.تفسير الآيات (5،6):
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)}
.شرح الكلمات:
{ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل}: أي ألم يأتكم يا كفار قريش خبر الذين كفروا من قبلكم.
{فذاقوا وبال أمرهم}: أي عقوبة كفرهم في الدنيا.
{ولهم عذاب أليم}: أي في الآخرة.
{ذلك}: أي العذاب في الدنيا والآخرة.
{بأنه كانت تأتيهم رسلهم}: أي بسبب أنها كانت تأتيهم رسلهم.
{بالبينات}: أي بالحجج القواطع الدالة على صحة رسالاتهم.
{فقالوا أبشر يهدوننا}: أي ردوا عليهم ساخرين مكذبين: أبشر يهدوننا؟
{فكفروا وتولوا}: أي فكفروا برسلهم وتولوا عنهم أي أعرضوا.
{واستغنى الله}: أي عن إيمانهم.
{والله غني حميد}: أي غنى عن خلقه محمود بأفعاله وآلائه على خلقه.
.معنى الآيتين:
( 5 ) ألم يأتكم- أيها المشركون- خبر الذين كفروا من الأمم الماضية قبلكم، إذ حلَّ بهم سوء عاقبة كفرهم وسوء أفعالهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم موجع؟
( 6 ) ذلك الذي أصابهم في الدنيا، وما يصيبهم في الآخرة؛ بسبب أنهم كانت تأتيهم رسل الله بالآيات البينات والمعجزات الواضحات، فقالوا منكرين: أبشر مثلنا يرشدوننا؟ فكفروا بالله وجحدوا رسالة رسله، وأعرضوا عن الحق فلم يقبلوه. واستغنى الله، والله غني، له الغنى التام المطلق، حميد في أقواله وأفعاله وصفاته لا يبالي بهم، ولا يضره ضلالهم شيئًا.
فى ظلال الآيتين:
• والخطاب هنا للمشركين غالباً وهو تذكير لهم بعاقبة المكذبين وتحذير لهم من مثل هذه العاقبة. والاستفهام قد يكون لإنكار حالهم بعد ما جاءهم من نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم.
• وقد يكون للفت أنظارهم إلى هذا النبأ الذي يقصه عليهم. وهم كانوا يعرفون ويتناقلون أنباء بعض الهلكى من الغابرين. كعاد وثمود وقرى لوط. وهم يمرون عليها في شبه الجزيرة، في رحلاتهم للشمال والجنوب.
• ويضيف القرآن إلى المعروف من مآلهم في الدنيا ما ينتظرهم هنالك في الآخرة: {ولهم عذاب أليم}..
• ثم يكشف عن السبب الذي استحقوا به ما نالهم وما ينتظرهم: {ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا: أبشر يهدوننا؟}.. وهو الاعتراض ذاته الذي يعترضه المشركون على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو اعتراض فج ناشئ عن الجهل بطبيعة الرسالة، وكونها منهجاً إلهياً للبشر، فلا بد أن تتمثل واقعياً في بشر، يحيا بها، ويكون بشخصه ترجماناً لها؛ فيصوغ الآخرون أنفسهم على مثاله بقدر ما يستطيعون.
• ولا ينعزل هو عنهم بجنسه، فيتعذر أن يجدوا للرسالة صورة واقعية يحاولون تحقيقها في ذوات أنفسهم، وفي حياتهم ومعاشهم. وناشئ كذلك من الجهل بطبيعة الإنسان ذاته ورفعة حقيقته بحيث يتلقى رسالة السماء ويبلغها، بدون حاجة إلى أن يحملها إلى النَّاس ملك كما كانوا يقترحون. ففي الإنسان تلك النفخة من روح الله! وهي تهيئة لاستقبال الرسالة من الله، وأدائها كاملة كما تلقاها من الملأ الأعلى. وهي كرامة للجنس البشري كله لا يرفضها إلا جاهل بقدر هذا الإنسان عند الله، حين يحقق في ذاته حقيقة النفخة من روح الله! وناشئ في النهاية من التعنت والاستكبار الكاذب عن اتِّباع رسول من البشر. كأن في هذا غضاً من قيمة هؤلاء الجهال المتكبرين! فجائز في عرفهم أن يتبعوا رسولاً من خلق آخر غير جنسهم بلا غضاضة. أما أن يتبعوا واحداً منهم فهي في نظرهم حطة وقلة قيمة!
• ومن ثم كفروا وتولوا معرضين عن الرسل وما معهم من البينات، ووقفت في صدورهم هذه الكبرياء وذلك الجهل.
•فاختاروا لأنفسهم الشرك والكفر..
•{واستغنى الله. والله غني حميد}.. استغنى الله عنهم وعن إيمانهم وعن طاعتهم.. وما هو سبحانه بمحتاج إلى شيء منهم ولا من غيرهم، ولا بمحتاج أصلاً: {والله غني حميد}.
• فهذا نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم. وهذا سبب ما ذاقوا وما ينتظرهم. فكيف يكذب بعد هذا النبأ مكذبون جدد؟ أليلقوا مصيراً كهذا المصير؟
.من هداية الآيتين:
1– توبيخ من يستحق التوبيخ وتأنيب من يستحق التأنيب.
2- التكذيب للرسل والكفر بتوحيد الله موجب للعقوبة في الدنيا والعذاب في الآخرة.
3- تقرير نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإثباتها لأن شأنه الرسل من قبله.
. فائدة:
والاستفهام في { أبشر } استفهام إنكار وإبطال فهم أحالوا أن يكون بشر مثلهم يهدون بشراً أمثالهم ، وهذا من جهلهم بمراتب النفوس البشرية ومن يصطفيه الله منها ، ويخلقه مضطلعاً بتبليغ رسالته إلى عباده . كما قال : { وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } [ الفرقان : 7 ] وجهلوا أنه لا يصلح لإِرشاد الناس إلا مَن هو من نوعهم قال تعالى : { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً } [ الإسراء : 95 ] ولمَّا أحالوا أن يكون البشر أهلاً لهداية بشر مثله جعلوا ذلك كافياً في إعراضهم عن قبول القرآن والتدبر فيه .
جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة وبارك الله فى كل من قرأ ونشر فالدال على الخير كفاعله ورُب حامل فقه الى من هو أفقه منه.
المراجع:
تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ)
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء.
في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبيرابن عاشور
|
بارك الله فيكِ واحسن اليكِ وتقبل منَّا ومنكِ صالح الاعمال
|
بارك الله فيكِ وأسعدكِ فى الدنيا والآخرة يا حبيبتى