بينما كنت أرتشف القهوة مع صديق كان في زيارة لي سألني ماهو أهم شيء في حياتك؟ قلت له: أهم شيء بحياتي هذا الفنجان من القهوة، فغضب وأعاد السؤال، فأجبته: نعم يا صديقي أنا جاد بما أقوله، أهم شيء في حياتي هذه اللحظة هذا الفنجان من القهوة الذي بيدي، لكن هذا لايعني أن كل شيء سوف يتغير بعد ساعات أو غداً أو بعد غد، بالماضي كنت اعتقد أنه عندما اتفوق بدراستي و احصل على مقعد جامعي في كلية الطب سوف تتغير حياتي ولكن هذا سرعان ماتلاشى وتبخر وأصبحت هناك مصاعب وطموحات أخرى، وصرت أتلذذ وأنتشي عندما أتذكر معاناة المرحلة السابقة وأصبحت كالعطر بذاكرتي غير مدرك أنها نفس المعاناة التي أعيشها الآن، ولكن بوسائل وطموحات وأهداف أخرى، فأصبح أهم شيء في حياتي بالمرحلة الجامعية هو دخول اختصاص الطب النفسي، و بعد التخرج أصبح هدفي هوالحصول على المال والسيارة والبيت والشهرة ومتاع الدنيا الزائلة كأي شاب طامح، بكلام آخر كنت اعتقد بمجرد الحصول على تلك الاشياء سوف تتغير حياتي غير مدرك أن السعادة تكمن في تسلق الجبل وليس العيش في قمته وأن النجاح ليس كل شيء ولكن الرغبة في النجاح هي كل شيء، وأن السعادة لاتتحقق في غياب المشكلات في حياتنا ولكن بمواجهتها والتغلب عليها، وأن الانتباه الى أشياء بسيطة يهملها معظم الناس تجعل بعض الناس أغنياء وسعداء جداً، وأن الانسان لكي ينجح يجب عليه تجنب الأشخاص السلبيين والمتذمرين والمتشائمين والحاسدين، فهذه الأمور معدية كالكوليرا والانفلونزا، وأن كل فكرة نفكر بها هي بمثابة عملية ري ولن نحصد سوى مانزرع من أفكار سلبية أم ايجابية، وأنه ليس المهم أين أنت الآن ولكن المهم أين تتجه هذه اللحظة وأن عليك القيام بالخطوة الصحيحة ولو عاداك العالم أجمع، ولكن لاتنسى قدماك على الارض وأن اللحظة هي السيولة الوحيده بيدنا فالماضي شيك تم سحبه والمستقبل شيك مؤجل وأن كل ماحصلنا عليه من أشياء نعتبرهاعظيمة بدأت بفكرة وأمنية صغيرة، وأنه مهما كانت الحياة مليئة بالمتاعب فهناك دائما مساحة لفنجان من القهوة.
لقد تعلمت أشياء كثيرة ولكن قلة منها ستفيدني، فأهم شيء في حياتي هو شيء لاأعرفه، فتراني أفتش وأبحث عنه كل يوم دون كلل وتعب ولكني فشلت وخسرت كل شيء حتى لوامتكلت هذه الاشياء فستبقى هذه الأشياء مجرد أشياء، ولاشيء آخر ولكن ربما يأتي يوم أجد فيه ما ضيعت فيه كل عمري في البحث عنه، وإذا لم أجده تصبح الحياة تعيسةجداً .
إلهي إن كل ماسطرته من أول سطر في صفحات حياتي إلى لحظة كتابة هذه الكلمات إنما هو نتيجة خطك وتقديرك وإنها لسطور كثيرة قد حوت سجل ثلاثين عاما من عمري الذي مضى ولست أرى فوق كاهلي إلا ركاماً من السيئات والأثام، ولا أجد درهما من عمل صالح قدمته
ربَاه كما وفقتني في نهاية هذه الرحلة إلى الالتفاف لعظمتك والتسبيح بحمدك أسالك أن توفقني في نهاية حياتي أيضا إلى التمسك بهديك والإيمان بلطفك وحكمتك