وذكرك عطر وحضنك دفء.:.فيحفظك ربي العلي الجليل
لأمي أحن ومن مثل أمي .:. رضاها علي نسيم عليل
حنانـك أمي شفـاء جـروحـي .:. وبلسم عمري وظلي الظليل
وبعد الله أرنو إليك إذا حلَّ خطب .:. وأثنى الكواهل حمل ثقيل
بـدعـواك أمـي تزول الصعـاب.:.فدعواك أمي لقلبي السبيل
فيا أمي أنت ربيـع الحياة .:. ولون الزهور ونبع يسيل
على راحتي كم سهرت الليالي .:. وتلوع قلبك عند الرحيل
فـدومي لنـا بلسـماً شــافيـاً .:. وبهجة عمري وحلمي الطويل
ولحـن شجـي علـى كل سـاه.:.فمن ذا عن الحق منا يميل ( 4 )
وحين يود المرء أن يتأمل فضل الأم ومكانتها فى الإسلام ، لابد له ابتداء أن يتأمل قول الله تعالى :
[ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً{23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً{24} ] [ الإسراء ] .
فمن أسمى مظاهر تكريم الإسلام لكِ ياأخية فى أمومتكِ ، وللوالد أيضا ، أن أتبع الله سبحانه الأمر بالإحسانِ إليكِ فى عقب نهيه تعالى عن الإشراك به ، وهذه بكل صدق هى أعلى مرتبة من المراتب يمكن للمرأة أن تتبوأها .
ثم بعـد الأمر العام بالإحسان للوالدين ، يخص الله تبارك وتعالى الأمر بالإحسان لمن بلغ من السن أكبره من الوالدين .. وكيف يكون هذا الإحسان ؟؟
بتحريم التأفيف ، والتأفيف هو أدنى مراتب الإساءة ، فكيف بما فوقه ؟؟
فحينما يتحدث أهل أصول الفقه مثلا ، وحينما يقومون بشرح المفهوم لطلبتهم ، سواء مفهوم الموافقة أو المخالفة ، لابد أن يستدلوا على مفهوم الموافقة فى سياق الشرح بهذا الجزء من الآية : [ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ] . فتحريم التأفف والإنتهار ، يفيد بمفهوم الموافقة تحريم مافوقه من الأفعال ، كالسب والضرب والإهمال أو حتى التجاهل .
فهاتان الآيتان قد اشتملتا من أنواع الإحسان ، على : الإحسان فى القول ، والإحسان فى الرعاية ، والإحسان فى المعاملة ، واختتمتا بالأمر بالإحسان فى الدعاء .
وكل هذا يشمل الأم والأب سواء بسواء .
ثم يأتى فى كتاب الله المجيد ، ذكر الوصاية ببر الوالدين فى ( سورة لقمان ) ، ولكن مع التركيز على بر الأم ، وذلك بذكر ماقامت به من جهد فى حملها ووضعها وحتى رضاعها ، ليكون تذكيرا للأبناء بمقدار المتاعب التى مرت بها الأم من أجل الإحسان لصغارها فى أحايين ضعفهم ووهنهم ، وليكون حاملا لهم على مقابلة هذا الإحسان بإحسان مثله تجاه هذه الأم لاسيما حين بلوغها من السن ماتمر به بنوع آخر من أنواع هذا الوهن والضعف . يقول الله تعالى :
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }لقمان14
فالأم فى الإسلام لايصح أن يتغافل عنها أبناؤها مهما كان الداعى ومهما كانت المشاغل ، فأى مشغلة فى الحياة لايصح أن تأتى على حق الأم بأى حال .. فالمسلمون يتميزون على غيرهم من أهل الكفر بأمور كثيرة بالطبع ؛ ومن أهمها قطعا بر الوالدين ، ففى الغرب الكافر قد يكون جزاء الأم فى نهاية حياتها أن تحيا بإحدى دور المسنين وحيدة شريدة ، تشتاق لبنيها وبناتها ولا تلقى منهم إلا التجاهل ، بل ويعتبرون شوقها إليهم شيئا من قبيل المذام ومحاولة الخروج على الطبيعة ، نظرا لما وصلوا إليه من قسوة فى القلوب ..
ولنقرأ سويا هذه الكلمات كما يحكيها الشيخ ( عبد الله الجلالى ) ، يقول :
[ التقيت برجل انجليزي كان كافراً ثم أسلم، فسألته عن سبب إسلامه فقال: كنت أعيش في بلادي هناك، وأبتعد عن أمي أشهراً وأعواماً، ثم ألتقي بها بعد السفر، فلا أقابلها إلا بالإشارة، وعشت في الكويت مدة من الزمن لدى أسرة مسلمة، فرأيت العاطفة في الأسرة، ففي الصباح يأتي الأولاد يقبلون رءوس آبائهم، ولا يستطيعون فراقهم زمناً طويلاً، وعلمت أننا قد فقدنا هذه الفطرة، فعرفت أن الإسلام هو دين الفطرة، فكان ذلك سبباً في إسلامي. وهذا شيء مشاهد، فإن الأمم الكافرة يعيش بعضها بعيداً عن البعض الآخر بالرغم من صلة القرابة الوثيقة، ثم بعد ذلك يلتقون فيكون اللقاء بارداً ]( 5 ).
فهذا الرجل كان كافرا ، ورؤيته لبر المسلمين بآبائهم وأمهاتهم كانت سببا فى إسلامه ، فأين المسلمين اليوم من هذا الباب العظيم من الدعوة ، ألا وهو الدعوة إلى الإسلام بإظهار أخلاق الإسلام ؟؟
فالبر بالأمهات والآباء والحنين المتبادل بين الذريات وأهليهم شيئ فطري ، ارتبط بأصل فطرة الإنسان ، ولكن مايثير الحزن ويحرك الأشجان مانراه اليوم من عقوق وإيذاء فِـعْـلـِـىّ للأمهات والآباء . والذى يزيد الأسف والبلاء أن ينتشر هذا حين ينتشر فى جموع المسلمين . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وكما جاء فى الحديث بالصحيحين ، حينما سأل الرجـلُ رسولَ الله ( صلى الله عليه وسلم ) : أحق الناس بحسن صحابتى ؟
فهذا الحديث بحق ، هو أصل عظيم من أصول تكريم الإسلام للأم .. الأم التى هى فى الأصل [ المرأة ] .
وهنا فى واقع المسلمين ، ترى من الناس من أشـْـرِبَ فى قلبه عادات الغرب الكافر من تقديم الزوجة على الأم ، فما عادت أمه تعنيه بالقدر الذى تعنيه فيه امرأته .
بل وفوق هذا كله ، حينما جاء الرجـل الذى يريد الجهاد فى سبيل الله [ جهاد طلب ] ، فالرجل يريد أن يغزو ، وجاء ليستشير النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ، فما أول شىء فعله النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ؟؟
سأل الرجل : [ ألك من أم ؟؟ ] . يقول الرجل : بلى ، فيأتى جواب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) حاسما فاصلا : [ الـزمها ] . ( 6 ) .
فما هذه المنزلة الرفيعة التى منحها الإسلام للأم ؟؟
بل لقد بلغت منزلة الأم فى الإسلام ، أن جعل الله برّها سببا من أسباب إجابة الدعاء ، ويتبدى هذا جليا الحديث الذى رواه الإمام مسلم فى صحيحه ، عن أسيد بن عمرو ، كان عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه ) إذا أتى عليه إمداد أهل اليمن سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟؟
حتى أتى على أويس فقال : أنت أويس بن عامر ؟؟
قال : نعم .
قال : مِـن مراد ثم من قرن ؟؟
قال : نعم .
قال : فكان بك برص فبرئت منه إلا موضع درهم ؟؟
قال : نعم .
قال : لك والدة ؟؟
قال : نعم .
فقال عمر ( رضى الله عنه ) : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول :
[ يأتى عليكم أويس بن عامر مع إمداد أهل اليمن ، من مراد ثم من قرن ، كان به برص فبرىء منه إلا موضع درهم ، له والدة هو بارّ بها ؛ لو أقسم على الله لأبرّه ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ] .
ثم قال عمر : فاستغفِرْ لى .
فاستغفرَ له .
ومَن عمر بن الخطاب ؟؟ هو الفاروق الأكبر ، الذى لو سلك فـجـّـا ؛ لسلك الشيطان فجا غيره . أعظم رجل فى الدنيا بعد الأنبياء وبعد الصديق أبى بكر ( رضى الله عنه ) . يبحث عن أويس ليدعو له ..
فما الذى بلغ بأويس هذه المنزلة ؟؟
برّه بـأمه .
فاللهم اجعلنا من البارين بآبائنا وأمهاتنا ، فى محياهم ومماتهم