الحمـــد لله الذي أيقظ الغافلين ، ونفع بالتذكرة المؤمنين ، فلم يشتغلوا
بالدنيا وحدها بل جمعوا بين الدنيا والدين وعرفوا ما لربهم من الحق،
فقاموا به قيام الصادقين ، أحمده حمد الحامدين ، وأشكره وأستعينه ،
فهــو نعم المولى ونعم المعين، وأشهـــد أن لا إله إلا الله الملك الحق
المبين ، وأشهــد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى الأمين ،
اللهم صل وسلم على محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعـــد : أيها الناس ، اتقوا الله حق تقواه لتفوزوا بنعيمه ورضاه ،
فـإن الله خلقكم لمعرفته وعبادته ، فطوبى لمن قام بحق مولاه ، فحقه
عليكم أن تعبدوه ولا تشركوا بــــه شركا خفيا ولا جليا ، وأن تحققوا
المتابعة والإخلاص ، ويكـــون الله وحده لكم ناصرا ووليا ، فتداركوا
أعماركم بالتوبة النصوح ، وإصــلاح الأعمال قبـــــل اخترام النفوس
وحضور الآجال ، قبل أن تقول نفس يا حسرتي على مــــا فرطت في
جنب الله وطاعة ذي الجلال ، كيــف تغترون بالدنيا وقــد أمدكم بعمر
يتذكر فيـه من تذكر وجاءكم النذير ؟! وقد علمتم أن الأجــــل ينطوي
والإنســــان في كل لحظة يرحل ويسير ، يا عجبـــا لنا نضيع أوقاتنا
– وهي أنفس ما لدينا – باللهو والبطالات، وقد جعلنا الدنيا دار قرار،
وإنمـــا هـــي دار العمل والتزود واغتنام الخيرات ، يا عجبا تستوفي
جميع مراداتك من مولاك ولا تستوفي حقه عليك، وأنت متبع لهواك،
وتعرض عـن مولاك وقت الرخاء والسراء ، وتلجأ إليه حين تصيبك
الضراء ، أكرمك وقدمك على سائر المخلوقات ، فقدمه فـــي قلـبك ،
وقدم حقّه على كل المرادات ، من أقبل على ربه تلقاه ، ومــــن ترك
لأجله وخالف هواه عوضه خيرا مما تركه ، ورضـي عنـــه مولاه ،
ومـن قدم رضى المخلوقين على رضاه فقد خسر دينه ودنياه ، ومن
أعرض عن ذكره فإن له معيشة ضنكا ، وذلك بما قدمت يداه، ومـن
توكل عليه صادقا من قلبه ، يسر له أمره وكفاه ، { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } الطلاق 2-3 ،
وحفظه من الشر وحماه { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء
فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } فصلت46
كتاب : الفواكه الشهية في الخطب المنبرية
( ص27 ) للشيخ : عبد الرحمن السعدي