تخطى إلى المحتوى

حقوق الأمة على الحاكم ونقده عند عمر رضي الله عنه 2024

  • بواسطة

حقوق الأمة على الحاكم ونقده عند عمر رضي الله عنه
الشيخ أحمد الزومان

حقوق الأمة على الحاكم ونقده
عند عمر – رضي الله عنه –

الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [[الأحزاب: 70-71].

أما بعد:
في هذه الخطبة أذكر أهم القواعد التي يراها عمر – رضى الله عنه – في ما يجب على الحاكم وكيف التعامل معه ومع نوابه من الأمراء وغيرهم فما أحوج الأمة في هذا الزمن التي تململ فيه الناس ويبحثون عن مخرج يحفظ حقوقهم من غير أن يتسبب ذلك في إهلاك الحرث والنسل ما أحوجها لمعرفة سنة الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بمتابعتهم. بمتابعتهم في طريقة الحكم وفي كيفية التعامل مع الحاكم وما للحاكم وما عليه وكيف تنتقل السلطة من حاكم إلى آخر فالأمة ليست بحاجة للشرق ولا للغرب لتقتات من موائدهم فعندها العذب النمير.

عمر – رضى الله عنه – يرى أن الأمراء والمسئولين وضعوا لخدمة الناس وإيصال حقوقهم وليس لهم أن يستغلوا نفوذهم وسلطتهم في إيذاء الناس والاعتداء عليهم في أنفسهم أو أموالهم وإذا أساءوا في استغلالهم السلطة فهم عرضة للتأديب كسائر الناس فلا يمكن أن يسود العدل ويحافظ على لحمة المجتمع إلا بمحاسبة الجميع فلابد أن تطال يد القضاء كل شخص، فعن أبي فراس قال: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّا إِنَّمَا كُنَّا نَعْرِفُكُمْ إِذْ بَيْنَ ظَهْرَيْنَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَإِذْ يَنْزِلُ الْوَحْيُ وَإِذْ يُنْبِئُنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ أَلَا وَإِنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَدْ انْطَلَقَ وَقَدْ انْقَطَعَ الْوَحْيُ وَإِنَّمَا نَعْرِفُكُمْ بِمَا نَقُولُ لَكُمْ مَنْ أَظْهَرَ مِنْكُمْ خَيْرًا ظَنَنَّا بِهِ خَيْرًا وَأَحْبَبْنَاهُ عَلَيْهِ وَمَنْ أَظْهَرَ مِنْكُمْ لَنَا شَرًّا ظَنَنَّا بِهِ شَرًّا وَأَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ سَرَائِرُكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ أَلَا إِنَّهُ قَدْ أَتَى عَلَيَّ حِينٌ وَأَنَا أَحْسِبُ أَنَّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ يُرِيدُ اللَّهَ وَمَا عِنْدَهُ فَقَدْ خُيِّلَ إِلَيَّ بِآخِرَةٍ أَلَا إِنَّ رِجَالًا قَدْ قَرَءُوهُ يُرِيدُونَ بِهِ مَا عِنْدَ النَّاسِ فَأَرِيدُوا اللَّهَ بِقِرَاءَتِكُمْ وَأَرِيدُوهُ بِأَعْمَالِكُمْ أَلَا إِنِّي وَاللَّهِ مَا أُرْسِلُ عُمَّالِي إِلَيْكُمْ لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ وَلَكِنْ أُرْسِلُهُمْ إِلَيْكُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ وَسُنَّتَكُمْ فَمَنْ فُعِلَ بِهِ شَيْءٌ سِوَى ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِذَنْ لَأُقِصَّنَّهُ مِنْهُ، فَوَثَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَعِيَّةٍ فَأَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ أَئِنَّكَ لَمُقْتَصُّهُ مِنْهُ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ إِذَنْ لَأُقِصَّنَّهُ مِنْهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يُقِصُّ مِنْ نَفْسِهِ أَلَا لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ وَلَا تُجَمِّرُوهُمْ [إطالة المدة في الغزو] فَتَفْتِنُوهُمْ وَلَا تَمْنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ وَلَا تُنْزِلُوهُمْ الْغِيَاضَ [الشجر الملتف، لأنهم إذا نزلوها تفرقوا فيها فتمكن منهم العدو] فَتُضَيِّعُوهُمْ" رواه الإمام أحمد (288) وابن سعد في الطبقات (3/223) [1] وصححه الحاكم (4/439).

وفي رواية ابن سعد:
"… فَمَنْ فُعِلَ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَلْيَقُمْ. فَمَا قَامَ أَحَدٌ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ قَامَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ عَامِلَكَ فُلانًا ضَرَبَنِي مِائَةَ سَوْطٍ. قَالَ: فِيمَ ضَرَبْتَهُ؟ قُمْ فَاقْتَصَّ مِنْهُ. فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا يَكْثُرُ عَلَيْكَ وَيَكُونُ سُنَّةً يَأْخُذُ بِهَا مَنْ بَعْدَكَ. فَقَالَ: أَنَا لا أُقِيدُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقِيدُ مِنْ نَفْسِهِ. قَالَ: فَدَعْنَا فَلْنُرْضِهِ. قَالَ: دُونَكُمْ فَأَرْضُوهُ. فَافْتَدَى مِنْهُ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ. كُلُّ سَوْطٍ بِدِينَارَيْنِ".

فكان عمر – رضى الله عنه – يجتمع مع أمرائه في الحج ليطمئن على الرعية وحين يجتمع الناس من كل الأقاليم الإسلامية في الحج يتأكد من حسن سيرة عماله فيطلب من الناس أن ينتقدوا عماله في العلن ويبنوا له سوء صنيعهم إن وجد فيرد المظلمة في الحال فلا حصانة لأحد من مسئولي الدولة في عهد عمر – رضى الله عنه -.

ولم يكتف بذلك بل هم أن يقوم بجولات تفتيشية على الأقاليم يلتقي بالناس وجها لوجه ويسمع منهم ليتأكد بنفسه من الإحسان إلى الرعية وأن حقوقهم محفوظة وليرفع الظلم عنهم إن كان وقعا عليهم لكن فجاءه الأجل، قال الحسن قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَئِنْ عِشْتُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَأَسِيرَنَّ فِي الرَّعِيَّةِ حَوْلًا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ لِلنَّاسِ حَوَائِجَ تُقْطَعُ دُونِي، إِمَّا هُمْ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيَّ، وَإِمَّا عُمَّالُهُمْ فَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَيَّ، فَأَسِيرُ إِلَى الشَّامِ فَأُقِيمُ بِهَا شَهْرَيْنِ ثُمَّ أَسِيرُ إِلَى الْجَزِيرَةِ فَأُقِيمُ بِهَا شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَسِيرُ إِلَى مِصْرَ فَأُقِيمُ بِهَا شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَسِيرُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ فَأُقِيمُ بِهَا شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَسِيرُ إِلَى الْكُوفَةِ فَأُقِيمُ بِهَا شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَسِيرُ إِلَى الْبَصْرَةِ فَأُقِيمُ بِهَا شَهْرَيْنِ، وَاللَّهِ لَنِعْمَ الْحَوْلُ هَذَا" رواه ابن شبة في تاريخ المدينة (3/ 821) والطبري في تاريخه (4/201) مرسلاً ورواته ثقات.

عمر – رضى الله عنه – يرى أنه لا عذر للحاكم في أخطاء نوابه؛ فهو المسئول الأول عن الأمة في حفظ دينهم ودنياهم فقد قال – رضى الله عنه -: "لَوْ هَلَكَ حَمْلٌ مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ ضَيَاعًا بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ خَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ عَنْهُ" رواه ابن أبي شيبة (34486) وابن سعد في الطبقات (3/305) وأبو نعيم في الحلية (1/53) وابن جرير في تاريخه (4/202) والبلاذري في الأنساب (10/354) وهو حسن بمجموعه.

يرى عمر – رضى الله عنه – أنًّ الأمة يجب عليها أن تمنع الحاكم من الظلم والاستبداد:
قال عمر – رضى الله عنه – : لمحمد بن مسلمة – رضى الله عنه – "كَيْفَ تَرَانِي يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: أَرَاكَ وَاللَّهِ كَمَا أُحِبُّ، وَكَمَا يُحِبُّ مَنْ يُحِبُّ لَكَ الْخَيْرَ، أَرَاكَ قَوِيًّا عَلَى جَمْعِ الْمَالِ، عَفِيفًا عَنْهُ، عَادِلًا فِي قَسْمِهِ، وَلَوْ مِلْتَ عَدَلْنَاكَ، كَمَا يُعْدَلُ السَّهْمُ فِي الثِّقَافِ، فَقَالَ عُمَرُ: هَاهْ، فَقَالَ: لَوْ مِلْتَ عَدَلْنَاكَ، كَمَا يُعْدَلُ السَّهْمُ فِي الثِّقَافِ، فَقَالَ عُمَرُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي فِي قَوْمٍ إِذَا مِلْتُ عَدَلُونِي" رواه ابن المبارك في الزهد (512) مرسلاً ورواته ثقات فحمد الله عمر – رضى الله عنه – حينما تأكد أن المسلمين وصلوا إلى منع الحاكم من الظلم والاستبداد.

ومنع الحاكم من الظلم ومنعه من تجاوز الحدود الشرعية منهج للصحابة – رضي اللهم عنهم – وليس خاصًا بعمر – رضى الله عنه – فقد صح عن أبي بكر – رضى الله عنه – أنه قال "فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني" وتقويمه بحمله على الصراط القويم الموافق للحق.

وهذا أبو سعيد الخدري – رضى الله عنه – يجذب مروان بن الحكم أمير المدينة حينما خالف السنة؛ فعن أبي سعيد الخدري – رضى الله عنه – قال كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف قال أبو سعيد – رضى الله عنه -: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كَثِيرُ بن الصَّلْتِ فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له: غيرتم والله فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة " رواه البخاري (956) ومسلم.

وعن الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو بن العاص: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ" رواه مسلم (2898) فأثنى عمرو بن العاص – رضى الله عنه – على الروم بوقوفهم في وجه الحكام الظلمة ومنعهم من الظلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحسبة ص: 134:
لما كانت هذه الخُلة الجميلة فيهم [أي الروم]، لا يكاد يسلط عليهم ظالم من أنفسهم يستبيحهم كما يحدث عند غيرهم. وصدق رحمه الله ولا زال الأمر في الروم إلى زمننا هذا نجدهم وضعوا الأنظمة التي توصل أفضلهم للحكم وتمنعه من التعدي والانفراد في تقرير مصيرهم وحينما تنتهي فترة ولايته تنتقل السلطة إلى حاكم آخر من غير اختلاف فضلا عن النزاع أو الاقتتال.

وهذه الخصلة وإن كانت من غير مسلمين فهي محمودة أشاد بها عمرو بن العاص – رضى الله عنه – وشيخ الإسلام.

الخطبة الثانية
إذا أساء أحد أفراد الأمة للحاكم وقال فيه ما ليس فيه يعاقب عقوبة تعزيرية بالضرب في الحال ويخلى سبيله ولا يجعل هذا الخطأ سببا في ثلبه والتشهير به والسعي في تنفير الناس منه فالحاكم ليس له أحكام تخصه دون بقية الأمة فهو واحد من أفراد الأمة تجري عليه الأحكام التي تجري عليهم فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أو شبانا"، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: "فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر"، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، "والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله" رواه البخاري (4642) وكان جلساء عمر عونا له على العفو عن من أخطأ عليه ولم يوغروا صدره عليه أو يغروه بالتنكيل به.

وعمر – رضى الله عنه – يرى أنه لا غنى للحاكم من المشورة والاجتماع بالناس حين النوائب وهذه الشورى حقيقية ليست شكلية فيعمل برأي مستشاريه حتى ما يتعلق به خاصة.

عمر – رضى الله عنه – يرى أن الأمة هي المسئولة في تولية الحاكم وعزله وليس لأحد أن يبايع شخصا من غير مشاورة الأمة ورضاها فمن حكم الأمة بغير رضاها فهو غاصب للحكم فعن ابن عباس "أن رجلا قال: لو مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا… فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ العَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ -إلى أن قال عمر رضى الله عنه – فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَلاَ يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ" رواه البخاري (6830) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/150): أي حذرا من القتل وهو مصدر من أغررته تغريرا… والمعنى أن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل.

حتى حينما عهد أبو بكر بالخلافة لعمر وحينما جعل عمر الخلافة في من بقي من العشرة المبشرين في الجنة في علي وعثمان والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وقال يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له" رواه البخاري (3700) لم يكن هذا إلزاما منهما للأمة بواحد منهم إنما هو إشارة للأفضل من غير إلزام قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (1/530ـ532) صار [أبو بكر] إماما، بمبايعة أهل القدرة له.

وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر، إنما صار إمامًا لما بايعوه وأطاعوه، ولو قدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إماما، سواء كان ذلك جائزا أو غير جائز…. وعثمان لم يصر إمامًا باختيار بعضهم، بل بمبايعة الناس له، وجميع المسلمين بايعوا عثمان ولم يتخلف عن بيعته أحد.

[1] في إسناده أَبو فِرَاسٍ قال الحافظ ابن حجر مقبول. وقال ابن عبدالحكم فتوح مصر ص: 195 حدّثنا عن أبى عبدة، عن ثابت البنانىّ وحميد، عن أنس إلى عمر بن الخطّاب فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسّوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الألأمين، قال أنس: فضرب فوالله لقد ضربه ونحن نحبّ ضربه فما أقلع عنه حتى تمنّينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيت منه، فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبّدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا؟ قال يا أمير المؤمنين، لم أعلم ولم يأتني . وإسناده ضعيف

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.