جزاكم الله خيرًا على جهودكم الجبارة, وفرج عنكم كل هم وغم. إحدى أخواتي في الله كانت تذكر لي دائمًا أنها تدخل أحد المنتديات النسائية وتشارك فيه, وكانت تقول لي: ادخلي, فاستفيدي وأفيدي, ثم بعد مدة سجلت في المدونة, وأصبحت أدعو إلى الله فيه كثيرًا بكتابة المواضيع الدينية, وآمل من الله أن يكتب لها أجرًا عن كل موضوع أكتبه؛ لأنها هي من دلتني على الموقع, ولولاها لما عرفته, لكنها تقول: عندما دللتك كانت نيتي أن تستفيدي وتستمعي, لا أن تدعي وتفيدي, وقد علمتُ أن أعمال البر والخير يؤجر عليها صاحبها ولو لم ينوِ – كمن كتب على دفتره اسم موقع ديني, فرأى أحد الناس اسم الموقع فدخله واستفاد فيؤجر صاحب الدفتر ولو أنه لم ينوِ – فأرجو أن تخبروني هل ما قلته صحيح أنها تؤجر؟ أم قولها بأنها لم تنوِ فلا تؤجر هو الصحيح؟ ولو أردت أن أُشرك معي أحدًا في أجر كتابتي للمواضيع الدينية, أو تأليف الكتب فهل يجوز لي؟ وهل يصل الثواب لمن أشركته؟ لأني أعلم أن الصدقة الجارية عن الغير جائزة باتفاق العلماء, وهذا من العلم الذي ينتفع به, وأريد منكم – بارك الله بعلمكم – أن تطمئنوني بأمر وهو أن ما يدفعني للكتابة وبذل الجهد والوقت هو حبي للدعوة, وحبي لأن أفيد غيري – وأطلب الأجر من الله – لكني أخاف أن لا يأتيني الثواب؛ لأن الدافع الذي دفعني للكتابة هو حب الدعوة والإفادة, لا طلب الأجر فقط, وكذلك في كل عباداتي يكون دافعي إليها حب العبادة, والتلذذ بها, وليس مجرد الأجر؟ فهل أثاب بإذنه تعالى؟ فمثلًا: أنا لا أفتح المصحف وأتلو لمجرد أن أجمع حسنات, بل لأني أحب تلاوته, وكذلك هدفي من قراءة الكتب الدينية أن أتعلم وأُعلّم, لا مجرد كسب الأجر؟ فهل أثاب؟ أرجو أن لا أكون قد أزعجتكم, وأسأل الله أن يرزقكم من حيث لا تحتسبون, وأن يوفقكم لما يحبه ويرضاه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئًا لك حب الدعوة, وحب إيصال الخير للناس, واعلمي أن الدال على الخير، والداعي إليه له مثل أجر فاعله، كما سبق بيانه في الفتويين: 60180، 28202.
ولو أن شخصا تسبب في وجود خير ما دون قصد منه للنتيجة، غير أنه باشر السبب له، فهذا – إن شاء الله – يكتب له الأجر؛ لأن ذلك أثر من آثاره، كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {يس: 12}.
قال السعدي: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، {وَآثَارَهُمْ} وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرًا، من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدًا، أو محلًا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر؛ ولهذا: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا الموضع يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه, والهداية إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك. اهـ.
ويؤيد ذلك ما في صحيح مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ, بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ, فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ, وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ {النساء: 1} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء: 1} وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ {الحشر: 18} تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ – حَتَّى قَالَ – وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ـ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ… الحديث.
ولا يخفى أن ذلك الرجل الذي ابتدأ الصدقة ونال ثواب من اقتدى به، لم يكن بالضرورة يحتسب أجر الدلالة على الخير.
وقال ابن حجر في حق السيدة خديجة – رضي الله عنها -: وَمِمَّا اِخْتَصَّتْ بِهِ سَبْقهَا نِسَاء هَذِهِ الْأُمَّة إِلَى الْإِيمَان, فَسَنَّتْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ آمَنَتْ بَعْدهَا, فَيَكُون لَهَا مِثْل أَجْرهنَّ؛ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّة حَسَنَة، وَقَدْ شَارَكَهَا فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرِّجَال, وَلَا يُعْرَف قَدْر مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الثَّوَاب بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. اهـ
وقال المباركفوري في شرح المشكاة: (من دل) أي: بالقول, أو الفعل, أو الإشارة, أو الكتابة (على خير) أي: علم, أو عمل مما فيه أجر وثواب (فله) أي: فللدال (مثل أجر فاعله) أي: من غير أن ينقص من أجره شيء, قاله القاري, وقال المناوي: فله مثل أجر فاعله أي: لإعانته عليه, وهذا إذا حصل ذلك الخير, وإلا فله ثواب دلالته, قال النووي: المراد أن له ثواباً بذلك كما أن لفاعله ثوابًا, ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء. انتهى.
واما إشراكك غيرك في ثواب ما كتبته: فقد نص بعض أهل العلم على حصول الثواب له, فقد قال البهوتي: وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها أو بعضها كالنصف ونحوه لمسلم حي أو ميت جاز ونفعه لحصول الثواب له .. من تطوع وواجب، تدخله النيابة كحج, ونحوه, أو لا، أي: لا تدخله النيابة, كصلاة, وكدعاء, واستغفار, وصدقة, وأضحية, وأداء دين, وقراءة, وغيرها.
والله أعلم.