* هل نستطيع الحد من مخاطر الإصابة بالسرطان من خلال تناول مجموعة الفيتامينات المتعددة يوميا؟ أعلن باحثون في جامعة «بوسطن» أخيرا عن نتائج أكبر تجارب عملية على المدى الطويل عن الفيتامينات المتعددة «multivitamins» في الولايات المتحدة والتي اشتملت على 14 ألف طبيب ذكر، يبلغ عمرهم خمسين فما فوق واستمرت لما يزيد على عشر سنوات. واكتشفت التجارب أن تناول مجموعة من الفيتامينات والمعادن الأساسية كل يوم يحد من مخاطر الإصابة بالسرطان بنسبة 8 في المائة، مقارنة بتناول قرص من دواء وهمي.
* تناول الفيتامينات المتعددة
* الفئة الأكثر استفادة كانت من الرجال الذين أصيبوا بسرطان في مرحلة عمرية مبكرة من حياتهم حسب ما كشفت الدراسة. كذلك تراجعت الوفيات بسبب السرطان بين من يتناولون الفيتامينات، على الرغم من ندرة هذا. الأمر المثير للفضول هو أن النظام الغذائي الذي يشمل الفيتامينات لم يقلل معدل الإصابة بسرطان البروستاتا، وهي أكثر أنواع السرطان شيوعا لدى الرجال. كذلك نظر الباحثون في الآثار الجانبية واكتشفوا أن تناول الفيتامينات بصورة يومية لم يتسبب إلا في مشكلات بسيطة مثل ظهور طفح جلدي مؤقت.
وعلى الرغم من أن نسبة الـ8 في المائة ليست سوى نسبة ضئيلة، فإن الدكتور ديمتريوس ألبينز، كبير الباحثين في المعهد القومي للسرطان، يقول إن التأثير المحتمل على الصحة العامة كبير. وأوضح قائلا: «إذا فكرت في مئات الآلاف من حالات السرطان الجديدة التي تحدث كل عام، ستدرك أن نسبة الـ8 في المائة تعد إضافة كبيرة». مع ذلك لا يندفع أحد نحو حث الأميركيين على تناول الفيتامينات المتعددة. وعلى الرغم من أن نصف عدد السكان يتناول بالفعل أنواعا من المكملات، فقد جاءت نتائج الدراسات السابقة متباينة.
* غذاء متوازن
* تم إيقاف تجربة عدد كبير من المواد الغذائية التي يعتقد أنها مقاومة لمرض السرطان قبل موعدها بسبب نتائجها العكسية؛ حيث أدت إلى زيادة احتمال الإصابة بالمرض بدلا من تقليله. وتشجع الإرشادات الغذائية الفيدرالية الحالية وتوصيات جمعية السرطان الأميركية الناس على تناول غذاء متوازن يحتوي على كمية وفيرة من الفاكهة والخضراوات.
وحتى هذه اللحظة، هناك إجماع على عدم وجود أدلة كافية تدعم تناول مجموعة الفيتامينات المتعددة للوقاية من السرطان أو أمراض مزمنة أخرى. وعلى الرغم من أن نتيجة التجربة الكبيرة التي أجريت في إقليم لينكسيان بالصين كانت هي انخفاض احتمال الإصابة بسرطان المعدة لدى الأشخاص الذين تناولوا مجموعة متنوعة من الفيتامينات من بينها فيتامين «إي» والسلينيوم والبيتا كاروتين، عانى هؤلاء من مشاكل تغذية مزمنة وانتشر بينهم سرطان المعدة أكثر من انتشاره في الولايات المتحدة.
وخلص تقرير صادر عن المعاهد القومية للصحة عام 2024 إلى عدم وجود أدلة كافية على فوائد أو مثالب الفيتامينات المتعددة والمعادن. وحذر معهد الطب مؤخرا الناس من تناول مكملات الكالسيوم وفيتامين «دي» بقوله إن البالغين الأصحاء ليسوا بحاجة إليها، وإن هناك علاقة بين الجرعات الزائدة من الكالسيوم وبين تكون حصوات الكلى والإصابة بأمراض القلب. كذلك أشار إلى أن تناول الجرعات الزائدة من فيتامين «دي» قد يكون مضرا.
وقال الدكتور مايكل غازيانو، اختصاصي أمراض قلب في جامعة «بريغهام» وفي مستشفى النساء ونظام الرعاية الصحية في بوسطن وأحد المؤلفين البارزين في هذه الدراسة، إن السبب الرئيسي لتناول الفيتامينات المتعددة هو الوقاية من مشاكل التغذية ويظل كذلك.
إلا أنه تردد في التكهن بدور تناول الفيتامينات المتعددة في الحد من الإصابة بالسرطان. وأشار إلى أن الفرضيات الشائعة هي أن هناك فيتامينات بعينها مضادة للأكسدة تحمي الخلايا الشائخة من ضرر التأكسد الذي ينجم عن الجزيئات الحرة والذرات الضارة التي تتكون بسبب عمليات الأيض داخل الخلايا.
* نتائج الدراسة
* كانت دراسة الأطباء نوعا من التجربة العملية التي يمكن الاعتماد عليها في تحديد السبب والنتيجة. تناولت واحدة من المجموعتين فيتامينات متنوعة بشكل عشوائي في حين تناولت المجموعة الأخرى دواء وهميا. مع ذلك لا يمكن النظر إلى العينة باعتبارها تمثل السكان بشكل كبير.
وكان الأطباء مجموعة متجانسة متعلمة جيدا إلى حد كبير؛ حيث لم تكن تعكس التنوع العرقي في السكان ولم يكن هناك عدد كبير من المدخنين بينها. كذلك لم يكن هناك أي نساء.
قالت مارجي ماكلوك، اختصاصية الأمراض الوبائية المتعلقة بالتغذية: «كانت النتائج واعدة، لكننا نريد التأكد من أن لها التأثير نفسه على الفئات المتعددة من السكان ولا تسبب الضرر لهم، وأن محاولة تكرار هذه النتائج لمعرفة ما إذا كانت تصدق على النساء والمدخنين والفئات الأخرى أيضا أمر جدير بالمحاولة». كذلك أشار ماك ماكلوك إلى وجود مجموعات مختلفة من الفيتامينات، وإلى أن نتائج التجربة تتعلق بالمجموعة التي تم استخدامها خلال الدراسة. وتبرعت شركة «فايزر» بمجموعة الفيتامينات التي يطلق عليها اسم «سنتروم سيلفر»، لكن الشركة غيرت التركيبة منذ بداية التجربة؛ حيث قللت كمية فيتامين «آيه» على سبيل المثال وأضافت مكملات غذائية ليتوين وليكوبين.
* نتائج متفاوتة
* يقول الخبراء إن من يتناول الفيتامينات بوجه عام يتمتع بصحة جيدة إلى حد ما، وعادة ما يهتمون باتباع نظام غذائي متنوع صحي ويراقبون وزنهم ويمارسون الرياضة. ولا يكون من الواضح دائما أن ما يحصلون عليه من فوائد يعزو إلى الفيتامينات التي توجد في الأقراص.
ويقول ديفيد شاردت، اختصاصي تغذية بارز في مركز العلوم من أجل خدمة المصلحة العامة في واشنطن: «تمثل الفيتامينات لغزا، فهي نوع من العناصر السحرية. هناك بعض الحقيقة في ذلك؛ لأن الفيتامينات ضرورية للحياة. أما أن يقال إن عمر الإنسان ليطول أو إنه سيعيش حياته بصحة أفضل إذا تناول فيتامينات أو طعاما معززا بها، فهذا أمر من الصعب إثباته». وضغط المركز خلال العام الحالي على شركة «فايزر» لتغيير البطاقة التي تحملها علبة «سنتروم» والتي تزعم أن هذه المجموعة المتعددة من الفيتامينات تعزز صحة الثدي والقولون.
يجب أن يتم إثبات صحة هذه المزاعم من قبل إدارة الغذاء والدواء قبل أي شيء، حتى إن لم تكن هذه البطاقة تخبر بشكل صريح أن هذه المكملات تقي من السرطان؛ حيث يرى المركز أنها تحمل رسالة ضمنية بذلك.
ويشعر الخبراء على وجه التحديد بقلق من إطلاق العنان لهذه الحماسة قبل التوصل إلى أدلة علمية تدعمها لأن نتائج التجارب، التي أجريت على الفيتامينات، متباينة بشكل مخيف. وأوضحت دراستان منفصلتان إصابة مدخنين تناولوا جرعات زائدة من مكملات البيتا كاروتين بسرطان الرئة على نحو مفاجئ أكثر من الذين تناولوا دواء وهميا. ويعتقد أن البيتا كاروتين مفيد في الوقاية من السرطان، لكن يبدو أن تناول جرعات زائدة تسبب في ضرر لرئة المدخنين يتعلق بالشريط الوراثي بدلا من حمايتهم من المرض على حد قول دكتور ماكلوك.
وكانت نتائج دراسة أخرى، شارك بها 35 ألف رجل تناولوا فيتامين «إي» والسلينيوم أملا في أن يحد ذلك من إصابتهم بسرطان البروستاتا، محبطة. في الوقت الذي يمكن أن يضر فيه نقص بعض المواد الغذائية الإنسان، يمكن أيضا أن ينجم ذلك عن زيادة هذه المواد كما يوضح دكتور جويل ماسون، أستاذ الطب والتغذية في جامعة تافتس.
هناك مواد وعناصر غذائية وفيتامينات مثل العقاقير، ينبغي أن يتم استخدم قدر محدد منها حتى تعود بالفائدة وهو مفهوم أطلق عليه دكتور جويل وزملاؤه «ظاهرة غولديلوكس». ويقول ماسون: «أعتقد أن هناك دليلا واضحا على أن نقص حمض الفوليك قد يزيد من احتمالات الإصابة بسرطان القولون وكذلك عدد من السرطانات الأخرى. ويعد حمض الفوليك عنصرا أساسيا في تكون وتجدد الشريط الوراثي».
مع ذلك لا يبدو أن تناول الأشخاص، الذين لا يعانون مشاكل في التغذية، مكملات من حمض الفوليك يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان، بل أوضحت بعض الدراسات أن تناول الأشخاص جرعة زائدة من حمض الفوليك يؤدي إلى نتائج عكسية؛ حيث قد يزيد من احتمالات الإصابة بسرطان القولون على حد قول ماسون.
من الملاحظات المهمة التي وردت في الدراسة الجديدة هي أنه من الآمن تناول فيتامينات متنوعة يوميا. ويرى دكتور ألبينز أن هذا قد يساعد في تشكيل اتجاه الأبحاث في المستقبل. وأوضح ألبينز قائلا: «أدى الاعتقاد في أنه إذا كان تناول كمية قليلة من شيء أمر جيد، فتناول كمية أكبر منه أفضل، إلى تجارب غير مثمرة خاصة بتناول جرعات أكبر. ويوجهنا هذا نحو أنواع الجرعات التي ينبغي النظر فيها بحيث تمثل وقاية. إن هذا لأمر محفز على التفكير».