )
3 – النفس الأمارة بالسوء :
فال الله تعالى : {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }يوسف53
وفي كتاب "موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين " بيان للتائبين وأنهم السابقون بالخيرات للنفس المطمئنة ، ثم النفس اللوامة وتوبتها وغيرها .
هذا ما أردت بيانه ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
هذا .. والله أعلى وأعلم وأحكم ..
م/ن
وأثابكى ونفع بكى