يطلق على زوجات النبي "محمد" – صلى الله علية وسلم– اسم " أمهات المؤمنين"؛ تكريمًا لشأنهن وإعلاء لقدرهن ، وقد شرفهن الله- تعالى- بأن جعلهن أمهات للمؤمنين ، فقال تعالى :
" النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ " (الأحزاب 6)..
وقد كرم الله- عز وجل- "أمهات المؤمنين" وصان حرمة نبيه –صلى الله علية وسلم – فأمر المؤمنين بمخاطبتهن من وراء حجاب، ومراعاة الأدب عند دخول بيوت النبي – صلى الله علية وسلم – فقال :
"وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ " (الأحزاب53) ولما جعل الله- تعالى- زوجات النبي – صلى الله علية وسلم – أمهاتٍ للمؤمنين ، فإنه قد حرم عليهن الزواج بعد وفاة النبي –صلى الله علية وسلم – .
وأمهات المؤمنين هن خير نساء المسلمين تقوى وصلاحًا ، فقد كن خير عونً للنبي – صلى الله علية وسلم – في حياته , وتحملن معه أعباء الدعوة ونشر الإسلام ، وتفقيه المسلمات وتعريفهن أحكام دينهن .
وعدد أمهات المؤمنين إحدى عشرة ، وقد توفيت اثنتان منهن في حياة النبي – صلى الله علية وسلم – وهما السيدة خديجة ، والسيدة "زينب بنت خزيمة"- رضى الله عنهما –
1- خديجة بنت خويلد
نسبها و نشأتها :
خديجة بنت خويلد بن نوفل ، زعيم بني أسد بن عبد العزى ، أمها فاطمة القرشية أجمل سيدات مكة وأكثرهن صباحة وجه ، و روعة
فورثت خديجة من أمها الجمال الرائع و الحسن الفتان ، و ورثت عن أبيها الحزم و الذكاء و عن عمها ورقة بن نوفل العلم و الحكمة
نشأت خديجة في بيت طاهر كريم مترف،
مناقبها:
عرفت قبل إسلامها بسيدة قريش و ب الطاهرة
سيدة نساء العالمين
زوجة الرسول صلى الله عليه و سلم الأولى و أم أولاده و بناته
أول من آمن به و صدقه قبل كل أحد
لم يتزوج عليها الرسول صلى الله عليه و سلم قط
ممن كمل من النساء، كانت عاقلة جليلة دينة، مصونة كريمة من أهل الجنة،
كان النبي صلى الله عليه و سلم يثني عليها و يفضلها على سائر أمهات المؤمنين
الطاهرة الثرية بأخلاقها و جمالها و شرفها أكثر من ثرائها المادي
فضائلها :
1/ عن علي بن أبي طالب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ” خير نسائها خديجة بنت خويلد ، و خير نسائها مريم بنت عمران ” رواه البخاري و مسلم
2/ و عن أنس في صحيح الترمذي و النسائي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ” حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، و خديجة بنت خويلد ، و فاطمة بنت محمد ، و آسية امرأة فرعون “ صحيح سنن الترمذي (3053)
3/ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتى جبريل الرسول صلى الله عليه و سلم فقال : ” هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها و مني و بشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه و لا نصب ” رواه مسلم و البخاري
4/ نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له : ” أقرئ خديجة السلام من ربها ” فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام من ربك ” ، فقالت : ” لله السلام و منه السلام و على جبريل السلام ” .
قال ابن عبد البر : روى من وجوه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ” يا خديجة، جبريل يقرئك السلام” و في بعضها : يا محمد، أقرأ على خديجة من ربها السلام .
زواجها :
تزوجت خديجة بنت خويلد أولا من أبي هالة بن زرارة التميمي فتى قومه بني تميم و أكثرهم مالا و أوسعهم ثراء، فعاشت معه تقدره و يقدرها و ولدت له بنتين هما : هالة و هند و لكن القدر عجل بوفاة الأب قبل أن تشب الطفلتان عن الطوق، و خلف لأسرته ثروة طائلة، و تجارة رائجة رابحة
و تزوجت بعده عتيق بن عائذ فتى بني مخزوم فتخطفه يد المنون دون أن يترك ولدا فترك لها مالا وفيرا،
تجارتها :
بعد أن ترملت خديجة بنت خويلد للمرة الثانية فقد ترك لها عتيق بن عائذ زوجها الثاني مالا وفيرا، و ثروة عريضة، و تجارة واسعة، فقامت على إدارتها و توجيهها بما أوتيت من خبرة ومعرفة و ذكاء
و عملت خديجة في ميدان التجارة و استطاعت أن تستثمر ثروتها و تمضي في دروب الحياة و تشقها بمنتهى الحكمة و الفطنة، و كان كلما تقدم إليها خاطب ردته بأدب و لياقة عازفة عن الزواج بعد تجربتين مريرتين
زواجها من النبي صلى الله عليه و سلم
كانت خديجة بنت خويلد مرغوبة من سادات و رؤساء مكة فتأبى عروضهم للزواج، و ما رأته من محمد صلى الله عليه و سلم و هو يتاجر بتجارتها لما سألت عنه غلامها ميسرة و ما سمعت عنه من أمانة و صدق الحديث، و نزول البركات على تجارتها بعد صفقة تجارية رابحة ربحا عظيما فهي بركات النبي صلى الله عليه و سلم تحل معه أينما حل و ارتحل، فوجدت ما تنشده في الأمين فترسل صديقتها ” نفيسة بنت منبه ” إلى النبي صلى الله عليه و سلم لتعرض عليه أن يتزوج بخديجة فتسأله :
قائلة: يا محمد ما يمنعك أن تزوج ؟ ، فقال:” ما بيدي ما أتزوج به “، قالت: ” فإن كفيت و دعيت إلى الجمال و المال و الشرف و الكفاءة ألا تجيب ؟، قال:” فمن هي ؟ ” ، قالت: ” خديجة ..”، قال: ” خديجة بنت خويلد ؟ ” ، قالت : ” نعم ” فقال في ابتهاج : ” و كيف لي بذلك ؟ ” ، قالت: ” علي ” ، قال : ” فأنا أفعل “، فقال : ” وأنا قد رضيت “ (1)
فرجعت نفيسة إلى الطاهرة خديجة لتزف إليها خبر موافقة محمد بالزواج بها ،
و يحضر رسول الله صلى الله عليه و سلم في آل عبد المطلب إلى عمها عمرو بن أسد للزواج من خديجة بنت خويلد فيقوم أبو طالب خطيبا، و ألقى خطبة تكتب بماء من ذهب فقال :
” الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم و زرع إسماعيل و ضئضئ معد وعُنصرمُضَر و جعلنا حضينة بيته، و سواس مريه، و جعل لنا بيتا محجوجا، و حرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح به شرفا و نبلا و فضلا و عقلا، و إن كان في المال قل فإن المال ظل زائل و أمر حائل، و محمد من قد عرفتم قرابته، و قد خطب خديجة بنت خويلد و بذل ما عاجله خمسمائة درهم، و هو و الله بعد هذا له نبأ عظيم … و خطر جليل جسيم ..
ثم تكلم ورقة بن نوفل فقال : الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرْتَ و فضلنا على ما عَدَدْت، فنحن سادة العرب و قادتها، و أنتم أهل ذلك كله، لاتُنْكِرُ العشيرة فضلكم، و لا يرد أحد من الناس فخركم و شرفكم، و قد رغبنا في الاتصال بحبلكم، و شرفكم . فاشهدوا علي معشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على الصداق المسمى ”
ثم سكت … فقال أبو طالب: قد أحببت أن يشركك عمها…
فقام عم خديجة عمرو بن أسد فقال : اشهدوا علي معشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد فهو و الله الفحل الذي لا يقرع ( يقدع ) أنفه (2)
و تم الزواج و احتفل بالزفاف ، و امرت خديجة مواليها أن يضربن بالدفوف و يغنين .
فقال ابو طالب : الحمد لله الذي أذهب عنا الكرب، و دفع عنا الغموم
(1)ذكرها ابن سعد في ” الطبقات الكبرى”(1/130-131)
(2) نساء مبشرات بالجنة (1/21-22) للأستاذ أحمد خليل جمعة.
مواقفها في الدعوة الاسلامية :
1/ موقفها في نزول الوحي أول مرة :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه، و هو التعبد، الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله يتزود لذلك، ثم رجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق و هو في غار حراء، فجاءه الملك فقال : ” إقرأ ” قال : ” ما أنا بقارئ ” ، قال : ” فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني “، فقال :” إقرأ “، قلت : ” ما أنا بقارئ “، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال : ” إقرأ “، قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال : ” إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق ” العلق ” 1-2 إلى آخر السورة
فعاد الرسول صلى الله عليه و سلم فزعا خائفا ترجف بوادره حتى دخل على خديجة بنت خويلد قائلا ” زملوني زملوني ” فزملوه حتى ذهب عنه الروع ثم قال لخديجة ” أي خديجة مالي ؟ ” و أخبرها الخبر ثم قال: ” لقد خشيت على نفسي “. قالت له :” كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، و تصدق الحديث، و تحمل الكل، و تكسب المعدوم، و تقري الضيف، و تعين على نوائب الحق ” . فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل، و هو ابن عم خديجة، و كان امرءا تنصر في الجاهلية، و كان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، و كان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة : أي ابن عم : اسمع من ابن أخيك ! فقال له ورقة: يا ابن أخي ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم خبر ما رأى، فقال: ” هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك ” فقال رسول الله: ” أو مخرجي هم ؟ ” . قال : ” نعم ! لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي و إن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم يلبث ورقة أن توفي و فتر الوحي ”
رواه مسلم و البخاري
2/موقفها في الجهر بالدعوة :
كانت خديجة رضي الله عنها قد هيأت للرسول صلى الله عليه وسلم بيتا هانئا، و وفرت له كل السبل و الشروط للتفرغ للدعوة الإسلامية فكانت أول من آمن به و حملت معه اللواء من اللحظة الأولى، و واسته بالنفس و المال و الأهل مجاهدة مكابدة معه لدرجة فقد ثروتها و معادة قومها فتقف مع زوجها كزوجة مثالية مفرجة عن صدره صلى الله عليه و سلم و مذهبة عنه الحزن و مثلجة قلبه و مهونة عليه ما يلاقيه من قومه من تعذيب معنوي و جسدي، فكانت له نعم العون و السند و الدعم فيكون النجاح حليفها من جراء صبرها في الخطوات الأولى لسير الرسالة النبوية
يقول صلى الله عليه و سلم : ” آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدقتني و كذبني الناس ، و واستني بمالها إذ حرمني الناس ” (الاستيعاب لابن عبد البر )
و فيما رواه الإمام أحمد في مسنده 6/118 : يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” آمنت بي حين كفر بي الناس، و صدقتني حين كذبني الناس، و اشركتني في مالها حين حرمني الناس، و رزقني الله ولدها، و حرم ولد غيرها “
البرة الوصولة :
عاشت السيدة خديجة في كنف رسول الله صلى الله عليه و سلم ربع قرن من الزمن، قلقة، تؤازره في أحرج أوقاته، و تعينه على إبلاغ رسالته، و تشاركه في مغارم الجهاد، فكانت في حياتها معه أوفى و ابر زوجة، كانت تشاركه مباهجه و مسراته، و تتطلع إلى رضاه و سعادته، و تبر من يحبهم … و قد ظهر من كرمها ” لما أصابت الناس سنة جدب بعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه و سلم، جاءت السيدة حليمة السعدية، مرضعته صلى الله عليه و سلم زائرة، فعادت من عنده و معها من مال خديجة بعير، يحمل الماء و أربعون رأسا من الغنم ” نساء مبشرات بالجنة (1/32) بتصرف
وفاتها :
تخرج السيدة خديجة من الحصار الظالم، في شعب أبي طالب فلم تلبث إلإ قليلا حتى لبت نداء ربها ….
و صعدت روحها الطاهرة إلى السماء راضية مرضية، قبل الهجرة بثلاث سنين، و دفنت بالحجون
و لو كان النساء كمن فقدنا *** لفضلت النساء على الرجال
وفاءه صلى الله عليه و سلم لذكراها :
تأثر رسول الله صلى الله عليه و سلم أثرا بليغا لوفاة زوجته خديجة التي آمنت به إذ كفر الناس، و صدقته و كذبه الناس، و واسته بمالها فكان صلى الله عليه و سلم يكرم من أكرمها و يحب من أحبها
في يوم من الأيام جاءت عجوز من صويحبات خديجة إلى النبي صلى الله عليه و سلم بعد موتها، فأحسن النبي صلى الله عليه و سلم لقاءها، و أكرم مثواها و بسط لها رداءه فأجلسها عليه، و صار يسأل عن أحوالها و ما صارت إليه، فقالت عائشة لما خرجت :
تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال فقال : ” إنها كانت تأتينا أيام زمان خديجة ، و إن حسن العهد من الإيمان ” (رواه الحاكم ، و البيهقي في الشعب )
و عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا ذبح الشاه ، قال : ” أرسلوها إلى أصدقاء خديجة ” فذكرت له يوما فقال : ” إني لأحب حبيبها “ رواه مسلم
خير نساء العالمين
قال الرسول صلى الله عليه و سلم : ” خير نساء العالمين أربع : مريم و آسية و خديجة و فاطمة “
رواه الإمام أحمد (1/2668) ، و النسائي في ” الكبرى ” (5/8364)، و الحاكم (3/4852) و ابن حبان (7010)
خديجة بنت خويلد، أم المؤمنين الزوجة الوفية المطيعة التي أحسنت عشرة زوجها، و أعانته على خلوته قبل البعثة و ثبتته و صدقته، و سبقت الناس إلى الإيمان برسالته، و واسته و واست المسلمين بنفسها و مالها و آلها فجزاها الله عن دينه و نبيه خير الجزاء، و لقاها نضرة و نعيما في قصرها الذي بشرها به النبي صلى الله عليه و سلم في حياتها
فما بالنا بعد هذا كله نبحث عن القدوة هنا و هناك و أمامنا خير نساء العالمين !!!
خديجة بنت خويلد.
نسبها و نشأتها :
سودة بنت زمعة بن قيس من بني عبد شمس القرشية العامرية
أمها: الشموس بنت قيس بن عمرو من بني النجار من أهل المدينة
نشأت بمكة و ترعرعت فيها حتى بلغت مبلغ الصبا و الفتوة، فتقدم لخطبتها و الزواج منها : السكران بن عمرو فقبل به أبوها و زوجها منه
ذكر لها نسبها ابن حجر في” الاصابة”(8/117)، و ابن سعد في “الطبقات الكبرى” برقم(52).
اسلامهما و الهجرة للحبشة :
حين أشرقت شمس الدعوة المحمدية و الرسالة الإسلامية على مكة، استضاء بها قلب الزوجين فأعلنا إسلامهما و إيمانهما و انضويا تحت اللواء الشريف
و عندما ضاق المؤمنون القلائل ذرعا بأذى قريش و تعرضها الدائم لهم بالإكراه و التعذيب و الضغط، أذن النبي صلى الله عليه و سلم لمن أراد منهم في الهجرة إلى الحبشة، فإن فيها ملك لا يظلم عنده أحد، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا
فهاجرت سودة مع زوجها السكران، و هناك أقاموا مدة من الزمن بعيدا عن الأهل و الوطن، في شوق دائم إلى الأخبار و الأنباء، و على الخصوص أنباء رسول الله صلى الله عليه و سلم و تطور الأحداث و تقلب الأيام ( ذكره بلفظ قريب ابن هشام في ” السيرة النبوية ” (1/352) )
و بإسلام عمر بن الخطاب و حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما كانت سودة ممن شجعهم ذلك بالعودة إلى مكة في حين آثر الآخرون البقاء بالحبشة
الأرملة :
بوصول الزوجين إلى مكة فوجئا بأن قريشا ما تزال على موقفها من العداء الشديد للإسلام و المسلمين، بل زادت في حدة الصراع،و لم ترعو عن غيها و كفرها و عنادها
و لازم السكران بن عمرو الفراش بسبب العلة و الضعف المتناهي، و قامت سودة على تمريضه و مداواته و مساعدته، و لكن لم تمض أيام على وصوله حتى اشتد به المرض، و منعه من الكلام و الحركة، و لم يلبث أن فارق الحياة، و ترملت سودة رضي الله عنها و أمضت أيامها الباقية في مكة حزينة آسفة، صابرة على قضاء الله و قدره، معتصمة بإيمانها، متمسكة بإسلامها، تستمد من الباري عز و جل العون و الرحمة .
زواجها بالنبي صلى الله عليه و سلم :
بعد أن لحقت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بالرفيق الأعلى، و اختارها إلى جواره، جاءت يوما خولة بنت حكيم زوجة عثمان بن مظعون قائلة: يا رسول الله ألا تتزوج ؟ ، فقال : و من ؟ ، فقالت : إن شئت بكرا و إن شئت ثيبا .
قال : فمن البكر ؟ ، قالت : بنت أحب الناس إليك عائشة بنت أبي بكر
قال : و من الثيب ؟ ، قالت : سودة بنت زمعة آمنت بك و اتبعتك، و هاجرت إلى الحبشة مع زوجها الذي مات عنها و تركها وحيدة …
فقال لها بعد تفكر و تأمل و ترو .. : اذهبي فاذكريني عندها
ثم أرسل في طلب سودة بأمر زواجه بها، فسرت بذلك و قالت جَذِلَة .أمري إليك يا رسول الله
مري رجلا من قومك يزوجك … ثم بنى بها
رواه الترمذي برقم (3880) و غيره بإسناد صحيح
و في رواية عن ابن سعد :
” ……. مري رجلا من قومك يزوجك ؟ ” . فأمرت حاطب بن عمرو، فزوجها، فكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد خديجة رضي الله عنها، و كان ذلك في شهر رمضان سنة عشر من النبوة، و دخل بها في مكة
و بهذا الزواج المبارك عليها. أضحت سودة بنت زمعة أما للمؤمنين بعد خديجة رضي الله عنهما . ” الطبقات الكبرى ” (53)
يومها لــ عائشة :
قامت سودة رضي الله عنها على شؤون بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قياما حسنا طيبا، و أدت ما عليها من واجب تجاه النبي العظيم و هي تحاول جهدها أن تحظى برضاه و عطفه و حبه
عن عائشة رضي الله عنها تقول :
كانت سودة بنت زمعة قد أسنت، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يستكثر منها، و قد علمت مكاني من رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنه يستكثر مني، فخافت أن يفارقها، و ضنَّت بمكانها عنده فقالت :
يا رسول الله، يومي الذي يصيبني لعائشة، و أنت منه في حل، فقبله النبي صلى الله عليه و سلم و في ذلك نزل قول الله تعالى: ” و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ” النساء 128
و يروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث إلى سودة بطلاقها، فلما أتاها الخبر حزنت و بكت و تألمت، ثم جلست في طريقه إلى بيت عائشة، فلما رأته صلى الله عليه و سلم قادما قالت :
يا رسول الله … أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه، و اصطفاك على خلقه لم طلقتني، ألموجدة وجدتها في ؟ ،
فقال صلى الله عليه و سلم : لا .. فقالت : فإني أنشدك بمثل الأولى أما راجعتني و قد كبرت و لا حاجة لي في الرجال، و لكني أحب أن أبعث في نسائك يوم القيامة.
فراجعها النبي صلى الله عليه و سلم ، و من أجدر و أحق من رسول الله صلى الله عليه و سلم في العطف و المحبة للمسلمين و للمؤمنين ؟ ! ألم يقل في الكتاب الكريم : ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم * فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ” التوبة( 128 -129)
ذكرها بنحوه البخاري ( 2593) و مسلم (4163) ،و أبو داود (2135)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة، من امرأة، فيها حدة، فلما كبرت جعلت يومها من النبي صلى الله عليه و سلم لعائشة ” رواه مسلم
المتصدقة الكريمة :
عن عائشة رضي الله عنها : ” أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم قلن : يا رسول الله : أينا أسرع لحوقا بك ؟
قال : ” أطولكن يدا ” فأخذن قصبة يذرعنها فكانت سودة أطولهن يدا ، فعلمنا بعد : أنما كان طول يده : الصدقة ، و كانت تحب الصدقة ، و كانت أسرعنا لحوقا به “ أخرجه الشيخان و النسائي
لقد قسم لها رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خيبر من الفيء كما قسم لكل أزواجه، فنالت من التمر ثمانين وسقا، و من القمح عشرين، و لكنها رضي الله عنها لم تدخر ذلك ، و لم تختزنه، و لم تجعله في بيتها، بل فرقته قبل وصوله
و أيضا …
روى محمد بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إلى سودة زمن خلافته، كما كان يفعل مع باقي أمهات المؤمنين، غرارة من دراهم فقالت : ما هذه ؟ ، قالوا : دراهم من أمير المؤمنين ، قالت : في الغرارة مثل التمر
ثم نادت على جارية لها، و طلبت إليها أن توزع ما في الغرارة على المحتاجين و المساكين، و دعت ربها سبحانه و تعالى أن يثبتها على القناعة و الإكتفاء
وفاتها :
هناك اختلاف في تاريخ وفاتها رضي الله عنها، فمن المؤرخين من يقول كانت أول نساء النبي صلى الله عليه و سلم لحاقا به كما قدمنا حسب رواية عائشة رضي الله عنها
و منهم من يقول، إن أول اللاحقات به هي زينب بنت جحش ابنة عمته، و أن سودة توفاها الله بعدها و قد كان ذلك في العام الرابع و الخمسين من الهجرة في زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان، و الله أعلم رضي الله عن أم المؤمنين سودة بنت زمعة المسلمة المهاجرة، و المؤمنة الصادقة المتصدقة، و الوفية المحبة (1)
توفيت في زمن عمر بن الخطاب و قد سجد ابن عباس لوفاتها فقيل له في ذلك ، فقال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا رأيتم آية فاسجدوا ”
و أي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (2)
(1) ذكر لها وفاتها ابن سعد في الطبقات الكبرى ” (57) ، و ابن حجر في ” الاصابة”(331) ، و الإمام الذهبي في ” سير أعلام النبلاء ” (2/267)
(2) ( طبقات ابن سعد . الاصابة لابن حجر أسد الغابة لابن الأثير )
روت سودة رضي الله عنها عن رسول الله خمسة أحاديث
أخرج لها في الصحيحين حديث واحد و في رواية أن البخاري روى لها حديثين.
3- عائشة بنت ابى بكر الصديق
نسبها :
بنت ابي بكر عبد الله بن أبي قحافة
أمها : أم رومان بنت عامر بن عويمر التي قال فيها الرسول صلى الله عليه و سلم :” من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أم رومان ” أخرجه ابن سعد عن القاسم بن محمد (رواه ابن سعد في ” الطبقات الكبرى ” (8/277)، وأبو نعيم في ” معرفة الصحابة ” (6/3498) ، والسهمي في ” تاريخ جرجان ” (1/199) جميعهم : من طريق حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن القاسم بن محمد مرسلا .)
كانت امرأة مهابة جميلة فلقبت بالحميراء
تقول عائشة رضي الله عنها ولدت في الإسلام، واصفة البيئة و الجو العائلي الذي نشأت فيه و ترعرعت فيه و شبت فيه :
عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية … الحديث ” صحيح البخاري كتاب الكفالة، باب جوار أبي بكر رضي الله عنه .
زواجها :
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
” قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” أريتك في المنام ثلاث ليال، جاء بك الملك في سَرَقَة من حرير، فيقول : هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت فيه، فأقول : إن يك هذا من عند الله يمضه ” صحيح أخرجه أحمد، والبخاري (7/175)، و مسلم (2438)
و في رواية : عن عائشة أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ” هذه زوجتك في الدنيا و الآخرة ” صحيح أخرجه الترمذي (3880) ، و الحديث صحيح : صحيح سنن الترمذي(3041)
عن عائشة قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم متوفى خديجة، و أنا ابنة ست، و أدخلت عليه و أنا ابنة تسع، جاءني نسوة و أنا ألعب على أرجوحة مَجَممّة، فهيأنني و صنعنني، ثم أتين بي إليه صلى الله عليه و سلم ( أخرجه ابو داود (4932) في الأدب “
حب النبي صلى الله عليه و سلم :
أحبها النبي صلى الله عليه و سلم حبا شديدا كان يتظاهر به – كما يقول الإمام الذهبي –حتى أن عمرو بن العاص و هو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة، سأل النبي صلى الله عليه و سلم : ” أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال : ” عائشة ” قال : فمن الرجال ؟ قال : ” أبوها ” .
و يعلق الإمام الذهبي على هذا الحديث بقوله : و هذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض (1) ، و ما كان عليه السلام ليحب إلا طيبا و قد قال : ” لو كنت متخذا خليلا من هذه الأمة، لاتخذت أبا بكر خليلا، و لكن أخوة الإسلام أفضل ”
فأحب صلى الله عليه و سلم أفضل رجل من أمته و أفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله فهو حري أن يكون بغيضا إلى الله و رسوله .
(1) أخرجه الشيخان و الترمذي عن عمرو بن العاص
الرسول الزوج :
النبي صلى الله عليه و سلم يترضى عائشة :
روى أبو نعيم عن النعمان بن كثير قال:”استأذن ابو بكر على النبي صلى الله عليه و سلم فإذا عائشة ترفع صوتها عليه، فقال: يا بنت فلانة، ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه و بينها، ثم خرج ابو بكر فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يترضاها و قال: ألم تريني حلت بين الرجل و بينك، ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما فقال:” أشركاني في سَلْمكما كما أشركتماني في حربكما ” أخرجه ابو داود و النسائي
حسن العهد :
تحكي لنا عائشة رضي الله عنها وفاءه صلى الله عليه و سلم لخديجة رضي الله عنها و أرضاها غيرة منها عليها فتقول : ” دخلت امرأة سوداء على النبي صلى الله عليه و سلم ، فأقبل عليها. قالت : فقلت يا رسول الله ، أقبلت على هذه السوداء هذا الإقبال ؟ ! فقال : ” إنها كانت تدخل على خديجة، و إن حسن العهد من الإيمان ” سير أعلام النبلاء.
اللعب :
تقول عائشة رضي الله عنها : كنت ألعب بالبنات شتى اللعب، فتجيء صواحبي فينقمعن من رسول الله صلى الله عليه و سلم، فيخرج رسول الله فيدخلهن علي، فيلعبن معي ” رواه هشام عن أبيه عنها , و أخرجه الإمام الذهبي
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها قلت : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة تبوك أو خيبر في سهواتها ستر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال : ” ما هذا يا عائشة ” ؟ قالت : بناتي، و رأى بينهن فرسا لها جناحان من رقاع، فقال : ” ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ ” قالت: فرس. قال: ” و ما هذا الذي عليه ؟ ” قالت: جناحان. قال: ” فرس له جناحان ! ” قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة ؟ ، قال : فضحك حتى رأيت نواجذه “. أخرجه أبو داود (4932) في الأدب
عن عروة، عن عائشة قالت: ” لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، و الحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، و إنه ليسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقف من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف. فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو ” في الصحيحين البخاري و مسلم.
السباق :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ” سابقني النبي صلى الله عليه و سلم فسبقته ما شاء ، حتى إذا رهقني اللحم سابقني فسبقني، فقال : ” يا عائشة ، هذه بتلك ”
يقول الإمام الذهبي : و رواه ابو اسحق الفزارى، عن هشام، فقال عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عنها . أخرجه هكذا أبو داود
متى تغضب رضي الله عنها ؟
في الصحيحين لأبي أسامة عن هشام قال الرسول صلى الله عليه و سلم: ” إني لأعلم إذا كنت عني راضية، و إذا كنت علي غضبى ” قالت: و كيف يا رسول الله ؟ ! قال:” إذا كنت عني راضية قلت:لا و رب محمد. و إذا كنت علي غضبى قلت: لا و رب ابراهيم ” قالت : أجل، ما أهجر إلا اسمك ” . يقول الإمام الذهبي . تابعه على بن مسهر ، وأخرجه النسائي من حديث علي.
غيرتها :
ذات ليلة خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى البقيع حيث مدافن المسلمين، و كثيرا ما كان يخرج إليه ليلا يزور أهل البقيع و يسلم عليهم، و يدعو للمؤمنين، و يتذكر الموت و الآخرة ..
فاستفاقت عائشة فلم تجده بجوارها فقلفت و تحيرت في أمرها، و ظلت على حالها تلك حتى عاد رسول الله صلى الله عليه و سلم و رأى ما هي عليه من الهم و الأرق فأنكر ذلك منها و قال لها: ” إذا فقد غلبك شيطانك يا عائشة … “، فسألته: ألي شيطان يا رسول الله ؟
فقال : ” نعم لكل انسان شيطان . فأردفت : و حتى أنت !! ، فقال : نعم ، و لكن الله تعالى أعانني عليه فطردته ” رواه مسلم ( 2815)
عن عائشة رضي الله عنها قالت:” ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن” صحيح البخاري ( 3605)
فضائلها :
عن ابي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :” كمُل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، و آسية امرأة فرعون و فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام “ رواه البخاري و مسلم
و لما كانت عائشة أحب إلى النبي صلى الله عليه و سلم و كانت أفضل النساء فقد كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة
قالت عائشة رضي الله عنه : فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن لها : إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، و إنا نريد الخير كما تريده عائشة فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان فذكرت أم سلمة له ذلك ، فسكت فلم يرد عليها . فعادت الثانية ، فلم يرد ، فلما كانت الثالثة قال : ” يا أم سلمة ، لا تؤذيني في عائشة، فإنه و الله ما نزل علي الوحي و أنا في لحاف امرأة منكن غيرها ” متفق على صحته
قد يضيق المقام لتقديم فضائلها رضي الله عنها كلها و هذا الحديث أجملت فيه رضي الله عنها مميزاتها و فضائلها :
” لقد أعطيت تسعا ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران : لقد نزل جبريل بصورتي في راحته، حتى أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يتزوجني، و لقد تزوجني بكرا، و ما تزوج بكرا غيري، و لقد قبض و رأسه في حجري، و لقد قبرته، و لقد حفت الملائكة بيتي، و إني لابنة خليفته و صديقه، و لقد نزل عذري من السماء، و لقد خلقت طيبة عند طيب، و لقد وعدت مغفرة و رزقا كريما “
رواه أبو بكر الآجري عن أحمد بن يحيى الحلواني، عنه و إسناده جيد، و له طريق عن بشر بن هشام: نبأنا الحكم بن هشام، عن عبد الملك بن عمير قال : قالت عائشة لنساء النبي صلى الله عليه و سلم ” فضلت عليكن بعشر و لا فخر …. ” و يقول فيه الإمام الذهبي : هذا حديث صالح الإسناد و لكن فيه انقطاع
جودها :
عن أم ذرة قالت : بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين، يكون مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست قالت : هاتي يا جارية فطوري، فقالت : أم ذرة : يا أم المؤمنين، أما استطعت أن تشتري لنا لحما بدرهم ؟ قالت : لا تعنفيني، لو أذكرتيني لفعلت ” ( رجاله ثقات : أخرجه ابن سعد ( 8/67) ، الأرنؤوط ” سير 2/187) )
و عن عروة ، عن عائشة : أنها تصدقت بسبعين ألفا، و انها لترقع جانب درعها رضي الله عنها
حرصها على كرامة المرأة :
واجهت عائشة رضي الله عنها نساء ” حمص ” عندما نزلن عليها قائلة : لعلكن من اللواتي يدخلن الحمامات، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
” أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها و بين الله ” (رواه أحمد و أبو داود و ابن ماجة )
و حينما رأت تغيرا في ملابس بعض النساء بعد عهد النبي صلى الله عليه و سلم أنكرت ذلك و قالت :
” لو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل ” (متفق عليه )
فماذا كانت ستكون ردة فعلها رضي الله عنها و أرضاها لو شاهدت نساء هذه الأيام من تبرج و سفور و حجاب بعيد بعد المشرق عن المغرب عن الشروط الشرعية و اختلاط و و و …..
الرخصة في التيمم :
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم و رضي الله عنها قالت :
خَرَجْنَا معَ النّبي صلَّى الله عليه و سلَّم في بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالَبيْدَاءِ، أو بِذَاتِ الجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأقامَ رسول الله صلى الله عليه و سلم على الْتِمَاسِهِ ، وَ أَقَامَ النَّاسُ معه و لَيْسُوا عَلَى مَاءٍ .
فَأتَى النَّاسُ إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : أَلاَ تَرَى مَا صَنَعتْ عَائشة ! أَقَامَتْ برسول الله صلى الله عليه و سلم و النَّاس و ليْسُوا عَلَى ماء ، و ليس معهم ماء
فجاء أبو بكر رضي الله عنه و رسول الله صلى الله عليه و سلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ على فخذي قد نام فقال : حَبَسْتِ رسول الله صلى الله عليه و سلم و الناسَ و لَيْسُوا على ماء و ليس معهم ماء
فقالت عائشة : فَعَاتَبَنِي أبو بكر و قال ما شاء الله أن يقول ، و جعل يَطْعَنُنِي بِيَدِه في خاصرتي فلا يَمْنَعُنِي من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه و سلم على فخذي ، فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أصبح من غير ماء ، فأنزل الله عز و جل آية التيمم فَتَيَمَّمُوا
قال اسيد بن الحضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ( جزاك الله خيرا ، فوالله ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله لك فيه خيرا )
قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فأصبنا العقد تحته .
صحيح البخاري
حادثة الإفك :
و كما هو في السنن الإلهية، فشدة الابتلاء يكون بقدر الإيمان بالله تعالى و قد ابتلي الحبيب صلى الله عليه و سلم في أحب الناس إليه، فلم تسلم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من اللمز و الإفك و الافتراء و القذف في عرضها و شرفها من منافقي المدينة بزعامة عبد الله بن أبي بن سلول الذي استباح لنفسه أن يرمي أطهر إنسانة و أشرف النساء بالفحشاء و ما قالوه عنها و عن صفوان بن المعطل عند عودة الرسول صلى الله عليه و سلم من غزوة بني المصطلق إلى المدينة فشاع حديث الإفك و اجتهد خصوم الله و رسوله أن ينقلوا شرره في كل مكان قصد دمار الرسول في بيته و أن يسقطوا مكانة أقرب الرجال لديه
فتعاني رضي الله عنها تبعات إشاعة حديث الإفك فما كان إلا أن قالت: “ فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون “. فتنزل براءتها من فوق سبع سموات آيات تتلى آناء الليل و أطراف النهار مثبتة طهر شرفها و عرضها
” إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ “
علمها :
لا عجب أن تكون عائشة رضي الله عنها عالمة بعلوم الفقه فقد تتلمذت على يد معلم البشرية و الإنسانية و لا غرابة أن تكون ملمة بالشعر و فصيحة فهي في بيئة عربية طغت عليها اللغة العربية الفصحى و لا غرابة أن تكون أعلم بعلم الأنساب فهي ابنة أبي بكر الصديق و عالمة أيضا في الطب
كان عروة يقول لعائشة رضي الله عنها :
يا أمتاه ، لا أعجب من فقهك ، أقول زوجة نبي الله و ابنة أبي بكر . و لا أعجب من علمك بالشعر و أيام الناس أقول ابنة أبي بكر و كان أعلم الناس و لكن أعجب من علمك بالطب ، من أين هو ؟ أو ما هو ؟ قال فضربت على منكبه و قالت : أي عرية، إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسقم عند آخر عمره أو في آخر عمره و كانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الأنعات و كنت أعالجها له ، فمن تم ” سير أعلام النبلاء ج 2
عن عروة بن الزبير ، رضي الله عنه، قال :” لقد صحبت عائشة –و كانت خالته – فما رأيت أحدا كان أعلم بآية أنزلت، و لا بفريضة و لا بسنة، و لا بشعر، و لا أروى له، و لا بيوم من أيام العرب، و لا بنسب، و لا بكذا، و لا بكذا، و لا بقضاء، و لا طب، منها فقلت لها : يا خالة، الطب، من أين علمته ؟ فقالت : كنت أمرض فينعت لي الشيء، و يمرض المريض فينعت له، و أسمع الناس ينعت بعضهم لبعض ، فأحفظه “
رجاله ثقات : أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/49)
إيثار :
في صحيح البخاري عن عمرو بن ميمون الأودى قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : يا عبد الله بن عمر : انطلق إلى أم المؤمنين عائشة فقل : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام،و لا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم بأمير المؤمنين
و قل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه قال : فاستأذن و سلم ، ثم دخل عليها و هي تبكي فقال : يقرأ عليك عمر السلام، و يستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت : كنت أريده لنفسي و لأوثرنه اليوم على نفسي … الحديث ”
و هي تدخل لزيارة الرسول صلى الله عليه و سلم و أبيها أبي بكر تدخل بحجابها لأن بينهما عمر بن الخطاب ، تعلمنا ان لا تنازل للحجاب حتى لو كان الشخص ميتا
هذه هي عائشة رضي الله عنها و أرضاها أم المؤمنين مرآة للفتاة تعلمها كيف تقوي شخصيتها و تحافظ على جمالها الخارجي و الداخلي تتعلم دينها و تتفقهه و دروس في الحياة الزوجية و أن يكون العطاء شعارا للمرأة فقد أعطت الكثير و الكثير، فكانت مرجعا لكثير من القضايا و المسائل الفقهية و الدينية على العموم
وفاتها :
توفيت رضي الله عنها بعد ان اشتد عليها المرض و صلى عليها ابو هريرة رضي الله عنه و دفنت في البقيع بجوار أمهات المؤمنين و صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم رضي الله عنهم أجمعين
استمع إلى مقتطف عائشة الصديقة من كتاب نساء حول الرسول لمحمد ابراهيم سليم – إنتاج شبكة الألوكة
** ترجم لها ابن سعد في ” الطبقات الكبرى” (58 )، و الإمام الذهبي في ” سير أعلام النبلاء ” برقم (14).
نسبها و مولدها :
هي : حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل المخزومية القرشية، و أمها : زينب بنت مظعون، أخت عثمان بن مظعون رضي الله عنهما
أصيلة الحسب و النسب، في الذروة من قريش مكانة. ولدت – كما تذكر الروايات التاريخية- قبل بعثة النبي صلى الله عليه و سلم بخمس سنوات، و يؤرخون لمولدها ببناء قريش الكعبة بعد أن جرفها السيل (1)
و على هذا فيكون مولدها في نفس تاريخ مولد فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
(1) ذكره ابن سعد في ” الطبقات الكبرى “(8/81) و الإمام الذهبي في ” سير أعلام النبلاء ” (2/227)
زواجها :
خطبها من أبيها خنيس بن حذافة السهمي الشاب المسلم المؤمن، فرحب به عمر و أكرم مثواه
و عاشت معه حفصة زوجة، تعرف حقوق و واجب الزوجية، تقدر المسؤولية و تضطلع بأعباء بيت الزوجية و واجباته، و ترعى أموره بحكمة المرأة الناضجة العاقلة (1)
و على إثر غزوة بدر التي انتصر فيها المسلمون على المشركين ، تأيمت حفصة بعد وفاة زوجها خنيس بن حذافة السهمي ، فتحزن لفراق زوجها صابرة محتسبة فقيدها الغالي بين يدي الله تعالى و رحمته، و أسلمت أمرها للباري عز و جل، يقدر من أمر مستقبل أيامها و يفعل ما يشاء
(1)ذكره بنحوه ابن الأثير في ” أسد الغابة ” (2/124)
زواجها من الرسول صلى الله عليه و سلم :
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال : سأنظر في أمري، فمكثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت زوجتك حفصة، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان ، فمكثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال : لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا ؟، فقلت : نعم . قال أبو بكر : إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ذكرها، فما كنت لأفشي سر رسول الله ، و لو تركها رسول الله قبلتها (1)
و لما تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، فكان خيرا من عثمان، تزوج عثمان من أم كلثوم بنت رسول الله فكانت خيرا من حفصة ” تتزوج حفصة من هو خير من عثمان و يتزوج عثمان من هي خير من حفصة “
و كان زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثالثة للهجرة
(1) رواه البخاري (9/152-153)
الزوجة في الجنة :
و ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم طلق حفصة تطليقة، ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك، و قال : ” إنها صوامة، قوامة، و هي زوجتك في الجنة ” رواه ابو داود(2283) و ابن ماجة (2019)
أقامت حفصة رضي الله عنها في بيت النبوة فأدت قسطه و حقه من الإخلاص و الوفاء، و السمع و الطاعة و التقوى و العبادة
لكنها كانت بحكم تركيبها الأنثوي تتأثر بعوامل الغيرة، فلم يخل صدرها و قلبها من ضغط هذا العامل في بعض الأحيان
كما أنها تزعمت هي و عائشة رضي الله عنهما حزب المطالبة بزيادة النفقة، من رسول الله صلى الله عليه و سلم مما أدى إلى غضب رسول الله و مقاطعته
قد خاب من فعل ذلك منكن و خسر
كلمات أب لابنته غيرة على رسول الله صلى الله عليه و سلم جاء سياق هذه الكلمات في الرواية الآتية :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ” كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤوهم، فطفق نساؤونا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يوما، فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني، فقالت : ما تنكر من ذلك ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ليراجعنه، و تهجره إحداهن اليوم إلى الليل !
قال : فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت : أتراجعين رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالت : نعم، قلت : و تهجره أحداكن اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم، قلت : قد خاب من فعل ذلك منكن و خسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت ؟ لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه و سلم و تسأليه شيئا، و سليني ما بدا لك، و لا يغرنك إن كانت جارتك أوسم و أحب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم منك يريد عائشة ” رضي الله عنهم أجمعين
و هكذا كان عمر رضي الله عنه نعم الأب الناصح لابنته (1)
(1) نساء مبشرات بالجنة ( 2/226) و ما بعدها للأستاذ أحمد خليل جمعة
إكرام الرسول صلى الله عليه و سلم لها :
وعلى عادة رسول الله صلى الله عليه و سلم في الإسهام بين أزواجه حين يخرج لغزوة أو قتال، كانت حفصة ذات مرة من أصحاب السهام، فخرجت معه صلى الله عليه و سلم، تقوم في خيمتها و خبائها ثم إذا أسفرت المعركة عن وجهها و انجلى غبارها، شمرت رضي الله عنها عن ساعديها و خاضت بين الجرحى، تسقي العطاش و تداوي المكلومين، و تخفف من ألم المصابين، و تضمد جراح المعذبين
و في تلك الغزوة نفلها رسول الله صلى الله عليه و سلم كما تقول بعض روايات التاريخ ثمانين وسقا قمحا، و هذا إكرام زائد من النبي الكريم، و اعتراف منه بفضل و جهد السيدة المصون حفصة أم المؤمنين
الشموخ عند المصائب :
كانت حفصة رضي الله عنها أديبة كاتبة ذات فصاحة و بيان و بلاغة، قالت في مرض أبيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، بعد أن طعن بخنجر مسموم و هو يؤدي الصلاة فتقدمت من أبيها ، و نظرت إليه و قالت بلسان اليقين و منطق الحق المبين :
” يا أبتاه ما يحزنك وفادتك على رب رحيم و لا تبعة لأحد عندك، و معي لك بشارة لا أذيع السر مرتين، و نِعْمَ الشفيع لك العدل ، لم تخف على الله عز و جل خشَنَةُ عيشتك، و عفاف نهمتك، و أخذك بأكظام المشركين و المفسدين ” نساءمبشراتبالجنةلأحمدخليلجمعة
ثم أنشدت :
أكظم الغلة المخالطة القلــــــ === ب و أعزي و في القرآن عزائي
لم تكن بغتة وفاتك وجــــــــدا === إن ميعاد من ترى للفنــــــــــــاء
و لئن كانت حفصة لم تقل من الشعر إلا أقله، فإنها و لا شك تدل في نظمها و نثرها على علو الكعب و فصاحة و بلاغة و بيانا
بعد استشهاد عمر رضي الله عنه خطبت حفصة فقالت :
الحمد لله الذي لا نظير له، و الفرد الذي لا شريك له
أما بعد، فكل العجب من قوم زين الشيطان أعمالهم و ارعوى إلى صنيعهم، و رب في الفتنة لهم، و نصب حبائله لختلهم حتى هم عدو الله بإحياء البدعة و نبش الفتنة، و تجديد الجور بعد دروسه، و إظهاره بعد دثوره، و إراقة الدماء، و إباحة الحمى، و انتهاك محارم الله عز و جل بعد تحصينها، فأضرى و هاج و توغر وثار غضبا لله و نصرة لدين الله ، فأخسأ الشيطان و وقم كبده و كفف إرادته …
و مما قالته أيضا في أبيها :
لم يزل سراجه زاهرا و ضوؤه لامعا و نوره ساطعا له من الأفعال الغرر، و من الآراء المصاص، و من التقدم في طاعة الله اللباب إلى أن قبضه الله إليه، قاليا لما خرج منه، شانيا لما ترك من أمره، شيقا لما كان فيه و قالت أيضا :
نودي فأطاع، و احتذى بأخيه الصديق فأخرجها أي الخلافة من نسه، و صيرها شورى بين إخوته فبأي أفعاله تتعلقوه، و بأي مذاهبه تتمسكون، أبطرائقة القويمة في حياته، أم بعدله فيكم عند وفاته
ألهمنا الله و إياكم طاعته
وفاتها :
و في العام الخامس و الأربعين للهجرة وافاها الأجل المحتوم، إثر إرهاق و مرض، و لبت نداء ربها و أسلمت الروح، وكانت جنازتها مشهودة، حملت على سرير في نعش، إلى المسجد، و كبار الصحابة يتبعونها بصمت و إجلال و وقار، و صلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة في ذلك الحين. و كذلك كان يتقدم الصفوف كالعادة الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه
و روي أن مروان حمل بين عمودي سريرها من عند دار بني حزم إلى دار المغيرة بن شعبة، ثم حمله أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها
و دفنت في البقيع، وجلس مروان ينتظر حتى فرغ من دفنها رضي الله عنها
و نزل في قبرها عبد الله و عاصم ولدا عمر
و كانت وفاتها في شهر شعبان من تلك السنة، رضي الله عنه و بارك مثواها، و أكرم منزلتها، و ألحقنا بها في الصالحين من عباده (1)
(1) أورده ابن سعد في ” الطبقات الكبرى ” (8/85) و ذكره الحافظ ابن حجر في ” الاصابة” (8/52) ترجمة (294)
5- زينب بنت خزيمة
نسبها و نشأتها :
زينب بنت خزيمة بن عبد الله بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ، الهلالية
قرشية هلالية مكية
نشأت زينب رضي الله عنها في مكة ، مجتمع زاخر بالفساد و الانحلال، يموج بفتنة الوثنية، و الانكباب على عبادة الأصنام و تقديسها
فتحت زينب عينيها على صورة هذا المجتمع بواقعه المنحرف الفاسد و نجت من الوأد لأنها من بيت عريق، في السيادة و الثراء، و درجت في أحضان والديها تنهل من عطفهما و حبهما
عايشت أهم الأحداث التي جرت في مكة، و كان محورها محمد بن عبد الله صلى الله عليه، من بينها إعادة بناء الكعبة، و اختلاف بطون قريش و فروعها حول إعادة الحجر الأسود إلى مكانه من الركن و سمعت بحكمة الأمين و كيف حل إشكال و اختلاف الناس و حقن الدماء، ببسط ردائه و إمساك رؤساء القبائل بأطراف الرداء، و كأنهم جميعا شاركوا في رفع الحجر الأسود و نالوا الشرف العظيم
و عندما بزغ فرج الإسلام على مكة، و شعت أنواره فوق ربوعها
و دعا محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم الناس إلى التوحيد و نبذ عبادة الأصنام، و الإقلاع عن المفاسد و العيوب الاجتماعية، و إزالة الفوارق بين الناس، فالكل في الإنسانية سواء، و أكرم الخلق أتقاهم، لا أغناهم و لا أقواهم ..
عند ئذ تعلق قلب زينب بالدعوة الجديدة، بعد أن كان إعجابها في السابق ينحصر ضمن شخصية المصطفى صاحب العقل الراجح، و الرأي الصائب، و الحكمة البالغة، و الأمين الصادق
زواجها :
في سن السادسة عشرة اكتملت زينب انوثة، و استدارت و أصبحت على أبواب الزواج
و هنا يختلف المؤرخون، و تتباين روايات التاريخ حول زواجها الأول، فمنهم من يقول بأنها كانت متزوجة من عبد الله بن جحش ابن عمة النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد مات شهيدا يوم أحد، و منهم من يقول بأنها كانت متزوجة من الطفيل بن عبد المطلب فهلك عنها فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث الذي مات شهيدا إثر غزوة بدر، و هو ابن عم النبي صلى الله عليه و سلم
و على كل حال فإن الروايتين تتفقان على أن زواج النبي صلى الله عليه و سلم من زينب كان بعد زواجه من حفصة رضي الله عنهما
و من هنا نستدل على أن الرواية الثانية هي الأرجح، لأن زواجه صلى الله عليه و سلم من حفصة كان بعد غزوة بدر، واستشهاد عبيدة بن الحارث (1)
(1) قصة زواج السيدة زينب بنت خزيمة أوردها : ابن الأثير في “أسد الغابة” (5/466) ،و ابن الحجر في”الإصابة”(4/46) ترجمة (4574)
الهجرة :
هاجرت السيدة زينب رضي الله عنها إلى المدينة بعد أن عان المسلمون بمن فيهم زينب رضي الله عنها في مكة بعد زواجها و إسلامها عانت و عايشت طغيان و استبداد قريش و ظلمها و شتى أنواع التعذيب و الأذى
و عاشت أيام الحرمان في ضنك و جوع لثلاث سنوات في الحصار الظالم في شعب ابي طالب فكانت تتزود بالإيمان و ثقتها بربها سبحانه و تعالى و صبر على الابتلاء و الامتحان
فتأتي الهجرة لتستمر الدعوة و تأقلمت زينب في الجو الجديد و انتظمت في سلك المجتمع الاسلامي الجديد الدي بنى أول ما بني على الأخوة في الله
فعاشت مع زوجها عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب مثلا طيبا و كريما في أصول و قواعد البيت الاسلامي المنشود، تعاونا و محبة و احتراما و ليس من شك في أن شخصية زينب رضي الله عنها كانت محور ذلك البيت الكريم، بما حباها الله من نضوج عقلي و سماحة نفسية، و بساطة في الحياة و رضى و قناعة، حتى كان اليوم العظيم يوم الفرقان ، يوم بدر حيث استشهد زوجها عبيدة بن الحارث ليتركها صابرة محتسبة عند الله تعالى داعية له بحسن الثواب
زواجها من الرسول صلى الله عليه و سلم :
و من أولى من رسول الله صلى الله عليه و سلم بمواساة زينب ؟
و من أولى من محمد بن عبد الله أن يكون السباق إلى كل مكرمة ؟
و هو قدوة المتقين و إمام المؤمنين و سيد الخلق أجمعين، و أسوة المسلمين في كل حين ..
فسعى إلى زينب و قد انقضت عدتها، فخطبها لنفسه، فأجابت على استحياء، و قد حالت الدموع في عينيها، لأن ذكرى عبيدة ما تزال قريبة العهد…
أجابت بأن جعلت أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم… ، فبنى بها و أدخلها بيوت أزواجه، و اتخذ لها حجرة خاصة بها (1)
(1) ذكره بمعناه ابن عبد البر في ” الاستيعاب” (4/409) ترجمة (3393)
أم المساكين :
ذات يوم في صغر زينب رضي الله عنها عاينت رؤية سيد من سادات قريش ينهال على أحد عبيده بعصا غليظة يؤدبه، على حد زعمه، بها، و انكسرت العصا ..، فتناول السيد سوطا متشعب الرؤوس و راح يضرب به جسد ذلك المسكين، و أخذ الدم يسيل بغزارة و الجراح تنفرج عن اللحم الأحمر الذي بدأ يتناثر في أطراف المكان حتى خَفتَ صوت المسكين و تلاشى، و لم تعد تُسْمَعُ منه سوى أنفاس تتردد مع الأنات
و مما زاد ألمها لما عرفت السبب: لقد جاع العبد المسكين بعد عمل شاق متواصل، من الفجر إلى الغروب فأكل دون إذن سيده، فكان جزاءه ما رأت و شاهدت، ما ترك أثرا عميقا في قلبها الطيب و فؤادها الرحيم، و نزعتها الإنسانية.
و لا غرابة أن تلقب بأم المساكين
فإذا ذكر لقب أم المساكين لدى المكيين عرفوا جميعا صاحبته، زينب بنت خزيمة (1)
(1) ذكره بنحوه ابن حجر في “الاصابة” (8/94) ترجمة(477) ، و ابن عبد البر في ” الاستيعاب” (3393)
فظلت رضي الله عنها تحتفظ بهذا اللقب ” أم المساكين ” منذ كانت فتاة صغيرة، لم تسلم بعد، إلى أن لحقت بالرفيق الأعلى..
و بالرغم من قصر مدة إقامتها في بيت النبوة إلا أن حجرتها كانت مقصد المساكين و الفقراء و المحتاجين، و الجائعين المحرومين، تقتصد من مالها و طعامها و نصيبها ثم تمنحه لهذه الطائفة من الناس حبا و تقربا إليه و سعيا إلى رضاه
الوفاة :
كانت رضي الله عنها قد أتمت الثلاثين من عمرها، حين داهمها الموت، في عز الشباب، و ميعة الصبا و عنوان الفتوة
و لقد كان يوم وفاتها يوما حزينا، إذ تركت على رغم قصر مدة العشرة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم أطيب الأثر و أعمقه في قلب المصطفى
فقد مرت أيام العشرة هينة لينة طيبة، لا صخب فيها و لا نصب و لا وصب، و لا مشقة و لا عسر…
حلم جميل، و نزهة ممتعة في ظل دوحة كثيرة الأفياء والظلال، و شربة من ماء قراح سلسبيل،غسلت، و طيبت و كفنت و صلى عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم دفنت في البقيع، و لقد نزل إلى حفرتها إثنان من أقربائها
و بعد أن ووريت الثرى، عاد الجميع و في مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يسترجعون، و يدعون لإم المساكين بحسن المآب و عظيم الثواب (1)
(1) أورده الإمام ابن القيم في ” زاد المعاد ” (1/60) بلفظ قريب
نسبها :
هند بنت أبي أمية ، و اسمه : سهيل زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، كان أبوها أبو أمية بن المغيرة و اسمه حذيفة، كان يعرف بزاد الراكب، و هو أحد أجواد قريش المشهورين بالكرم
أمها : عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة جذل الطعان بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة
زواجها :
رغبها و أحبها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، الشاب القرشي الشريف، و أراد أن يتخذها زوجة له ، فطلبها من أبيها و خطبها إلى نفسه (1)
و كان من أعز فتيان مكة، فأثنوا عليه، وامتدحوا خلقه و خليقته، و شهامته… و رحبوا به .
و أقيمت حفلة العرس، و كانت من ليالي مكة المشهودة، ثم بنى بها و تزوجها وهنئ معها ،
فكانت هند الزوجة الصالحة الوفية المطيعة، تقوم بشؤون زوجها و بيتها خير قيام، تحترمه و تقدره، و توفر له الجو المنزلي الذي يستريح إليه. و كانت رضي الله عنهامنذ بداية حياتها الزوجية و أيامها الأوىل نعم الزوجة، بكل ما في كلمة الزوجية من حقيقة و مسؤولية، رغم حداثة سنها و صغر عمرها، لأنها كانت تتمتع بنضج عقلي و وجداني يحسدها عليه كبار السن، ممن عركتهم الأيام، و جربتهم الشهور والأعوام، و وقائع الزمن
(1) ذكره ابن عبد البر في ” الاستيعاب” (3/1607)
إسلامها :
أسلمت و آمنت مع زوجها عبد الله فكانا من الرعيل الأول، و الطليعة الأولى، الذين قامت على أكتافهم وجهادهم و تضحياتهم دعوة الإسلام، و أضاءت بنورها العالم قاطبة .
الهجرة :
الحبشة :
على غرار المسلمين الأوائل الذين عانوا أذى قريش هاجرت هند مع زوجها الهجرة الأولى إلى الحبشة فرارا بدينهم، و حرصا على عقيدتهم، و هناك أقاما في جوار النجاشي ما شاء الله تعالى أن يقيما ، حيث أنجبت رضي الله عنها أبنها ” سلمة ” ، و حبن علم المهاجرون إسلام حمزة بن عبد المطلب و عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قرروا العودة إلى مكة، فعادا بعد أن استبد بهما الشوق إلى الوطن، و أرقهما طول البعاد عن الأهل و الأحباب و الأصحاب، و الحنين إلى طلعة النبي صلى الله عليه و سلم و عذوبة حديثه و رقة كلامه، و عطفه الكريم السابغ .
المدينة :
فرجعا إلى مكة حتى ضاقت بالمسلمين و ألحت في اضطهادهم و هاهي تلحق بزوجها بعد أن حيل بينه و بينها حين عزما على الخروج للمدينة قال له أصهاره : هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه ؟ علام نتركك تسير بها في البلاد ؟
و أخذوا منه زوجته، فغضب آل أبي سلمة لرجلهم ، و قالوا : لا نترك ابننا معها ، إذا نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا الغلام بينهم فخلعوا يده، و ذهبوا به، و انطلق أبو سلمة وحيدا إلى المدينة
فعانت أم سلمة بعد ذهاب زوجها و ضياع ابنها نحو سنة تقريبا فرقة و شتاتا باكية كل غداة بالأبطح، حتى تمسي ، فرق لها أحد ذويها و قال : ألا تخرجون هذه المسكينة ؟ لقد فرقتم بينها و بين زجها و ولدها ، فقالوا لها : الحقي بزوجك إن شئت ، فاسترجعت ابنها من عصبته و هاجرت إلى المدينة ؟
فهاهي تضع ابنها في حجرها ، و تركب بعيرها إلى المدينة تريد زوجها ، و ما معها أحد من خلق الله حتى إذا كانت بالتنعيم – على فرسخين من مكة – لقيت عثمان بن طلحة فقال : أين يا بنت أبي أمية ؟ ، قلت : أريد زوجي بالمدينة ، فقال : هل معك أحد ؟ ، فقلت : لا و الله ، إلا الله ، و ابني هذا
فقال : و الله ما لك مترك . و أخذ بخطام البعير فانطلق معي يقودني، فوالله ما صحبت رجلا من العرب أراه أكرم منه
تقول ام سلمة : إذا نزل المنزل أناخ بي، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه و رحله، ثم استأخر عني و قال اركبي
فإذا ركبت و استويت على بعيره أتى فأخذ بخطامه، فقاد حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع بي ذلك حتى قدم بي المدين. فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء و كان أبو سلمة بها نازلا في مهاجره، قال : إن زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف إلى مكة (1) .
أول ظعينة دخلت المدينة ، كما كانت أول مسلمة هاجرت إلى الحبشة (2)
(1) السيرة (2/112، والاصابة (8/240)، و الاستيعاب (4/1939)
(2) الإصابة (8/240)، والاستيعاب (4/1939)
الأرملة :
فعكفت أم سلمة رضي الله عنها على تربية صغارها بعد ما اجتمع شمل الأسرة المجاهدة من جديد في المدينة و تفرغ زوجها للجهاد في سبيل الله يخوض غمار المعارك، و يبلي فيها أحسن البلاء ، ففي غزوة ذي العشيرة جمادى الأولى السنة الثانية للهجرة اختاره الرسول صلى الله عليه و سلم فاستعمله على المدينة، و كما عقد له لواء سرية لإخضاع بني أسد و كان تحت لوائه أبو عبيدة بن الجراح و سعد بن أبي وقاص ، و شهد غزوة بدر الكبرى، و توفي رضي الله عنه إثر جرح أصابه في غزوة أحد فحضره النبي صلى الله عليه و سلم و هو على فراش الموت
فبقي صلى الله عليه و سلم بجانبه يدعو له بخير حتى مات، فأسبل بيده الكريمة عينيه، وكبر عليه تسع تكبيرات قيل له : يا رسول الله ، أسهوت أم نسيت ؟ ، فأجاب : ” لم اسه و لم أنس ، و لو كبرت على أبي سلمة ألفا ، كان أهلا لذاك “(1)
(1) تاريخ الطبري (2/177) و الإصابة (8/240)
نعم الزوجة التي توفر المناخ لزوجها ليتفرغ للأمور الهامة و ذو الأهمية القصوى فهاهي أم سلمة تثبت لنا أن الأم دورها في تربية النشأ و تهيئة الجو الملائم و المناسب للزوج للتفرغ للمهام الصعبة و نعم الزوجة المؤمنة الصابرة المحتسبة المستسلمة لأمر الله تعالى شاكرة فضله عليى منح الشهادة لزوجها المؤمن المهاجر المجاهد .
فترملت بعده أم سلمة رضي الله عنها
الذي هو خير :
استأذن عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ يواسيها و يخفف عنها مصابها وقال لها : ” سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك و يخلفك خيرا …
فبكت الأرملة الحزينة التي قاسمت زوجها السراء و الضراء، التي هاجرت معه إلى الحبشة هربا من إيذاء قريش و استمساكا بدين الله الذي أحبته و أحبها، و وفت بعهده بعد موته و لم تجد في الرجال جميعا من يعدله، و رفضت الأيدي التي تقدمت لخطبتها، و من بينها يدا صاحبي رسول الله صلى الله عليه و سلم الصديق و ابن الخطاب
فقالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم : و من يكون خيرا من أبي سلمة يا رسول الله ؟
و فكر النبي في أمر أم سلمة كثيرا، و تضاعف تفكيره في أثرها عندما ردت الصاحبين، فأكبر في نسفه تلك السيدة (1)
لقد فكر في أمر هذه السيدة الهالعة، فرأى أنه ليس من الحكمة أن تترك وحيدة هكذا
ثم جاء أمر الله تعالى لنبيه أن يضم أم سلمة إلى أزواجه أمهات المؤمنين تكريما لها، و رفعا لمكانتها، و تعظيما لشأنها و مواساة لها .
فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد أصحابه حاطب بن أبي بلتعة خاطبا له، فقالت أم سلمة : مرحبا برسول الله .. و لكن .. ؟ أبلغه عني أني امرأة مسنة، و أم أيتام، و أني فوق ذلك شديدة الغيرة
فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : أما قولك أنك امرأة مسنة فأنا أسن منك، ولا يعاب على المرء أن يقال : تزوج أسن منه . و أما قولك : أني أم أيتام فإن كَلَّهم أي مؤونتهم على الله و رسوله . و أما قولك : أنني شديدة الغيرة، فإني أدعو الله أن يذهب عنك ذلك . (2)
(1) رواه مسلم في صحيحه (918/3)
(2) رواه ابن سعد في” الطبقات الكبرى” (8/90)، و ابن كثير في ” البداية و النهاية”(4/92)
أم سلمة و دور القدوة العلمية في التربية :
حينما نزل المسلمون على مشارف مكة عند الحديبية و قلوبهم تهفو للطواف بالبيت العتيق و لزيارة مكة بعد أن أخرجوا منها و لكنهم عندما رأوا ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم تبرك و سمعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ” لقد حبسها حابس الفيل ” فقال لهم : ” قوموا فانحروا ثم احلقوا ”
و لكن كيف يعودون بلا طواف و بلا سعي و لا عمرة ؟ فلم يتحر لهم ساكن من دهشة و حيرة لعدم قدرتهم على الدخول لمكة
هنا يدخل الرسول على زوجه أم سلمة و يذكر لها ما لقي من الناس : ” قوموا فانحروا و احلقوا فوالله ما قام منهم أحد ”
قالت : ” يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك ، و تدعو حالقك فيحلقك ”
فخرج عليه الصلاة و السلام ففعل ذلك .. نحر بذنه ، و دعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، و جعل بعضهم يحلق بعضا
” حديث صحيح و هو من تمام قصة الحديبية عند البخاري و أحمد ”
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم :
روى بعض المؤرخين أن أم سلمة دخلت على عثمان بن عفان رضي الله عنه زمن خلافته، و حدثته ناصحة و قالت :
يا بني مالي أرى رعيتك عنك نافرين، و عن جناحك ناقرين، لا تَعْفُ طريقا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبها، و لا تقتدح بزَنْدٍ كان صلى الله عليه و سلم أكباه ، و توخّ حيث توخّى صاحباك أبو بكر و عمر فإنهما ثكما(1) الأمر ثكما و لم يظلما
هذا حق أمومتي عليك، قضيته إليك، و إن عليك حق الطاعة
فأجابها رضي الله عنه :
أما بعد فقد قلت فوعيتُ، و أوصيتِ فقبلتُ
و حين قتل عثمان رضي الله عنه حزنت لفقده و استشهاده على الصورة المؤلمة التي حدثت، فدخل عليها رجل من بني تميم يسألها عن عثمان فقالت :
شكا الناس منه ظلامة فاستتابوه، فتاب و أناب، حتى إذا صيروه كالثوب الأبيض من الدنس عمدوا إليه فقتلوه .
(1) ثكم بالمكان : أقام فيه
أم المؤمنين و المؤمنات :
حين عزمت عائشة رضي الله عنها على الخروج إلى البصرة يوم وقعة الجمل، كتبت إليها أم سلمة تقول :
” من أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم إلى عائشة أم المؤمنين
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فقد هتكتِ سدَّة بين رسول الله صلى الله عليه و سلم ، , أمته حجاب مضروب على حرمته، قد جمع القرآن، ذيلك فلا تندحيه، و سكن الله من عُقَيْراك فلا تصحريها، صرْحُ الله من وراء هذه الأمة، لو علم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن النساء يحتملن الجهاد عهد إليك، أما علمتي أنه قد نهاك عن الفراطة في الدين، فإن عمود الدين لا يثبت بالنساء إن مال، و لا يُرِأبُ بهن إن انصدع، جهاد النساء غض الأطراف، و ضم الذيول، و قصر المودة.
ما كنت قائلة لرسول الله صلى الله عليه و سلم لو عارضك ببعض هذه الفلوات
و قالت : و أقسم لو قيل لي : يا أم سلمة أدخلي الجنة لاستحييت أن ألقى رسول الله صلى الله عليه و سلم هاتكة حجابا ضربه علي. فاجعليه سترك، و قاعة البيت حصنك، فإنك أنصحُ ما تكونين لهذه الأمة ما قعدتِ عن نصرتهم، و لو أني حدثتك بحديث سمعته من رسول الله لنهشت نهش الرَّفشاء المطرفة .و السلام
و حين تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة، أرسل بًسر بن أبي أرطاة إلى المدينة ليأخذ له البيعة من الناس فقال بسر : لا أبايع رجلا من بين سلمة حتى يأتي جابر
فأتت أم سلمة – و كانت قد بلغت من الكبر عتيا- فقالت : بايع ، لقد أمرت عبد الله بن زمعة، ابن أخي، أن يبايع على دمه و ماله، و أنا أعلم أنها لبيعة ضلالة .
كما أرسلت إلى معاوية حين أمر بلعن الإمام علي كرم الله وجهه على المنابر قائلة :
” إنكم تلعنون الله و رسوله على منابركم !! ذلكم أنكم تلعنون علي بن ابي طالب و من أحبه، و أنا أشهد أن الله أحبه و رسوله ”.
الوفاة :
و لما كان شهر ذي القعدة من العام التاسع و الخمسين للهجرة دب الفناء إلى أوصالها، و أسلمت الروح راضية مرضية، فصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه و دفنت بالبقيع، و قد تجاوزت الرابعة و الثمانين من عمرها (1)
(1) ذكره ابن سعد في”الطبقات الكبرى”(8/87) ، و الإمام ابن عبد البر في ” الاستيعاب”(4/3545) بنحوه .
رضي الله عنها و أرضاها
قال الإمام الذهبي : في ترجمتها :
” أم سلمة، أم المؤمنين، السيدة المحجبة، الطاهرة، هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة ، المخزومية. بنت عم خالد بن الوليد، سيف الله . و بنت عم أبي جهل بن هشام
من المهاجرات الأول. كانت قبل النبي صلى الله عليه و سلم عند أخيه من الرضاعة، أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، الرجل الصالح .
دخل بها النبي صلى الله عليه و سلم : في سنة أربع من الهجرة. و كانت من أجمل النساء و أشرفهن نسبا . ”
** المصادر : ” الطبقات ” لابن سعد ( 8/86)، الاستيعاب (3545/4)، سير أعلام النبلاء (2/201-202)
يتبع