تخطى إلى المحتوى

بعض الأحاديث الموضوعه التي أوردها الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله 2 2024

  • بواسطة

الونشريس
21- حديث: ((إن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره))

الحديث الذي أخرجه أبو داود برقم (638) ج1 ص172 ورقم (4086) ج4 ص57 عن موسى بن إسماعيل عن أبان عن يحيى عن أبي جعفر عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما رجل يصلي مسبلاً إزاره إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذهب فتوضأ)) فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال له: ((اذهب فتوضأ)) فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال له رجل: يا رسول الله ما لك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه؟!.. فقال: ((إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره)).
قال النووي في رياض الصالحين: رواه أبو داود على شرط مسلم.
قلت: هذا وهم من النووي رحمه الله فليس إسناده على شرط مسلم، بل هو ضعيف لعلتين:
إحداهما: أنه من رواية أبي جعفر غير منسوب وهو مجهول.
والعلة الثانية: أنه من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر المذكور بالعنعنة، ويحيى مدلّس، والمدلس إذا لم يصرح بالسماع لم يحتج به، إلا ما كان في الصحيحين.
ولو صح فمعناه التغليظ والتشديد؛ ليحذر العود إلى الإسبال.. أما صلاته فصحيحة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادتها، وإنما أمره بإعادة الوضوء، ونفي القبول في الصلاة لا يلزم منه بطلان الصلاة في جميع موارده؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة))[23] رواه مسلم في صحيحه.
وقد حكى النووي الإجماع أنه لا يؤمر بالإعادة، وإنما فاته الثواب للزجر والتحذير، وله نظائر في أحاديث أخرى. ويدل على أن نفي القبول في حديث المسبل، لا يلزم منه بطلان الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة. وهكذا في حديث ابن مسعود لم يأمره بالإعادة، فدل ذلك على أن مراده صلى الله عليه وسلم بأمره بإعادة الوضوء هو الزجر والتحذير.. ولعل وضوءه يخفف عنه الإثم.
وهذا كله على تقدير صحة الحديث المذكور، وقد يستدل بنفي القبول على عدم الصحة؛ لعدم وجود ما يقتضي خلاف ذلك، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ))[24] متفق عليه.
وحديث ابن مسعود المشار إليه آنفاً خرجه أبو داود برقم (637) ج1 ص172 بإسناد صحيح، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام)).
ثم ذكر أبو داود رحمه الله أنه رواه جماعة موقوفاً على ابن مسعود، انتهى.
وهذا الموقوف له حكم الرفع؛ لأنه لا يقال من جهة الرأي، كما يعلم ذلك من كلام أهل العلم في أصول الفقه. ومصطلح الحديث، وبالله التوفيق..

22- حديث: ((إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش…))

حديث: ((إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش، ورب قتيلٍ بين الصفين الله أعلم بنيته)) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في المسند مجلد واحد ص367 من طريق عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيف لاختلاطه، فيكون هذا الحديث ضعيفاً بهذا السند.
وفي السند أيضاً أبو محمد الراوي؛ للحديث المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصرح بسماعه منه عليه الصلاة والسلام، فيحتمل أن يكون مرسلاً، والمرسل لا يحتج به، إلا أن يكون له شواهد تدل على صحته أو حسنه، إن لم يثبت سماع أبي محمد المذكور من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر في السند أنه من أصحاب ابن مسعود، والله ولي التوفيق.

23- حديث: ((تعشّوا ولو بكف من حشف…))

حديث: ((تعشوا ولو بكف من حشف، فإن ترك العشاء مهرمة)) خرجه الترمذي في جامعه رحمه الله حيث قال: حدثنا يحيى بن موسى حدثنا محمد بن يعلى الكوفي، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، عن عبد الملك بن علاق عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم… فذكره. ثم قال رحمه الله هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وعنبسة يضعف في هذا الحديث. وعبد الملك بن علاق مجهول… انتهى كلامه رحمه الله.
وقال الحافظ في التقريب: محمد بن يعلى السلمي أبو ليلى الكوفي لقبه زنبور، ضعيف من التاسعة..
وقال الحافظ أيضاً في عنبسة عن عبد الرحمن المذكور: متروك رماه أبو حاتم بالوضع من الثامنة، وقال الحافظ أيضاً في عبد الملك بن علاق المذكور: مجهول من الخامسة.
وبهذا يتضح أن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف جداً، ويحتمل أنه موضوع والحمل فيه على عنبسة..
أما شيخ الإمام الترمذي، وهو يحيى بن موسى فثقةٍ معروف، روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي كما في التقريب. وقال العجلوني في كشف الخفاء، بعد ما عزاه للترمذي، وذكر أن فيه ضعيفاً ومجهولاً ما نصه. ورواه أبو نعيم عن أنس بلفظ: ((لا تدعوا عشاء الليل، ولو بكف من حشف فإن تركه مهرمة)) ورواه ابن ماجه عن جابر مرفوعاً بلفظ: ((لا تدعوا العشاء ولو بكفٍ من تمر، فإن تركه مهرمة)) ورواه في اللآلئ معزواً لابن ماجه عن جابر بلفظ: ((لا تتركوا العشاء ولو على كف تمر، فإن تركه يهرم)).
قال: وفي سنده إبراهيم بن عبد السلام ضعيف يسرق الحديث، وقال في المقاصد: وحكم عليه الصّنعاني.

24- حديث: ((اطلبوا العلم ولو في الصين))

حديث: ((اطلبوا العلم ولو في الصين))، جمهور أهل العلم بالحديث قد حكموا على هذا الحديث بأنه ضعيف من جميع طرقه، وقد بسط الكلام في ذلك الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني رحمه الله في كتابه (كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس) في حرف الهمزة مع الطاء، وعزاه إلى البيهقي والخطيب البغدادي وابن عبد البر والديلمي وغيرهم، عن أنس رضي الله عنه، وجزم بضعفه، ونقل عن الحافظ ابن حبان صاحب الصحيح أنه باطل، كما نقل عن ابن الجوزي أنه ذكره في الموضوعات، ونقل عن المزي أن له طرقاً كثيرة، ربما يصل بمجموعها إلى الحسن، وعن الذهبي أنه روي من عدة طرق واهية، وبعضها صالح، وبهذا يتضح لطالب العلم حكم هذا الحديث، وأنه من الأحاديث الضعيفة عند جمهور أهل العلم، وقد حكم عليه ابن حبان بأنه باطل، وابن الجوزي بأنه موضوع.
أما قول الحافظ المزي رحمه الله: إنه له طرقاً ربما يصل بمجموعها إلى الحسن، فليس بجيد في هذا المقام؛ لأن كثرة الطرق المشتملة على الكذابين والمتهمين بالوضع وأشباههم، لا ترفع الحديث إلى الحسن.
وأما قول الحافظ الذهبي رحمه الله: إن بعض طرقه صالح، فيحتاج إلى بيان ذلك الطريق الصالح حتى ينظر رجاله، والجرح في هذا المقام مقدم على التعديل، والتضعيف مقدم على التصحيح، حتى يتضح من الأسانيد وجه التصحيح، وذلك بأن يكون الرواة كلهم عدولاً ضابطين، مع اتصال السند وعدم الشذوذ، والعلة القادحة، كما نبه عليه أهل العلم في كتب المصطلح والأصول، ولو صح لم يكن فيه حجة على فضل الصين وأهلها؛ لأن المقصود من هذا اللفظ: ((اطلبوا العلم ولو بالصين)) لو صح: الحث على طلب العلم ولو كان بعد المكان غاية البعد؛ لأن طلب العلم من أهم المهمات لما يترتب عليه من صلاح أمر الدنيا والآخرة، في حق من عمل به، وليس المقصود ذات الصين.
ولكن لما كانت الصين بعيدة بالنسبة إلى أرض العرب، مثَّل بها النبي صلى الله عليه وسلم لو صح الخبر. وهذا بيّن واضح لمن تأمل المقام، والله ولي التوفيق.

25- حديث: ((إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حلَّ بها البلاء…))

روى الترمذي في آخر جامعه في كتاب الفتن، عن علي رضي الله عنه ما نصه: حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي حدثنا الفرج بن فضالة: أبو فضلة الشامي عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة، حلّ بها البلاء فقيل وما هن يا رسول الله؟ قال: إذا كان المغنم دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أباه وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكر الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء أو خسفاً ومسخاً))[25]، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي بن أبي طالب، إلا من هذا الوجه ولا نعلم أحداً رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة، والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث وضعفه من قبل حفظه، وقد رواه عنه وكيع وغير واحد من الأئمة… أ هـ.
وهو بهذا السند ضعيف لعلتين: إحداهما: ضعف فرج المذكور كما ذكر المؤلف، وقد جزم الحافظ في التقريب بضعفه ونقل في تهذيب التهذيب ضعفه عن جماعة من الأئمة، ونقل عن البرقاني أنه سأل الدار قطني رحمه الله عن حديثه هذا، فقال: باطل.
والعلة الثانية: انقطاعه؛ لأن محمداً بن عمر بن علي رحمه الله لم يسمع من جده علي رضي الله عنه، ولم يدرك زمانه كما يعلم ذلك من تهذيب التهذيب والتقريب، والله ولي التوفيق.

26- حديث: ((إذا اتخذ الفيء دولاً والأمانة مغنماً والزكاة مغرماً…))

وقد أخرجه الترمذي رحمه الله من طريق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال في جامعه بعد روايته حديث علي المذكور: حدثنا علي بن حجر، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن المستلم بن سعيد، عن رميح الجذامي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اتخذ الفيء دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وعقَّ أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيما لقوم أرذلهم، وأُكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها. فليترقبوا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات تتابع كنظام بالٍ قطع سلكه فتتابع))، قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي، وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، انتهى كلامه رحمه الله. ومراده بقوله: وفي الباب عن علي هو الحديث السابق.
وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة ضعيف جداً، لأن رميحاً الجذامي مجهول، كما في التقريب وتهذيب التهذيب، ويقال له: الحزّامي بالميم المهملة، والزاي، ولا يتوجه الحكم على الحديث بالحسن لغيره؛ لكونه جاء من طريقين؛ لأن ضعف كل واحد منهما شديد فلا يصلح الحكم على متنهما بالحسن؛ لما عرف في الأصول وعلم مصطلح الحديث ولهذا لم يحسِّن الترمذي واحداً منهما للعلة المذكورة. والله ولي التوفيق.

27- حديث: ((السخي قريب من الله قريب من الجنة..))

روى الترمذي: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا سعيد بن محمد الورَّاق، عن يحيى بن سعيد عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل)).
قلت: ذكر الحافظ في التقريب ضعف سعيد المذكور، ونقل في تهذيب التهذيب من أئمة الحديث تضعيف سعيد المذكور، وعن الدار قطني أنه متروك وشذ ابن حبان فذكره في الثقات، وهو متساهل فلا يعول على توثيقه.

28- حديث: ((من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له لملك…))

خرج الترمذي في جامعه ج9 ص386 في الطبعة المصرية طبعة المكتبة السلفية في المدينة رقم الحديث (3488، 3489) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحي عنه ألف ألف سيئة ورفع ألف درجة))[26]، وقال: هذا حديث غريب.
وقد روى عمرو بن دينار وهو قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله هذا الحديث نحوه ثم ساقه مسنده مثل الأول، لكن قال فيه بدل ((ورفع له ألف ألف درجة)) ما نصه: ((وبني له بيتاً في الجنة))، وهذا الحديث ضعيف من الطريقين جميعاً؛ أما الطريق الأول ففيه أزهر بن سنان وهو ضعيف، كما في التقريب، ورمز له بعلامة الترمذي.
وقال في تهذيب التهذيب عن ابن معين: ليس بشيء، ونقل عن أبي غالب الأزدي عن علي ابن المديني أنه ضعفه جداً بسبب حديثه هذا، ونقل عن الساجي أن فيه ضعفاً، وعن ابن شاهين أنه ذكره في الضعفاء، ونقل عن المروذي عن أحمد أنه ليَّنه، وذكره أنه روى حديثاً منكراً في الطلاق، أما ابن عدي فنقل عنه الحافظ في تهذيب التهذيب ما نصه: أحاديثه صالحة ليست بالمنكرة جداً وأرجو أن لا يكون به بأس. أ هـ.
وبما ذكرنا يعلم أن غالب الأئمة ضَّعفوه، والقاعدة أن الجرح مقدم على التعديل، وفي هذا السند علة أخرى، وهي أن أزهر رواه عن محمد بن واسع، وفي سماعه منه نظر، كما يعلم ذلك من تذهيب التهذيب، أما السند الثاني ففيه عمرو بن دينار البصري قهرمان آل الزبير، وهو ضعيف جداً وهو أضعف من أزهر المذكور، وقد ذكر الحافظ في تهذيب التهذيب ما يدل على إجماع أئمة الحديث على ضعفه، وقد جزم في التقريب بضعفه، ورمز له بعلامة الترمذي وابن ماجه؛ وبذلك يعلم ضعف هذا الحديث من الطريقين جميعاً، ومما يقوِّي ضعفه غرابة متنه ونكارته؛ لأن من قواعد أئمة الحديث أن الثواب العظيم على العمل اليسير يدل على ضعف الحديث، ولا شك أن ما ذكر في المتن غريب جداً من حيث الكمية فيما يعطى من الحسنات ويمحى من السيئات ويرفع من الدرجات، ولكن هذا التضعيف والنكارة في المتن لا يمنع من شرعية الذكر في الأسواق؛ لأنها محل غفلة فالذكر فيها له فضل عظيم، وفيه تنبيه للغافلين ليتأسُّوا بالذاكر فيذكروا الله. والله ولي التوفيق..

29- حديث: ((من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام…))

جميع الأحاديث الواردة في الاغتسال يوم عاشوراء والكحل والخضاب وغير ذلك مما يفعله أهل السنة يوم عاشوراء ضد الشيعة فهو موضوع ما عدا الصيام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ج4 ص513 ما نصه: (وقوم من المتسننة رووا ورويت لهم أحاديث موضوعة بنوا عليها ما جعلوه شعاراً في هذا اليوم – يعني يوم عاشوراء – يعارضون به شعار ذلك القوم -يعني الرافضة- فقابلوا باطلاً بباطل وردوا بدعة ببدعة، وإن كانت إحداهما -يعني بدعة الرافضة- أعظم في الفساد وأعون لأهل الإلحاد مثل: الحديث الطويل الذي روي فيه: ((من اغتسل عاشوراء لم يمرض ذلك العام، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام)) وأمثال ذلك من الخضاب يوم عاشوراء والمصافحة فيه ونحو ذلك، فإن هذا الحديث ونحوه كذب مختلق باتفاق من يعرف علم الحديث، وإن كان قد ذكره بعض أهل الحديث، وقال: إنه صحيح وإسناده على شرط الصحيح، فهذا من الغلط الذي لا ريب فيه كما هو مبين في غير هذا الموضع، ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الاغتسال يوم عاشوراء ولا الكحل فيه والخضاب وأمثال ذلك، ولا ذكره أحد من علماء المسلمين الذين يقتدى بهم ويرجع إليهم في معرفة ما أمر الله به ونهى عنه، ولا فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم، ولا ذكر مثل هذا الحديث في شيء من الدواوين التي صنفها علماء الحديث لا في المسندات كمسند أحمد وإسحاق وأحمد بن منيع الحميدي والدالاني[27] وأبي يعلى الموصلي وأمثالها، ولا في المصنفات على الأبواب كالصحاح والسنن، ولا في الكتب المصنفة الجامعة للمسند والآثار مثل موطأ مالك ووكيع وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأمثالها) انتهى المقصود من كلامه رحمه الله.
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه (لطائف المعارف) عند الكلام على صوم عاشوراء ما نصه: وكل ما روي في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه فموضوع لا يصح، وأما الصدقة فيه فقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ((من صام عاشوراء فكأنما صام السنة ومن تصدق فيه كان كصدقة السنة)) أخرجه أبو موسى المديني.
وأما التوسعة فيه على العيال، فقال حرب: سألت أحمد عن الحديث الذي جاء ((من وسَّع على أهله يوم عاشوراء)) فلم يره شيئاً. وقال ابن منصور: قلت لأحمد: هل سمعت في الحديث ((من وسَّع على أهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر السنة))، فقال: نعم. رواه سفيان بن عيينة عن جعفر الأحمر، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، وكان من أفضل أهل زمانه أنه بلغه أنه ((من وسع على عياله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته))، قال ابن عيينة جربناه منذ خمسين سنة أو ستين سنة فما رأينا إلا خيراً، وقول حرب: إن أحمد لم يره شيئاً إنما أراد به الحديث الذي يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح إسناده.
وقد روي من وجوهٍ متعددة لا يصح منها شيء، وممن روى ذلك محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وقال العقيلي: هو غير محفوظ، وقد روي عن عمر من قوله وفي إسناده مجهول لا يعرف.
وأما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين رضي الله عنه فيه، فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم… أ هـ. كلامه رحمه الله.
وبما ذكرنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب رحمهما الله يعلم أن الأحاديث الواردة في تخصيص يوم عاشوراء بالاكتحال أو الاغتسال أو الاختضاب موضوعة، وهكذا أحاديث التوسعة على العيال كلها غير صحيحة، وأما ما نقله إبراهيم بن محمد المنتشر وهو من صغار التابعين عن غيره ولم يسمه وهكذا عمل سفيان بن عينية الإمام المشهور فلا يجوز الاحتجاج بذلك على شرعية التوسعة على العيال؛ لأن الحجة في الكتاب والسنة لا في عمل التابعين ومن بعدهم؛ وبذلك يعتبر أمر التوسعة على العيال يوم عاشوراء بدعة غير مشروعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[28]، خرجه مسلم في صحيحه وعلقه البخاري جازماً به؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))[29] متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
وأما الصدقة فيه: ففيها حديث عبد الله بن عمرو المذكور آنفاً في كلام الحافظ ابن رجب وهو موقوف عليه رواه عنه أبو موسى المديني، ولم يتكلم الحافظ ابن رجب رحمه الله على سنده والغالب على أبي موسى المديني الضعف وعدم الصحة فلا يشرع الأخذ به إلا بعد صحة سنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ومتى صح عنه وهو في حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال من جهة الرأي، وأما اتخاذ يوم عاشوراء مأتماً فهو من البدع المنكرة التي أحدثها الرافضة، وخالفوا بها أهل السنة والجماعة، وما درج عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز التشبه بهم في ذلك. والله المستعان.

30- حديث: ((من غشَّ العرب لم يدخل في شفاعتي…))

حديث: ((من غشَّ العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي)) خرجه الإمام أحمد في مسند عثمان رقم (519) بتحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله. قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد، وجدت في كتاب أبي حدثنا محمد بن بشر حدثني عبد الله بن عبد الإله بن الأسود عن حصين بن عمر عن مخارق بن عبد الله بن جابر الأحمسي عن طارق بن شهاب عن عثمان بن عفان مرفوعاً فذكره.
ورواه الترمذي في المناقب في فضل العرب ج10 ص429 الطبعة المصرية بشرح تحفة الأحوذي من طريق حصين المذكور، وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حصين بن عمر الأحمس عن مخارق وليس حصين عند أهل الحديث بذاك القوي… أ هـ.
وقال العلامة أحمد شاكر رحمه الله في حاشيته على هذا الحديث: إسناده ضعيف، وحصين بن عمر الأحمس ضعيف جداً رماه أحمد بالكذب، وقال البخاري والساجي وأبو زرعة منكر الحديث. أ هـ. ملخصاً.
وذكر الحافظ في تهذيب التذهيب تضعيفه عن جماعة من أئمة الحديث، وبعضهم رماه بالكذب، وشذ العجلي فوثقه وقال الحافظ في التقريب: متروك في الثامنة، وبذلك يعلم أن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف جداً أو موضوع، والله ولي التوفيق.

    31- حديث: ((الصّبحة تمنع الرزق))

    32- حديث ((الصبحة تمنع الرزق))، ضعيف خرجه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند عثمان رقم (530) بتحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله وهذا سنده:
    قال عبد الله بن أحمد حدثنا أبو إبراهيم الترجماني، حدثنا إسماعيل بن عياش عن ابن أبي فروة عن محمد بن يوسف، عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه قال، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصّبحة تمنع الرزق)).
    ثم رواه عبد الله بسند آخر برقم (533) وهذا نصه: قال عبد الله بن أحمد حدثني يحيى بن عثمان يعني الحربي أبو زكريا، حدثنا إسماعيل بن عياش عن رجلٍ قد سماه عن محمد بن يوسف عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصّبحة تمنع الرزق)).
    قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تحت السند الأول: إسناده ضعيف جداً، ابن أبي فروة هو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال البخاري في التاريخ الكبير 1/1/396 (مديني تركوه) ثم قال: نهى ابن حنبل عن حديثه، وفي التهذيب عن أحمد لا تحل عندي الرواية عنه، ورماه بعضهم بالكذب، واتهمه أهل المدينة في دينه، وقال ابن معين: بنو أبي فروة ثقات إلا إسحاق.
    إلى أن قال: والصّبحة بفتح الصاد، وضمها نوم الغداة، وفي اللسان: وفي الحديث أنه نهي عن الصبحة، وهي النوم أول النهار؛ لأنه وقت الذكر، ثم وقت طلب الكسب. وقال الشيخ أحمد شاكر أيضاً: والحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير رقم (5129) ونسبه أيضاً لابن عدي في الكامل، والبيهقي في الشعب أيضاً من حديث أنس ورمز له بالصحة وهو خطأ؛ لأن أسانيده تدور على ابن أبي فروة؛ وبذلك تعقبه المناوي في الشرح الكبير ج4 ص232، وقد استدركه قاضي الملك المدراسي في ذيل القول المسدد (65/67) وأطال القول فيه وتكلف في بعض ما قال، حتى لقد قال في ابن أبي فروة تكلموا فيه لكن لم يتهم بالكذب، وهذا غير جيد، فإن إسحاق اتهم بالكذب، كما نقلناه آنفاً.
    ثم قال الشيخ أحمد تحت السند الثاني (533) إسناده ضعيف جداً وهو مكرر (530) وقد سبق الكلام عليه مفصلاً، وقد زاده ضعفاً إبهام الرجل الذي روى عنه إسماعيل بن عياش وهو إسحاق بن أبي فروة وهو علة الحديث.. أ هـ.
    المقصود من كلام الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، والأمر كما قال فالحديث المذكور ضعيف جداً، من الطريقتين جميعاً وقد جزم الحافظ في التقريب بأن إسحاق المذكور متروك الحديث، وذلك يدل على اقتناعه رحمه الله بأنه متهم بالكذب، ويزيده ضعفاً أنه من رواية إسماعيل بن عياش عن إسحاق المذكور وهو مدني، ورواية إسماعيل المذكور عن غير الشاميين ضعيفة لا يحتج بها، كما يعلم ذلك من التهذيب والتقريب وغيرهما. والله ولي التوفيق.

    32- حديث: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً))

    روى عبد الله ابن الإمام أحمد أنه وجد بخط أبيه، وأبو داود وابن ماجه والنسائي في عمل اليوم والليلة، عن الوليد ابن مسلم قال: أخبرني الحكم بن مصعب المخزومي أنه سمع محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيقٍ مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب)).
    وأخرجه الحاكم من طريق الوليد المذكور عن الحكم بن مصعب المذكور قال أبو حاتم الرازي: الحكم مجهول وتناقض ابن حبان رحمه الله فذكره في الثقات والضعفاء، وجزم الحافظ في التقريب، قاله أبو حاتم، فقال فيه ما نصه: الحكم بن مصعب المخزومي الدمشقي مجهول من السابعة ورمز له بعلامة أبي داود والنسائي وابن ماجه أما الحاكم فصححه، واعترض عليه الذهبي بقوله: الحكم فيه جهالة، وذكره البخاري في التاريخ الكبير، وذكر أنه روى عن محمد بن علي، وروى عنه الوليد بن مسلم، وسكت فلم يوثقه ولم يجرحه، وجزم الشيخ العلامة أحمد شاكر في حاشيته على المسند بأنه صحيح بناءً على سكوت البخاري عنه، وهو دليل عند الشيخ أحمد على ثقته عند البخاري، وهذا فيه نظر إلا أن يثبت بالنص أو الاستقراء ما يدل على أن البخاري أراد ذلك، ومن تأمل حاشية العلامة أحمد شاكر اتضح له منها تساهله في التصحيح لكثيرٍ من الأسانيد التي فيها بعض الضعفاء كابن لهيعة وعلي بن زيد بن جدعان وأمثالهما، والله يغفر له ويشكر له سعيه ويتجاوز له عما زل به قلمه أو أخطأ فيه اجتهاده إنه سميع قريب.
    وعلى كل حال فالحديث المذكور يصلح ذكره في الترغيب والترهيب؛ لكثرة شواهده الدالة على فضل الاستغفار؛ ولأن أكثر أئمة الحديث قد سهلوا في رواية الضعيف في باب الترغيب والترهيب لكن يروى بصيغة التمريض كيروى، ويذكر، ونحوهما لا بصيغة الجزم، قال الحافظ العراقي في ألفيته، رحمه الله:

    وإن ترد نقلاً لواهٍ أو لمـــا يشـك فيـه لا بإسـنادهمـا

    فأت بتمريض كيروى واجـزم بنقـل مـا صح كقال فـاعلم

    وسهلوا في غير موضوع رووا من غير تبيين لضعـف ورأوا

    بيانـه في الحكـم والعقـائـد عن ابن مهدي وغير واحــد

    تكميل: وقع في بعض روايات هذا الحديث: ((من لزم الاستغفار))، وفي بعضها ((من أكثر الاستغفار)) والمعنى متقارب.

    33- حديث: ((يا علي أسبغ الوضوء وإن شق عليك، ولا تأكل الصدقة…))

    روى الإمام الحافظ عبد الله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه عفا الله عنهما عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له: ((يا علي أسبغ الوضوء وإن شق عليك، ولا تأكل الصدقة، ولا تُنز الحمير على الخيل، ولا تجالس أصحاب النجوم)) أ هـ. ج2 ص28 رقم (582) وهذا سنده، قال عبد الله ابن الإمام أحمد حدثني محمد بن أبي بكر المقدسي حدثنا هارون بن مسلم حدثنا القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن علي عن أبيه عن علي فذكره: قال الشيخ العلامة أحمد شاكر في تعليقه عليه: إسناده ضعيف؛ لأن علي بن الحسين لم يدرك جده علياً رضي الله عنه، وهو كما قال، وفي سنده أيضاً هارون بن مسلم قال فيه أبو حاتم فيه لين ويعرف هارون المذكور بصاحب الحناء، ووثقه الحاكم وابن حبان كما في تهذيب التذهيب لكن لمتنه شواهد تدل على صحته.

    34- حديث: ((إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه….))

    روى أبو داود قال: حدثنا مسدد قال أخبرنا حماد يعني ابن زيد، وحدثنا موسى بن إسماعيل قال أخبرنا حماد يعني ابن سلمة عن علي بن زيد عن عمر بن حرملة عن ابن عباس قال: كنت في بيت ميمونة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خالد بن الوليد فجاءوا بضبين مشويين على ثمامتين فَتَبَزَّقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خالد: إخالك تقذره يا رسول الله، قال: أجل، ثم أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن فشرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكل أحدكم طعاماً فَلْيقُلْ: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه، وإذا سُقي لبناً فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن)) قال أبو داود هذا لفظ مسدد.
    وهذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف من أجل علي بن زيد ابن جدعان؛ لأنه ضعيف عند جمهور أهل العلم. قال الحافظ في التقريب: ضعيف في الرابعة.
    وقال في تهذيب التهذيب عن ابن سعد: فيه ضعف ولا يحتج به. وعن صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ليس بالقوي.
    وعن حنبل عن أحمد: ضعيف الحديث.
    وعن معاوية بن صالح عن يحيى: ضعيف. وعن عثمان الدارمي عن يحيى: ليس ذلك بالقوي.
    وعن ابن أبي خيثمة عن يحيى: ضعيف في كل شيء.
    وفي رواية أخرى عنه: ليس بذاك، وفي رواية الدوري: ليس بحجة، وقال مرة: ليس بشيء، وعن الجوزجاني: واهي الحديث ضعيف، وفيه ميل عن القصد لا يحتج به.
    وعن أبي زرعة: ليس بقوي. وعن أبي حازم ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به، وعن النسائي ضعيف، وعن ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه، وعن ابن عدي لم أر أحداً من البصريين وغيرهم امتنع من الرواية عنه، وكان يغلو في التشيع ومع ضعفه يكتب حديثه.
    وعن الحاكم أبي أحمد: ليس بالمتين عندهم.
    ونقل عن آخرين غير هؤلاء تضعيفه، ونقل عن جماعة قليلة توثيقه، والصواب أنه ضعيف كما قال الأكثر؛ لأن الجرح مقدم على التعديل عند أهل الحديث.
    فإذا كان الجرح من الأكثر تأكد ذلك وتعين، ولم يلتفت إلى التوثيق. ومن تأمل رواياته عرف ضعفه وسوء حفظه.
    وفي سند الحديث علة أخرى وهي أنه من رواية علي المذكور عن عمر بن حرملة، وعمر هذا مجهول كما في التقريب.
    وقال الحافظ في تهذيب التهذيب قال أبو زرعة: لا أعرفه إلا في هذا الحديث، يعني حديث الضب وهو الحديث المذكور هنا. ونقل الحافظ عن ابن حبان توثيقه.
    وجزم الحافظ رحمه الله في التقريب بأنه مجهول يدل على عدم التفاته لتوثيق ابن حيان، والله ولي التوفيق.

    35- حديث: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة))

    حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة ضعيف أو موضوع.
    قال النووي رحمه الله في شرح المهذب ج8 ص330 ما نصه: وأما الحديث الذي ذكره في عَقِّ النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه فرواه البيهقي بإسناده عن عبد الله بن محرر بالحاء المهملة والراء المكررة عن قتادة عن أنس بأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة وهذا حديث باطل.
    قال البيهقي: هو حديث منكر. وروى البيهقي بإسناده عن عبد الرزاق، قال: إنما تركوا عبد الله بن محرر بسبب هذا الحديث. قال البيهقي: وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن قتادة، ومن وجه آخر عن أنس ليس بشيء فهو حديث باطل، وعبد الله بن محرر ضعيف متفق على ضعفه، قال الحافظ: هو متروك، والله تعالى أعلم.
    وقال ابن قدامة في المغني ج8 ص646 ما نصه: وإن لم يعق عنه أصلاً فبلغ الغلام وكسب فلا عقيقة عليه، وسئل أحمد عن هذه المسألة، فقال: ذلك على الوالد؛ يعني لا يعق عن نفسه؛ لأن السنة في حق غيره.
    وقال عطاء والحسن: يعق عن نفسه؛ لأنها مشروعة عنه ولأنه مرتهن بها، فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه، ولنا أنها مشروعة في حق الوالد فلا يفعلها غيره، كالأجنبي كصدقة الفطر.. أ.هـ.
    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في (تُحفة المودود في أحكام المولود) ما نصه: الفصل التاسع عشر: حكم من لم يعق عنه أبواه هل يعق عن نفسه إذا بلغ، قال الخلال: باب ما يستحب لمن يعق عنه صغيراً أن يعق عن نفسه كبيراً، ثم ذكر من مسائل إسماعيل بن سعد الشالنجي قال: سألت أحمد عن الرجل يخبره والده أنه لم يعق عنه، هل يعق عن نفسه؟ قال: ذلك على الأب.
    ومن مسائل الميموني قال: قلت لأبي عبد الله: إن لم يعق عنه هل يعق عنه كبيراً؟ فذكر شيئاً يروى عن الكبير ضعّفه ورأيته يستحسن إن لم يعق عنه صغيراً أن يعق عنه كبيراً. وقال: إن فعله إنسان لم أكرهه، قال: وأخبرني عبد الملك في موضع آخر أنه قال لأبي عبد الله: فيعق عنه كبيراً، قال: لم أسمع في الكبير شيئاً قلت: أبوه معسر ثم أيسر فأراد ألا يدع ابنه حتى عق عنه، قال: لا أدري ولم أسمع في الكبير شيئاً، ثم قال لي: ومن فعله فحسن ومن الناس من يوجبه.
    والقول الأول أظهر وهو أنه يستحب أن يعق عن نفسه؛ لأن العقيقة سنة مؤكدة، وقد تركها والده فشرع له أن يقوم بها إذا استطاع؛ ذلك لعموم الأحاديث ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل غلام مرتهنٌ بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى))[30] أخرجه الإمام أحمد، وأصحاب السنن عن سمرة ابن جندب رضي الله عنه بإسناد صحيح، ومنها: حديث أم كرز الكعبية عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه أمر أن يعق عن الغلام بشاتين وعن الأنثى بشاة))[31] أخرجه الخمسة، وخرج الترمذي وصحح مثله عن عائشة وهذا لم يوجه إلى الأب فيعم الوالد والأم وغيرهما من أقارب المولود.
    قال الحافظ في التقريب: بمهملات، الجزري: القاضي متروك الحديث من السابعة.
    ويتلخص من ذلك أقوال ثلاثة:
    أحدها: أنه يستحب أن يعق عن نفسه لأن العقيقة مؤكدة وهو مرتهن بها.
    الثاني: لا عقيقة علية ولا يشرع له العق عن نفسه؛ لأنها سنة في حق أبيه فقط.
    الثالث: لا حرج عليه أن يعق عن نفسه وليس ذلك بمستحب؛ لأن الأحاديث إنما جاءت موجهة إلى الوالد، ولكن لا مانع من أن يعق عن نفسه؛ أخذاً بالحيطة، ولأنها قربة إلى الله سبحانه، وإحسانه إلى المولود وفك لرهانه فكانت مشروعة في حقه وحق أمه عنه وغيرهما من أقاربه، والله ولي التوفيق.

    36- حديث: ((من عمَّر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر….))

    حديث رقم (993) في سنن ابن ماجه.
    حدثنا محمد بن أبي الحسن أبو جعفر قال: حدثنا عمرو ابن عثمان الكلابي قال حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن الليث بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إن ميسرة المسجد تعطلت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر))[32].
    قال في مصباح الزجاجة: هذا إسناد ضعيف؛ لضعف ليث بن أبي سليم، وهو كما قال من أجل ليث المذكور، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على فضل ميامن الصفوف، والله ولي التوفيق.

    37- حديث: ((اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك))

    حديث ابن مسعود ((اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك)) لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    نقل الزيلعي في نصب الراية ص272 ج4: عن البيهقي رحمه الله أنه رواه في كتاب الدعوات الكبير، من طريق عامر بن خداش، قال: حدثنا عمر بن هارون البلخي عن ابن جريح عن داود بن أبي عاصم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اثنتا عشر ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله عز وجل وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب، سبع مرات وآية الكرسي سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ثم قل: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك، ثم ارفع رأسك ثم سلم يميناً وشمالاً ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجاب)).
    ثم قال: ورواه ابن الجوزي في كتاب الموضوعات من طريق أبي عبد الله الحاكم حدثنا محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي، حدثنا محمد بن أشرس، حدثنا عامر بن خداش به سنداً ومتناً وقال ابن الجوزي: هذا الحديث موضوع بلا شك وإسناده مخبط كما ترى، وفي إسناده عمر بن هارون، قال ابن معين فيه: كذاب، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخاً لم يرهم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن القراءة في السجود انتهى ما ذكره الزيلعي، وما نقله عن ابن الجوزي رحمة الله عليهما جميعاً؛ وبذلك يعلم أن الحديث المذكور من الأحاديث الموضوعة ولفظ (المعاقد) لفظ مجمل ومحتمل فلا يجوز التوسل به، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص50 من القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة: أن أبا حنيفة رحمه الله كره التوسل بمعاقد العز من العرش. انتهى.
    وأما التوسل برحمة الله واسمه الأعظم وكلماته التامة فهو توسل شرعي قد دل عليه القرآن الكريم والسنة المطهرة في قوله سبحانه: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[33].
    وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من نزل منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك))[34] رواه مسلم في صحيحه من حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها.
    وهكذا التوسل بتوحيد الله والإيمان به وبالأعمال الصالحات كل ذلك قد جاءت به السنة الصحيحة كحديث أصحاب الغار وهو مخرج في الصحيحين، وكحديث عائشة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده بقوله: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك))[35] خرجه مسلم في صحيحه.
    ومن المنكرات في هذا الخبر الموضوع: الأمر بقراءة الفاتحة وآية الكرسي في السجود، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث علي وابن عباس رضي الله عنهما النهي عن ذلك خرجه مسلم في صحيحه عنهما، والله ولي التوفيق.

    38- حديث: ((إذا تزوج أحدكم فكان ليلة البناء فليصل ركعتين….))

    حديث سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تزوج أحدكم فكان ليلة البناء فليصل ركعتين، وليأمرها فلتصل خلفه فإن الله جاعل في البيت خيراً)).
    ذكره الحافظ الذهبي في الميزان ص464 ج1 في ترجمة حجاج بن فروخ الواسطي وقال ما نصه: هذا حديث منكر جداً. وذكر أن ابن معين والنسائي ضعفا حجاجاً المذكور انتهى كلام الذهبي..
    وقال الحافظ في اللسان ما نصه: قال العقيلي ص177 ج1 رواه عبد الرزاق عن ابن جريح قال حُدِّثت أن سلمان قال: فذكر نحوه، انتهى المقصود.
    قال الحافظ في اللسان أيضاً في ترجمة حجاج المذكور بعد كلام العقيلي المذكور آنفاً قال أبو حاتم شيخ مجهول وذكره ابن حبان في الثقات وذكره الساجي في الضعفاء. وقال ابن الجاورد في الضعفاء: ليس بشيء انتهى كلامه.
    وبهذا يعلم ضعف حديث سلمان المذكور؛ لضعف الحجاج، ولجهالة في رواية عبد الرزاق؛ لأن ابن جريح لم يذكر من حدثه، أما توثيق ابن حبان فلا يعول عليه؛ لكونه معروفاً بالتساهل في ذلك.

    39- حديث: ((إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني….))

    حديث: ((إذا طنت أذن أحدكم…))[36].
    قال ابن علان في الفتوحات الربانية شرح الأذكار النواوية ج6 ص198: قال السخاوي في القول البديع: رواه الطبراني وابن عدي وابن السني في اليوم والليلة، والخرائطي في المكارم، وأبو موسى المديني وابن بشكوال، وسنده ضعيف.
    وفي رواية بعضهم: ((إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل عليّ وليقل ذكر الله من ذكرني بخير)).
    قلت: وهي رواية ابن السني. قال السخاوي: وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، ومن طريقه أبو اليمن بن عساكر وذلك عجيب؛ لأن إسناده غريب كما صرح به أبو اليمن وغيره. وفي ثبوته نظر. وقال أبو جعفر العقيلي: إنه ليس له أصل… أ.هـ.
    وأخرجه ابن أبي عاصم أيضاً، كما نقله القسطلاني في مسالك الخفاء: قال ابن حجر الهيتمي في الدر المنظور. الحديث أخرجه جميع بسند ضعيف.
    وإخراج ابن خزيمة له في صحيحه متعجب منه فإن إسناده غريب، بل قال العقيلي: ليس له أصل. أ.هـ.


    الونشريس

    جزاك الله خيراً

    الونشريس

    الونشريس

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.