كن مع الله ترَ الله معك
عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أحد أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم
يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقف التالية .
ولكن نتعرف – قبل الدخول في القصة – هذا الصحابي الذي أسلم يوم فتح مكة
وكان اسمه " عبد الكعبة " فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم " عبد الرحمن
" ، سكن البصرة وفتح سجستان مرتين ، مرة على عهد عثمان ، والثانية على عهد
معاوية ، وصحبه في الفتح الثاني الحسن البصري والمهلب بن أبي صفرة وقطريّ
بن الفجاءة ، ومات في البصرة سنة إحدى وخمسين للهجرة .
يقول الصحابي عبد الرحمن بن سمرة : إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على
أصحابه بعد صلاة فجر أحد الأيام من بيته ، فوقف على الصفة – بمسجد المدينة
– يقول لهم :
" إني رأيت البارحة عجباً " وهذا أسلوب رائع من أساليب التربية ، حيث يطلق
المعلم جملة تستقطب الانتباه ، وتجلب الاهتمام قبل الشروع في الحديث كي لا
يضيع منه شيء ، ولتكون حواس الجميع متوثبة لتلقي الحرف الأول تلقياً واعياً
..
فتوجهت الأنظار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ينتظرون حديثه الشائق ،
وتوجيهاته فقال :
1- " رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه ، فجاءه بره بوالديه فرد
ملك الموت عنه " ويقول العلماء :هذا لا يعني أن الأجل انتهى ، ولم يستطع
ملك الموت أن يقبض روح الإنسان لأن بر الوالدين منعه من ذلك ، فالأجل محتوم
، ولا يظل الإنسان حياً إلى ما شاء أن يحيا ، فالله تعالى يقول : " فإذا
جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " إن المقصود من ذلك أن البر
بالوالدين يجعل حياة الإنسان سعيدة رغيدة ، فيها خير وبركة مصداقاً لقول
الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يُبسط له له في رزقه ،
ويُنسأ له في أثَره فليَصِلْ رَحِمه " ، ويقول بعضهم الآخر : قد يطول العمر
بسبب بر الوالدين ، فالله تعالى هو المتحكم بكل شيء ، ألم يقل سبحانه
وتعالى " يمحو الله ما يشاء ويُثبت ، وعنده أم الكتاب " ويبقى الأجل
المكتوب بأمر الله تعالى ، لا يقدره إلا هو سبحانه يفعل ما يشاء ويقدر .
2- " ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ( أحاطت به )الشياطين،فجاء ذكر الله
فطيّر الشياطين عنه " ،وذكر الله تعالى يطرد الشياطين عن الإنسان كما يطرد
الدواءُ الناجعُ الداءَ ، فيبرأ صاحبه ، وراحة القلوب بذكر الله تعالى "
ألا بذكر الله تطمئن القلوب " وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قراءة المعوذتين ، وآية الكرسي لطرد الوسواس الخناس ، كما أن قراءة
الزهراوين تبعد الشياطين على الدار ثلاثة أيام كما ورد في الأثر .
3- " ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب ،) تريد أخذه إلى النار
بسبب كثرة ذنوبه وسوء عمله) فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم " ،فمن وقف
متذللاً بين يدي الله خاشعاً ، يرجو رحمته ، ويخاف عذابه آمنه الله تعالى ،
وأمر ملائكة الرحمة أن تحمله إلى الجنة ، وقصة الرجل التائب الذي قتل مئة،
ثم تاب توبة نصوحاً خير دليل على ذلك . فلا ييأسنّ المسلم من رحمة الله
تعالى . إن صلاة المسلم الخالصة لوجه الله – مهما قلـّتْ- ثقيلة في ميزان
الله تعالى والله تعالى لا يضيّع مثقال ذرة " إن الله لا يظلم مثقال ذرة ،
وإن تكُ حسنة يضاعفها ، ويؤتِ من لدنه أجراً عظيماً ".
4- " ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا ، كلما دنا من حوض منع وطرد ، فجاءه
صيام شهر رمضان فأسقاه وأرواه "، وهذا دليل على شدة الموقف يوم القيامة ،
وقد تكون أعمال ذلك الرجل ضعيفة ، يضيّع كثيراً من الحقوق ، فلم يؤهله
رصيده الأخروي للدنوّ من الحياض إلا بشفاعة أو إذن ، فلما وصله الدعم
الإلهي والرحمة الربّانيّة – وقلْ : وصلته بطاقة السماح ، وهي الصيام ،كما
قال تعالى : في الحديث القدسي : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي
وأنا أجزي به " لما للصيام من ثواب كبير وأجر عظيم – جاءه الفرج فروى ظمأه
، نسأل الله تعالى أن يروينا بيد الحبيب المصطفى شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
5- " ورأيت رجلا من أمتي ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا ، كلما دنا إلى
حلقة طرد ومنع ، فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي " وهذا
موقف يدل على مكانة الطهارة المادية والمعنوية في الإسلام ، والنبيون
الكرام رمز تلك الطهارة ، فهم أنبياء الله تعالى والمخلـَصون من خلقه لا
يجلس معهم ولا يدنو منهم – في ذلك الموقف – إلا الطهور قلباً وبدناً ، وهذه
لفتة كريمة إلى الطهارة ألا ترى معي كيف علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن
ندعو للميت " اللهم اغسله بالماء والثلج والبرَد ، ونقـّه من الخطايا كما
يُنّقـّى الثوب الأبيض من الدنس "؟ فإذا بالطاهر من أمة النبي صلى الله
عليه وسلم يكرمه الله تعالى أن ينال حظوة ما بعدها حظوة وهي الجلوس قرب
الحبيب صلى الله عليه وسلم ونيل شرف التقرب إليه . اللهم ارزقنا تلك الحظوة
واحشرنا في زمرته صلى الله عليه وسلم .
6- " ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة ، ومن خلفه ظلمة ، وعن يمينه
ظلمة ، وعن يساره ظلمة ، ومن فوقه ظلمة ، وهو متحير فيه ، فجاءه حجه وعمرته
فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور ، " تصوير مخيف ، مخيف لرجل يحيط به
من كل مكان ظلام دامس ، لا يستطيع عنه فكاكاً ، ولا منه خلاصاً ، إنه موقف
رهيب ، فقد يتحرك خطوة تودي به في حفرة من حفر النار – والعياذ بالله – ،
فما المخرج ، وإلى أين الملجأ ؟ يدعو الله تعالى أن يبصّره ليمضي إلى حيث
الأمان والنجاة .. وإذا بالحج والعمرة ينقذانه مما هو فيه . إنه تحمّل مشاق
الحج وصعوبة العمرة من بذل للمال ، وتحمل لمشاق السفر ، يرجو بذلك رضوان
الله تعالى والنجاة من النار والفوز بالجنة ، والله تعالى "لا يظلم مثقال
ذرة ، وإن تكُ حسنة يضاعفها ، ويؤت من لدنه أجراً عظيماً " فإذا بركن
الإسلام الخامس ينقل العبد إلى حيث النور ، ومن كان في النور فقد وصل بر
الأمان ولندعُ كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يدعو ( اللهم اجعل في
قلبي نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، وعن يميني نورا ، وعن يساري
نورا ، وفوقي نورا ، وتحتي نورا ، وأمامي نورا ، وخلفي نورا ، واجعل لي
نورا( .
7- " ورأيت رجلا من أمتي يتقي وهج النار وشررها ، فجاءته صدقته فصارت سترا
بينه وبين النار وظلا على رأسه " ، في ذلك اليوم يشتد غضب الله تعالى على
الكافرين والفاسقين الظالمين ، وتدنو الشمس من الخلائق جداً . وتظهر النار
بمنظرها المخيف الرهيب ترمي شواظها على المجرمين ، أما من تقرب إلى الله عز
وجل يرجو رحمته ويخشى عذابه ، فإن الله تعالى يبعده عن الشرر ، ويقيه
المخاطر بفضله وكرمه ، فقد كان المسلم محسناً متصدّقاً ، والله تعالى لا
يضيع أجر من أحسن عملاً . ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " صدقة السر
تطفئ غضب الرب " ألم يدلنا على المكان الذي يسترنا عن شدة الحر والظمأ يوم
القيامة ؟ ألم يقل في حديث السبعة " سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا
ظله ؟ " ومن هؤلاء السبعة قوله صلى الله عليه وسلم " ورجل تصدق بصدقة
فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " ؟ ألم يقل الحبيب المصطفى
منبهاً ومعلماً " فاتقوا النار، ولو بشق تمرة " ؟ فمن كثرت صدقاته فقد عمل
لآخرته، واتخذ عن النار ستاراً .
8- " ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه ، فجاءته صلته لرحمه
فقالت : يا معشر المؤمنين إنه كان وصولا لرحمه فكلموه ، فكلمه المؤمنون
وصافحوه وصافحهم ،"
يا سبحان الله .. الجزاء ذلك اليوم من جنس العمل فمن وصل رحمه في الدنيا
وأحسن إليهم وجد جزاءه يوم القيامة احتفاء وتكريماً ، ومن قطع في الدنيا
رحمه ، وجد في هذا اليوم ما لا يسر ، " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن
يعمل مثقال ذرة شراً يره " وصلة الرحم تتمسك بساق العرش تستعيذ من قاطع
الرحم ، فتجد الله سبحانه ينتصف لها حين يقول : " ألا ترضين أن أصل من وصلك
وأقطع من قطعك ؟ " فتقول راضية : بلى . ولْنتصور الرجل ينتقل من قوم إلى
قوم يكلمهم ، فيعرضون عنه ، ويرى نفسه وحيداً قد قاطعه الناس ، فتنقذه صلة
الرحم حين تبرئ ساحته من القطيعة والعقوق ، وتشهد له أنه كان وصولاً لرحمه
، ويستحق هنا الصلة والتكريم . فيلتفتون إليه ، يبتسمون له ، ثم يصافحونه ،
ويكلمونه ، فهو يستحق الصلة إذاً .
9- " ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الزبانية ، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه
عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة ، " .
إنه منظر مخيف يقطع نياط القلوب ، وموقف رهيب حاسم .. فمن أحاطت به زبانية
العذاب انتهى أمره ، وكان إلى النار مصيره ، وتصور هؤلاء الزبانية ذوي
المناظر المرعبة والنظرات القاسية المتوعدة تدنو منك أو مني أو من أحدنا
تحيط به إحاطة السوار بالمعصم وتضيّق الخناق عليه ، تهم به إلى حيث العذاب
والهوان ، ولعلهم كانوا مأمورين أن يدفعوه إلى مصيره بعد أن طاشت حسناته
وثقلت سيئاته ، نسأل الله العافية وحسن الختام ، فينادي يا رب إني كنت من
الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويصدح بالأية الكريمة من سورة
التوبة- 71- " والمؤمنون والمؤمنات ، بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر ، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، أولئك سيرحمهم الله إن
الله عزيز حكيم ." فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكريحوش عنه زبانية
العذاب ، ويسلمه إلى ملائكة الرحمة ، فيا سعادته إذ خلص من ذلك الموقف الذي
يقصم الظهور ويذيب الأفئدة . ولا شك أن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
يبدأ بنفسه أولاً فيطهرها ويكون وأسوة للآخرين ، فيقتدون به .
10- " ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله حجاب ، فجاءه
حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل ،" كل المخلوقات تجثو بحضرة
الله سبحانه وتعالى في ذلك الموقف الرهيب ، والدليل على ذلك قوله تعالى في
سورة الجاثية الآية – 28- " وترى كل أمة جاثية ، كل أمة تُدعى إلى كتابها ،
اليوم تُجزَون ما كنتم تعملون " هذا حين تُحشر الخلائق أمام الله تعالى ،
أما أصحاب النار – فيُحشرون – والعياذ بالله حول جهنم " جاثين " قبل أن
يُلقـَوا فيها ،وتصور الهلع والخوف اللذين لا يمكن وصفهما في أفئدة من
يعلمون أنهم سيلقون في أية لحظة في أتون النار – اللهم الطف بنا – كما أن
الجثوّ من صفة أصحاب النار وهم فيها يتعذبون " ثم ننجي الذين اتقَوا ، ونذر
الظالمين فيها جثيّا " . وهذا الرجل المسلم يقف أمام ربه سبحانه بينه وبينه
حجاب ، لماذا ؟ ما سبب الحجاب ؟ لعل أخطاءه الكثيرة منعته أن يرى ربه ،
ورؤية الله تعالى علامة الخير والنهاية السعيدة بإذن الله ، لعله في الدنيا
لم يكن ذلك الرجل الصالح المصلي القائم !! لكنه كان ذا خلق حسن ، يبتسم
بوجه الناس ، ولا يؤذيهم ، ويتحمل إساءاتهم ، ولا بياديهم بمثلها !! ولم
يكن ينم ، ولا يغتاب ، ولا يلمز ، ولعله كان يصلح بين الناس . خلقه الصالح
هذا يأتيه بهيئة رجل جميل ، يأخذ بيده ويدخله حضرة ربه سبحانه ، يروي أبو
ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه :"
اتق الله حيث كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن "
وروت أم الدرداء عن زوجها عن النبي صلى الله عليه وسلم " أثقل ما يوضع في
الميزان الخلق الحسن " وأعظم بهذا الوزن الثقيل الذي يُدخل صاحبه الجنة . ،
وفي الحديث الحسن الذي رواه الصحابي أسامة بن شريك بشارة لصاحب الخلق الحسن
" قالوا : يا رسول الله ما خير ما أعطي الإنسان ، أو المسلم ؟ قال : الخلق
الحسن " اللهم جمّلنا بحسن الخلق .
11- " ورأيت رجلا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله ، فجاءه خوفه من
الله عز وجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه ،" وهذا تنبيه إلى أننا نعيش في
رعاية الله سبحانه في كل لحظات حياتنا الدنيوية والبرزخية واليوم الآخر وما
بعده إلى أبد الآبدين . وما نقرؤه في سورة الواقعة من تصوير لأخذ الكتاب
باليمين – اللهم آتنا كتبنا بأيماننا – أو بالشمال – والعياذ بالله من هذا
المصير البائس – دليل واضح على ذلك ، وخاصة حين نقرأ الفعل " آتى " بصيغة
المبني للمجهول " فمن آوتي كتابه .. " إنه الدليل على أننا نعيش برحمة الله
سبحانه ، لا ندري حتى اللحظة الأخيرة عندما تنتشر الكتب ، وتـُلقى إلى
أصحابها أنحن من السعداء أم من الأشقياء ، لكن أملنا بالله الرحيم كبير،
والمسلم يعيش دائماً بين رجاء وخوف ، ولن يجمع الله تعالى على عبده المسلم
أمنين ولا خوفين ، والدليل على ذلك ما رواه شداد بن أوس وصححه الألباني "
قال الله عز وجل ، و عزتي لا أجمع لعبدي أمنين و لا خوفين ، إن هو أمنني في
الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي ، و إن هو خافني في الدنيا أمّنـْتـُه يوم
أجمع فيه عبادي " فيا رب ؛ أعطني كتابي بيميني ، وحاسبني حساباً يسيراً ،
ولا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري ، ولا تحاسبني حساباً عسيراً .
12- " ورأيت رجلا من أمتي خف ميزانه ، فجاءه رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه
من ذلك ومضى ،" إن المسلم دائم الرجاء بالله وفضله ، وقد روى أبو هريرة رضي
الله عنه بإسناد صحيح " إن حسن الظن من حسن العبادة " وكلنا ذلك الرجل – إن
شاء الله – وقد علمنا أنه ما أحد يدخل الجنة بعمله إلا أن رحمة الله أوسع ،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى " لن يدخل الجنة أحد إلا
برحمة الله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني
الله برحمته ، وقال بيده فوق رأسه " .. اللهم ارحمنا برحمتك ، ونجنا من
النار وأدخلنا الجنة .
13 – " ورأيت رجلا من أمتي قد هوى في النار ، فجاءته دمعته التي قد بكى من
خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك ،" .. مسلم مذنب يهوي في النار .. منظر
رهيب ، رهيب ، إنه يسرع إلى الهاوية وإلى نار تلظى ، ذنوبه كثيرة ، وأعماله
دفعته إلى ذلك ، لكنه خلا بنفسه يوماً حين كان في الدنيا وحدثته نفسه
بشفافية أنه مقصر بحق الله تعالى ، فبكى من خشية الله ، هذه الدمعة كانت
سبب إنقاذه مما هو فيه ، وها هي ملائكة الرحمة تتلقفه قبل أن يسقط في
الجحيم ، تتلقفه بفضل الله تعالى لينال سعادة الآخرة " وصدق رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، وعين
باتت تحرس في سبيل الله . "
14- " ورأيت رجلا من أمتي قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح
عاصف ، فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكن روعه ومضى ، " أهو على الصراط يحبو
أم تراه لم يجرؤ على السير فوقه ؟! تحته النار بلهيبها المدوّي وحرارتها
الملتهبة كالبحور الهائجة ذات الأمواج الدفـّاقة . والناس يمرون على الصراط
بعضهم بلمح البرق ، وآخرون كالريح المرسلة ، وبعضهم بسرعة الجياد المضمرة
.. وهو يرعد خائفاً ويرتجف مرعوباً كما ترتجف سعفة النخيل في يوم شديد
الرياح … ولا بد من اجتياز الصراط ، والرجل خائف ، خائف ، وهنا يهبه
المولى تعالى الأمن والأمان ، فقد كان في الدنيا يعمل ما وسعه العمل الخيّر
وحسن ظنه بالله كبير .. ما إن يأتيه حسن ظنه بالله حتى يبدأ سيره ، وتتسع
خطاه ، ويمر على الصراط ساكن النفس هادئ البال ، فحسن ظنه بالله رائده
لا تعـاملـني بنـقصي *** يا إلهي … بـَل بمـَنِّ
حسن ظنّي فيك ربي *** لا تخيّبْ حسنَ ظنّي
15- " ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط ، يحبو أحيانا ويتعلق أحيانا ،
فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته ،" وهذا مسلم آخر مقصر يحبو
على الصراط ، فذنوبه أثقلتـْه ، يزحف قليلاً ، ويكاد يسقط في نار جهنم ،
فيتعلق بالصراط ، لا يستطيع السير ، والناس يمرون ، ساكتين وجلين ،
والأنبياء صلوات الله عليهم يدعون بصوت خفيض " اللهم سلّمْ ، اللهم سلّمْ "
والحبيب المصطفى يدعو الله تعالى أن يرحم أمته ، وينجيهم . مواقف لا يسعها
إلا الدعاء ، والخوف والرجاء ، وهنا تأتي المرءَ صلاتُه على سيد المخلوقات
وشفيعنا محمد عليه الصلاة والسلام ، فتحمله برفق وتوقفه على الصراط بثبات ،
وتنقذه من السقوط في الهاوية ، ألم يقل الله تعالى – وقوله الحق – " إن
الله وملائكته يصلون على النبي ؛ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما " أليس الحبيب محمد شفيعنا ، وهادينا إلى النور ، وإلى طريق مستقيم
؟ ألم يتحمل صلى الله عليه وسلم ما تحمّل ليوصل إلينا ضياء الإيمان ، وكان
حريصاً علينا يريد لنا الهداية ، وكان بنا أرحم من آبائنا ؟ " لقد جاءكم
رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتّم ، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم "
أن من يصلي على رسول الله يفلح في الدنيا والآخرة ، فقد روى أبو طلحة رضي
الله عنه قال " جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، والسرور يُرى
في وجهه ، فقالوا : يا رسول الله ؛ إنا لنرى السرور في وجهك . فقال : إنه
أتاني الملك فقال : يا محمد ؛ أما يُرضيك أن ربك عز وجل يقول : : إنه لا
يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً ، ولا يسلم عليك أحد من أمتك
إلا سلمت عليه عشراً؟ قال : بلى . وقال صلى الله عليه وسلم من حديث أنس
الذي أخرجه الديلمي مرفوعاً " ومن أكثر الصلاة عليّ كان في ظل العرش "
اللهم إنا نحب نبيك العظيم فشفعه فينا يا رب .. اللهم صل على محمد كما صليت
على إبراهيم .
16- " ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه ،
فجاءته شهادة أن لا
إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة " لا إله إلا الله أحيا بها
عمري …
لا إله إلا الله يحلو بها دهري
لا إله إلا الله نور حوى قبري
لا إله إلا الله أجلو بها همّي
لاإله إلا الله أمضي بها دربي
لا إله إلا الله ألقى بها ربي …
لا إله إلا الله : هويّة المسلم ، وشفاء قلبه ، ونور بصره .
لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .
رااائع
بارك الله فيكى
شكرااا
******