تخطى إلى المحتوى

تفسيرسورة القلم الآيات(46:52) 2024

  • بواسطة

الونشريس
تفسيرسورة القلم
الآيات(46:52)

الونشريس

أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }
الونشريس
شرح الكلمات:
{فهم من مغرم مثقلون}: أي فهم مما يعطونكه مكلفون حملا ثقيلا.
{أم عندهم الغيب}: أي اللوح المحفوظ.
{فهم يكتبون}: أي ينقلون منه ما يدعونه ويقولونه.
{ولا تكن كصاحب الحوت}: أي يونس في الضجر والعجلة.
{وهو مكظوم}: أي مملوء غماً.
{بالعراء}: أي الأرض الفضاء.
{وهو مذموم}: لكن لما تاب نُبِذَ وهو غير مذموم.
{فاجتباه ربه}: أي اصطفاه.
الونشريس
.معنى الآيات:

أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ يقول السعدى
والمعنى:
* أي: ليس لنفورهم عنك، وعدم تصديقهم لما جئت به ، سبب يوجب لهم ذلك، فإنك تعلمهم، وتدعوهم إلى الله، لمحض مصلحتهم، من غير أن تطلبهم من أموالهم مغرمًا يثقل عليهم.

_ ويقول الطنطاوى فى تفسير الآية:بل أتسألهم – يا محمد – على دعوتك لهم إلى الحق والخير ( أَجْراً ) دنيويا ( فَهُمْ ) من أجل ذلك مثقلون بالديون المالية ، وعاجزون عن دفعها لك . . فترتب على هذا الغرم الثقيل . أن أعرضوا عن دعوتك ، وتجنبوا الدخول فى دينك؟
________________________

*أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
أم أنَّ هؤلاء القوم عندهم علم الغيب ، بأن يكونوا قد اطلعوا على ما سطرناه فى اللوح المحفوظ من أمور غيبية لا يعلمها أحد سوانا . . فهم يكتبون ذلك ، ثم يصدرون أحكامهم . ويجادلونك فى شأنها . وكأنهم قد اطلعوا على بواطن الأمور! .
الحق الذى لا حق سواه ، أن هؤلاء القوم ، أنت لم تطلب منهم أجرا على دعوتك إياهم إلى إخلاص العبادة لنا ، ولا علم عندهم بشئ من الغيوب التى لا يعلمها أحد سوانا ، وكل ما يزعمونه فى هذا الشأن فهو ضرب من الكذب والجهل . .
_____________________________________

*فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ

فلم يبق إلا الصبر لأذاهم، والتحمل لما يصدر منهم، والاستمرار على دعوتهم، ولهذا قال: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } أي: لما حكم به شرعًا وقدرًا، فالحكم القدري، يصبر على المؤذي منه، ولا يتلقى بالسخط والجزع، والحكم الشرعي، يقابل بالقبول والتسليم، والانقياد التام لأمره.
وقوله: { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ } وهو يونس بن متى، عليه الصلاة والسلام أي: ولا تشابهه في الحال، التي أوصلته، وأوجبت له الانحباس في بطن الحوت، وهو عدم صبره على قومه الصبر المطلوب منه، وذهابه مغاضبًا لربه، حتى ركب في البحر، فاقترع أهل السفينة حين ثقلت بأهلها أيهم يلقون لكي تخف بهم، فوقعت القرعة عليه فالتقمه الحوت وهو مليم وقوله { إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } أي: وهو في بطنها قد كظمت عليه، أو نادى وهو مغتم مهتم( والمكظوم – بزنة مفعول – : المملوء غضبا وغيظا وكربا) بأن قال { لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فاستجاب الله له، وقذفته الحوت من بطنها بالعراء وهو سقيم، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين.
وهذا النداء قد أشار إليه – سبحانه – فى آيات منها قوله – تعالى – :

( وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فنادى فِي الظلمات أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين . فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم وكذلك نُنجِي المؤمنين).
_____________________________________

لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ
والمعنى : لولا أن الله – تدارك عبده يونس برحمته ، وبقبول توبته . . لطرح من بطن الحوت بالأرض الفضاء الخالية من النبات والعمران . . وهو مذموم ، أى : وهو ملوم ومؤاخذ منا على ما حدث منه . .
ولكن ملامته ومؤاخذته منا قد امتنعت ، لتداركه برحمتنا ، حيث قبلنا توبته ، وغسلنا حوبته ، ومنحناه الكثير من خيرنا وبرنا . .
فالمقصود من الآية الكريمة بيان جانب من فضل الله – تعالى – على عبده يونس – عليه السلام – ، وبيان أن رحمته – تعالى – به ، ونعمته عليه ، قد حالت بينه ويبن أن يكن مذموما على ما صدر منه ، من مغاضبة لقومه ومفارقته لهم بدون إذن من ربه . .
__________________________________

فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
وقوله : ( فاجتباه رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصالحين ) تأكيد وتفصيل لنعمة الله – تعالى – التى أنعم بها على عبده يونس – عليه السلام – ، وهو معطوف على مقدر .

أى : فتدراكته النعمة فاصطفاه ربه – عز وجل – حيث رد عليه الوحى بعد انقطاعه ، وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون من الناس ، وقبل توبته ، فجعله من عباده الكاملين فى الصلاح والتقوى ، وفى تبليغ الرسالة عن ربه .

الونشريس
فى ظلال الآيات

_(أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)
فثقل الغرامة التي تطلبها منهم أجرا على الهداية هو الذي يدفعهم إلى الإعراض والتكذيب , ويجعلهم يؤثرون ذلك المصير البشع , على فداحة ما يؤدون ?!

_ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)
ومن ثم فهم على ثقة مما في الغيب , فلا يخيفهم ما ينتظرهم فيه , فقد اطلعوا عليه وكتبوه وعرفوه ? أو أنهم هم الذين كتبوا ما فيه . فكتبوه ضامنا لما يشتهون ?
ولا هذا ولا ذاك ? فما لهم يقفون هذا الموقف الغريب المريب ?!

_ وا لحقيقة أن المعركة معركته هو سبحانه . وأن الحرب حربه هو سبحانه . وأن القضية قضيته هو سبحانه . وأنه حين يجعل لهم فيها دورا فإنما ذلك ليبليهم منه بلاء حسنا . وليكتب لهم بهذا البلاء أجرا . أما حقيقة الحرب فهو الذي يتولاها . وأما حقيقة النصر فهو الذي يكتبها . . وهو سبحانه يجريها بهم وبدونهم . وهم حين يخوضونها أداة لقدرته ليست هي الأداة الوحيدة في يده !

_ أنها حقيقة تفزع قلب العدو , سواء كان المؤمن أمامه في حالة ضعف أم في حالة قوة .
فليس المؤمن هو الذي ينازله , إنما هو الله الذي يتولى المعركة بقوته وجبروته .

_الله الذي يقول لنبيه (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث)وخل بيني وبين هذا البائس المتعوس ! والله يملي ويستدرج فهو في الفخ الرعيب المفزع المخيف , ولو كان في أوج قوته وعدته . فهذه القوة هي ذاتها الفخ وهذه العدة هي ذاتها المصيدة . .(وأملي لهم إن كيدي متين)! أما متى يكون . فذلك علم الله المكنون ! فمن يأمن غيب الله ومكره ? وهل يأمن مكر الله إلا القوم الفاسقون ؟؟

* وأمام هذه الحقيقة يوجه الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الصبر . الصبر على تكاليف الرسالة . والصبر على التواءات النفوس .

* والصبر على الأذى والتكذيب . الصبر حتى يحكم الله في الوقت المقدر كما يريد . ويذكره بتجربة أخ له من قبل ضاق صدره بهذه التكاليف , فلولا أن تداركته نعمة الله لنبذ وهو مذموم:

____________________________________

_{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ )

* وصاحب الحوت هو يونس – عليه السلام – كما جاء في سورة الصافات . وملخص تجربته التي يذكر الله بها محمدا صلى الله عليه وسلم لتكون له زادا ورصيدا , وهو خاتم النبيين , الذي سبقته تجارب النبيين أجمعين في حقل الرسالة , ليكون هو صاحب الحصاد الأخير , وصاحب الرصيد الأخير , وصاحب الزاد الأخير . فيعينه هذا على عبئه الثقيل الكبير . عبء هداية البشرية جميعها لا قبيلة ولا قرية ولا أمة . وعبء هداية الأجيال جميعها لا جيل واحد ولا قرن واحد كما كانت مهمة الرسل قبله . وعبء إمداد البشرية بعده بكل أجيالها وكل أقوامها بمنهج دائم ثابت صالح لتلبية ما يجد في حياتها من أحوال وأوضاع وتجارب . وكل يوم يأتي بجديد . .

* ملخص تلك التجربة أن يونس بن متى – سلام الله عليه – أرسله الله إلى أهل قرية . قيل اسمها نينوى بالموصل . فاستبطأ إيمانهم , وشق عليه تلكؤهم , فتركهم مغاضبا قائلا في نفسه:إن الله لن يضيق علي بالبقاء بين هؤلاء المتعنتين المعاندين , وهو قادر على أن يرسلني إلى قوم آخرين ! وقد قاده الغضب والضيق إلى شاطئ البحر , حيث ركب سفينته , فلما كانوا في وسط اللج ثقلت السفينة وتعرضت للغرق . فأقرعوا بين الركاب للتخفف من واحد منهم لتخف السفينة . . فكانت القرعة على يونس . فألقوه في اليم . فابتلعه الحوت .

*عندئذ نادى يونس – وهو كظيم – في هذا الكرب الشديد في الظلمات في بطن الحوت , في وسط اللجة , نادى ربه: (لا إله إلا أنت سبحانك ! إني كنت من الظالمين)فتداركته نعمة من ربه , فنبذه الحوت على الشاطئ . . لحما بلا جلدا . . ذاب جلده في بطن الحوت . وحفظ الله حياته بقدرته التي لا يقيدها قيد من مألوف البشر المحدود !
*وهنا يقول:إنه لولا هذه النعمة لنبذه الحوت وهو مذموم . أي مذموم من ربه . . على فعلته . وقلة صبره . وتصرفه في شأن نفسه قبل أن يأذن الله له . ولكن نعمة الله وقته هذا , وقبل الله تسبيحه واعترافه وندمه . وعلم منه ما يستحق عليه النعمة والاجتباء .(فاجتباه ربه فجعله من الصالحين). .

*هذه هي التجربة التي مر بها صاحب الحوت . يذكر الله بها رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم في موقف العنت والتكذيب . بعد ما أخلاه من المعركة كما هي الحقيقة , وأمره بتركها له يتولاها كما يريد . وقتما يريد . وكلفه الصبر لحكم الله وقضائه في تحديد الموعد , وفي مشقات الطريق حتى يحين الموعد المضروب !

*إن مشقة الدعوة الحقيقية هي مشقة الصبر لحكم الله , حتى يأتي موعده , في الوقت الذي يريده بحكمته . وفي الطريق مشقات كثيرة . مشقات التكذيب والتعذيب . ومشقات الالتواء والعناد . ومشقات انتفاش الباطل وانتفاخه . ومشقات افتتان الناس بالباطل المزهو المنتصر فيما تراه العيون . ثم مشقات امساك النفس على هذا كله راضية مستقرة مطمئنة إلى وعد الله الحق , لا ترتاب ولا تتردد في قطع الطريق , مهما تكن مشقات الطريق . . وهو جهد ضخم مرهق يحتاج إلى عزم وصبر ومدد من الله وتوفيق . . أما المعركة ذاتها فقد قضى الله فيها , وقدر أنه هو الذي يتولاها , كما قدر أنه يملي ويستدرج لحكمة يراها . كذلك وعد نبيه الكريم , فصدقه الوعد بعد حين .
الونشريس
من هداية الآيات:
– وجوب الصبر على الدعوة مهما كانت الصعاب فلا تترك لأذًى يصيب الداعي.
الونشريس
فائدة
1_ قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى " .

ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة .
2_روى أبي وسعد بن أبي وقاص أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(دعوةُ ذي النُّونِ إذْ هوَ في بطنِ الحوتِ (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فإنَّهُ لم يدعُ بِها مسلمٌ بشيء قطُّ إلَّا استجابَ لَهُ)
المحدث:ابن حجر العسقلاني المصدر:تحفة النبلاء الجزء أو الصفحة:294 حكم المحدث:رجاله ثقات
بارك الله فيكم وطيب الله أوقاتكم
____________________
المراجع:
_ابن كثيرتفسير القرآن العظيم
_ في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
_الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
_الطنطاوى تفسير الوسيط
الونشريس


    شكر جزيلا للطرح القيم
    ننتظر المزيد من ابداع مواضيعك الرائعه
    تحيتي وتقديري لك
    وددي قبل ردي …..!!
    يسلمـوو الونشريس

    جزائكى الله كل خير
    الونشريس اقتباس الونشريس
    الونشريس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دودة 2024 الونشريس
    الونشريس

    جزائكى الله كل خير

    الونشريس الونشريس

    جزانا وايّاكِ وبارك الله فيكِ

    الونشريس اقتباس الونشريس
    الونشريس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الساجده الي الله الونشريس
    الونشريس
    يسلمـوو الونشريس
    الونشريس الونشريس

    سلمتِ حبيبتى من كل شر بارك الله فيكِ

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.