السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإيمان بالقضاء والقدر
الحمد لله قدَّر الأمور وأمضَاها، وعلِمَ أحوالَ الخلائِق قبل خلقهم وقضاها،
أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، خلَق كلُّ شيءٍ بقَدْرٍ وقدَر،
ولا يقع شيءٌ في كونه إلا بعِلمٍ منه ونظَر، علِمَ الأجلَ وقدَّر العمَل،
وجعَل الأمور دُوَل، سبحانه كم أحاط علمُه، وكم وسِعَ حلمُه، وكم مضى حكمُه.
وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريكَ له، له لطائفُ الحكمة وخفِيَّات القَدَر،
وأشهَد أنّ سيدنا ونبينا محمّدًا عبدُ الله ورسولُه وخِيرتُه من كلِّ البشر،
صلّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلَى آل بيتِه الطيِّبين الطاهرين، وصحابته الميامين الغُرَر،
والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين.
أمّــا بــعــد :
فاتقوا الله تعالى أيُّها المسلمون، واعلموا أنَّكم إليه راجعون، وعلى أعمالكم مجزيُّون،
مَن عمِلَ عملاً كساهُ الله رداءَه، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر،
{ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ }
[البقرة: 223].
أخواتى الحبيبات
عَقيدةٌ تملأُ قلبَ المسلِم مَضاءً ورِضاء، وعِلمٌ يُورِثُ المؤمنَ إرادةً وعزمًا وارتِقاء،
وإيمانٌ يدفَعهُ للعَمَل ويحثُّه على طلَب معالي الأمور، وتصوُّرٌ يسُلُّ من نفسِه الخوفَ
من عوائق الطريق وبُنيَّاته، مسائلُ مَن عَرَفَها وأدرك حُكمَها وحِكَمها سهُلَت أمامَه مصاعِب الحياة،
وتخفَّفت نفسُه من أثقالِ المعاناة، فاستلذَّ الصبرَ، واستحلَى المرَّ، وانتظَر من الله الأمَل والفرَج،
وعمِل لتحقيق ذلك ولم يتواكل. إنها ـ أخواتى
ـ عقيدة الإيمان بالقضاء والقدَر.
عبادَ الله، الإيمانُ بالله العظيم قَضيّةٌ كبرى ومَسألةٌ عظمى، إنه ركنٌ من أركانِ الإيمان،
وقاعدةُ أساسِ الإحسان، كما ورد في أعظم حديثٍ في الإسلام.
حين سأل جبريل عليه السلام النبيَّ صلى الله عليه و سلم عن الإيمان،
فقال النبيُّ صلى الله عليه و سلم :
( أن تُؤمِنَ بالله وملائكته و كتبه و رسله و اليوم والآخر ، و تؤمِنَ بالقدر خيره و شرِّه ) ،
قال : صدقتَ.
القدرُ هو تقدير الله للكائناتِ حسَب ما سبَق به علمُ الله واقتضَته حكمتُه،
وهو ما سبَق به العلم وجرى به القلَم مما هو كائنٌ إلى الأبَد.
والإيمان به هو أن تؤمِن أن الله جلّ جلاله قدَّر مقادير الخلائق وما يكون من الأشياءِ
والحوادِث قبل أن تكونَ، وعلِمَ سبحانَه أنها ستَقع في أوقاتٍ معلومة على صفات مخصوصة،
فعلِمها سبحانه، وكتبها بكل تفَاصيلها ودقائِقها، وشاءَها وخلَقَها، فهي كائنةٌ لا محالةَ
على التَّفصيل والدّقَّة كما شاء سبحانه، وما لم يشَأه فإنّه لا يكون، وهو قادرٌ على كلِّ شيء،
فإن شاءَه وقَع، وإن لم يشَأه لم يقع، مع قدرته على إيقاعِه.
أخواتى فى الله
القدَرُ غَيبٌ مبناه على التَّسليم،
قال الله عزّ وجلّ:
{ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا }
[الأحزاب: 38]،
وقالَ سبحَانَه:
{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر * وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَر }
[القمر: 49، 50]،
وقال جلَّ في عُلاه:
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُوم }
[الحجر: 21]،
وفي صحيحِ مسلمٍ
أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلم قال:
( و إن أصابَك شيءٌ فلا تقُل : لو أني فعلتُ كان كذا و كذا ،
و لكن قل : قدَرُ الله و ما شاء فعل ) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
( كلُّ شيء بقدَر حتى وضعُك يدَك على خدِّك ) .
أخواتى الحبيبات
مذهبُ أهل السنّة والجماعة هو ما دلَّ عليه الكتاب والسنة،
وكان عليه السابقون الأوَّلون من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسانٍ،
وهو أنّ الله تعالى خالقُ كل شيءٍ وربُّه ومليكُه، وأنّه سبحانه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن،
ولا يكون في الوجودِ شيءٌ إلا بعِلمِه ومشيئته وقُدرته، لا يمتنِع عليه شيء،
بل هو قادرٌ على كل شيء، ويعلَم سبحانه ما كان وما يكون، وقد قدَّر مقاديرَ الخلائق قبلَ أن يخلقهم،
قدَّر آجالَهم وأرزاقهم وأعمالهم، وكتب ذلك، وكتَب ما يصيرون إليه من سعادةٍ وشَقاوة،
والعِبادُ مأمورون بما أمرَهم الله به، منهيُّون عما نهاهم عنه. ونؤمن بوعدِ الله ووعيده،
ولا حجّةَ لأحد على الله في واجبٍ تركَه أو محرم فعله، بل لله الحجة البالغة،
{ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا }
[الفرقان: 2]،
{ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُوم * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُون }
[المرسلات: 22، 23].
أخواتى فى الله،
الإيمان بالقضاءِ والقدَر يقومُ على أربعةِ أركان مرتبطة ببعضِها،
لا يتمّ الإيمان إلا بتحقيقها، وهي:
العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق.
فالعلم هو الإيمان بأن الله تعالى عالمٌ بكلِّ شيءٍ جملةً وتفصيلاً، أزلاً وأبدًا،
فيعلَم الموجودَ والمعدوم، والممكنَ والمستحيل،
لا يَعزُبُ عن عِلمه مثقالُ ذرّة في السماوات ولا في الأرض،
{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ
إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين }
[الأنعام: 59].
الثاني مما يشتَمِل عليه الإيمانُ بالقدر: الكتابة، وهي الإيمان بأنَّ الله كتب ما سبق به عِلمُه
من مقادير الخلائقِ إلى يوم القيامة، فكلّ ما كان وما هو كائِن مكتوبٌ
في اللَّوح المحفوظ في أمِّ الكتاب،
قال سبحانه:
{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير }
[الحج: 70]،
وقال عزَّ وجلَّ:
{ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين }
[يس: 12].
عن عبد الله بن عمرو بن العَاص رضيَ الله عنهما قال:
سمعت رسولَ الله صلى الله عليه و سلم يقول:
( كتَب الله مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أن يخلقَ السماواتِ والأرضَ بخمسين ألفَ سنة )
رواه مسلم.
الأمر الثالث ـ أخواتى
ـ مما يشتمل عليه الإيمان بالقدر: المشيئة،
وهي الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكُن،
{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ }
[القصص: 68]،
{ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين }
[التكوير: 29].
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( إنَّ قلوبَ بني آدَم كلّها بين إِصبعين مِن أصابعِ الرحمنِ كقَلبٍ واحدٍ يُصرِّفُه حيث يشاء )
رواه مسلم.
أما الركن الرابع أيها المسلمون:
فهو الخلق، وذلك يقتضي الإيمان بأنَّ جميع الكائناتِ
مخلوقةٌ لله بذواتها وصفاتها وحركَاتها، وبأنَّ كلَّ من سوى الله فهو مخلوق،
مُوجَدٌ من العَدَم،
قال الله عزَّ وجلَّ:
{ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ }
[الرعد: 16]،
وعن حذيفة رضي الله عنه قال:
قال رسولُ الله صلى الله عليه و سلم :
( إنَّ الله يصنَع كلَّ صانعٍ وصنعَتَه )
أخرجه البخاريّ في "خلق أفعال العباد".
أخواتى الحبيبات
للإيمان بالقضاءِ والقدَر ثمراتٌ تعودُ على المؤمنِ بالنَّفع العاجل والآجِل،
والعبودِيّاتِ والنفحاتِ والمنازل التي تُبلِّغُه رضا الله وجنته. فأوّل ذلك أنّ المؤمنَ
يُؤدِّي عِبادةً لله تعالى بِإيمانه بالقضاءِ والقدَر، وبالإذعانِ لله والتَّسليم له، كما أنه باعثٌ على الإخلاص؛
فإذا علِم العبدُ أنَّ كلَّ شيء بقدَر الله وأنَّ الملك ملكُه والخلقَ خلقُه وكلّ شيءٍ مقاليدُه بيده
وأن الأمور لا تُنال إلا بتقديرِ الله وأنَّ الناس لا يملكون شيئًا لم يعُد يُبالِ بذمِّ الناس ومدحِهم في الحقّ،
ولم يُسخِط الله برضا الناس، ولم يتزيَّن لهم؛ بل يزدادُ إخلاصًا وقَصدًا لله، لا تأخذه في الله لومةُ لائم،
ويعلَم أنَّ كلَّ شيء واقعٌ تحتَ قهرِ الله وسلطانه محكومٌ بقدره،
وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم قال :
( إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعَنت فاستعِن بالله،
واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعَت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفَعوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبَه الله لك،
وإن اجتَمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك،
رُفِعت الأقلام، وجفَّت الصحف )
رواه الترمذي بإسنادٍ صحيح.
وهذا يزيد إيمانَ المؤمن، قال الله عزّ وجلّ:
{ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }
[التغابن: 11]،
وفي قراءةٍ :
{ يَهْدَأْ قَلْبُهُ }،
إن الإيمان بالقدر يُفلِح في تهدِئةِ الأعصابِ أكثرَ مما تُفلِح كلُّ المُسكِّنات والعقاقير الطبية،
والسكينةُ من مواهب الرحمن لا من كَسب الإنسان،
وهي الطمأنينة والوقار والسكون
والأمن الذي يُنزِله الله في قلبِ المؤمن خاصّة في مواقفِ القلقِ والاضطراب.
أمّا الطمأنينة فهي سكينةٌ معَها أُنس.
فيا لله! كم للإيمان بالقضاء والقدر
من رَوحٍ وسكينة وراحةٍ وطمأنينة.
أخوات
، ومِن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر أن يمتلئَ القلبُ شَجاعةً وإقدامًا،
فلن تموتَ نَفسٌ حتى تستكمِلَ رزقها وأجلَها، ولن يُصيبَ الإنسانَ إلاَّ ما كُتِب له،
فعلام الخوف والقلق؟!
( و أعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليُخطِئك،
وأنّ ما أخطأك لم يكن ليُصيبك ).
وكذلك القناعة وعزّة النفس؛ فالرّزق لا يجلبه حرصُ حريص، ولا يمنعه حسَد حاسد،
وهذا يؤدّي إلى القناعةِ والإجمالِ في الطّلَب، وإلى التحرّر من رقِّ الخَلق ومنَّتهم والحاجةِ إليهم،
والاكتفاء من الدّنيا بالبلاغ، فتعلُو همَّةُ المؤمن، وتزكو نفسُه،
ولا يحسُد أحدًا على عطاءٍ أعطاه الله إياه؛ لعلمه أن الله يُعطي ويمنع، ويخفِضُ ويرفع،
ومن حسَد غيرَه فإنه مُعترِض على قضاءِ الله وقسْمه،
{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ }
[النساء: 54].
الإيمانُ بالقضاء والقدَر يدعو للتفاؤل والإيمانِ بالنصر القادم والفرج العاجل،
( و اعلم أنَّ النصر مع الصبر ، و أن مع العُسر يُسرًا ) ،
فلا يأس ولا قنوط ،
{ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون }
[يوسف: 87].
الإيمانُ بالقدَر يجعَل المؤمنَ صابرًا قويَّ الاحتمال، وكلّ أحدٍ لا بدَّ له من الصّبر،
فهو من جميل الخِلال ومحمود الخِصال، ومن سمات الرجال،
ومن لم يصبر صبرَ الكرام سلا سُلُوَّ البهائم.
قال عمر رضي الله تعالى عنه :
( وجَدنا خير عيشنا بالصبر )؛
لذا تجِد المؤمنَ بالقدرِ صبورًا مُتجلِّدًا، يتحمَّل المشاقّ، ويتجاوَز المصاعِب والآلام،
بخلافِ ضعيفِ الإيمان الذي لا يقوَى على الاحتمالِ، ولا يقدِر على ما يعترِضه،
فيجزَع لأتفه الأسباب؛ بل ربما أدَّى به الجَزَع إلى الوساوِس والأمراضِ النفسيّة،
والهرب إلى المُخدّرات، والانتحار، ولو آمَن بالقضاء والقدر لرأيتَ قوّة الرجاء وإحسانَ الظن بالله،
فإنَّ الله تعالى لا يقضِي قضاءً إلاَّ وفيه تمامُ العدل وكمال الرحمة والحكمة،
فلا يتَّهمُ ربَّه فيما يُجرِي عليه مِن أقضيَته وأقداره، وذلك يُوجِبُ له استواءَ الحالات عنده،
ورضاه بما يختاره له سيّده، وينتظر الفرجَ ويترقَّبه، بل يُخفِّف ذلك من حمل المشقّة،
لا سيّما مع قوة الرّجاء، فإن في حشو البلاء من رَوح الفرج ونسيمه وراحته
ما هو خفيُّ الألطاف، بل هو فرجٌ مُعجَّل.
إن التأمُّل في قدَر الله يكشِف للإنسانِ حكمةَ الله فيما يُقدِّرُه من خيرٍ أو شر،
{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون }
[البقرة: 216]،
حبيباتى
الإيمانُ بالقدَر لا يُنافي أن يكونَ للإنسان مَشيئةٌ يُحاسَبُ عليها في أفعالِه الاختياريّة،
فكلّ إنسان له قدرةٌ وإرادةٌ ومشيئةٌ واختيار، لا يُجبِرُه أحدٌ على فعل خيرٍ أو فِعل شر،
قال تعالى:
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }
[الشمس: 7، 8]،
وقال سبحانه:
{ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيم * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين }
[التكوير: 28، 29].
وأفعال العبادِ هي مِن الله خَلقًا وإيجادًا وتَقديرًا، وهي مِنَ العباد فعلاً وكسبًا واختيارًا،
فالله هو الخالق لأفعالهم، وهم الفاعِلون لها،
قال سبحانه:
{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون }
[الصافات: 96].
قال ابن القيم رحمه الله:
"ها هنا أمران: قضاءٌ ومقضِيّ، فالقضاء هو فِعل الربّ سبحانه،
والمقضيُّ هو المفعولُ المنفصل عنه، فالقضاء كلُّه خيرٌ وعَدلٌ وحكمة،
والمقضيُّ منه ما هو مَرضي، ومنه ما هو غيرُ مرضي. مثال ذلك ياعباد الله: قتلُ النفس،
فله اعتباران: فمِن حيث إنّه قدَّره الله وعلمه وقضاه وكتبه وشاءه وجعله أجلا للمقتول
ونهايةً لعُمره فهو كذلك، ومن حيثُ إنه صدَر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره
وعصى الله بفعله فهو مسخوطٌ غيرُ مرضيّ، ولم يُجبِره أحدٌ على هذه المعصية،
ولا وجه للاحتجاج بالقدر هنا؛ فإنه لا يدرِي أصلاً ما الّذي كتبه الله وقدَّره،
فهو مُحاسَبٌ على فِعلِه، لا عَلى ما قدَّره الله ممّا لا يعلَم العبدُ عنه".
وعن جابر رضي الله عنه قال:
جاءَ سُراقةُ بن مالك إلى النبيِّ صلى الله عليه و سلم فقال:
يا رسول الله ، بيِّن لنا دينَنا كأنّا خُلِقنا الآن ، فيمَ العمل اليوم ؟
أفيما جفَّت به الأقلام و جرت المقادير ، أم فيما نستقبل ؟ قال :
( لا، بل فيما جفَّت به الأقلام و جرت به المقادير ) ،
قال : ففيمَ العمل ؟ ! فقال :
( اعملوا فكلٌّ مُيسَّر )،
وفي روايةٍ :
( كلُّ عاملٍ مُيسَّرٌ لعمله )
رواه مسلم.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وتزودوا بالصالحات ، وتوكلوا على عالم الخفيات،
ارضوا بالقضاء، واصبروا على البلاء، واشكروه سبحانه عند النعماء.
أسأل الله تعالى لي و لكم الهدى و التّقَى و العفافَ و الغنى .
………
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة أمورنا ،
و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو فى أى من بلاد المسلمين
اللهم أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
اللهم آميــــن
جعله فى ميزان اعمالك يا رب و لكى جزيل الشكر
التقييم ممتاززززززز
|
دمت بخير ونعمة
ورضوان من الرحمن..
خالص محبتي لك..
|
أسعدني مرورك الطيب ..
أكرمك الله ورفع مقامك
في الدنيا والآخرة