تخطى إلى المحتوى

جوانب من الحياة الشخصية والاجتماعية لسيف الله رضي الله عنه 2024

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

نسبه ونشأته وصفاته:

هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن كعب، يكنى بأبي سليمان، أمُّه عصماء بنت الحارث بن حزن الهلالية – رضي الله عنها – يقال لها: لبابة الصغرى، ولد خالد بن الوليد بمكة المكرمة، ولم تكن العرب تهتمُّ بتحديد المولد، إلا أننا يمكن أن نقدر ميلاده من خلال معرفة سنِّه حين وفاته، حيث قدِّر عمْر خالد حين وفاته بـ (60) سنة[1]، وبالتالي يمكن أن نقول: إن خالدًا ولد قبل الهجرة بـ (40) سنة؛ أي سنة 580م تقريبًا.

نشأ خالد بين فتيان قومه من قريش، وتعلَّم الفروسية والكرم من البيئة التي كان يعيش فيها، وتأثَّر بعادات قريش المختلفة، وكان له مكانته الخاصة بين شبابها؛ لأنه عُدَّ من فرسانها المشهورين[2].

صفاته الخلقية والجسدية:

تمتَّع بقوة جسدية مميزة؛ فقد ثبت عنه في غزوة مؤته أنه قال: لقد انقطعتْ في يدي يوم مؤتة تسعةُ أسيافٍ، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية[3]، كما كان هناك شبهٌ كبير بين صفات خالد الجسدية وصفات عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حتى إن الناس خلطوا بينهما كثيرًا، فكانوا يحدثون عمر وهم يظنونه خالدًا والعكس، وهذا يدل على تشابه في القامة، وفي المشية بين الرجلين – رضي الله عنهما[4].

كما عُرف عن خالد صفات أخلاقية حميدة، مع حُنْكَةٍ وحسن قيادة اشتهر بها منذ شبابه وقبل الإسلام، جعلتْه يتسنم مكانة خاصة في قريش منذ وقت مبكر، حتى قال عنه الرسول – صلى الله عليه وسلم – حين قدم للإسلام من مكة: ((رمتْكم مكة بأفلاذ أكبادها))[5]، كما أصبح له موقعه المميز بين قواد الصحابة بعد إسلامه.

ففي مكة قبل إسلامه "كانت القبة والأعنة إلى خالد بن الوليد؛ فأما الأعنة فإنه كان يكوم على خيل قريش في الجاهلية في الحروب، وأما القبة فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش في حال الحرب"[6].

ولا شك أن أكبر دليل على استفادة قريش من إمكانات خالد القيادية – رضي الله عنه – وحسن قراراته، هو ما قام به من دور مع مشركي مكة في غزوة أُحد، حيث تمكَّن بانتهازه الفرصة المناسبة لقلب مسار المعركة لصالح قريش[7]، كما أنه قاد طلائع فرسان قريش أثناء غزوة الحديبية وقبل الصلح "خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زمن الحديبية، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين))، فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بفترة الجيش، فانطلق يركض نذيرًا لقريش"[8].

أراد خالد أن يميل على المسلمين ميلة إذا وقفوا في الصلاة، فنزل الوحي بصلاة الخوف، روى النسائي في سننه، قال: "صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلاة الظهر وعلى المشركين يومئذٍ خالدُ بن الوليد، فقال المشركون: لقد أصبنا منهم غرة، ولقد أصبنا منهم غفلة، فنزلتْ – يعني صلاة الخوف – بين الظهر والعصر، فصلى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلاة العصر…" الحديث[9].

ومن صفاته الشخصية:

رضي الله عنه – الإيثارُ وحب التضحية والفداء؛ ابتغاء ما عند الله، فقد ذكر عنه أنه قال: "ما من ليلة يهدى إليَّ فيها عروس أنا لها محب، وأبشَّر فيها بغلام، بأحبَّ إليَّ من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد في سرية من المهاجرين، أصبح بهم العدو"[10].

وكان خالد – رضي الله عنه – عميق التفكير، يصدر رأيه عن رويَّة وتبصر؛ فقد ورد أنه إذا حزبه أمرٌ وفكَّر فيه، نظر إلى السماء، ثم نظر إلى الأرض، وفكر مليًّا، وأخذ يطيل التفكير، ثم قرر رأيه[11].

ومن صفات خالد – رضي الله عنه – المشهورة الكرمُ العظيم؛ فقد كان يعطي من يفد إليه من أشراف العرب من ماله الخاص العطاءَ الكثير؛ حتى لامَهُ عمرُ بن الخطاب – رضي الله عنه – على ذلك[12].

وأما شجاعة خالد – رضي الله عنه – فأكبر من أن يتحدث عنها في هذه العجالة السريعة، فهو مضرب مثلٍ للمسلمين عبر العصور، وكان – رضي الله عنه – ممن يثبتون الناس مع ثباته بنفسه[13].

ولعل ما كان بجسده من أوسمة الجراح في كل موضعِ شبرٍ منه، يدل على شجاعته الفائقة، واقتحامه للوغى في ساحات القتال[14].

وأما علم خالد – رضي الله عنه – فكان جيدًا، إلا أنه لا يقارن بمن سبقه من الصحابة في الإسلام؛ لأنهم كانوا أكثر احتكاكًا منه بالرسول، وأطول بقاء معه، وبالتالي تلقَّوا المزيد من العلوم الشرعية، وحفظوا من القرآن أكثر منه، وكان خالد يحس بهذا الفرق والنقص، ويتألم لذلك؛ فقد ورد أنه أمَّ الناس بالحيرة أثناء فتوحه للعراق، فخلط في قراءته من سور مختلفة، فلما فرغ من صلاته التفت للناس، فقال: شغلني الجهاد في سبيبل الله عن كثير من قراءة القرآن[15].

ولا شك أن هذا النقص عند خالد – رضي الله عنه – عوَّضه ما كان يقوم به من جهاد في سبيل الله، وأن المسلمين يكمل بعضهم بعضًا، وفي الوقت نفسه فإن خالدًا – رضي الله عنه – كان من أعلم الناس بأحكام الجهاد؛ لحاجته لهذا الأمر، فقد سأله أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – حينما استعمله على حروب الردة: على ما تقاتل الناس؟ فأجاب خالد إجابة شافية تنم عن علم جم في هذا الجانب[16].

وأما قدراته في هذا الجانب، فيدل عليها قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن خالد إنه: ((سيف من سيوف الله))[17]، وهي صفة خُصَّ بها خالد – رضي الله عنه – من بين سائر الناس.

وكان خالد رجاعًا إلى الحق، فقد عاتبه الرسول – صلى الله عليه وسلم – بسبب خلاف بينه وبين عمار بن ياسر – رضي الله عنه – فما كان من خالد إلا أن لحق بعمار، وأخذ يترضاه حتى رضي عليه[18].

أسرته:

أسرته

والده:

الوليد بن المغيرة، كان من كبار رجالات قريش في زمن البعثة، وكان له عدد من الأولاد والأحفاد ممن لهم مكانة خاصة بين قريش، وأكسبه مركزًا قياديًّا بماله وولده، كان له دور في إعادة بناء الكعبة قبل البعثة[19].

يقال للوليد: ريحانة قريش، ويدعى بينهم بـ (الوحيد)، قال ابن عباس – رضي الله عنه -: كان الوليد يقول: أنا الوحيد بن الوحيد، ليس لي في العرب نظير، ولا لأبي المغيرة نظير، فقال الله – تعالى -: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ ﴾ بزعمه ﴿ وَحِيدًا ﴾ [المدثر: 11]، لا أن الله – تعالى – صدَّقه بأنه وحيد[20].

كان له عدد كبير من الأولاد، قيل: كانوا عشرة، وقيل: اثنا عشر؛ سبعة وُلدوا بمكة وبالطائف، وقيل: كانوا ثلاثة عشر ولدًا، من المعروف منهم سبعة رجال[21]، أسلم منهم في أوقات متفرقة ثلاثة: خالد، وهشام، والوليد بن الوليد – رضي الله عنهم[22].

كما كان له أموال عظيمة في مكة والطائف؛ حتى عُدَّ من أثرياء العرب[23].

كان الوليد مشركًا من ضلاَّل قريش، ممن يقدسون الأصنام ويتقربون إليها، قال عنه ولده خالد بعد إسلامه: "لقد كنت أرى أبي يأتي إلى العزى بخيرة ماله من الإبل والغنم، فيذبحها للعزى ويقيم عندها، ثم ينصرف إلينا مسرورًا، فنظرت إلى ما مات عليه أبي وذلك الرأي الذي كان يعايش في فضله، كيف خدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع"[24].

وقد كان الوليد معاندًا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومؤذيًا له، وقد نزلتْ فيه آيات من القرآن الكريم من سورة المدثر، في قوله – تعالى -: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴾ إلى قوله – تعالى -: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾[25].

يقول بعض المفسرين: أنه الوليد بن المغيرة المخزومي، خُص بالذِّكر؛ لاختصاصه بكفر النعمة وإيذاء الرسول – عليه السلام[26].

وكان الوليد يقول: إن كان محمد صادقًا، فما خُلقتِ الجنةُ إلا لي، فقال الله – تعالى – ردًّا عليه وتكذيبًا له: ﴿ كَلاَّ ﴾؛ أي: لست أزيده، فلم يزل يرى النقصان في ماله وولده حتى هلك.

وقد ذكر المفسرون أنه لما نزلت: ﴿ حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [غافر: 1، 2] إلى قوله: ﴿ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾[غافر: 3]، سمعها الوليد فقال: "واللهِ لقد سمعتُ منه كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشرٌ، فقالت قريش: صبأ الوليد، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فمضى إليه حزينًا؛ فقال له: ما لي أراك حزينًا؟ فقال له: ما لي لا أحزن؟ وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك بها على كبر سنِّك، ويزعمون أنك زينت كلام محمد، وتدخل على ابن أبي كبشة، وابن أبي قحافة؛ لتنال من فضل طعامهما، فغضب الوليد وتكبَّر، وقال: أنا أحتاج إلى كسر محمد وصاحبه، فأنتم تعرفون قدر مالي، واللاتِ والعزى ما بي حاجة إلى ذلك، وإنما أنتم تزعمون أن محمدًا مجنون، فهل رأيتموه قط يخنق؟ قالوا: لا والله، قال: وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه نطق بشعر قط؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أنه كذَّاب، فهل جربتم عليه كذبًا قط؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أنه كاهن، فهل رأيتموه تكهن قط؟ ولقد رأينا للكهنة أسجاعًا وتخالجًا، فهل رأيتموه كذلك؟ قالوا: لا والله، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يسمى الصادق الأمين من كثرة صدقه، فقالت قريش للوليد: فما هو؟ ففكَّر في نفسه، ثم نظر، ثم عبس، فقال: ما هو إلا ساحر! أما رأيتموه يفرِّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ فذلك قوله – تعالى -: ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ ﴾ [المدثر: 18]؛ أي: في أمر محمد والقرآن ﴿ وَقَدَّرَ ﴾ [المدثر: 18] في نفسه ماذا يمكنه أن يقول فيهما"[27].

وردت أخبار عن وفاة الوليد بن المغيرة، فقد عنون ابن حبيب في كتابه "المنمق في أخبار قريش" (حديث موت الوليد بن المغيرة)، وذكر أنه أوصى أبناءه من بعده بوصايا شقَّتْ عليهم وأرهقتهم، فيها انتقام وأخذ مال، وأداء مال، وقد كان موته قبل غزوة بدر[28].

أم خالد:

هي عصماء بنت الحارث بن حزن الهلالية – رضي الله عنها – ويقال لها: لبابة الكبرى، وهي أخت لميمونة بنت الحارث أم المؤمنين – رضي الله عنها – وأخت لأم الفضل بن العباس زوجة العباس بن عبدالمطلب – رضي الله عنه – وأم أبنائه[29].

أسلمتْ وحسُن إسلامها، وانتقلت إلى المدينة واستقرت بها، ورغم رحيل خالد إلى العراق ثم الشام واستقراره بها، إلا أنها بقيتْ في المدينة، وكان خالد يتردد عليها في المدينة من وقت لآخر[30].

وحينما بلغ أمَّ خالد وفاتُه وهي في المدينة أيامَ عمر بن الخطاب – رضي الله عنهم – بكتْه ورَثَتْه بأبيات من الشعر، فسمعها عمر بن الخطاب وأثنى على خالد وصبرها، وقال: هل قامت النساء عن مثل خالد؟[31] وكانت نساء بني المغيرة يجتمعن عند أم خالد في بيته في المدينة[32].

إخوة خالد وأخواته:

لقد كان لخالد بن الوليد – رضي الله عنه – عددٌ من الإخوة والأخوات، منهم من اشتهر، وخصوصًا من عاش منهم حتى أسلم، ومنهم من مات مشركًا.

ومن أشهرهم عمارة بن الوليد، وكان مقدمًا في قريش، بعثتْه إلى النجاشي مع وفدها في محاولة لإيذاء مهاجرة الحبشة من المسلمين، وقد هلك عمارة في الحبشة ولم يعد إلى مكة[33].

كما كان من إخوته أبو قيس بن الوليد، وقد قتل بمكة كافرًا[34].

ومنهم عبدشمس بن الوليد، وبه كان يكنى الوليد[35].

ومنهم هشام بن الوليد، وكانت فيه عجلة، وقد قتل أحد حلفاء قريش بعد غزوة بدر، وكاد أن يتسبَّب في انقسام بين قريش وحلفائها، حيث حاول شاعر الرسول – صلى الله عليه وسلم – حسان بن ثابت بما بثَّه من قصائد أن يزيد الخلاف بينهم[36].

وقد افتدى هشام أخاه الوليد بن الوليد قبل إسلامه حينما أسَرَه المسلمون في غزوة بدر الكبرى[37].

وقد عُدَّ هشام – رضي الله عنه – من مُسلمة الفتح، وعاش حتى آخر خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – [38].

ومنهم الوليد بن الوليد – رضي الله عنه – أُسر في غزوة بدر مشركًا، وبعد فدائه أسلم وحسُن إسلامه، فضيَّقتْ عليه قريش وحبستْه مع أمِّه التي أسلمتْ معه، وقد كان الوليد سببًا في إسلام خالد، حيث كان يكاتبه قبل إسلامه، ويلفت نظره إلى الإسلام[39].

وتدل روايات مختلفة على أنه مات في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم[40].

وأشهر أخوات خالد فاطمةُ بنت الوليد – رضي الله عنها – كانت زوجة للحارث بن هشام – رضي الله عنه – خرجتْ معه في غزوة أحد مع نساء المشركين؛ للتحريض على قتال المسلمين[41]، وقد أسلمت يوم الفتح وحسن إسلامها، ثم خرجت مع زوجها الحارث بن هشام – رضي الله عنه – إلى الشام، حيث استشهد في وقعة أجنادين [42]، واشتهر عن فاطمة أخت خالد أنها كانت تسكن معه في بلاد الشام، فكان يستشيرها في كثير من أموره ولا يعصيها[43].

زوجات خالد:

عُرف لخالد – رضي الله عنه – عددٌ من الزوجات عبر مراحل حياته المختلفة، وقد رصدتْ لنا الرواياتُ التاريخية بعض الأخبار عن تلك الزوجات، فمن زوجات خالد كبشةُ بنت هوذة بن أبي عمر من ولد رزاح بن ربيعة، وقد ولدت له سليمان بن خالد[44].

ومن زوجاته أم تميم الثقفية، وقد ولدت له ابنًا سماه عبدالله، وهو عبدالله الثاني الذي سمي على الأول بعد موته[45].

كما أن من زوجاته ابنةً لأنس بن مدرك الخثعمي، وهي أم لأبنائه عبدالرحمن والمهاجر وعبدالله الأكبر[46].

وقد كان خالد – رضي الله عنه – يتزوج في ظروف عسكرية صعبة عقب انتصاره في معارك مع أعدائه، ولعله يهدف من ذلك إلى إظهار قوته ورباطة جأشه؛ لأن الزواج في تلك الظروف يعني الاستهانة بالأعداء وعدم المبالاة بهم، وهو أسلوب اتَّبعه بعض القواد، فقد تزوج خالد من امرأة مالك بن نويرة أحد زعماء بني تميم، بعد مقتله على يد خالد في حروب المرتدين[47]، وقيل: إن الصديق أمره بطلاقها[48].

وقد ذكر أن خالدًا – رضي الله عنه – تزوج ابنة لمجاعة بن مرارة من بني حنيفة، بعد أن انتصر على مسيلمة وأتباعه من بني حنيفة في موقعة اليمامة[49].

ومما ورد من الروايات عن خالد قصة طلاقه لإحدى زوجاته، وقد سئل عن سبب طلاقها فقال: إني لم أطلقها لشيء رابني منها، ولكن لم يصبها بلاء مذ كانت عندي[50].

وإن كانت هذه العبارة مستغربة من خالد، إلا أنها تدل على تحمُّله ما يصيب زوجاته، وصبره على الأذى الذي يقع عليهن، وليس العكس.

أبناء خالد:

كان لخالد – رضي الله عنه – خمسةُ أبناء، أكبرهم سليمان، وبه كان يكنى، وعبدالله الأول وقد قتل بالعراق[51]، وعبدالله الثاني، والمهاجر، وكان خالد بن المهاجر مشهورًا بعدائه لبني أمية، شارك في حركة ابن الزبير ضد بني أمية، وكان شاعرًا فارسًا مشهورًا، وله عدة قصائد تحث على قتال بني أمية[52] أيامَ نزاعهم مع بني أمية.

كما أن أشهر أبناء خالد – رضي الله عنه – هو عبدالرحمن، أدرك النبيَّ – صلى الله عليه وسلم- وشهد اليرموك مع أبيه، وكان عمره ثماني عشرة سنة[53]، وقد عاش في زمن معاوية – رضي الله عنه – وكان مقربًا منه، وعُدَّ من مشهوري فرسان الشام في ذلك الوقت، وقد شهد القتال في صِفِّين مع معاوية – رضي الله عنه – وأهل الشام، وكان أحد الشهود الذين وقعوا على شهادة الصلح بين علي ومعاوية – رضي الله عنهما – في نهاية موقعة صفين[54].

واشتهر بالزعامة بين أهل الشام، ولشهرته بينهم؛ كان بعض شعرائهم يمدحه بالقصائد الخاصة، وقد كان عبدالرحمن بن خالد – رضي الله عنه – يشارك في الجهاد ضد الروم مع أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – وغيره من المعمَّرين من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن مجاهدي الشام، وقد وردت بعض الروايات عن ورعه وحرصه وتقواه، منها ما ورد عن خبر غزوة له في بلاد الروم وأنه "أتي بأربعة أعلاج من العدو، فأمر بهم فقُتلوا بالنبل صبرًا، فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري، فقال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينهى عن قتل الصبر، فوالذي نفسي بيده، لو كانت دجاجة ما صبرتُها، فبلغ ذلك عبدَالرحمن بن خالد بن الوليد، فأعتق أربع رقاب"[56].

وقيل: إنه شهد جنازة أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث – رضي الله عنها – ونزل في قبرها مع ابن عباس[57].

وقد زعم الزبيري أن ولد خالد قد انقرضوا ولم يبق منهم أحد، وأنهم قد ورثهم بعض العصبة من بني المغيرة من غير ذرية خالد[58]، على الرغم من أن بعض المؤرخين نسبوا بعض القبائل والبطون لخالد بن الوليد، إلا أن بعض الباحثين أيَّدوا انقطاع ذرية خالد، وهو الأقرب في نظري؛ إذ إن المؤيدين لانقطاع ذريته يتطرقون للحديث عن تقاسم العصبة للميراث، وخصوصًا الدور، وهذا مشهور في الحديث عن دور مكة والمدينة[59] على سوجه الخصوص، مما يؤيد القول بعدم وجود ذرية لخالد، وإلا كانوا أولى بميراث تلك الدور من غيرهم[60].

يتبع

    علاقات خالد بن الوليد

    علاقته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

    لقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعرف شخصية خالد، وما يتميز به من عقل بين فتيان قريش؛ ولذلك استغرب تأخُّره في الإسلام، وقد تحدث الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك أمام أخيه الوليد بن الوليد – رضي الله عنه – الذي كان مسلمًا؛ لينقل الحديثَ إلى خالد، وكان مما نقله الوليد أن الرسول قال في عمرة القضاء: ((أين خالد؟))، فقلت: يأتي به الله، فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((ما مثل خالد جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجدَّه على العدو، لكان خيرًا له، ولقدَّمناه على غيره))[61].

    لقد كانت معرفة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بخصائص خالد بن الوليد – رضي الله عنه – وثناؤه على عقله، دافعًا له للبحث عن الإسلام والقناعة به بعد ذلك.

    ثم بدأت العلاقة بين خالد ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – تأخذ شكلاً مميزًا، يتضح ذلك من يوم إسلام خالد، فيقول في الرواية التي نقلت عنه: "عمدت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلقيني أخي، فقال أسرع؛ فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينتظرك، فأسرعت المشي فطلعت، فما زال يتبسم لي – صلى الله عليه وسلم – حتى وقفت عليه، وسلَّمت عليه بالنبوة، فردَّ عليَّ السلام بوجهٍ طلق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً، رجوتُ أن لا يسلمك إلاَّ إلى خير))، قلت: يا رسول الله، قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معاندًا عن الحق، فادعُ الله يغفر لي، فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((الإسلام يجبُّ ما كان قبله))، قلت: يا رسول الله على ذلك، فقال: ((اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك))"[62].

    لقد كان خالد يحس من رسول الله عناية خاصة، حتى إنه قال: "ما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم أسلمت يعدل بي أحدًا من أصحابه فيما حزبه"[63].

    لقد كان خالد منذ أسلم يعرض على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما لديه من مشكلات مختلفة؛ ليوجِّهه الوجهة الصحيحة، فقد كانت تعرض له بعض المشكلات النفسية التي عرضها على رسول الله، حيث كان يرى في منامه ما يروعه، فشكا ذلك لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال له – صلى الله عليه وسلم -: ((قل: أعوذ بكلمات الله التامة، من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون))[64].

    كما أن وجود أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث في بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهي خالة لخالد – رضي الله عنه – مع وجود أم خالد حية تعيش في المدينة، جعل خالدًا ممن يدخلون كثيرًا بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخصوصًا حينما يكون في حجرة خالته ميمونة بنت الحارث – رضي الله عنها – ودلتْ أحاديثُ كثيرة على مشاركة خالد الطعامَ لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بيت الرسول، ومن ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس: "أن خالد بن الوليد الذي يقال له سيف الله، أخبره أنه دخل مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ميمونة – وهي خالته وخالة ابن عباس – فوجد عندها ضبًّا مَحْنُوذًا، قد قدمتْ به أختُها حُفيدةُ بنتُ الحارث من نجد، فقدَّمت الضبَّ لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يحدَّث به ويسمَّى له، فأهوى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبِرْنَ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – ما قدمتنَّ له، فقلن: هو الضبُّ يا رسول الله، فرفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده عن الضب، فقال خالد بن الوليد: أحرامٌ الضبُّ يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه))، قال خالد: فاجتررتُه فأكلته ورسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – ينظر إليَّ"[65].

    كما وردت أخبار أخرى في هذا الجانب، منها ما رواه الترمذي من حديث الفضل بن العباس – رضي الله عنه – قال: "دخلت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنا وخالد بن الوليد على ميمونة، فجاءتْنا بإناء فيه لبن، فشرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا على يمينه، وخالد على شماله، فقال لي: الشربة لك، فإن شئتَ آثرت بها خالدًا، فقلت: ما كنت أوثر على سؤرك[66]…" الحديث[67].

    وكذلك مما يدل على قوة علاقة خالد برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما ورد من كثرة استشارة خالد لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أمور الأسرة، ليس من باب الفتوى فقط؛ بل من أبواب الشكوى والإصلاح، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سلمة: "أن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس، أخبرتْه أن أبا حفص بن المغيرة المخزومي طلقها ثلاثًا، ثم انطلق إلى اليمن، فقال لها أهله: ليس لك علينا نفقة، فانطلق خالد بن الوليد في نفرٍ، فأتَوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بيت ميمونة فقالوا: إن أبا حفص طلق امرأته…" الحديث[68].

    وقد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – حَسَنَ الظن بخالد بن الوليد، فقد روى البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: "أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالصدقة، فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، وعباس بن عبدالمطلب، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس بن عبدالمطلب، فعم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهي عليه صدقة ومثلها معها))[69].

    ومع حسن تعامُل الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع خالد بن الوليد، فقد كان يؤدِّبه ويوجِّهه عند الحاجة، ويذكِّره بفضل الصحابة الذين سبقوه في الإسلام، فقد روى مسلم: "أنه كان بين خالد بن الوليد وبين عبدالرحمن بن عوف شيء، فسبَّه خالد، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تسبوا أحدًا من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا، ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه))[70].

    كما روى أحمد عن خالد بن الوليد – رضي الله عنه – قال: "كان بيني وبين عمار بن ياسر كلامٌ، فأغلظت له في القول، فانطلق عمار يشكوني إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فجاء خالد وهو يشكوه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: فجعل يغلظ له، ولا يزيد إلا غلظة، والنبي – صلى الله عليه وسلم – ساكت لا يتكلم، فبكى عمار وقال: يا رسول، ألا تراه؟ فرفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأسه قال: ((من عادى عمارًا عاداه الله، ومن أبغض عمارًا أبغضه الله))، قال خالد: فخرجتُ، فما كان شيء أحب إلي من رضا عمارٍ، فلقيتُه فرَضِيَ"[71].

    ومع هذا التوجيه والتأديب من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لخالد بن الوليد – رضي الله عنه – فقد كان يمنع من الإساءة إليه، روى مسلم في صحيحه قال: "قتل رجل من حمير رجلاً من العدو، فأراد سَلَبَه، فمنعه خالد بن الوليد وكان واليًا عليهم، فأتى رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – عوفُ بن مالك فأخبره، فقال لخالد: ((ما منعك أن تعطيه سلبه؟))، قال: استكثرتُه يا رسول الله، قال: ((ادفعه إليه))، فمر خالد بعوف فجرَّ بردائه، ثم قال: هل أنجزتُ لك ما ذكرتُ لك من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسمعه رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – فاستُغضب، فقال: ((لا تُعطِه يا خالد، لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنما مَثَلُكم ومثَلهم كمثَل رجلٍ استُرعي إبلاً أو غنمًا فرعاها، ثم تحيَّن سقيَها فأوردها حوضًا، فشرعتْ فيه، فشربتْ صفوَه، وتركتْ كدَرَه، فصفوُه لكم، وكدرُه عليهم))[72].

    وقد وضع البخاري في صحيحه بابًا سماه: باب مناقب خالد بن الوليد – رضي الله عنه[73].

    كما أثنى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على خالد بن الوليد فيما رواه الترمذي، الذي وضع بابًا خاصًّا في مناقب خالد بن الوليد – رضي الله عنه – روى فيه عن أبي هريرة قال: "نزلنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منزلاً، فجعل الناس يمرُّون، فيقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من هذا يا أبا هريرة؟))، فأقول: فلان، فيقول: ((نِعْمَ عبدُ الله هذا))، ويقول: ((من هذا؟))، فأقول: فلان، فيقول: ((بئس عبدُ الله هذا))، حتى مرَّ خالدُ بن الوليد، فقال: ((من هذا؟))، فقلت: هذا خالد بن الوليد، فقال: ((نعم عبدالله خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله))[74].

    وقد روى الإمام أحمد: "أن أبا بكرٍ – رضي الله عنه – عقد لخالد بن الوليد – رضي الله عنه – على قتال أهل الردة، وقال: إني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((نِعْمَ عبدُ الله وأخو العشيرة خالدُ بن الوليد، وسيف من سيوف الله سلَّه الله – عز وجل – على الكفار والمنافقين))[75].

    وقد كان خالد – رضي الله عنه – مستعدًّا لتنفيذ ما يأمره به الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقد ورد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعث عليًّا – رضي الله عنه – إلى اليمن، فبعث إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بذُهَيْبة، فقسمها بين الأربعة… فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدَعنا؟! قال: ((إنما أتألفهم))، فأقبل رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية، محلوق، فقال: اتقِ الله يا محمد، فقال: ((من يطع الله إذا عصيت؟! أيأمنني الله على أهل الأرض، فلا تأمنوني؟!))، فسأله رجل: أقتلُه؟ – أحسبه خالد بن الوليد – فمنعه، فلما ولى، قال: ((إن من ضِئْضِئِ هذا – أو في عقب هذا – قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدَعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتُهم لأقتلنهم قتل عاد))[76].

    وقد استعمل الرسول – صلى الله عليه وسلم – خالدَ بن الوليد – رضي الله عنه – على قيادة جيوش من المسلمين في أكثر من مرة[77]، فقد "أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم فتح مكة خالد بن الوليد – رضي الله عنه – أن يدخل من أعلى، فقُتل من خيل خالد بن الوليد – رضي الله عنه – يومئذٍ رجلان"[78].

    وقد شارك خالد بن الوليد – رضي الله عنه – في غزوة حُنين، وأبلى فيها بلاء حسنًا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبقية أصحابه، وأصيب في هذه الغزوة ببعض الجراح، فأخذ النبي – صلى الله عليه وسلم – يبحث عنه، ففي رواية لأبي داود: "عن عبدالرحمن بن أزهر قال: كأني أنظر إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد".

    وقد وضع البخاري في صحيحه بابًا سماه: باب بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – خالد بن الوليد إلى بني جذيمة[79]، وروى "عن سالم عن أبيه، قال: بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يُحسِنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيرَه، حتى إذا كان يومٌ أمر خالد أن يقتل كلُّ رجلٍ منا أسيرَه، فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي – صلى الله عليه وسلم – فذكرناه، فرفع النبي – صلى الله عليه وسلم – يده فقال: ((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)) مرتين"[80].

    وقد كان بعد إسلامه في مقدمة الجيوش التي يغزو بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقد وردت أخبار تدل على أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج في غزاة على مقدمته خالد بن الوليد[81]، كما روى البخاري في صحيحه عن البراء بن مالك – رضي الله عنه – قال: "بعثَنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع خالد بن الوليد إلى اليمن قال: ثم بعث عليًّا بعد ذلك مكانه"[82].

    وقد كان خالد بن الوليد – رضي الله عنه – أحد قواد النبي في غزوة تبوك، وثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – "بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة، فأُخذ، فأتوه به، فحقن له دمه، وصالَحه على الجزية"[83].

    وفي حجة الوداع حينما حلق النبي – صلى الله عليه وسلم – رأسه، خص خالدَ بن الوليد – رضي الله عنه – بشيءٍ من شعره، فأعطاه ناصيته، وقيل: إنهم ابتدروا شعره – صلى الله عليه وسلم – فأخذ خالد ناصيته، فجعلها في قلنسوته[84]؛ تبركًا بالنبي – صلى الله عليه وسلم -[85].

    وقد كان خالد – رضي الله عنه – يعيش في مجتمع المدينة بعد هجرته إليها كأي فرد من المسلمين، يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ويتأثر بما فيه من أحداث كأي فرد من المسلمين.

    وكان يشارك المسلمين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطهير المجتمع من المعاصي، وقد وردت العديد من النصوص التي تثبت مشاركة خالد في تنفيذ الحدود الشرعية على مستحقيها، فقد روى مسلم في صحيحه أن المرأة الغامدية التي زنتْ، بعد أن ولدت: "أتت النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدتُه، قال: ((اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه))، فلما فطمتْه أتتْه بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا – يا نبي الله – قد فطمتُه وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيُقبِل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضَّح الدمُ على وجه خالد فسبَّها، فسمع نبي الله – صلى الله عليه وسلم – سبَّه إياها، فقال: ((مهلاً يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكسٍ، لغفر له))، ثم أمر بها فصلَّى عليها ودفنت"[86].

    وقد روى خالد بن الوليد – رضي الله عنه – عدة أحاديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أورد بعضًا منها الإمامُ أحمد في مسنده في (باب حديث خالد بن الوليد)[87]، كما روى عن خالد جماعة من الصحابة والتابعين، منهم: (عبدالله بن عباس، وجبر بن عبدالله، وقيس بن أبي حازم، وأبو أمامة الباهلي، والمقدام بن معدي كرب، ومالك بن الأشتر النخعي، وأبو عبدالله الأشعري، واليسع بن المغيرة المخزومي)[88].

    يتبع

    علاقته مع الخلفاء رضي الله عنهم وأرضاهم

    علاقته بالخلفاء:

    عاصر خالد بن الوليد – رضي الله عنه – خلافة أبي بكر الصدِّيق وجزءًا من خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ولا شك أن علاقته بهذين الخليفتين مرَّتْ بأحداث مختلفة، فقد كان من أوائل المبايعين للصدِّيق، وألقى خطبة بعد البيعة اشتهرتْ عنه في الثناء على أبي بكر وتأييده، وقد أعجب أحدُ شعراء الأنصار بما قاله خالد في خطبته، فامتدح خالدًا ببعض الأبيات، ومنها:وَقَامَتْ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ كَثِيرَةٌ
    فَلَمْ يَكُ مِنْهُمْ فِي الرِّجَالِ كَخَالِدِ[89]

    كان خالد أهم أمراء الصدِّيق وقادته، استعمله في حرب المرتدين، وفي أول فتوحه في العراق، كما وجهه إلى الشام قبيل اليرموك، وقد كانت علاقة خالد بالصديق علاقة إمام للمسلمين وخليفة بقواده، يحترمهم ويقدرهم، ويحترم آراءهم، وعلى الرغم من وجود خلاف في وجهات النظر دعت الصديقَ – رضي الله عنه – إلى توجيه خالد وتقويمه في بعض الأحيان، مثلما حدث في مقتل مالك بن نويرة وزواج خالد من امرأته، إلا أن ثقة الصديق بخالد قوية لم تتزعزع، ولم تشبْها شائبة، ولذلك فإن الروايات التي أوردها المحدثون عن الصديق في ثناء النبي – صلى الله عليه وسلم – على خالد بن الوليد، أوردها الصديق ردًّا على من حاول الطعن في خالد بن الوليد، حينما عيَّنه الصديق في حروب الردة[90]، وقد دخل خالد على أبي بكر في يوم من الأيام، فرأى منه كل ما يحب، وخرج من عنده مسرورًا، فعرف عمر أن أبا بكر قد أرضى خالدًا[91]، واستمرت العلاقة بينهما حتى توفي الصديق – رضوان الله عليه.

    أما علاقة خالد بعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فهي علاقة احترام متبادل، رغم الخلاف في وجهات النظر بينهما في بعض المواقف، وقد حاول بعض المؤرخين التجني على هذه العلاقة، واختلاق أسبابٍ واهية للخلاف بينهما، فهم يتحدثون عن تأليب عمر لأبي بكر في محاولات متكررة لعزل خالد ومعاتبته باستمرار، وذهب بعضهم إلى أن العداوة بين خالد وعمر تعود لأيام الصبا؛ بسبب كسر خالد لرِجل عمر[92].

    وفي بداية خلافة عمر أصدر أمرًا بعزل خالد عن ولاية أجناد الشام، وتعيين أبي عبيدة بن الجراح – رضي الله عنه – مكانه[93]، وكان هذا العزل محلَّ استغراب، حتى إن أحد الشبان من بني مخزوم اشتدَّ على عمر في محاورة بينهما عن عزل خالد، فهدأه عمر ولم يردَّ عليه[94]، كما أن بعض المؤرخين ألمحوا إلى خطأ عمر في حق خالد[95].

    ومن خلال دراسة فاحصة للقضية، يتضح لنا هدف عمر من هذا العزل، وهو حرص عمر على عدم تقديس الأشخاص، من حيث رأى تعلق الناس بخالد؛ لكثرة انتصاراته، والناس في بلاد الفتح كانوا في مرحلة دخول في الإسلام، فخشي من غلو البعض في خالد، وأراد أن يكون تعلُّق الناس بالله لا بالبشر، وقد بيَّن عمر – رضي الله عنه – هذا الهدف بوضوح، حيث كتب رسالة عامة إلى الأمصار يبيِّن فيها أسباب عزل خالد، وكان مما ورد فيها: "إني لم أعزل خالدًا عن سخط ولا خيانة، ولكن الناس فُتنوا به، فخفتُ أن يوكلوا إليه، ويُبتلوا به، فأحببتُ أن يعلموا أن الله هو الصانع، وأن لا يكونوا بعرض فتنة"[96]، كما قال عمر: "أردت أن يعلم الناس أن الله إنما ينصر دينه"[97].

    وهذه النصوص واضحة في سبب العزل، وأنه ليس كرهًا لخالد، ولا علاقة له بأمور شخصية كما يتصوَّر بعضهم، وعلى الرغم من ورود أخبار مختلفة عن نقد عمر لتصرفات خالد في كثير من الأحيان، إلا أن عمر – رضي الله عنه – كان يحب خالدًا ويشفق عليه، فحينما أخطأ خالد – رضي الله عنه – في حق بني جذيمة، ناقشه عمر وبعض الصحابة – رضي الله عنهم – فقال خالد: فإني استغفر الله وأتوب إليه، فانكسر عنه عمر وقال له: ويحك، ائت رسول الله يستغفر لك[98]، وهذا يدل على حرص عمر على خالد، وشفقته عليه، وحبه له.

    كما أن عمر – رضي الله عنه – قال: لو أدركتُ خالدًا ثم وليته، ثم قدمت على ربي فقال لي: من استخلفتَ على أمة محمد؟ لقلتُ: سمعت عبدك وخليلَك يقول لخالد: ((سيف من سيوف الله، سله الله على المشركين))[99].

    وقد كان عمر يثني على خالد كثيرًا في غيابه وبعد فاته، حيث إنه سأل أحد الشعراء عن ما قاله في خالد بن الوليد، وطلب منه أن ينشده ما قال في خالد، فأنشده، فقال له عمر: قصرتَ في الثناء على أبي سليمان – رحمه الله – ثم قال: إنه ليحب أن يذل الشرك وأهله، وإن كان الشامت به لمتعرِّض لمقت الله، ثم أنشد أبياتًا لأحد الشعراء في الرثاء، وقال: "رحم الله أبا سليمان، ما عند الله خيرٌ له مما كان فيه، ولقد مات سعيدًا، وعاش حميدًا، ولكني رأيت الدهر ليس بقائل"[100].

    وبالمقابل فإن خالدًا، وعلى الرغم من أنه رأى قسوةً من عمر – رضي الله عنه – إلا أنه كان يقدِّر الأسباب التي دفعتْ عمرَ لمثل هذه التصرفات؛ ولذلك فإنه حين حضرتْه الوفاة قال: "عرفتُ أن عمر كان يريد اللهَ بكل ما فعل، كنت وجدت في نفسي حين بعث إليَّ من يقاسمني مالي، حتى أخذ فردَ نعلٍ، وأخذت فرد نعل، فرأيته فعل ذلك بغيري من أهل السابقة، ومَن شهد بدرًا، وكان يغلظ عليَّ، وكانت غلظته على غيري نحوًا من غلظته علي، وكنت أدلي عليه بقرابة، فرأيته لا يبالي قريبًا، ولا لوم لائم في غير الله، فذلك الذي أذهب ما كنت أجد عليه، وكان يكثر علي عنده، وما كان ذلك مني إلا على النظر، كنت في حرب ومكايدة، فكنت شاهدًا، وكان غائبًا، وكنت أعطي على ذلك، فخالفه ذلك من أمري، فقد جعلت تركتي ووصيتي وإنفاذ أمري إلى عمر بن الخطاب"[101].

    ولا شك أن اختيار خالد لعمر على وصيته من بعده[102] يدل على ما لعمرَ في نفس خالد، وقناعته بتصرفاته، وصفاء نفسه نحو عمر، وحسن ظن خالد به – رضي الله عنهما.

    يتبع

    سكنه ومتاعه ومطعمه

    سكن خالد:

    من المعروف أن خالد بن الوليد – رضي الله عنه – قد أقام في مكة قبل إسلامه، وكان يسكن في دور آل المغيرة من بني مخزوم، ولهم فيها آبار خاصة، وكانت مواقع رباعهم في أجياد[106] من مكة المكرمة، وكانت للوليد بن المغيرة ولأبنائه دورهم الخاصة في هذا الرباع[107]، حيث كان لخالد مكانة خاصة بين أبناء الوليد.

    كما اتخذ خالد دارًا في المدينة بعد إسلامه وهجرته إليها، وهي الدار التي أقامت فيها أمُّه حينما سكنتِ المدينة، وكانت على ما يبدو قريبة من سكن خالته أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، كما ورد أنه اتخذها بالبطيحاء في المدينة، وكانت بجوار دار لعمرو بن العاص، في الناحية الشرقية من المسجد النبوي[108]، وقد شكا خالد بن الوليد ضيق منزله لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال له: ((اتسع في السماء))[109]، وقد استمرتْ أم خالد تعيش في داره بالمدينة رغم رحيله إلى العراق ثم إلى الشام، وهذه الدار هي التي كانت فيها حين بَلَغَها موتُ خالد بن الوليد، واجتمعت فيها نساء بني مخزوم عند أم خالد حين بلغها وفاته.

    وقد ورد أن خالدًا حبس داره بالمدينة لا تباع ولا توهب[110].

    وقد تنقل خالد – رضي الله عنه – أثناء حروبه ضد المرتدين وأثناء فتوحه في العراق، ويبدو أنه لم يستقرَّ بمكان معين أثناء تلك المرحلة من حياته، ولعله أسكن أهله في الحيرة كغيره من المجاهدين بعيد فتحها، حيث ذكر موت بعض أبنائه فيها[111]، ويظهر من نصوص مختلفة أنه كانت تضرب له قبة من أدم في تنقله أثناء الجهاد[112]، وبعد جهاده في الشام استقر به المقام في حمص، بعد أن قسمت الخطط فيها على الفاتحين من العرب[113]، فكان له بها دار وجيران[114].

    وتدل الروايات أنه كان يخرج باستمرار تحت لواء أبي عبيدة مجاهدًا، فلما توفي آثر خالد – رضي الله عنه – الاستقرار في داره بحمص، ولم يخرج منها[115].

    وقد ورد ذكر لهذه الدار في بعض الروايات، ففي رواية عند مالك ما يدل على وجود سقيفة في حجرة مغلقة في دار خالد بن الوليد[116].

    وقد وردت بعض الأخبار عن زيارة مفاجئة لعمر بن الخطاب لخالد بن الوليد – رضي الله عنهما – في داره بحمص[117]، كما وردت روايات عن زيارات مختلفة لأبي الدرداء الأنصاري – رضي الله عنه – لخالد في داره بحمص[118]، ولا شك أنه كان لخالد في داره عدد من الجيران احتك بهم، وتعامل معهم كما يتعامل الكرماء من الرجال مع جيرانهم، وهو المشهور بالكرم والشهامة.

    متاعه:

    كان خالد بن الوليد – رضي الله عنه – زاهدًا متقشفًا، قليل المتاع، وتدل النصوص التاريخية على ذلك، فقد زاره عمر بن الخطاب في داره بحمص على حين غفلة؛ لينظر ما عنده من متاع "فدخل فوجد خالدًا يصلح نبلاً له، ورأى عمر في بيته صُندوقًا، فظن أن فيه مالاً، ففتحه عمر – رضي الله عنه – فإذا فيه أدرع من حديد، فسكت وخرج"[119].

    كما عرف عنه أنه حبس أدرعًا وأعتدة في سبيل الله[120]، ولعل أهم متاع خالد الذي يمكن الحديث عنه هو سلاحه، حيث ذُكر له عدد من الأسياف، منها "المرسب، وهو ذو القرط، وآخر يقال له: الأدلق، وآخر يقال له: القرطبي، وقال في يوم مؤته:أَنَا أَبُو سَلْمَانَ سَيْفِي المِرْسَبْ
    ابْنُ الوَلِيدِ مُنْجِبٌ لِمُنْجِبْ
    أَعْلُو بِهِ كُلَّ امْرِئٍ مُكَذِّبْ
    بِأَحْمَدَ المُطَهَّرِ المُطَيَّبْ"[121]

    ومن المعلوم أنه كان لديه خيل مختلفة عبر مراحل حياته، كان يعتني بها عناية خاصة، وكانت أحدها تسمى العيار مشهورة بين العرب، شهد بها وقعة اليمامة، قال فيها أحد الشعراء:وَلَقَدْ شَهِدْتُ الخَيْلَ يَوْمَ يَمَامَةٍ
    يَهْدِي المَقَانِبَ فَارِسُ العَيَّارِ[122]

    ولا شك أن دار خالد كان فيها متاع يكفي لحياة رجل عادي فيه زهد وكرم، إلا أن ما وقفت عليه من نصوص لا يغطي هذه القضية كما كنت أتصور.

    مطعمه:

    كان خالد – رضي الله عنه – عربيًّا، في مطعمه خشونة، كحال العرب الذين تربوا في المعاش الخشن، ولا شك أن خالدًا اعتاد على طعام أهل الحجاز بأنواعه المختلفة، والنصوص عن طعام خالد قليلة؛ لكنه ثبت أنه شرب اللبن بحضرة النبي – صلى الله عليه وسلم – في دار خالته ميمونة على أرجح الآراء، كما أنه أكل الضبَّ بين يدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وهذا دليل على خشونته في مطعمه، وطبعه الذي يميل إلى البداوة، ولا شك أن الطعام في حياة خالد قد تغيَّر بعد سكنه في بلاد الشام؛ نظرًا لما تتميز به بلاد الشام من أصناف الأطعمة الكثيرة والمتميزة، إلا أن خالدًا – رضي الله عنه – لم يكن من الذين يهتمون بالطعام، وقد زاره أحد العرب في داره فقدم له طعامًا من اللحم والتمر واللبن، فلم يقنع صاحبه، ولم يكن ذلك بخلاً من خالد وهو المشهور بالكرم، لكن صاحبه كان أكولاً على ما يبدو[123]، ولعل زيارة عمر – رضي الله عنه – لدار خالد في حمص تدل على شيء من هذا القبيل، وإن لم تنصَّ عليه؛ نظرًا لما ذكرتْه من رؤية عمر لأصناف من الطعام عند بعض من زارهم من المسلمين، ولم يرَ في دار خالد سوى السلاح[124].

    ملبسه:

    كان خالد عربيًّا يلبس لباسهم، ويعيش حياتهم، ويمكننا أن نستشف من النصوص بعض ما كان يلبسه خالد، فقد وردت رواية عن لبس خالد للثياب، حيث كان خالد بعد فتح الحيرة متوشحًا ثوبًا قد شد طرفيه في عنقه وهو يحدث الناس[125].

    كما اشتهر عن خالد لبسه للقلنسوة، وهي غطاء الرأس، حيث كانت لديه قلنسوة قديمة يغسلها ويلبسها في مواضع الجهاد ويتفائل بها؛ لأنه وضع فيها بعضًا من شَعر النبي – صلى الله عليه وسلم[126].

    كما كان خالد يلبس الحذاء كغيره من العرب، وقد وردت نصوص تدل على ذلك[127].

    وكان يلبس العمامة، ويسافر بها، ويربط بها السهام[128].

    كما ورد أنه قدم المدينة وعليه قباء عليه صداء الحديد[129].

    وورد أنه قدم المدينة وعليه قميص[130].

    وكان خالد – رضي الله عنه – رجلاً نظيفًا يرود الحمامات حينما أقام بالشام، وورد أنه كان يدلك جلده ببعض ما يرى أنه يزيد من نظافته[131].

    يتبع

    وفاته وتركته

    وفاته:

    من الثابت أن خالد بن الوليد – رضي الله عنه – توفي سنة إحدى وعشرين للهجرة، وكانت وفاته في حمص، وبها دُفن، وقد وردت روايات أخرى ضعيفة وواهية تفيد بوفاته في المدينة، وقد ناقشها العلماء، وردُّوا عليها وأنكروها[132].

    ولعل سبب خلط الناس فيها هو سماعهم بتعزية عمر – رضي الله عنه – لأم خالد في المدينة، وما وقع من اجتماع عند أمِّه في داره حين بلغها خبرُ موته، فخلط بعضهم بين روايات وصول الخبر لعمر والعزاء لأمه في المدينة، وبين روايات موته.

    وقد ورد أن الصحابي الجليل أبا الدرداء – رضي الله عنه – حضر وفاة خالد – رضي الله عنه – في حمص ووصيته[133].

    ووردت روايات مختلفة عن اللحظات الأخيرة في حياة خالد بن الوليد، منها تمنيه للشهادة، وأنه بكى ثم قال: لقد حضرت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف، أو طعنة برمح، وهأنا أموت على فراشي حتف أنفي، لا نامت أعين الجبناء[134]، وذكر عنه – رضي الله عنه – أنه قال عند وفاته: "ما من ليلة يُهدى إليَّ فيها عروس أنا لها محب، وأبشَّر فيها بغلام، بأحب إليَّ من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد في سرية من المهاجرين أصبِّح بهم العدو"[135].

    وحينما بلغ عمرَ بن الخطاب – رضي الله عنه – وفاةُ خالد بن الوليد – رضي الله عنه – أثنى عليه خيرًا، وزار أمه وعزاها في خالد، ورأى نساء بني المغيرة يبكين خالدًا، فقال: "وما عليكَ أن تبكي نساء قريش أبا سليمان، ما لم يكن نقع ولا لقلقة، والنقع شق الجيوب، واللقلقة رفع الصوت"[136].

    وقد نقل ابن عساكر رواية عمَّن غسَّل خالدًا – رضي الله عنه – بعد موته، ذكر فيها أنه نظر إلى ما تحت ثيابه، فوجد أن في كل موضع منه ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم[137].

    تركته:

    ليس عندنا تفصيلات دقيقة عن تركة خالد – رضي الله عنه – ويبدو أنه لم يكن يكنز من ماله شيئًا؛ بسبب كرمه الشديد، مع أنه كانت تأتيه أموال عظيمة من الغنائم ومن السَّلَب[138]، حيث كان يقتل بنفسه كثيرًا من القادة الروم أو الفرس، فيكون له سلبهم يتميز به المجاهد بأمر الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((من قتل قتيلاً فله سلبه))[139]، وقد ورد أنه ترك فرسًا وسلاحًا وغلامًا، فبلغ ذلك عمر – رضي الله عنه – فدعا له، وقال: رحم الله أبا سليمان، إن كنا لنظن به غير ذلك[140].

    وقد أوصى خالد – رضي الله عنه – بأن تعلف فرسه من ماله[141]، مما يدل على أنه ترك شيئًا من المال يسد حاجة الفرس.

    رضى الله عنه

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.