إنّ مقدار الثقة يتأثر بأسلوب التربية في الصغر، فالشدة والقسوة الفعلية أو اللفظية لها أثر سلبي.
إنّ كل فرد يريد القيام بعمل ما، يحتاج لأمر يعتمدعليه بعد الله تعالى, وذلكم الأمر هو الثقة بأنه قادر على القيام بما يريده, وعلى هذا فيمكننا أن نسمي هذا الأمر بالعصا التي يتكئ عليها ليستجمع طاقته وجهده للنهوض بالعمل المطلوب, سواء كان ذلك العمل صغيراً أو كبيراً.
إنّ تلك العصا قد يكون لها جذوة تضيء له طريق العملالناجح الذي يختاره بنفسه، قال تعالى: ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَهِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَامَآرِبُ أُخْرَى ) سورة طه:17- 18إنّ عصا الثقة وسيلة قوية للنجاح في أي سلوك أدائي. فهل يحمل ابنك تلك العصا؟ أم أنّها قد كُسِرَتْ، أو فُقِدَتْ ؟
ماذا نعني بالثقة بالنفس؟
إنّ الثقة بالنفس معناها: أن يكون لدى الفرد شعوركافٍ بأنه قادر على النجاح في هذا الأمر الذي يرغب القيامبه
إنّ الحاجة للثقة بالنفس تتبين عند التفكير في القيام بسلوك ما, و عند البدء في تنفيذه, حيث أن هناك لحظة حاسمة في الإقدام على السلوك أو الإحجام عنه, وهي عندما يقترب وقت البدءلتنفيذ السلوك المعين، فعندها يظهر أثر ومقدار الثقة الذي يتمتع به الفرد, فإن كانت الثقة كافية فإنّ الفرد سيقدم على تنفيذ السلوك المراد، وإن كانت ناقصة ارتبك وتردد، وأحجم عن التنفيذ, فهو بهذا كأنه يحول الثقة الذاتية إلى عكاز يعتمد عليه في القيام بالسلوك.
قد يكونالذي مع ابنك هو ثقة العصا وليس عصا الثقة، أي قد تتحول عصاه التي يحملها إلى عصا وقتية توجد مع الإكراه على الفعل، مما قد يفقده ميزة اعتماده الاختياري على عصا الثقة التي هي من أسباب النجاح في الحياة.
إنّ الفرق بين الأولى و الثانية، أنّ الحالة الأولى مع الإكراه والقسر والشدة التي قد تمارس مع الصغير – حال توجيهه للفعل المطلوب منه – قد تُفقده عصا الثقة وتوجد لديه ثقة مهزوزة غير حقيقية، يمكننا أن نسميها ثقة العصا, أمّا فيالحالة الثانية، فهي الوضع الطبيعي للفرد الذي يتمتع بثقة عالية.
كيف تُوجد عصا الثقة لدى ابنك ؟
يتم إيجاد عصا الثقة من خلال:
1-تعامل الفرد مع نفسه.
2-تعامله مع الآخرين.
3-تعامل الآخرين معه.
إنّ الفرد يميل إلى تصنيف الآخرين إلى عدة أصناف هي:
1-المهم جداً: الوالدين المحبوبين، غير العدوانيين بدرجة كبيرة, والمعلمين المحبوبين، بعض الأقارب المحبوبين بعض الأخوة المحبوبين وغير المنافسين له.
2-المهم: الأقران غير المنافسين له بدرجة كبيرة, والمعارف الذين يتكرر تعامله معهم, بعض الغرباء.
3-غير المهم: الأخوة المنافسون, و الأقران غيرالمحبوبين والمنافسين له, والغرباء.
أولاً: أفعال يمارسها الفرد ذاته مع نفسه:
إنّ الفرد يولد ومعه النظرة الإيجابية العالية للذات. وتمثل السنتان الأوليان من عمر الفرد المرحلةالأولى في إدراك الفرد لقوة الشخصية, لذا يبذل جهوداً للتعرف على معاني مفردات ( أنا ) و ( لـي ) لأنهما تضيفان له شعوراً بالهوية الذاتية كفرد متميز مستقل عنالآخرين.
إنّ الفرد ينتبه ويعي بنفسه وبالعالم من حوله، ويكون أول ما يعيه أهميةنفسه وذاته الإيجابية.
إنّ لدى الفرد قدرة فائقة على الاحتفاظ بنظرة إيجابية عن نفسه – لكن كثرة المواقف التي يتم فيها النفخ على جذوة الثقة تؤدي إلى خفوتها في نفس الفرد, لذا فكثر التوبيخ و التقريع تكسر عصا الثقة في يده وهو ينظر – لذا فعليك أن تعلمه،لا أن تعنفه، فالتعليم و التوجيه للصواب يقوي عصا الثقة، وأمّا التعنيف والتخويف فإنّه يكسرها, فإن كان لابد من التقريع و الضرب فلابد من محاورته وإقناعه بأنه مُخطئ يستحق العقاب أو اللوم.
إنّ الأفراد الذين يمتلكون مشاعر إيجابية عن أنفسهم هم أكثر قدرةعلى تحديد اتجاهاتهم وأهدافهم، وتوضيح نقاط قوتهم والتكيف مع النكسات والعقبات التي تواجههم، كما أنهم يتقبلون عواقب أفعالهم بسهولة, وهم أقوى شخصية من سواهم, لذا فالتوجيه في حقهم خير من التوبيخ.
يميل الفرد إلى النظر للذات على أنها قادرة على القيام بأي فعل مهماصعب التغلب على تحديات الحياة و أنها تستحق النجاح والسعادة – يظهر ذلك جليا لدىالأطفال – لذلك نجد الفرد يميل دائماً إلى ما يشعره بالقوة والقدرة و ينفر ممايخالف ذلك, وهو تصوّر ينمو لدى الشاب ويتطور من خلال عملية عقلية تتمثل في تقييم الفرد لنفسه، ومن خلال عملية وجدانية تتمثل في إحساسه بأهميته وجدارته.
ويتم ذلك في نواح ستهي:-
المواهب الموروثة مثلالذكاء، والمظهر والقدرات.
الفضائل الأخلاقية و الاستقامة.
الإنجازات أوالنجاحات في الحياة مثل المهارات, والممتلكات.
الشعور بالأهلية، والاستحقاق لأنيكون محبوباً.
الشعور بالخصوصية والأهمية والجدارة بالاحترام .
الشعوربالسيطرة على حياته .
تعاملاته مع جسمه و نفسه:
السعي لإفادة الجسم بالغذاء…
و صيانته بالنظافة…
و تزيينهبالملبس…
و تقويته بالنوم…
و إبراز نفسه بالفعل الباهر والفائقوالممدوح…
و تطهير جسده من الدنس و نفسه من القبائح…
و تعطير جسدهبالطيبِ…
وتزكية جسده بالتخلص من الفضلات…
و إبعاد نفسه عن الخطروالألم…
و مكافأة نفسه بإيجادها في مواطن السرور والأنس…
– فرحه بالتكليف بالأعمال المختلفة.
– سعادته بالمدح و الثناء لما يتصف به من صفات, أوما يقوم به عمل ناجح.
– اغتباطه بمشاركته الكبار في الأعمال المهمة.
– زهوه بمحبة الآخرين له – المهمين له وغير المهمين –
– افتخاره بقدراته و مواهبه وإمكانياته و إنجازاته.
– حرصه على ممتلكاته و ميله لتمنيتها.
كل ذلك لبناتٌ تبني و تُنشئ ذاتاً موثوقاً بها، مُعتزاً بها – وغير ذلك الكثير من الأفعال التييقوم بها الفرد من أعمال أو مهام – شريطة القدر المناسب و السلامة من التأثيرالسلبي للكبار عليها، وهي في نفس الوقت أفعال يومية للفرد تؤدي أدواراً طبيعيةً يوميةً مطلوبةً للفرد.
ثانياً: أفعال يمارسها الآخرون معه:
الأطفال يربطون شعورهم بالأهمية بمقدار الانتباه الذي يحصلون عليه من الآخرين و ذلك بشكل منتظم.
لقد اتفق الباحثون والمختصون في تقدير الذات على أنه تعزيز جميع أوجه الحياة وذلك من خلال تمكين الفرد من زيادة إنتاجيته الشخصية والوفاء بمتطلبات علاقاته البين شخصية.
من خلال دراسة لـ (1730) أسرة ثبت أن هناك ثلاثة طرق منزلية تسهم في تكوين تقدير الذات هي:-
– الحب والعاطفة غيرالمشروطين.
– وجود قوانين محددة بشكل جيد يتم تطبيقها باتساق.
– إظهار قدرواضح من الاحترام للطفل.
لقد وُجِدَ أنّ استقبال أفعال الأطفال من قبل المحيطين بهم – في وقت مبكر – من التعامل معهم مثل ( بداية الكلام, بداية المشي، استخدام الحمام ) بردود فعل إيجابية وبتشجيع، يجعلهم يكوِّنونَ ثقةجيدة بأنفسهم.
إنّ الخوف على الطفل أو حمايته الزائدة من الخطر عند بداية تعلم الكلام أو المشي يعطيه مزيداً من الشعور بفقد الثقة بنفسه، كما أن جعل الطفليمارس سلوكه المُشَاهَد والظاهري في مكان بعيد عن أعين الكبار ( الذين يقّيِمون ويشجعّون سلوكه ) يجعله يكتسب شعوراً بأنه غير مرغوب فيه أو أنه أقل أهمية من غيره, ومن هنا فلا ينبغي أن نطالبه بأن يذهب ليلعب بعيداً عنا لأننا نريد أن نرتاح من إزعاجه أو بحجة أننا نريد مزيداً من الهدوء.
إنّ الطفل الذي يغيب عنه أحد أبوية أو كلاهما بسبب العمل أو الانشغال بأمور الدنيا مع عدم محاولة تعويضه بأوقات أخرى للجلوس معه، قد يؤدي ذلك إلى تكوُّنِ شعورٍ ناقصٍ بالهوية الذاتية، و قد يجد الطفل صعوبات في المعرفة الدقيقة بجوانب قوته أو قصوره، وقد يصعب عليه أن يشعر أنه فرد مهمٌ أو جديرٌ بالاحترام والسعادة.
تشير الدراسات إلى أنّ الأطفال الذين يفتقرون للانتباه والتغذية الراجعة من الوالدين لديهم مفهوم للذات أكثرُ تدنياً من غيرهم من الذين يتلقون استجابات كتغذية راجعة سواء كانت إيجابية أوسلبية.
أهم جوانب التعامل المطلوبة لتنمية الثقة بالذات:
1- فتح الطريق المُيسر للأفعال الذاتية السابقة الذكر في ( أولاً)
2-أن يكون أول رد فعل لك عندما تلقاه الابتسامة مهما كان حاله و سلوكه, وأن تحرص على أن يبتسم هو لك عندما تلتقيان دائماً.
3-بذل العطايا في الحاجيات غير الأساسية ( هدايا – أجهزة – أدوات مدرسية – ألعاب)
4-حسن التعامل مع طلباتالفرد التي لا تلبي له، وذلك بأن يبين له العذر في عدم إمكانيةالتلبية.
5-السكوت عن أخطائه والتغاضي عن هفواته، مع تحيُن الفرص المناسبة لتوجيهه وإعلامه بما يعينه علىعدم تكرار تلك الأخطاء.
6-حمايته من تعديات الآخرين، والوقوف بجانبه إذا تعرض لشي من ذلك, ومن المهم أن يطلبمنه التسامح في مقابلة أخطاء الآخرين، مع تذكيره بفضل العفو عن الناس، والصبر علىما يكره، وتعليمه أن لكل فرد نصيب من الأمور التي يكرهها، ولابد له أن يصبرعليها.
7-منحه الحب قولاً: بأن يسمع كلمات الحب منك، وفعلاً: بأن يُمازح ويُضم ويُقبل ليشعر بأنه محبوبومقبول ومُقدر بقيمة عالية لديك، ولدى الكبار غيرك.
8-أن يُمْدَحَ حال فعلة لما يحسن، أو عند تجنبه مالايحسن، فإن إمساكه عن الشر منقبة له، يجب أن يمدح عليها، و يُمْدَحَ كذلك عندما تسيرأمور حياته الدراسية، أو علاقاته المنزلية، أو الاجتماعية في الحي بصورة طبيعية، أوجيده، فإن هذا يُعَدُّ إنجازاً يجب أن يُمْدَحَ عليه.
9-أن تبحث عن الأمور التي تتوقع أنه يستطيع إنجازهابنجاح، فتعمل على تكليفة بها، ثم تمدحه عليها.
10-أن تُسمع الزوار والأقرباء الثناء عليه بحضوره، معالحذر من توبيخه أو لومه أمامهم.
أن تتعامل معه بصورة فردية ولا تربطه بأخواته ، أي أجعل لكل أبن تعامل مستقل عن أخوته وذلك في جميع تعاملك معه فيما سبق، ولا تربط تعاملك مع أبناءك بإجراء موحد إلا عندما يتطلب الموقف ذلك، وليكن غالب التعامل معهم هو التعامل الفردي لأهمية ذلك في بناء الثقة الذاتية لكل منهم.
11- تعويده على الفأل الحسن والتفاؤل في جميع أمورهيفيد في المحافظة على ذاته قوية وإيجابية .
الحياء له مساس بالتقدير للذات فصاحب التقييم العالي لذاته أميل للحياء من غيره فشجعه عليه .
الصدق له أثر على تقويةالثقة بالذات فهو يزيد فرص الفرد في إثبات ذاته و قوتها واستقامتها, و الكذب عكسذلك.
12- تعويده الإحسان للناس، لأن ذلك يترك في نفسه أثراً طيباً عن ذاته.
13- تجنب الإيذاء البدني والنفسي أو النيل منه بمايسؤه إما بسبب غير مقنع, أو بدون سبب ( وهو الأسوأ).
إنّ بناء النفس البشرية أمر في غاية التعقيد، فهويحتاج إلي علم، وإلى صبر ومثابرة.