,.. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ..,
الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على
أشرفِ الأنبياءِ والمُرسلين ، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن
اتَّبَعه بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين .
وبعـد ،
فـ سلامُ اللهِ عليكُنَّ ورحمتُه وبركاتُه ،
الأُسـرةُ وِحدةُ بِناءِ المُجتمع .
مِنها يَخرُجُ النَّشءُ الذي يُصلِحُ مُجتَمَعه وأُمَّتَه .
فيها يتعلَّم السلوكَ والأخلاقَ ،
ويتربَّى إمَّا على الإسلامِ ، فينشأُ نشأةً صالِحةً ،
أو يُهمَلُ ويُترَكُ له الحبلُ على الغارِبِ ،
فيَسوءُ خُلُقَه ، ويَسوءُ حالَه .
مِن هُنا .. أحببتُ أن نعيش سويًا مع :
~|[ بَرَامِج عَمَلِيَّة لِتَربِيَةِ الأُسْـرَةِ ]|~
يُقَدِّمُها لنا :
فضيلةُ الشيخ / عليّ بن مُحمد الشِّبيلي .
فـ جزاه اللهُ خيرَ الجَزاءِ على ما قدَّم ،
ونفعنا بكل
لَدَيَّ سُـؤالٌ قبل أنْ نبـدأَ الدورة ، وهو : إذا أُصيبَ شخصٌ بالانفلونزا في الدَّمام ، ما العِلاجُ المُناسِبُ له عندكم ؟
تنوَّعَت الإجاباتُ ما بين : بُرتقال – عصير ليمون – زنجبيل – الثُّوم – خَلُّ التُّفاح .
حياتُنا الأُسَـريَّـةُ والتَّربويَّـةُ هِيَ نفسُ ما تفعلونه ، ليس مبنيًّا على أُسُسٍ لِتَحلَّ كثيرًا مِن مشاكِلِنا ، إنَّما هِيَ عِبارةٌ عن تجارب مارَسَها الإنسانُ مع الولَدِ الأول ، ويَظُنُّ أنَّها تُمارَسُ مع الولَدِ الثاني ، مع أنَّها في الحقيقةِ لا تَصلُحُ له ، أو مارَسَتها أُسرةٌ مِنَ الأُسَر ، وسَمِعَها في أحدِ المَجالسِ أو الاستراحاتِ ، فظَنَّ أنَّها تصلُح ، فهـذا قـد يُعالَجُ بالليمون ، والثاني بالزنجبيل ، والثالثُ بالدُّعاء ، والرابعُ بكذا ، لكنْ في الحقيقةِ ليست بالضرورةِ أنْ تكونَ هـذه العِلاجاتُ صحيحةً ، بل أحيانًا يشربُ الإنسانُ ليمونًا أو يَستخدِمُ أىَّ شئٍ للانفلونزا ، لأنَّ دورةَ المرضِ انتهت ، فوافق انتهاءُ دورةِ المرضِ مع شُربِهِ هـذا الشئ ، لكنْ ليس بالضرورةِ أنْ يكونَ عِلاجًا .
هل نحنُ عندما نُرَبِّي أولادَنا داخل بيوتِنا نُربِّيهم وِفقَ أُسُسٍ وضوابط مدروسة ٍ مبنيَّةٍ على خِبرةٍ وتجربة ؟ مبنيَّةٍ قبل ذلك على كلامِ اللهِ وكلامِ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ؟
أم القضيَّةُ – إخواني الكِرام – عبارة عن تجارب سَمِعناها ، أو أحيانًا قرأناها ، ليس بالضرورةِ أنْ تكونَ صالِحةً لمُجتمعِنا أو أولادِنا ؟
لذا نحنُ بحاجةٍ أنْ نُجَدْوِلَ حياتَنا مِن جديد ، وأنْ نبـدأ ، ولم يَفُتنا شئٌ بإذن الله ، حتى لو كان الإنسانُ قـد أصبحَ لديه وَلَدَان أو ثلاثةٌ ، بإمكانه أنْ يتداركَ أشياءَ كثيرة ، ودائمًا في الحياةِ الأُسَرِيَّـة اجعـل شعاركَ : { الوِقايـةُ خيـرٌ مِنَ العِلاج } .
اليـوم دورتُنا – بإذن اللهِ تعالى – ستكونُ عن برامج عمليَّة ٍلتربيةِ الأُسـرة . وفي نظري – إخواني الكِرام – أنَّنا ليست مُشكلَتُنا في البرامج ، فبإمكانِ كثيرٍ مِن الناسِ أنْ يجلسوا في مكانٍ ما وهم مُثقَّفون وآباءٌ ومُعتنون مِثلَكم ، وأنْ يُنتِجُوا وأنْ يتكلَّموا على كثيرٍ مِن البرامج ، لكنْ نحنُ – قبل هـذه البرامج – بحاجةٍ أنْ نُهَيِّئَ أُسَرَنا لِتَقَبُّلِ هـذه البرامج . فلا يُمكنُ في يومٍ وليلةٍ أنْ نُطَبِّقَ برنامجًا – مِثل الِّلقاء العائِليّ – ما لم تكُن الأُسرةُ مُهَيَّئةً لذلك الأمر . ولهـذا جعلتُ البرامجَ في هـذه الليلةِ جُزءًا مِن أربعـةِ أجـزاء .
فاليـومَ حديثي معكم – بإذن الله تعالى – سيكونُ عن أربعـةِ أُمـور :
** أمَّا الأمـر الأول ، فهو : كيف نبني مُناخًا أُسَريًّا مُتَمَيِّزًا ؟ هـذه الأرضية .
لا يُمكنُ لأحدٍ أنْ يعملَ في مُؤسَّسةٍ وبينه وبين صاحِبِ المُؤسَّسةِ خِلاف ، أليس كذلك ؟
إذا كان كُلَّ يومٍ مشاكل بينه وبين رَبِّ العمل ، لن يحرِصَ على القُـدومِ لهـذه المُؤسَّسةِ مُطلَقًا .
كذلك أولادُنا ، ولهـذا يُحِبُّونَ أنْ يكونوا خارجَ المنزل أكثرَ مِن وجودِهم داخِلَ المنزل ؛ لأنَّه يَجِدُ نفسَه في الخارج ، ولا يجِدُ نفسَه في الداخل .
كيف يجدُ نفسَه في الداخل ؟
كيف نجعل نحنُ – كأولياءِ أمور ، آباء وأُمهات – سعادةَ الولد ( لا أتكلَّمُ عن ابن الخامسة ولا السادسة والعاشرة ، إنَّما أتكلَّمُ عن ابن الخامسة عشرة والعشرين ) ، كيف أجعلُ سُعادتَه وأُنسَه في مُكوثِهِ في البيت ؟ أمَّا في الخارج ، فيخرجُ فقط للضرورياتِ والحاجِيَّات ، وتكونُ إمَّا لنفسِهِ أو لأُسرتِهِ ؟
ثُمَّ بعد ذلك ، سنتحدَّثُ – إخواني الكِرام – على مسألةٍ مُهِمَّة ؛ وهِيَ :
كيف يُرَبِّي المُرَبِّي نفسَهُ ، ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ النحل/78 ، ثُمَّ أعطاكَ الوسائل ، وجعل لكم هذه الوسائلَ ؛ لتُؤهِّلَنا لبناءِ ثقافةٍ تربويةٍ في داخل أنفسِنا . هذه الثقافةُ التربوية كيف يُمكنُ أن نبنيَها ؟ كيف تكونُ لدينا – كأولياءِ أمور – قراءةٌ مُوَجَّهَة ؟ هذه القراءةُ المُوَجَّهَة أين تَتَّجِه ؟ هل تَتَّجِهُ لِكُلِّ كِتابٍ موجودٍ في السُّوق ؟ أو تَتَّجِهُ لِكُتُبٍ مُعيَّنَةٍ مِن خلال قراءتِها سأُكَوِّنُ ثقافةً تربويةً تُؤهِّلُني لِحَلِّ مشاكلِ أولادي ، لأنْ أبتدِعَ معهم مشاريعَ ، ولأكونَ أنا الذي أُنتِجُ لهم تلك البرامج لا أنتظِرُها من الناس الذين هم في الخارج ؟
ثُمَّ سنتكلَّمُ في القضيةِ الثالثةِ ، وهِيَ المُتَرَبِّي ؛ وهو ولدُكَ في داخل البيت .
هذا الولَدُ كيف يُمكنُكَ كمًرَبِّي أن تتعرَّفَ عليه ؟
مَن هو ولدُكَ ؟
ما نوعُ ذكائِهِ ؟
ما هُواياتُه ؟
ما الشئُ الذي يصلُحُ أن يكونَ عليه بعد سنواتٍ عديدة ؟
بل ما الشئُ الذي قال عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له ) مُتَّفقٌ عليه ؟
إبراهيمُ يصلُحُ للطِّب ، ليس بالضرورةِ أن يكونَ ناصر كذلك .. أليس كذلك ؟ ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ المائدة/48 ، هذا له قُدراتٌ ، وهذا له قُدرات .
كيف يُمكنُني أنا كأبٍ – مِن خلال البرامج التي سنطرحُها إن شاء الله – أن أتعرَّفَ على ولدي ؟ سواءً بنظرتي له ، أو مِن خلال ما سيَحُلُّه هو لَدَيَّ من خلال تقييمٍ مشهور ، هو تقييم ( مَن أنا ) ، وسنطرحُه إن شاء اللهُ بين أيديكم .
ثُمَّ بعد ذلك سنتحدَّثُ في النقطةِ الرابعة عن : البرامج التي تُؤهِّلُني للقيامِ بدوري التَّربويِّ .
في أثناءِ حديثِنا – إن شاء اللهُ تعالى – سنتعرَّفُ على هذه المَحاوِر الأربعةِ بكامِلِها ، إضافةً إلى أنَّنا سنضعُ أيدينا اليومَ على ثلاثِ قضايا مُهِمَّة ؛ وهِيَ : كيف أبني قانونًا داخل بيتي ؟
لَدَيَّ أطفالٌ لديهم مُشكلة ، وهِيَ أنَّهم يتلفَّظون بكلماتٍ نابية ، كيف أستطيعُ أن أنزِعَ هذه الكلماتِ النابيةِ مِن أفواههم ؟ ليس بالكَفِّ ولا بالريـال ، إنَّما بطريقةٍ تربويةٍ سنطرحُها بين أيديكم .
كيف أعرفُ الطُّعْمَ المُناسِبَ لوَلَدي ؟
فعندما تذهبُ – وأنتم أهلُ بَحرٍ وتعرفون البحرَ وصيدَ البحر – لَمَّا يذهبُ الإنسانُ ويصيدُ سمكةً ، ماذا يضعُ في الصِّنَّارة ؟ … يضعُ شيئًا مُناسبًا للسمكة ، أليس كذلك ؟ وعندما تُريدُ أن تصيدَ شيئًا في البَرِّ تضعُ له الشئَ المُناسِب كذلك ، أليس كذلك ؟
كذلك في بيوتِنا ؛ فابنُ الخامسةِ له الطُّعْمُ المُناسِبُ الخاصُّ به ، أستطيعُ من خلال ذلك الطُّعم أن أجعلَه يسلُك فيما أُريدُه أنا مِن برامج .
ابنُ الثامنة عشرة أيضًا له طُعمٌ مُناسِب ، وسنتعرَّفُ عليه – إن شاء اللهُ – من خلال استبانةٍ وُزِّعَت على ثلاثةِ آلافِ أُسرة . لماذا ؟ لتغذيةٍ راجعة .
ما المُحَفِّزات لِمَن هم دُون الثانيةَ عشرة ؟
وما هِيَ المُحَفِّزات لِمَن هم فوق الثانيةَ عشرة ؟
ثُمَّ النُّقطة الثالثة التي سنتطرَّقُ إليها إن شاء الله : كيف نبني دُستورًا تربويًّا في البيت ، ترجِعُ إليه الأُسرةُ كُلُّها بكامِلِها ؟
وسنرى مِثالاً عمليًّا لدستورٍ تربويٍّ بإذن اللهِ تعالى .
نبدأ دورتَنا إنْ شاء الله ، ولهذا سمَّيتُها :
[ كيف تضعُ خُطَّةً تربويَّةً لأولادِكَ ؟ ] ،
ومِن ضِمنِها البرامِجُ التي سنتحدَّثُ عنها ، وهِيَ عُنوانُ هذه الدورة .
صَدَق حبيبُنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فخيرُكم خيرُكم لمُؤسَّسَتِهِ وشركتِهِ وأقارِبِهِ وأصدقائِهِ في الاستراحة ؟؟ لا ، إنَّما ( خيرُكم خيرُكم لأهلِهِ ) صحيح الجامِع ، والناسُ إنَّما تُقاسُ بهذه الخيريَّة ، فمَن كان لأهلِهِ خَيِّرًا كان لغيرهم خَيِّرًا بإذن الله . أمَّا أن تكونَ القضيةُ مقلوبةً ؛ بحيثُ يُصبِحُ الإنسانُ خَيِّرًا في الخارج ، بينما هو في الداخِلِ لا ، هذه مُشكلةٌ لديه .
والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه : لماذا كثيرٌ مِنَ الناسِ تنطلِقُ النِّكاتُ والقِصَصُ على لِسانِهِ بمُجرَّدِ مُلاقاتِهِ لأصحابِهِ في العملِ أو في الاستراحةِ ، بينما هو في بيتِهِ صامِتٌ ، ودائِمًا على الصَّامِت ، حتى هَزَّاز ما فيه هَزَّزا ؟ إلى متى سيظَلُّ صامِتًا ؟
وللأسف ، بعضُهم على الصَّامِتِ وبرقمٍ سِرِّيٍّ أيضًا ، ولا يُمكِنُ أن يفتحَهُ أحد .
ولهذا تتكلَّمُ عليه هِيَ بجوارِهِ ، يتكلَّمُ عليه ولَدُهُ دُونَ جَدوى ، فيتَّصِلونَ عندئذٍ بالإسعافِ ظَنًّا أنَّ والِدَهم قد تُوُفِّيَ ، وإذا بأحدِ أعضائِهِ بعد ذلك يتحرَّك .
لماذا ؟!
هذا الصمتُ نُريدُ أن نكسِرَه مِن خلال هذه الدورة .
ولهذا نصيحتُنا الأولى والثانية والأَلْف : كُنْ فوائِدِيًّا ، لا تدخل بيتَكَ إلَّا وفي ذِهنِكَ فائِدة ؛ إمَّا قِصَّةٌ أو بيتُ شِعرٍ أو حِكمةٌ أو مَثَلٌ أو طُرفةٌ أو غيرُ ذلك ، وستجِدُ تلكَ الحيويَّةَ التي تشعرُ بها كثيرٌ من البيوتِ الهانِئةِ السعيدةِ ، مِثل بُيوتكم أيُّها الإخوةُ الكِرام .