قرآننا حياة الروح ..وبلسم للجروح..
موعظة للمتدبر وبصيرة للمتعلم..فيه يشع سراج النور
وتستقيم الحياة والأمور..وبسيرك على نهجه لن تظلّ ولن تبور.
يزيد حامله الرضى.. والصبر على البلاء..
لأنه علم بأن أجره مدّخر وعلى صبره يؤجر..
قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}..
فيا حامل القرآن هنيئا لك بهذا الفضل العظيم ..فقط أختارك رب العزّة
بأن تكون من أهله وخاصته..لقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم
" إن لله أهلين من الناس " قيل: من هم يا رسول الله ؟ قال:
" أهل القرآن هم أهل الله وخاصته "
أَكْـرِمْ بقـومٍ أَكْرَمُـوا القُرآنـا
وَهَبُـوا لَـهُ الأرواحَ والأَبْـدَانـا
قومٌ.. قد اختـارَ الإلـهُ قلوبَهُـمْ
لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا
زُرِعَتْ حُروفُ النورِ.. بينَ شِفَاهِهِمْ
فَتَضَوَّعَتْ مِسْكـاً يَفِيـضُ بَيَانَـا
رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِـمْ
لِيَكُونَ نُوراً في الظـلامِ… فَكَانـا
سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا
وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا
فيا قارىء القرآن وحافظه ..لكم تحايا القلوب وعطر الورود ..أنشروا عبقا من المشاعر هنا
وارسموها بلوحتكم الخاصه ..فما هذه المساحة إلا لأجلكم ..
وما مدى تأثير الكتاب الذي فيه الهدى على قوم
قد أهتدى؟ {قل إن هدى الله هو الهدى}..
كم من آية عظيمة أستوقفتني وخرّت قواي ..بل أعادت إليّ ضميري وشتاتي كي أجمعهقبل أن تهبّ رياح الهوى فألتطم بصخور الضلال دون وعي ….
عندها أقف عاجزه عن وصف ماينتابني عند سماعها …
ألم تكن الآيات سبيلا لنا للنجاة..؟بلا والله …
الآية :
( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا
وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون )
سورة التوبة (92) .
فهذه آيه عظيمة وموقف خالد وصورة مؤثره ..لاولئك الذين صدقوا ماعاهدوا ..
أنها جاءت في سياق الجهاد والمجاهدين .. حيث تظهر النفوس
على حقيقتها ..
وتميز هذه الأيه بأشياء ..
الاولى : أنهم جاءوا بسبب ما من ضيق الحال ، يبكون تفيض أعينهم بالدمع ..
وطلبو من النبي أن يهيء لهم ما يحملهم عليه .
الثانية : أنهم خرجوا من مجلس النبي وعيونهم تفيض من الدمع لما اخبرهم
النبي أنه لا يجد ما يحملهم عليه
يالله ..نفوس تاقت إلى الشهاده في سبيله ..وعيون تذرف الدمع لأجله..
(رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )
(المجادلة/22 ).
من الأرض ينبوعا ( 90 ) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر
الأنهار خلالها تفجيرا ( 91 )
أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا
أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( 92 ) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء
ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل
سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ( 93 ) ) [ ص: 118 ] .
وهذا المجلس الذي اجتمع هؤلاء له ، لو علم الله منهم أنهم يسألون ذلك استرشادا
لأجيبوا إليه ، ولكن علم أنهم إنما يطلبون ذلك كفرا وعنادا ، فقيل للرسول :
إن شئت أعطيناهم ما سألوا فإن كفروا
عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت عليهم
باب التوبة والرحمة ، فقال : "
بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة "
وقوله : ( قل سبحان ربي هل كنت
إلا بشرا رسولا ) أي : سبحانه وتعالى
وتقدس أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته ،
بل هو الفعال لما يشاء ، إن شاء أجابكم إلى ما سألتم ،
وإن شاء لم يجبكم ، وما أنا إلا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ،
وقد فعلت ذلك ، وأمركم فيما سألتم إلى الله عز وجل .
قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا علي بن إسحاق ، حدثنا ابن المبارك ،
حدثنا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ،
عن القاسم عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
عرض ربي عز وجل ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا ، فقلت : لا يا رب ،
ولكن أشبع يوما ، وأجوع يوما – أو نحو ذلك –
فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك ، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك "
لبيك فداك كُلّ العُربِ والعجمِ *~….~* لبيكَ لبيكَ من هادٍ ومن شهِمِ
لبيك فداك أشعاري ومحبرتي *~….~* فداك نثري وأوراقي مع القلمِ
فداك رُوحي وأجزائي وما ملكت *~….~* فداك عُمري وأسكُبُ في فِداك دمي
فداك أهلي ومالي والديار ومن *~….~* سارت به الركب أو يخطو على القدمِ
وهبتُك الروح لاأرضى لها بدلاً *~….~* مهما رماك العِدا بالسوءِ والنقم
عِرضي لعِرضك أبداً سوف أبذُلُهُ *~….~* راجٍ به الفضل من ذي الجودِ والكرمِ
أنت الذي أشرق الإظلام وانبَلجت *~….~* من نُور وحيك ألوانٌ من الظُلمِ
لنتدبّر كل حرف فيها
علّ قلوبنا تستفيق من سباتها..
{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون}
قوله تعالى: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا" أي مهملين كما
خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب عليها؛
مثل قوله تعالى: "أيحسب الإنسان أن يترك سدى" [القيامة: 36]
يريد كالبهائم مهملا لغير فائدة.
قال الترمذي الحكيم أبو عبدالله محمد بن علي:
إن الله تعالى خلق الخلق عبيدا ليعبدوه، فيثيبهم
على العبادة ويعاقبهم على تركها، فإن عبدوه فهم اليوم له
عبيد أحرار كرام من رق الدنيا،
ملوك في دار الإسلام؛ وإن رفضوا
العبودية فهم اليوم عبيد أباق
سقاط لئام، وغدا أعداء
في السجون بين
أطباق النيران.
( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم ( 224 )
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم ( 225 ) )
نزلت في عبد الله بن رواحة كان بينه وبين ختنه على أخته بشير بن النعمان الأنصاري شيء فحلف
عبد الله أن لا يدخل عليه ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين خصمه وإذا قيل له فيه قال : قد حلفت بالله
أن لا أفعل فلا يحل لي إلا أن تبر بيميني فأنزل الله هذه الآية .
وفي حياتنـــــــــــا…،
عندما لانثمن مايخرج من اللسان من أيمان مغلظة ..وفي النهاية نكتشف أن الحلوف ليست في موضعها
إما أنه لم يتبين من صحة الخبرأو أنه تسرّع في إطلاقها..
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من حلف بيمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر
عن يمينه وليفعل الذي هو خير " .
{أَلَمْ
يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِوَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ
قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات في الدار
الآخرة، كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها، والاستكانة لعظمته،
فعاتب الله المؤمنين [على عدم ذلك]،
فقال:
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}أي: ألم يجئ الوقت الذي تلين به قلوبهم وتخشع لذكر الله، الذي هو
القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد ـ صلى
الله عليه وسلم ـ؟ وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله
تعالى، ولما أنزله من الكتاب والحكمة، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية
والأحكام الشرعية كل وقت، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك،
{وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ}
أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب
والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه، ولا ثبتوا، بل طال عليهم الزمان
واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم،
{فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}
فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل له الله، وتناطق
بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجمود
العين
قال تعالى :
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ {23} (سورة الحشر)
حوت هذه الآيه أسماء الله الحسنى…
قوله تعالى { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس} أي المنزه عن كل نقص، والطاهر عن كل عيب.
والقَدَس بالتحريك : السَّطْل بلغة أهل الحجاز؛ لأنه يتطهر به. ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج
بها الماء من البئر بالسانية. وكان سيبويه يقول : قدوس وسبوح؛ بفتح أولهما. وحكى أبو حاتم عن يعقوب
أنه سمع عند الكسائي أعرابيا فصيحا يكني أبا الدينار يقرأ { القدوس} بفتح القاف. قال ثعلب : كل اسم
على فعول فهو مفتوح الأول؛ مثل سفود وكلوب وتنور وسمور وشبوط، إلا السبوح والقدوس فان الضم فيهما أكثر؛
وقد يفتحان. وكذلك الذروج بالضم وقد يفتح. { السلام} أي ذو السلامة من النقائص. وقال ابن العربي :
اتفق العلماء رحمة الله عليهم على أن معنى قولنا في الله { السلام} النسبة، تقديره ذو السلامة. ثم
اختلفوا في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال : الأول : معناه الذي سلم من كل عيب وبريء من كل نقصى.
الثاني : معناه ذو السلام؛ أي المسلم على عباده في الجنة؛ كما قال { سلام قولا من رب رحيم}
[يس : 58]. الثالث : أن معناه الذي سلم الخلق من ظلمه. قلت : وهذا قول الخطابي؛ وعليه
والذي قبله يكون صفة فعل. وعلى أنه البريء من العيوب والنقائص يكون صفة ذات. وقيل :
السلام معناه المسلِّم لعباده. قوله تعالى { المؤمن} أي المصدق لرسله بإظهار معجزاته
عليهم ومصدق المؤمنين ما وعدهم به من الثواب ومصدق الكافرين ما أوعدهم من العقاب.
وقيل : المؤمن الذي يؤمن أولياءه من عذابه ويؤمن عباده من ظلمه؛ يقال : آمنه من الأمان
الذي هو ضد الخوف؛ كما قال تعالى { وآمنهم من خوف} [قريش : 4] فهو مؤمن؛ قال النابغة
: والمؤمن العائذات الطير يمسحها ** ركبان مكة بين الغيل والسند وقال مجاهد : المؤمن
الذي وحد نفسه بقول { شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران : 18]. وقال ابن عباس :
إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار. وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي،
حتى إذا لم يبق فيها من يوافق اسمه اسم نبي قال الله تعالى لباقيهم : أنتم المسلمون
وأنا السلام، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن، فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين.
{ المهيمن العزيز} تقدم الكلام في { المهيمن} في المائدة وفي { العزيز} في غير موضع { الجبار}
قال ابن عباس : هو العظيم. وجبروت الله عظمته. وهو على هذا القول صفة ذات، من قولهم :
نخلة جبارة. قال امرؤ القيس : سوامق جبار أثيث فروعه ** وعالين قنوانا من البسر أحمرا
يعني النخلة التي فاتت اليد. فكان هذا الاسم يدل على عظمة الله وتقديسه عن أن تناله
النقائص وصفات الحدث. وقيل : هو من الجبر وهو الإصلاح، يقال : جبرت العظم فجبر،
إذا أصلحته بعد الكسر، فهو فعال من جبر إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير. وقال الفراء :
هو من أجبره على الأمر أي قهره. قال : ولم أسمع فعالا من أفعل إلا في جبار ودراك
من أدرك. وقيل : الجبار الذي لا تطاق سطوته. { المتكبر} الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله.
وقيل : المتكبر عن كل سوء المتعظم عما لا يليق به من صفات الحدث والذم. وأصل
الكبر والكبرياء الامتناع وقلة الانقياد. وقال حميد بن ثور : عفت مثل ما يعفو الفصيل فأصبحت
** بها كبرياء الصعب وهي ذلول والكبرياء في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذم.
وفي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن
ربه تبارك وتعالى أنه قال : (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما
قصمته ثم قذفته في النار). وقيل : المتكبر معناه العالي. وقيل : معناه الكبير لأنه
أجل من أن يتكلف كبرا. وقد يقال : تظلم بمعنى ظلم، وتشتم بمعنى شتم،
واستقر بمعنى قر. كذلك المتكبر بمعنى الكبير. وليس كما يوصف به المخلوق
إذا وصف بتفعل إذا نسب إلى ما لم يكن منه. ثم نزه نفسه فقال { سبحان الله}
أي تنزيها لجلالته وعظمته { عما يشركون} .اللهم اني اسالك باسمائك الحسنى وصفاتك العظمى في هذه الليله المباركه
ان تشفيهم وان ترفع عنهم الضر وان تحسن لنا ولهم الخاتمه وان تعوضهم بجنات النعيم ,, ..
وللأسف هذآ مآنراه من بعض البشر الذين يستبدون برأيهم رغم خطأهم ويعلمون أنهم على خطأ مع إصرارهم عليه.. !
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ۗ
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)
أ- عن ابن عباس أن رؤساء قريش اجتمعوا عند الكعبة فقالوا : ابعثوا إلى محمد فكلِّموه وخاصموه حتى تُعذروا فيه، فبعثوا إليه إنَّ أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك فجاءهم سريعاً – وكان حريصاً على رُشدهم – فقالوا يا محمد : إنّا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخلَ على قومه ما أدخلتَ على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبتَ الدين، وسفَّهتَ الأحلام، وفرَّقت الجماعة، فإن كنتَ إنما جئت بهذا لتطلب مالاً جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشَّرَف فينا سوَّدناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيّاً – أي تابعاً من الجنّ – بذلنا أموالنا في طلب الطِبِّ حتى نبرئك منه أو نُعذّر فيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بي ما تقولون، ما جئتكم أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني رسولاً، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، فقالوا يا محمد إن كنت غير قابلٍ منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيقَ بلاداً، ولا أشدَّ عيشاً منا، فسل ربك يُسيّر لنا هذه الجبال، ويجري لنا أنهاراً، ويبعث من مضى من آبائنا حتى نسألهم أحقٌّ ما تقول؟ وسلْه أن يجعل لك جناناً وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة تغنيك عنا فأنزل الله {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا..} الآية.
لما تبيّن إعجاز القرآن ولزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتعلَّلون باقتراح الآيات والخوارق، والمعنى قال المشركون: لن نصدِّقك يا محمد حتى تشقّق لنا من أرض مكة عيناً غزيرة لا ينقطع منها الماء أَوْ يكون لك بستانٌ فيه أنواع النخيل والأعناب {فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا} أي تجعل الأنهار تتفجّر فيها وتسير وسطها بقوة وغزارة {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} هذا هو الاقتراح الثالث أي تجعل السماء تتساقط علينا قِطَعاً قِطَعاً كما كنتَ تخوّفنا وتزعم أن الله سيعذبنا إن لم نؤمن بك قال المفسرون: أشاروا إلى قوله تعالى: {إنْ نَشَأْ نخسفْ بهم الأرضَ أَوْ نُسْقِطَ عليهم كِسَفًا من السَّمَاء} {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً} أي تُحضر لنا اللهَ وملائكته مقابلةً وعياناً فنراهم {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} أي يكون لك قصرٌ مشيَّد عظيم من ذهبٍ لا من حجر أو طين {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه} هذا هو الاقتراح السادس والأخير، وكلُّها تدل على سفهٍ وجهلٍ كبير، بسنة الله في خلقه وبحكمته وجلاله أي أو تصعد يا محمد إلى السماء بِسُلَّم ولن نصدّقك لمجرد صعودك حتى تعود ومعك كتاب من الله تعالى منشور أنك عبده ورسولُه نقرؤه بأنفسنا {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلا بَشَرًا رَسُولاً} أي قل لهم يا محمد تعجباً من فرط كفرهم وعنادهم: سبحانَ الله هل أنا إله حتى تطلبوا مني أمثال هذه الخوارق؟ ما أنا إلا رسولٌ من البشر بعثني الله إليكم فلم هذا الجحود والعناد؟!
وقفة مع قوله تعالى : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون
قوله تعالى : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا أي مهملين كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب عليها ؛
مثل قوله تعالى : أيحسب الإنسان أن يترك سدى يريد كالبهائم مهملا لغير فائدة . قال الترمذي
الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي : إن الله تعالى خلق الخلق عبيدا ليعبدوه ، فيثيبهم على العبادة
ويعاقبهم على تركها ، فإن عبدوه فهم اليوم له عبيد أحرار كرام من رق الدنيا ، ملوك في دار الإسلام ؛
وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أباق سقاط لئام ، وغدا أعداء في السجون بين أطباق النيران .
و ( عبثا ) نصب على الحال عند سيبويه وقطرب . وقال أبو عبيدة :
هو نصب على المصدر أو لأنه مفعول له . وأنكم إلينا لا ترجعون فتجازون بأعمالكم .
قرأ حمزة ، والكسائي ترجعون بفتح التاء وكسر الجيم من الرجوع .
-بل لابد من العمل لكسب الدرجآت والحط من السيئآت قبل أن يأتي يوم لاينفع فيه مال ولابنون
إلا من أتى الله بقلب سليم ..
القول في تأويل قوله ( أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ( 179 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( أولئك كالأنعام ) ، هؤلاء الذين ذرأهم لجهنم ، هم كالأنعام ،
وهي البهائم التي لا تفقه ما يقال لها ، ولا تفهم ما أبصرته لما يصلح وما لا يصلح ، ولا تعقل بقلوبها
الخير من الشر ، فتميز [ ص: 281 ] بينهما . فشبههم الله بها ، إذ كانوا لا يتذكرون ما يرون بأبصارهم
من حججه ، ولا يتفكرون فيما يسمعون من آي كتابه . ثم قال : ( بل هم أضل ) ، يقول : هؤلاء الكفرة
الذين ذرأهم لجهنم ، أشد ذهابا عن الحق ، وألزم لطريق الباطل من البهائم ، لأن البهائم لا اختيار لها ولا تمييز ،
فتختار وتميز ، وإنما هي مسخرة ، ومع ذلك تهرب من المضار ، وتطلب لأنفسها من الغذاء الأصلح .
والذين وصف الله صفتهم في هذه الآية ، مع ما أعطوا من الأفهام والعقول المميزة بين المصالح والمضار ،
تترك ما فيه صلاح دنياها وآخرتها ، وتطلب ما فيه مضارها ، فالبهائم منها أسد ، وهي منها أضل ، كما
وصفها به ربنا جل ثناؤه .
وقوله : ( أولئك هم الغافلون ) ، يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين وصفت صفتهم ، القوم الذين غفلوا يعني :
سهوا عن آياتي وحججي ، وتركوا تدبرها والاعتبار بها والاستدلال على ما دلت عليه من توحيد ربها ،
لا البهائم التي قد عرفها ربها ما سخرها له .
قوله تعالى: {وإذا الموءُدة سئلت * بأي ذنب قُتِلَتْ}
و الموءُدة هي التي كانت أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية البنات، فيوم القيامة تسأل الموءُدة على أي ذنب قُتلت ليكون
ذلك تهديداً لقاتلها، فإنه إذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذاً؟ وقال ابن عباس: {وإذا الموءُدة سئلت} أي سألت أي طالبت بدمها. وقد
وردت أحاديث تتعلق بالموءُدة فقال الإمام أحمد عن جذامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: حضرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
في ناس وهو يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم، ولا يضر أولادهم ذلك شيئاً"،
ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ذلك الوأد الخفي وهو الموءُدة سئلت" (أخرجه أحمد ورواه مسلم وأبو
داود والترمذي بنحوه). وروى الإمام أحمد عن سلمة بن يزيد الجعفي قال: انطلقت أنا وأخي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلنا:
يا رسول اللّه إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم، وتقري الضيف، وتفعل، هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: "لا"، قلنا: فإنها
كانت وأدت أُختاً لنا في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: "الوائدة والموءُدة في النار، إلا أن يدرك الوائدة الإسلام فيعفو اللّه عنها"
(أخرجه أحمد والنسائي). وفي الحديث: "النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموءُدة في الجنة"
(أخرجه أحمد من حديث خنساء بنت معاوية الصريمية عن عمها قال، قلت: يا رسول اللّه من في الجنة؟ فقال الحديث).
وعن قرة قال: سمعت الحسن يقول: قيل، يا رسول اللّه مَن في الجنة؟ قال: "الموءُدة في الجنة" (هذا من مراسيل الحسن ومنهم من قبله).
وقال ابن عباس: أطفال المشركين في الجنة، فمن زعم أنهم في النار فقد كذب، يقول اللّه تعالى: {وإذا الموءُدة سئلت * بأي ذنب قتلت}،
قال ابن عباس: هي المدفونة،
وقال عبد الرزاق: جاء قيس بن عاصم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إني وأدت بنات لي في الجاهلية، قال:
"أعتق عن كل واحدة منهن رقبة" قال: يا رسول اللّه إني صاحب إبل، قال: "فانحر عن كل واحدة منهن بدنة"
(أخرجه عبد الرزاق والحافظ البزار بنحوه عن عمر بن الخطاب).
والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ( 64 ) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ( 65 ) إنها ساءت مستقرا ومقاما ( 66 )
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ( 67 ) ) .
هذه صفات عباد الله المؤمنين ( الذين يمشون على الأرض هونا ) أي :
بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار ، كما قال : ( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا )
[ الإسراء : 37 ] . فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح ، ولا أشر ولا بطر ، [ ص: 122 ] وليس المراد أنهم يمشون
كالمرضى من التصانع تصنعا ورياء ، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وكأنما
الأرض تطوى له . وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع ، حتى روي عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا ، فقال :
ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال : لا يا أمير المؤمنين . فعلاه بالدرة ، وأمره أن يمشي بقوة . وإنما المراد بالهون هاهنا
السكينة والوقار ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ،
وأتوها وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " .
وقال عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن يحيى بن المختار ، عن الحسن البصري في قوله :
( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) قال : إن
المؤمنين قوم ذلل ، ذلت منهم – والله – الأسماع والأبصار والجوارح ، حتى تحسبهم مرضى
وما بالقوم من مرض ، وإنهم لأصحاء ، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ،
ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ، فقالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن . أما والله ما
أحزنهم حزن الناس ، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة ، أبكاهم الخوف من النار ،
وإنه من لم يتعز بعزاء الله تقطع نفسه على الدنيا حسرات ، ومن لم ير لله نعمة إلا في مطعم
أو في مشرب ، فقد قل علمه وحضر عذابه .
وقوله : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) أي : إذا سفه
عليهم الجهال بالسيئ ، لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ، ولا يقولون إلا خيرا ،
كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، وكما قال تعالى :
( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم
سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) [ القصص : 55 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن أبي خالد الوالبي ،
عن النعمان بن مقرن المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وسب رجل رجلا عنده ،
قال : فجعل الرجل المسبوب يقول : عليك السلام . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أما ] إن ملكا بينكما يذب عنك ، كلما شتمك هذا قال له : بل أنت وأنت أحق به . وإذا قال له :
عليك السلام ، قال : لا بل عليك ، وأنت أحق به . " إسناده حسن ، ولم يخرجوه .
وقال مجاهد : ( قالوا سلاما ) يعني : قالوا : سدادا .
وقال سعيد بن جبير : ردوا معروفا من القول .
وقال الحسن البصري : ( قالوا [ سلاما ) ، قال : حلماء لا يجهلون ] ،
وإن جهل عليهم حلموا . يصاحبون عباد الله نهارهم بما تسمعون ، ثم ذكر أن ليلهم خير ليل .
[ ص: 123 ]
وقوله : ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) أي : في عبادته وطاعته ،
كما قال تعالى : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ) [ الذاريات : 17 – 18 ] ،
وقال ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون )
[ السجدة : 16 ] وقال ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) الآية [ الزمر : 9 ] ولهذا قال :
( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ) أي : ملازما دائما
، كما قال الشاعر :
إن يعذب يكن غراما ، وإن يع ط جزيلا فإنه لا يبالي
ولهذا قال الحسن في قوله : ( إن عذابها كان غراما ) : كل شيء يصيب ابن آدم
ويزول عنه فليس بغرام ، وإنما الغرام اللازم ما دامت السماوات والأرض . وكذا قال سليمان التيمي .
وقال محمد بن كعب [ القرظي ] : ( إن عذابها كان غراما ) يعني : ما نعموا في الدنيا;
إن الله سأل الكفار عن النعمة فلم يردوها إليه ، فأغرمهم فأدخلهم النار .
( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) أي : بئس المنزل منظرا ، وبئس المقيل مقاما .
[ و ] قال ابن أبي حاتم عند قوله : ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) : حدثنا أبي ،
حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث قال : إذا طرح الرجل في النار هوى
فيها ، فإذا انتهى إلى بعض أبوابها قيل له : مكانك حتى تتحف ، قال : فيسقى كأسا من سم الأساود والعقارب ،
قال : فيميز الجلد على حدة ، والشعر على حدة ، والعصب على حدة ، والعروق على حدة .
وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبيد بن
عمير قال : إن في النار لجبابا فيها حيات أمثال البخت ، وعقارب أمثال البغال الدلم ، فإذا قذف بهم في النار
خرجت إليهم من أوطانها فأخذت بشفاههم وأبشارهم وأشعارهم ، فكشطت لحومهم إلى أقدامهم ،
فإذا وجدت حر النار رجعت .
وقال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا سلام – يعني ابن مسكين – عن أبي ظلال ، عن أنس
بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن عبدا في جهنم لينادي ألف سنة :
يا حنان ، يا منان . فيقول الله لجبريل : اذهب فآتني بعبدي هذا . فينطلق جبريل فيجد أهل النار منكبين
يبكون ، فيرجع إلى ربه عز وجل فيخبره ، فيقول الله عز وجل : آتني به فإنه في مكان كذا وكذا . فيجيء
به فيوقفه على ربه عز وجل ، فيقول له : يا عبدي ، كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ فيقول : يا رب شر مكان ،
شر مقيل . فيقول : ردوا عبدي . فيقول : يا رب ، ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني فيها! فيقول :
دعوا عبدي .
وقوله : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما )
أي : ليسوا بمبذرين في [ ص: 124 ] إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون
في حقهم فلا يكفونهم ، بل عدلا خيارا ، وخير الأمور أوسطها ، لا هذا ولا هذا ، ( وكان بين ذلك قواما ) ،
كما قال : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا )
[ الإسراء : 29 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عصام بن خالد ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني ، عن ضمرة ،
عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من فقه الرجل رفقه في معيشته " . ولم يخرجوه .
وقال [ الإمام ] أحمد أيضا : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، حدثنا سكين بن عبد العزيز العبدي ، حدثنا إبراهيم الهجري
عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عال من اقتصد "
. ولم يخرجوه .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن يحيى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون حدثنا سعيد بن حكيم ،
عن مسلم بن حبيب ، عن بلال – يعني العبسي – عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما
أحسن القصد في الغنى ، وأحسن القصد في الفقر ، وأحسن القصد في العبادة " ثم قال : لا نعرفه يروى
إلا من حديث حذيفة رضي الله عنه .
وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله فهو سرف .
وقال غيره : السرف النفقة في معصية الله .
وقال الحسن البصري : ليس النفقة في سبيل الله سرفا [ والله أعلم ] .