حكى أن خدم بعض الملوك وجدوا طفلاً في الطريق فالتقطوه فأمر الملك بتربيته وضمه إلى أهل بيته وسماه ( أحمد اليتيم ) فلما نشأ ظهرت عليه أمارات النجابة والذكاء فهذبه وعلمه ولما حضرته الوفاة أوصى به ولي عهده فضمه إليه واصطفاه وأخذ عليه العهد أن يكون له وفياً وخادماً أميناً وبعد ذلك قدمه في أعماله فصار حاكماً على جميع حاشية الأمير ومتصرفاً في شئون قصره . وفي أحد الأيام أمره أن يحضر شيئاً من بعض حجراته فذهب ليحضره فرأى بعض جواري الأمير الخاصة به مع شاب من الخدم يفسقان ويزنيان فتوسلت إليه الجارية أن يكتم هذا الخبر ووعدته بكل ما يطلب وراودته عن نفسه لتأمن شره . فقال لها : معاذ الله أن أخون الأمير أزني وقد أحسن إلي ثم تركها وانصرف على أن يكتم السر ولكن الجارية أوجست في نفسها خيفة وتوهمت أن أحمد اليتيم سيفشي أمرها للأمير فما كان إلا أن انتظرت الأمير حتى حضر إلى قصره ثم ذهبت إليه باكية شاكية فسألها ما خبرها ؟ فقالت : إن أحمد اليتيم راودها عن نفسها وكان يريد أن يقهرها على الزنا فلما سمع الأمير ذلك غضب واشتد غضبه وعزم على قتله ثم دبر قتله في الخفاء حتى لا يعلم الناس بقتله وبسبب هذا القتل . فقال لكبير خدمه : إذا بعثت إليك أحداً بطبق يطلب منك كذا وكذا فاقطع رأسه وضع الرأس في الطبق وابعث به إلي فأجاب الخادم بالسمع والطاعة وفي يوم من الأيام أحضر الأمير أحمد اليتيم وقال له : اذهب إلى فلان الخادم وقل له : يعطيك كذا وكذا . فامتثل الأمر وذهب إلا أنه لقي في طريقه بعض الخدم فأرادوا أن يحكموه بينهم في أمر فاعتذر وقال : إنه مكلف بقضاء أمر الأمير فقالوا : نبعث فلاناً الخادم نائباً عنك ليحضر ما تطلبه حتى
تفصل في شأننا فأجابهم إلى ما طلبوا فأرسلوا واحداً منهم هو الشاب الذي سبق له الزنا بالجارية فلما ذهب أخذه رئيس الخدم إلى المكان الذي أعده ثم قطع رأسه على غرة ثم وضعها في الطبق وغطاه وجاء به إلى الأمير فلما أبصر الطبق رفع الغطاء فرأى رأساً غير رأس أحمد اليتيم فأحضر الأمير أحمد اليتيم فسأله عما فعل فأخبره بما كان . فقال الأمير : أتعرف لهذا الخادم ذنباً ؟ فقال : نعم إنه فعل كذا وكذا مع الجارية وعاد وقد سألاني بالله أن أكتم الخبر فلما سمع الأمير ذلك أمر بقتل الجارية وعاد إلى ما كان عليه من محبة أحمد وإكرامه وكانت هذه عاقبة الوفاء ونهاية الخيانة ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله