كان النبي صلى الله عليه وسلم خير زوج يعدل بين زوجاته إما في المبيت أو في السفر أو في أداء الحقوق والواجبات الزوجية، ففي السفر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصحب معه من يخرج سهمها في القرعة عدلا وإنصافا منه، فقد روى عن عائشة – رضي الله عنها – قولها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأتينهن خرج سهمها خرج بها معه، وأما في المبيت، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين زوجاته بالعدل إلا أن تتنازل إحداهن مختارة، ويظهر ذلك من بقية حديث عائشة في البخاري قالت : … و كان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- …
والله إن العين لتدمع و إن القلم ليعجز عن أن يخط ويصور رقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجميل شمائله ورحيق خلاله الكريمة …. لم يكن- صلى الله عليه وسلم- ليلفظ بما يجرح شعور زوجاته، ولم يكن – صلى الله عليه وسلم- ليفعل ما يمس مشاعرهن وأحاسيسهن، فكان يقول لعائشة – رضي الله عنها- : إني أعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عني غضبى ..أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد .. وإن كنت عني غضبى قلت لا ورب إبراهيم، ولم يكن- صلى الله عليه وسلم- يجيب دعوة جار له إلى الطعام إلا بصحبة إحدى زوجاته ، احتراما لمشاعرهن وتكريما لهن بالصحبة، فقد روى مسلم بإسناده في صحيحة عن ثابت عن أنس أن جارا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فارسيا كان طيب المرق فصنع لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم جاء يدعوه فقال- صلى الله عليه وسلم- : وهذه؟ لعائشة، فقال:لا،فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا فعاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :وهذه؟ قال : نعم، في الثالثة، فقاما يتدافعا حتى أتيا منزله. وفي رواية الدرامي: فانطلق معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة فأكلا من طعامه … وكان نبي الرحمة- صلى الله عليه وسلم- خبيرا بنفوس النساء، عليم بنفوسهن، فكان يدرك صلى الله عليه وسلم- طبيعة المرأة الغيور وأنها تغار على زوجها حتى وإن كانت هذه المرأة هي زوج نبي الأمة، لذا حرص- صلى الله عليه وسلم- دائما على أن يراعي تلك الطبيعة الأصيلة لدى النساء، فهو يقدر حب زوجاته له وغيرتهن عليه، وليس أدل على ذلك من الموقف النبوي الشريف، عندما أتت السيدة أم سلمة تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيت بطعام في صحفة لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فقال: من الذي جاء بالطعام؟ فقالوا أم سلمة، فجاءت عائشة بحجر ناعم صلب ففلقت به الصحفة فجمع- النبي صلى الله عليه وسلم- بين فلقتي الصحفة وقال: كلوا، يعنى أصحابه، كلوا غارت أمكم غارت أمكم، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم- صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة!!!.
والملاطفة لغة الحوار
كان نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم رقيقا حنونا في تعامله مع زوجاته وكان يحسن ملاطفتهن ومداعبتهن، وذلك على الرغم من الأعباء والمهام الثقال الملقاة على عواتقه وهموم الدعوة والأمة وغيرها، وهو القائل صلى الله عليه وسلم رفقا بالقوارير، وقد روي عن السيدة عائشة – رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى، فإن كنت مستيقظة- السيدة عائشة- حدثني وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة . كذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم دائما على إدخال البهجة والسرور على قلوب زوجاته، فقالت السيدة عائشة- رضي الله عنها- : كان الحبش يلعبون بحرابهم، فسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر، فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو، وأقر الرسول صلى الله عليه وسلم نوعا آخر من الترفيه، فقد روي عن البخاري بإسناده عن الربيع بنت معوذ قالت : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجوريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين.
ومما تروي أيضا السيدة عائشة- رضي الله عنها عن ملاطفة الرسول صلى الله علية وسلم- قالت: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا ، فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا فتقدموا، ثم قال: تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول:هذه بتلك.
ولم يكن النبي- صلى الله عليه وسلم- يتصيد الأخطاء لزوجاته ولم يكن يعاتبهن على تقصيرهن في بعض الشؤون الزوجية أو الأسرية، بل كان صلى الله عليه وسلم يلتمس لهن دائما الأعذار ويعطي لهن الفرصة؛ كي تصلح من شأنها وتستدرك تقصيرها، ومن ذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يفاجئ الزوجة وهي على حال لم تكن لترغب أن يراها عليه، وقد روى البخاري بإسناده عن أنس رضي الله عنه- قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله، كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية … (والطرق هو الحضور المفاجئ بالليل).
ولم يقتصر إحسان النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته على النواحي المعيشية والزوجية والمعاملتية فحسب، بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يبذل النصح الصادق لهن، ويقدم النصيحة المخلصة الأمينة حتى في أوقات الخلاف والعتاب، ففي ذات مرة وكان المسلمون قد حققوا انتصارات عظيمة في خيبر وعادوا بغنائم كبيرة، فرغبت زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ينالين حظهن من هذه المتاع الأمر الذي أغضب النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهب صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة وقال لها : يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية الكريمة يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ….. ، فقالت السيدة عائشة : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت . وعند ذلك تبدو صورة أخرى من صور الإحسان، إنها نعمة عدم التعنت والتعسف؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا صلى الله عليك يا رسول الله يا نبي الرحمة يا نورا مهداه للعالمين أجمعين .
وصايا للزوجين
لقد ترك الرسول صلى الله عليه وسلم هديا نبويا قويما يصلح شأن البيت المسلم، كما يصلح شأن العلاقة الزوجية، بل ويمكننا القول: إن السيرة النبوية هي منظومة تربوية وإصلاحية متكاملة يمكن الاسترشاد بها في كل مكان وزمان، بل والاكتفاء بها دون عن غيرها من الأطروحات والاجتهادات التي قدمها العلماء والخبراء والمستشارين في مشارق الأرض ومغاربها لمحاولة تقديم علاج لما يعتري العلاقات الزوجية، من الفتور والمشكلات والأزمات التي تصل في أحيان كثيرة إلى حد الانفصال وتشريد الأبناء وهدم البيوت العامرة ….
فعن ثوبان – رضي الله عنه- قال لما نزلت: والذين يكنزون الذهب والفضة كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة لو علمنا أي المال خير فنتخذه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم، أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر وزوجة مؤمنه تعينه على إيمانه… أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرسى منذ ما يزيد على 14 قرنا من الزمان قواعد اختيار الزوجين لأنها أساس العلاقة الزوجية، واللبنة الحقيقية التي يبني عليها البيت المسلم، فهو القائل صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ،…. وكذلك فاظفر بذات الدين تربت يداك، كما قال صلى الله عليه وسلم الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة وغيرها من الأحاديث الشريفة فيما يتعلق بأسس الاختيار بين الزوجين، وحرص صلى الله عليه وسلم على الروابط الأسرية والزوجية، واعتبرها من الروابط المغلظة وأكد على ذلك في أكثر من موضع وأكثر من حديث نبوي، فقال صلى الله عليه وسلم أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة وكذلك ليس منا من خبب امرأة على زوجها .
وأخيرا … فإننا مهما حاولنا لن نستطيع أن نوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه من الثناء والحمد فيما أهداه لنا من القبسات النورانية، بشأن العلاقات الزوجية،التي لو عاد إليها الناس في زمننا هذا لاختفت المشكلات والأزمات ولاستقرت البيوت بدلا من المشاحنات والشجارات والقضايا والنزاعات والمحاكمات ... إنها حقا قواعد ذهبية لسعادة زوجية أبدية !!
بـــــــارك الله فيكى حبيبتى