السؤال : منذ أن تزوجت تنتابني مخاوف بأن زوجي سيتزوج بزوجة أخرى ويتركني ، أو أنى سأصبح مجبرة على تركه ، لأني لن أكون قادرة على الاشتراك فيه مع أية امرأة أخرى. وهذه المخاوف جعلتني لا أثق فيه ، وأبحث في بريده الإلكتروني ، وقد وجدت في مرات عدة مراسلات بينه وبين نساء أخريات ، لا يوجد فيها شيء عن الزواج ، أو حتى علاقات ، لكن كان بها بعض الكلمات الغير لائقة . إذا كان ما يقوله صحيحاً ، من أنهن مجرد صديقات ، فهل يجوز لرجل متزوج أن يصادق نساء غير متزوجات ؟ وهو يسجل في مواقع الرجال المسلمين العزاب ، لكي ينظر إلى صور النساء ، ويحتج بأنه بعيد جداً عنهن ، وأنه يفعل ذلك فقط للتسلية ، وبأن هذا أفضل من خروجه والتقائه بالنساء . وقد حدث هذا مرات عديدة وواجهته ، والآن فإن كل شيء كان جيداً ، وسافر هو منذ أيام قليلة ، وقمت بالبحث في حاسبه المحمول الذي تركه ، واكتشفت بأنه قام في آخر رحلة له بالبحث في الإنترنت عن نساء يرقصن ويظهرن جزءا من أجسادهن ، ومواقع للالتقاء ، وأنا حقاً لا أعرف ماذا أفعل ؛ فقد كدت أن أجن وأنا أحاول معرفة كلمات سره الجديدة والمواقع التي كان يدخل عليها . وأنا لا أستطيع أن أثق فيه ، وفى نفس الوقت لا أريد أن أتركه ، فلدينا أطفال يحبونه كثيراً ، كما هو الحال بالنسبة لي ، وهو دائماً ما يقول لي بأنه يحبني ، وبأنه لن يفعل مطلقاً ما يؤذيني ، وبأن مشاهدته لهذه المواقع ليست بالأمر المهم ، ويقول لي بأن أكون مؤمنة بالله ، وبألا أقلق نفسي ؛ فماذا أفعل ؟ وشكراً .
الحمد لله
أولاً :
لا شك أنك أخطأت خطأ كبيراً في حق نفسك ، ثم في حق زوجك وبيتك ، حينما بدأت حياتك بتلك الهواجس والظنون ، والشكوك المتكاثرة ، وانعدام الثقة بينك وبين زوجك .
ثم بنيت على هذا الخطأ خطأ آخر ، وهو تجسسك على زوجك ، وتفتيشك من ورائه عما لم يظهره لك :
قال الله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا ) . الحجرات/12.
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلَا تَجَسَّسُوا ، وَلَا تَحَسَّسُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا ) . رواه البخاري (4747) ومسلم (4646) .
وها أنت قد ظللت على تجسسك على زوجك ، وتوجسك منه ، حتى رأيت ما تكرهين:
عَنْ مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ ) . فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا . رواه أبو داود (4244) وصححه الألباني .
قال في " عون المعبود " :
" قَالَ فِي فَتْح الْوَدُود : أَيْ إِذَا بَحَثْت عَنْ مَعَائِبِهِمْ وَجَاهَرْتهمْ بِذَلِكَ , فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قِلَّة حَيَائِهِمْ عَنْك فَيَجْتَرِئُونَ عَلَى اِرْتِكَاب أَمْثَالهَا مُجَاهَرَة " . انتهى .
ثانياً :
أما وقد كان منك ما كان ، واجترأ زوجك على المجاهرة بما كان يستره عنك ، بل صار يرى ذلك سائغاً له ويختلق الأعذار الواهية له ، فحديثنا الآن عن فعله هو ، الذي يصفه بأنه غير مهم ، بزعمه ، وأن علاقاته في " النت " ليست إلا مجرد صداقات ؟!
فالواجب عليه أن يعلم أنه لا يحل له الدخول إلى المواقع الإباحية ، أو مشاهدة صور النساء ، سواء كان ذلك عن طريق المراسلة وتبادل الصور ، أو مشاهدتها في المواقع التي تعرض ذلك ، ولا يحل له كذلك أن يقيم علاقة صداقة مع امرأة أجنبية عنه ، وهل هذه الصداقات التي أشاعتها وسائل الإعلام والتواصل الحديثة ، إلا صورة جديدة من اتخاذ الأخدان ، وسبيل إلى ما كان عليه الجاهلية من الزنا مع الأخدان والعشيقات . وقد قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) المائدة /5 .
وأما استهانته بأمر النظر إلى الصور ، فهو حال من لم يبال بدينه ما أصابه ، ولا ما أفسده ، ولم يعلم بالنظر بما أمر الله به ، قال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) النور/30-31 .
وقد بينا في أجوبة عديدة مخاطر النظر المحرم إلى الصور ، وما يسببه من الفتنة وفساد الدين . وينظر جواب السؤال رقم (49670) .
وإذا افترضنا أنه بدأ بمرة ، أو نظرة ، أو كلمة ، فما يدريه أنه يقلع عن ذلك فيما بعد ، وما يدريه بما فعلت تلك النظرة ، وتلك الكلمة ، وتلك الاستهانة بقلبه :
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ؛ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ ؛ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ) . رواه أحمد (21742) وصححه الألباني .
ثالثاً :
أما الذي ينبغي عليك فعله الآن ، فهو أن تضعي يدك في يد زوجك لتخرجيه مما هو فيه الآن ، حاولي أن تبيني له حرمة ما يفعله من التساهل في النظر المحرم ، والعلاقات المحرمة ، وأن ذلك كله من خطوات الشيطان ، وقد قال الله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21 .
وبإمكانك أن تستعيني بكثير من الأجوبة والمواد المنشورة في هذا الموقع ، والتي تتحدث عن العلاقات بين الجنسين ، وحكم المراسلات والمحادثات بين الرجال والنساء .
مثل سؤال رقم (9465) ، ورقم (1114) ، ورقم (5445) .
وبيني له أن الأمر جد وليس هزلاً ، وأن دين المرء أعز وأجل من أن يتلاعب به ، ويفتح عليه أبواب الفتن و الشهوات والشبهات ، وأما قوله : إن ما يفعله أفضل من خروجه لملاقاة النساء ؛ فنحن نظن أنه غير جاد فيما يقول ، وغير مقتنع في حقيقة نفسه بهذه المغالطة ؛ وأي فضل وأي خير فيما يفعل ، نعم هذا أقل شراً مما لو خرج فلاقى النساء ، وبعض الشر أهون من بعض ؛ لكن الخيارات ليست محصورة في هذه المعادلة الخاطئة التي ذكرها : إما أن يفعل هذه المنكرات ، وأما أن يخرج لملاقاة النساء ؛ بل هناك خيارات كثيرة متاحة أمامه ؛ فأمامه امرأته التي أحل الله له أن يستمتع بها ، وأن يضع شهوته فيها ، ويكون له بها أجر ، وقد أمره الله بالعفة وحضه على طلبها ، وبإمكانه أن يستغني بها عن كل هذا الذي يفعله .
وبإمكانه أن يملأ وقت فراغه بما يفيده ، من العلم النافع ، والعمل الصالح ، وبإمكانه أن يجعل خروجه ونزهته مع زوجه وأولاده ، وبإمكانه .. ، وبإمكانه الكثير والكثير ، مما هو مباح له ، بل مما في فعله أجر ونفع في الدنيا والآخرة ، لكنه هو الذي أغلق عن نفسه كل تلك الأبواب ، ولم ير إلا باب المعصية ، والضياع وراء الأوهام في مواقع النت .
رابعاً :
نعود معك ـ أيتها السائلة ـ إلى رأس المشكلة ، وأول السؤال ، وهو هواجسك التي تفسد عليك حياتك الزوجية ، فإذا كان زوجك حريصاً عليك حقاً ، ويحبك حقاً ، كما يقول ، فحاولي أن تتخلصي من تلك الوساوس ، وحاولي أن تصِلي معه ، كما طلبنا منك ، إلى حد معقول من العشرة والتعاون على البر والتقوى ، وكما قلنا لزوجك من قبل : إن الخيارات ليست محصورة فيما ذكرته من المحرمات ؛ فإننا نقول لك أيضاً إن الخيارات ليست كلها بهذا السواد الذي ترينه ؛ فإذا رأيت من زوجك استجابة للنصيحة ، ورغبة صادقة في الإصلاح ، فحاولي أن تتخلصي من قلقك ووساوسك ، واسألي نفسك : إذا كان زوجك محتاجاً إلى امرأة أخرى ، فلماذا لا يكون أمامه خيار الحلال ، بدلاً من خيارات الحرام التي يضعها هو أمامه ؛ فلماذا لا يكون بالإمكان أن تتقبلي وضعاً شرعياً يسمح لامرأة أخرى ، زوجة له ، أن تشاركه حياته الزوجية ، من غير أن يتركك هو ، أو تتركيه أنت ، لماذا نغلق على أنفسنا خيارات متاحة ، شرعها الله لنا ، ربما يكون فيها حل لكثير من مشكلاتنا ، وراحة للجميع .
نسأل الله أن يهدي زوجك للتي هي أقوم ، وأن يصلح ذات بينكما ، ويجمع بينكما في خير .
والله أعلم .
وأسأل الله أن يهدي الأزواج والزوجات
وأن يملأ قلوبهم سعادة ومودة ورحمة
وأسأل الله أن يهدي الأزواج والزوجات
وأن يملأ قلوبهم سعادة ومودة ورحمة