تخطى إلى المحتوى

جيوتسايغو لؤلؤة الصين الطبيعية 2024

  • بواسطة

الونشريس

الونشريس

مَن زار مدينة شنغدو الصينية عاصمة العلم والثقافة وقبلة المستثمرين ، وعرج منها إلى مرتفعات إيمي شان التي تبعد نحو 250 كيلو متراً عنها ، والتي يجثم عليها تمثال ضخم لبوذا مطلي بالذهب .

حيث يصافح الضباب ، ويشرف على قمم جبلية تتسم بالخضرة والجمال ، يراوده الحنين للعودة إليها ثانية لينهل من منابع جمال الطبيعة العلم الكثير والمعرفة المفيدة ، وذلك بزيارة الحديقة الوطنية المشهورة باسم جيوتسايغو ، كما يطلق عليها (( الجنة في الأرض )) لما تحويه من جبال ووديان وغابات خضراء وبحيرات متعددة الألوان التي هي بمثابـة أسطـورة .

جيوتسايغو محمية طبيعية تقع في مقاطعة سيتشوان في جنوب غرب الصين ، تمتد نحو 240 كيلو متراً مربعاً في منطقة جبلية معروفة بمرتفعاتها الشاهقة ، وقد سُميت بوادي القرى التسع نسبة لوجود تسع قرى تبتية محيطة في المكان .

هذه المنطقة تعتبر لؤلؤة الصين الطبيعية حيث تتجاور الجبال الخضر شاهقة الارتفاع مع الوديان السحيقة ، وجميعها تحتضن الشلالات التي تستقبل ماءها من أعالي المرتفعات لتغذي البحيرات الزرقاء مكونة لوحة جمالية تسلب الألباب ، فمَن يشاهدها يحسب أنه تحت تأثير حلم جميل ، ولكنه سرعان ما يعيش الحقيقة والواقع مجسداً ذلك في أجمل الصور التذكارية .

وادي جيوتسايغو هو أول حديقة أنشئت في المنطقة عام 1978 وكان التركيز فيها على مكافحة قطع الأشجار ، ومن بعدها تحولت إلى مزار يؤمه ملايين السياح بأعداد كبيرة من جميع المناطق الصينية .

يفتح الوادي راحتيه لاستقبال الزوار مرحباً بهم مع تباشير كل يوم جديد ، فيشد انتباههم لون الطبيعة الخلاب المتناسق ويوقظ عندهم شغف مشاهدة الجمال الباعث على الهدوء والسكينة والحنان في رومانسية من وحي الطبيعة ، إضافة إلى الوضوح والصفاء .

فسحر الجمال يكافح الإعياء الشديد الذي يصيب عضلات الزوار من جراء السير الطويل في طرقات متشعبة ، يستجمعون طاقة أجسادهم وقواهم ويصعدون سلالم خشبية بممرات ضيقة تصل أطوالهــا إلى أكثر من 70 كيلو متراً تيسيراً لهــم كــي يصلــوا إلى أماكــن غير مرئيــة مــن الطريق بهـدف المشاهـدة والتصويـر .

يمتد الوادي لمسافة 12 كيلو متراً من البوابة الرئيسية وحتى يتفرع إلى فرعين على شكل حرف Y بالإنجليزية بطول 17 كيلو متراً يميناً ، و20 كيلو متراً يساراً ، حيث يبلغ إجمالي طوله نحو 40 كيلو متراً تتنوع بين جبال خضراء ، وأخرى صخرية جرداء وبحيرات زرقاء وكذلك شلالات فضية .

موقع استراتيجي

يقع وادي جيوتسايغو (( الحديقة الوطنية الصينية )) في منطقة طبيعية تكثر فيها الجبال الشاهقة والوديان السحيقة ، ما جعل سبيل الوصول إليها محفوفاً بالمخاطر والصعوبات عبر الطريق البري شديد الانحدار والضيق جداً ، فهو مكون من مسارين فقط في الاتجاهين ذهاباً وإياباً .

لذا أنشأت الحكومة الصينية مطار تشيو شوانغ على قمم المرتفعات المتشحة باللون الأخضر وعلى ارتفاع نحو 2160 متراً عن مستوى سطح البحر ، فهو مخصص لهبوط الطائرات الصغيرة التي تقل ملايين السياح سنوياً من شتى المدن الصينية عبر 7 شركات طيران محلية وطنية تعزز السياحة الداخلية وتدعم الاقتصاد الصيني .

ويشهد المطار حركة طيران دؤوبة على مدار الساعة ، حيث يستقبل عشرات الطائرات يومياً ، فمن مدينة شنغدو وحدها يستقبل 23 طائرة يومياً خلال الذروة السياحية الواقعة خلال فترة الصيف ، و15 رحلة خارج نطاق الذروة أي بقية أيام السنة ، فما بالك بعدد الرحلات القادمة من بقية المدن ؟ .

هذا على الصعيد الجوي أما على الصعيد البري ، فهناك مئات المكاتب السياحية المنتشرة في جميع المدن بالتنسيق مع دائرة السياحة تنطلق منها الحافلات الكبيرة والصغيرة والسيارات لخدمة السياح ، ومن باب الحرص على راحتهم أنشئت رحلات سريعة ومريحة أي خدمة الـ Vip مع مرشدين سياحيين لمَن يرغب في ذلك مقابل نسبة زيادة في السعر على الرحلات العادية ، وجميع هذه الخدمات متوافرة على مدار العام وعلى مدى 24 ساعة .

الانطلاقة المنتظرة

ما إن تغادر مبنى مطار تشيو شوانغ حتى يلفحك برد رطب لم تلمسه قبل مغادرة مدينة شنغدو التي تبعد 35 دقيقة طيران ، فالفرق شاسع في درجات الحرارة ، ففي شنغدو درجة الحرارة 32 بينما في مطار تشيو شوانغ والمنطقة المحيطة به أقل من ذلك .

وفور الخروج من المطار تجد طابوراً طويلاً من الحافلات الكبيرة والصغيرة في انتظار القادمين حتى تقلهم إلى وجهتهم المقصودة ، والعاملون عليها يتهافتون لتقديم الخدمات ، وما إن تأخذ مكانك في إحداها وبعد اكتمال العدد تبدأ التحرك نحو طريق ملتوٍ شديد الانحدار ساعتها يتملكك الخوف من خطأ بشري يؤدي إلى الهلاك .

فالطريق محفوف بالمخاطر على مسافة تقارب 150 كيلو متراً ولكن جمال المناظر يدرأ عنك الخوف ويجعلك شغوفاً بالنظر يميناً ويساراً ، فترى أشجاراً أوراقها الملساء تلمع مثل حبات الكريستال بعد غسلها بقطرات الندى نتيجة انعكاس أشعة الشمس الذهبية عليها ، وتجاورها شجيرات تتباين في ألوانها وارتفاعاتها تفترشها نباتات عشبية وزهور متعددة الألوان تزيدها رونقاً وجمالاً .

حمام الغابة

في ركن مرتفع من الوادي هناك الغابات البدائية (( الأولية )) على ارتفاع 2960 متراً فوق مستوى سطح البحر ، تبلغ مساحتها 540 هكتاراً وتسمى تشوزنغ فالي أي حمام الغابة ، سُميت بهذا الاسم نظراً لما تتمتع به من غطاء نباتي مكون من أشجار الفير والسبيروسس التي تتراوح ارتفاعاتها بين 15 و27 متراً وتنمو تحتها نباتات يصل ارتفاعها إلى عشرات السنتيمترات .

فالأشجار متلازمة وتمتد على مرمى البصر وتظلل المكان فتبهج العين وتريح الصدر بهوائها العليل ، ما يضفي البهجة والسرور والراحة أثناء التنقل في ظلالها ، فما إن ينال منك التعب عليك الجلوس على أحد المقاعد الخشبية المنتشرة بالمكان طلباً للراحة .

الشلالات الماسية

أثناء مسيرك في الثلث الأول من الوادي يطرق سمعك خرير مياه تنسدل من جروف الجبال التي ترتفع 65 متراً ، تنساب من بين الصخور الصلدة نحو أحضان الأشجار الواقفة في طريقها لتكسبها رونقاً جميلاً ، تتفرق حيناً مكونة خيوطاً ماسية متباينة العرض والطول والمسار مكونة شلالاً ضخماً .

فالشلالات متعددة منها الصغيرة وهي كثيرة ، أما الكبيرة فعددها 4 شلالات مشهورة وهي (( شلال نوران وهو الأعرض ،، وشلال بحر الباندا ويكون موسمياً أي بعد هطول الأمطار وذوبان الجليد ،، وشلال اللؤلؤ ،، وشلال شوتنغ )) .

بحيرات زرقاء

يوجد في الوادي 23 بحيرة متباينة في مساحاتها وعمقها والألوان المنعكسة عنها وتجتمع جميعاً في نقاء المياه ، فالماء فيها صافٍ كالبلور يحاكي زرقة السماء وخضرة الأشجار المحيطة حتى يمكن مشاهدة ما يستريح في قيعانها .

فكلما سطعت أشعة الشمس على سطح الماء تظهر علامة مضيئة كالمرآة ، وتبدو ألوان الماء مختلفة من عدة زوايا عاكسة الأشجار المحيطة في المكان وظلالها ، كما تعكس السماء الصافية وما بها من غيوم بيضاء تشبه الثلج .

أجمل اللحظات تعيشها عندما تقف أمام إحدى البحيرات وقد تجاورت فيها ألوان الأصفر والأخضر والأزرق والأبيض الفضي ، وعلى جنباتها تتزاحم الأشجار بأوراقها وأحجامها تقف شاهدة على جمال الصورة ، بينما تبدو في الأفق تلال جبلية شاهقة رافعة أعناقها إلى عنان السماء بعضها مكسو بالثلوج البيضاء وأخرى تلبس حلة خضراء .

وبعد ذوبان الثلوج تسيل المياه من فوق المرتفعات لتسهم في زيادة مخزون البحيرات الجميلة التي يتدافع عليها الزوار مشرعين كاميراتهم نحوها حتى قيل إن المصورين الهواة يحصلون على أجمل الصور لتلك المناطق ، فالماء الرقراق فيها يفضح ما تحته من صخور ونباتات وأغصان أشجار مشكلة لوحة فنية رائعة الجمال ، يبدو للناظر ألا ماء فيها لولا نسمات خفيفة تحرك وجه الماء برفق وحنان .

تراث أصيل محفوظ بالقوانين

بما أن الوادي يضم تسع قرى تبتية فإن وزارة السياحة الصينية تحافظ على العادات والتقاليد التبتية إضافة إلى قومية تشيانغ القديمة التي تعيش في الوادي .

فخلال تجوالك في المنطقة ترى فتيات ، وقد ارتدين الزي الصيني التقليدي الذي يمتاز بتعدد الألوان المتناسقة والذي يمثل الحضارة الصينية يدعين السياح لالتقاط الصور التذكارية معهن ، فتخالهن فراشات بين الزهور ما يدل على مدى اهتمام تلك القرى بتراثها والحفاظ عليه من الاندثار .

فهناك قول مشهور عند أهالي تلك القرى يشير إلى أنه يجب مشاهدة المناظر الطبيعية نهاراً وتجريب العادات والتقاليد الشعبية ليلاً ، حيث يتعايش أبناء مختلف القوميات التبتية ما يشكل جواً ثقافياً فنياً مميزاً للاندماج التام بين الطبيعة والإنسان ، وهذا يستقطب ملايين الزوار سنوياً .

كما عززت دائرة السياحة الصينية أسلوب المحافظة على التراث الأصيل بالتنسيق مع الفنادق وشركات نقل السياح والمكاتب السياحية بالدعاية لعرض مسرحيات وإقامة حفلات فنية ساهرة يتم من خلالها التعريف بالعادات والتقاليد الخاصة بالشعب التبتي عبر السنين من زراعة وتعاون وإخلاص للرب وعبادته المقرونة بالدفاع عن النفس والحماية من غضب الطبيعة بالتآلف والمحبة حسب معتقداتهم .

الونشريس

    الونشريس

    يسلمووووووو

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.