تفسير سورة القلم
الآيات (42- 45)
{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)}
شرح الكلمات
{يوم يكشف عن ساق}: أي يوم يعظم الهول ويشتد الكرب ويكشف الرب عن ساقه الكريم التي لا يشبهها شيء عندما يأتي لفصل القضاء.
{ترهقهم ذلة}: أي تغشاهم ذلة يالها من ذلة.
{وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون}: وهم سالمون أي وقد كانوا يدعون في الدنيا إلى الصلاة وهو سالمون من أية علة ولا يصلون حتى لا يسجدوا تكبراً وتعظماً.
{ذرني ومن يكذب}: أي دعني ومن يكذب أي لا يصدق.
{بهذا الحديث}: أي بالقرآن الكريم.
{سنستدرجهم}: أي نستنزلهم درجة درجة حتى نصل بهم إلى العذاب.
{وأملي لهم}: أي وامهلهم.
{إن كيدي متين}: أي شديد قويّ لا يطاق.
معنى الآيات
يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده جنَّات النعيم ، بين متى ذلك كائن وواقع ، فقال : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ …الآيه )
يعني : يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام . وقد قال البخاري ها هنا :
عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول :
" يكشف ربنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا " .
_____________________________
وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
أي : وأؤخرهم ، وأنظرهم ، وأمدهم ، وذلك من كيدي ومكري بهم ; ولهذا قال تعالى : ( إن كيدي متين ) أي : عظيم لمن خالف أمري ، وكذب رسلي ، واجترأ على معصيتي .
وفي الصحيحين عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " . ثم قرأ : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد )
[ هود : 102 ] ……….تفسير ابن كثير
فى ظلال الآيات
* {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)
* فيقفهم وجها لوجه أمام هذا المشهد كأنه حاضر اللحظة , وكأنه يتحداهم فيه أن يأتوا بشركائهم المزعومين . وهذا اليوم حقيقة حاضرة في علم الله لا تتقيد في علمه بزمن . واستحضارها للمخاطبين على هذا النحو يجعل وقعها عميقا حيا حاضرا في النفوس على طريقة القرآن الكريم .
* (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)
* يوم يشتد الكرب والضيق . . ويدعى هؤلاء المتكبرون إلى السجود فلا يملكون السجود , إما لأنَّ وقته قد فات , وإما لأنهم كما وصفهم في موضع آخر يكونون:
(مهطعين مقنعي رؤوسهم)وكأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة من الهول على غير إرادة منهم ! وعلى أية حال فهو تعبير يشي بالكرب والعجز والتحدي المخيف . .
* ثم يكمل رسم هيئتهم: (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة). . هؤلاء المتكبرون المتبجحون . والأبصار الخاشعة والذلة المرهقة هما المقابلان للهامات الشامخة والكبرياء المنفوخة . وهي تذكر بالتهديد الذي جاء في أول السورةسنسمه على الخرطوم). . فإيحاء الذلة والانكسار ظاهر عميق مقصود !
* وبينما هم في هذا الموقف المرهق الذليل , يذكرهم بما جرهم إليه من إعراض واستكبار:
(وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون). . قادرون على السجود . فكانوا يأبون ويستكبرون . . كانوا . فهم الآن في ذلك المشهد المرهق الذليل . والدنيا وراءهم . وهم الآن يدعون إلى السجود فلا يستطيعون .
________________________________
* وبينما هم في هذا الكرب , يجيئهم التهديد الرعيب الذي يهد القلوب:
(فذرني ومن يكذب بهذا الحديث). .
وهو تهديد مزلزل . . والجبار القهار القوي المتين يقول للرسول صلى الله عليه وسلم:خلي بيني وبين من يكذب بهذا الحديث . وذرني لحربه فأنا به كفيل !
_ ومن هو هذا الذي يكذب بهذا الحديث ؟؟
_إنه ذلك المخلوق الصغير الهزيل المسكين الضعيف ! هذه النملة المضعوفة . بل هذه الهباءة المنثورة . . بل هذا العدم الذي لا يعني شيئا أمام جبروت الجبار القهار العظيم !
* فيا محمد . خل بيني وبين هذا المخلوق . واسترح أنت ومن معك من المؤمنين . فالحرب معي لا معك ولا مع المؤمنين . الحرب معي . وهذا المخلوق عدوي , وأنا سأتولى أمره فدعه لي , وذرني معه , واذهب أنت ومن معك فاستريحوا !
* أي هول مزلزل للمكذبين ! وأي طمأنينة للنبي والمؤمنين . . المستضعفين . ؟؟
________________________________
* ثم يكشف لهم الجبار القهار عن خطة الحرب مع هذا المخلوق الهزيل الصغير الضعيف !
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)}).
* وإن شأن المكذبين , وأهل الأرض أجمعين , لأهون وأصغر من أن يدبر الله لهم هذه التدابير . . ولكنه – سبحانه – يحذرهم نفسه ليدركوا أنفسهم قبل فوات الأوان .
_وليعلموا أن الأمان الظاهر الذي يدعه لهم هو الفخ الذي يقعون فيه وهم غارون .
* وأن إمهالهم على الظلم والبغي والإعراض والضلال هو استدراج لهم إلى أسوأ مصير . وأنه تدبير من الله ليحملوا أوزارهم كاملة , ويأتوا إلى الموقف مثقلين بالذنوب , مستحقين للخزي والرهق والتعذيب . .
= وليس أكبر من التحذير , وكشف الاستدراج والتدبير , عدلا ولا رحمة . والله سبحانه يقدم لأعدائه وأعداء دينه ورسوله عدله ورحمته في هذا التحذير وذلك النذير . وهم بعد ذلك وما يختارون لأنفسهم , فقد كشف القناع ووضحت الأمور !
* إنه سبحانه يمهل ولا يهمل . ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .
وهو هنا يكشف عن طريقته وعن سنته.التي قدرها بمشيئته.
_ ويقول لرسوله صلي الله عليه وسلم ذرني ومن يكذب بهذا الحديث , وخل بيني وبين المعتزين بالمال والبنين والجاه والسلطان . فسأملي لهم , واجعل هذه النعمة فخهم ! فيطمئن رسوله , ويحذر أعداءه . . ثم يدعهم لذلك التهديد الرعيب !
من هداية الآيات
1_ بيان عظم هول يوم القيامة وأن الرب تبارك وتعالى يأتي لفصل القضاء ويكشف عن ساق فلا يبقى أحد إلا سجد وأن الكافر والمنافق لا يستطيع السجود عقوبة له وفضيحة إذ كان في الدنيا يدعى إلى السجود لله فلا يسجد أي إلى الصلاة فلا يصلي تكبراً وكفراً.
2_ ردّ الأمور إلى الله إذا استعصى حلّها فالله كفيل بذلك.
المراجع
_ابن كثيرتفسير القرآن العظيم
_السعدى تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان
_ في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
_الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.
جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة .. دمتم طيبين
فى رعاية الرحمن
************************
مشكورة حبيبتي