تخطى إلى المحتوى

المال الحرام: تملكه، وإنفاقه، والتحلل منه 2024

المال الحرام: تملكه، وإنفاقه، والتحلل منه

أكد الدكتور عبد العزيز بن عمر الخطيب ـ أستاذ مشارك بقسم الفقه بكلية الشريعة وأصول الدين، جامعة الملك خالد بالسعودية ـ أن الإرث لا يُطَيِّب المال إذا كان المورث قد جناه من حرام، فإن الحرام يتعدى إلى الوارث أيضاً و الحرام يبقى حراما ولو صار تحت يد الوارث ، لذلك يجب على الوارث أن يرده إلى صاحبه إن عرفه، فإن لم يعرفه تصدق به على الفقراء والمساكين.
وأضاف أن الإنسان قد يحصل على المال الحرام برضا مالكه وذلك بالتعاقد معه على غير ما شرع الله مثل الربا والرشوة وغير ذلك .

وشدد الخطيب على أن المال الذي يحوزه المسلم لا يدخل في ملكيته، ولا يحق له التصرف فيه إلا إذا كان سبب الحيازة مشروعاً ، مشيرا إلى أن الشرع قد أذن للمسلم أن يكسب المال بكل وسيلة ممكنة بشرط أن تخلو من الحرام وشبهته.
وقال الخطيب في دراسته بعنوان "المال الحرام تملكه، وإنفاقه، والتحلل منه" والتي نشرت على موقع الفقه الإسلامي : إن المال الحرام هو ما كان مكتسباً، من الأعيان والمنافع بطريق غير مشروع. كالمسروق والمغصوب والرشوة والربا، والمكتسب بالغش والتزوير والقمار والاتجار بالخمر والمخدرات، والمكتسب بعقد باطل كبيع الحصاة والغرر والنجش، وإنكار الوديعة والمرهون وأجرة السحر والزنا والنياحة. وغير ذلك من الأعيان، وكسكنى دار مقابل شهادة زور وإصلاح سيارة بإصلاح ثلاجة ونحو ذلك.

وأشار إلى أن المال الحرام ينقسم قسمين:
الأول: الحرام لذاته.
وهو
ما كان حراماً في أصله لوصف قائم في ذاته وكنهه، كالخمر والخنزير والميتة والقمار والغِش وذلك لقوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

الثاني: الحرام لسببه.وهو ما كان مشروعاً في أصله، ولكن حرم بسبب طرأ عليه، كالمال المسروق والمغصوب.

وأوضح أن تملك المال الحرام بالعقود المحرمة بعضها جائزة ومشروعة لاستيفائها الأركان والشروط، وبعضها غير جائزة ولا مشروعة لما لحقها من خلل في الأركان أو الشروط كأن يكون محل العقد غير قابل للتملك كالخمر والخنزير، هذا وقد يحصل الشخص على المال الحرام برضا مالكه، وذلك بالتعاقد معه على غير ما شرع الله ويدخل فيه ما يحصله الشخص من فوائد ربوية على ماله سواء بسبب إقراضها لأشخاص أو إيداعها في البنوك الربوية.

كل ذلك هذا بالإضافة إلى تملك المال بالرشوة، والميسر ،مشيرا إلى أن الرشوة حرام بالإجماع و هي من كبائر الذنوب يحرم طلبها وإعطاؤها، والوساطة فيها بين الراشي والمرتشي وذلك لقوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ )

وتطرق إلى مسألة تملك المال الحرام بالاختلاس أو القهر ونحوه مشيرا إلى أنه من المقرر شرعاً أنه لا يجوز أخذ مال الغير إلا عن رضاه وطيب نفسه، وفي حدود ما أذن الشرع به لقوله تعالى: (لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) سواء عن طريق السرقة أو الغش أو الغصب .
واستعرض الباحث مذهب جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة في مسألة تملك المال الحرام بالإرث موضحاً أن الإرث لا يُطَيِّب المال إذا كان المورث قد جناه من حرام، فإن الحرام يتعدى إلى الوارث أيضاً كما يتعدى العمل الصالح بنفعه إلى الوارث، قال تعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) فقد حُفظ لهما مالهما بصلاح أبيهما، فكما أن الصلاح يتعدى بنفعه من المورث إلى الوارث، كذلك الحرام يبقى حراما ولو صار تحت يد الوارث ، لذلك يجب على الوارث أن يرده إلى صاحبه إن عرفه، فإن لم يعرفه تصدق به على الفقراء والمساكين.

وتطرق الباحث إلى الحكم الشرعي في إنفاق المال الحرام الموروث على نفسه وعياله ، موضحا أنه إذا كان غنياً، بحيث يكون عنده من المال ما يكفيه وعياله، ويغنيه عن التغذي بهذا المال الحرام. فهذا لا يجوز له قطعاً أن ينفق منه على نفسه أو عياله، لأنه غني بما عنده ولأن هذا المال الحرام ليس ملكه ،أما إذا كان فقيراً، فقد ذكر جمهور العلماء: أنه يجوز له أن يأكل منه -بسبب الفقر والحاجة إلى الصدقة- للضرورة، وبمقدار الضرورة فقط، لأن المحظور لا يجوز إلا عند الضرورة أو الحاجة، وإذا جاز، جاز بمقدارها فقط، إذ الضرورات تبيح المحظورات .

وتابع الخطيب : أما في حالة إنفاقه في أداء الحج وتشييد المسجد فقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية أن الحج بالمال الحرام -وإن كان خبيثاً- صحيح تسقط به الفريضة، كالصلاة في الأرض المغصوبة أو الثوب المغصوب، وكالصيام مع النميمة أو شهادة الزور، أما تشييد المساجد فقد ذهب الحنفية، والحنابلة والمشهور عند المالكية، أنه لا يجوز جعل المال الحرام في المسجد بناء أو ترميماً.
وأضاف أن التحلل من المال الحرام واجب شرعي لعظيم خطره؛ وذلك لأن المال الحرام حجاب بين العبد وقبول الدعاء و به ترد الصلاة .


وأشار إلى أن هناك طرق للتخلص منه وهى كالتالي : أولاً: رد المال الحرام إلى صاحبه المعروف بعينه.
ثانياً: رد المال الحرام إلى صاحبه المجهول إذا كان صاحب المال مجهولا، فلذلك حالتان:

1- أن يكون مجهولاً حقيقة، بأن لا تعرف حياته من موته، أو لا يعرف مكان إقامة، ومثل ذلك وارثه.
2- أن يكون مجهولا حكماً. بأن يكون صاحبه أشخاصاً كثيرين والمال المجني بطريق الغش في المعاملة، أو الربا المأخوذ من البنوك وفى هذه الحالة ذهب جمهور الفقهاء -بمن فيهم الأئمة الأربعة- أن مصير هذا المال أن يصرف في مصالح المسلمين العامة كبناء المستشفيات والمدارس والأربطة وسفلتة الطرق أو يعطى للفقراء والمساكين، وهذا مصير كل مال حرام يجهل مالكه، لأنه لا يجوز أن يبقى في يد آخذه بالحرام،

واختتم البحث بعدد من النتائج من أهمها :
1- أن المال الحرام: كل ما يكسبه الشخص من الأعيان والمنافع بطريق غير مشروع.

2- قضى الشرع بأن المال الحرام لا يدخل تحت ملكية من أخذه، سواء كان ذلك بطريق الإرث أو الاختلاس والرشوة والقمار ونحوه أو العقود الفاسدة، وإن تم ذلك برضى المتعاقدين، لأن رضاهما لا يحل الحرام.

3- لا يجوز لمن كسب مالاً حراماً أن ينفقه على نفسه أو عياله، كما لا يجوز له أن يؤدي به الطاعات كالحج والعمرة، ولا ينفقه في تشييد المساجد ونحوها.

4- أنه يجب على من وقع تحت يده مال حرام أن يتحلل منه ويتخلص من تبعته. وسبيل ذلك: أن يعيده إلى صاحبه إن كان معروفاً، وإلا أنفقه في وجوه البر والإحسان كالجمعيات الخيرية، أو يتصدق به على الفقراء والمساكين والمستشفيات.

5- التوبة وحدها لا تكفي من دون رد المال الحرام إلى صاحبه إن كان معروفاً، أو التصدق به إن كان غير معروف.

6- الأولى لمن حصلت في يده فوائد بنكية أن لا يدعها للبنك لما في ذلك من الإعانة على التعامل بالربا، وبخاصة إذا حصلت له من بنك في دولة كافرة، فإنه إن تركها فيه كان ذلك عوناً لهم على الربا، وتقوية لهم على المسلمين في نهاية الأمر، وإنما يبذلها في المصالح العامة وعلى الفقراء والمساكين كما سبق بيانه.

    جزاك الله كل خير

    جزاكى الله خير

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.