من باب التكريم ، إلا لعذر
السؤال:
أثبت الطب أن استخدام الانسان لليد
اليمنى او اليسرى هو متعلق بجينات
هذا الشخص ، فالشخص الذي يكتب باليد
اليسرى قد يصعب عليه صعب جدا ان
يغير لاستخدام اليد اليمنى فسؤالي:
كيف جاء الحث على استخدام اليد
اليمنى مع اثبات الطب ان ليس للانسان
علاقة بهذا ، و أن امر استخدام اليد
اليمنى او اليسرى متعلق بالوراثة ؟
أم أن هذا يسقط في ظل ما حث
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . أرجو
الإجابة لأن هذه شبهة تراودني و جزاكم
الله خيراً .
الجواب :
الحمد لله
قاعدة الشريعة : تقديم اليمين في كل
ما كان من باب الكرامة ، وتقديم
الشمال في كل ما كان من باب المهانة
، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ،
وتنبيها على تعظيم اليمين ، وتميزها
، وزيادة لشرفها ، وتفاؤلا أن يجعلنا
الله من أهل اليمين .
فروى البخاري (168) ومسلم (268) عَنْ
عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : " كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ
فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ
قال النووي رحمه الله :
" هَذِهِ قَاعِدَة مُسْتَمِرَّة فِي الشَّرْع , وَهِيَ
أنَّ مَا كَانَ مِنْ بَاب التَّكْرِيم وَالتَّشْرِيف
كَلُبْسِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَدُخُول
الْمَسْجِد وَالسِّوَاك وَالِاكْتِحَال , وَالْأَكْل
وَالشُّرْب , وَالْمُصَافَحَة , وَاسْتِلَام الْحَجَر
الْأَسْوَد , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ
يُسْتَحَبّ التَّيَامُن فِيهِ .
وَأَمَّا مَا كَانَ بِضِدِّهِ كَدُخُولِ الْخَلَاء
وَالْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد وَالِامْتِخَاط
وَالِاسْتِنْجَاء وَخَلْعِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل
وَالْخُفّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَيُسْتَحَبّ التَّيَاسُر
فِيهِ , وَذَلِكَ كُلّه لكَرَامَةِ الْيَمِين
وَشَرَفهَا "
وجاء في بعض الأحاديث بيان الحكمة من
ضرورة استعمال اليمين ، كما في الأكل
والشرب ؛ فروى مسلم (2020) عَنْ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا
شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ
يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ )
وروى مسلم أيضا (2019) عَنْ جَابِرٍ رضي الله
عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ
يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ )
وغالب أحوال الناس استعمال اليمين في
الأكل والشرب والكتابة وغير ذلك ، ومن
كان منهم قد اعتاد الأكل بالشمال أو
الكتابة بالشمال ، أو كانت تلك
طبيعته الوراثية – كما يقول السائل –
فإنه يروّض على استعمال اليمين بدل
الشمال ؛ طواعية لله ورسوله ، ومحبة
لمحبوب الشرع ومرغوبة ومطلوبة وإن
كان فيه بعض المشقة ؛ فإن لم يمكنه
أن يستعمل اليمين في كل ما كان من
باب التكريم ، كما سبق في القاعدة
الشرعية ، فإنه يكتفي بالتيامن فيما
ورد في الشرع الأمر فيه باليمين ،
كالأكل ، والشرب ، والطهور ، وهي
أمور يمكن التغلب فيها على الطبع
والعادة ، لا سيما مع تكرر المحاولات ،
وترويض النفس ، إلى أن يسهل عليها
ذلك ، وما عدا ذلك ، فالأمر فيه واسع
إن شاء الله ، فمن عجز عن التيامن فيه
، لعذر أو مرض ، أو نحوه ، لا حرج
عليه إن شاء الله .
قال الموّاق في "التاج والإكليل" (1/
403) :
" وَالضَّابِطُ أَنَّ الْفِعْلَ إنْ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ
الْجَارِحَتَانِ قُدِّمَتْ الْيُمْنَى فِي فِعْلِ
الرَّاجِحِ , وَالشِّمَالُ فِي فِعْلِ الْمَرْجُوحِ ,
وَهَذَا إنْ تَيَسَّرَ , فَإِنْ شِقَّ تُرِكَ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الأكل باليد اليسرى بعذر لا بأس به ،
أما لغير عذر فهو حرام ؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال : ( إن
الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله )
، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ
يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ
بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) النور/21 انتهى
من"لقاء الباب المفتوح" (4 /59)
والله أعلم .