كان للإسلام الفضل الأكبر في نهضة علم الفلك عند المسلمين ، فالمسلم يبدأ يومه قبل شروق الشمس فيراقب مطلع الفجر لكي يصلى الصبح ، ثم في آخر نهاره يراقب الغسق ليصلى العشاء ، وبين الفجر والعشاء يتابع حركة الشمس لكي يحدد وقت الظهر والعصر والمغرب ، فيصلى كل صلاة في وقتها .
وهو يصوم مع هلال رمضان ، ويفطر حسب الشهر القمري ، وإذا صلى في أي مكان فهو ملتزم أن يعرف اتجاه الكعبة .. وذلك يتطلب منه أن يعرف مكانه على ظهر الأرض ، ويعرف الشمال والجنوب ، والشرق والغرب .
وهو حين يتلو القرآن يجد آياته تأمره بالتأمل في الفضاء الخارجي من حوله وتدعوه إلى التفكر في خلق السماوات والأرض ، ثم يجد أن القرآن يذكر كواكب معينة ونجومًا بأسمائها ، مثل قوله تعالى :"وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)" (النجم 49)
وأول من اهتم بعلم الفلك من الخلفاء المسلمين هو "أبو جعفر المنصور" الخليفة العباسي ، فقد شجع المترجمين وأغدق عليهم المال ، وفى عهده ترجمت بعض كتب الفلك إلى العربية ، ثم اقتدى بالخليفة "المنصور" من جاء بعده من الخلفاء في نشر العلوم ، وتشجيع دراسة علم الفلك والرياضيات ، وترجمة ما ألفه "إقليدس" و"أرشميدس" و"بطليموس" وغيرهم من علماء "اليونان" .
وقد نبغ في علم الفلك كثير من علماء المسلمين ، مثل "محمد البتانى" الفلكي ، الذي صحح بعض الأخطاء التي وقع فيها "بطليموس" ، ووصل إلى نتائج جديدة لم يصل إليها أحد من قبله . و"محمد الفرغانى" الذي عاش في القرن الرابع الهجري ، وقام بأبحاث مبتكرة في تحديد طول السنة تحديداً مضبوطاً ، وأطوال الليل والنهار ، وحركات الكواكب والنجوم .
"وبن يونس المصري" الذي عاصر "الحاكم بأمر الله الفاطمي" ، قام بأبحاث حول كسوف الشمس وخسوف القمر ، وتعيين الاعتدال الشمسي ، وتحديد خطوط الطول ، وقد عاصر"ابن يونس" فلكي آخر هو "أبو الوفاء البوزجانى" الذي اشتهر بالجداول الفلكية الدقيقة التي وضعها .
الزيج الصابئ .. من أهم كتب الفلك
على أن من أهم مؤلفات الفلكيين المسلمين كتاب "الزيج الصابئ" للبتانى ، بما أحدثه من تأثير كبير في علم الفلك ، وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي ، كما طبع في أوروبا عدة طبعات .
ويعد هذا الكتاب دائرة معارف فلكية ، وضح فيها "البتانى" دائرة الفلك ، وارتفاع القطب الشمالي ومعرفة ارتفاع الكواكب ، وطول السنة الشمسية وأفلاك القمر والكواكب ، ومعرفة كسوف الشمس ، ومطالع البروج وغير ذلك من المعلومات المهمة المدعمة بجداول رياضية غاية في الدقة والوضوح .
والأزياج جمع زيج ، وهى جداول رياضية عددية ، تحدد مواضع الكواكب السيارة في أفلاكها ، وقواعد معرفة الشهور والأيام والتواريخ الماضية ، والوقوف على أوضاع الكواكب من حيث الارتفاع والانخفاض والميول والحركات . وتعتمد هذه الجداول على قواعد حسابية وقوانين عددية في منتهى الدقة .
بناء المراصد الفلكية :
استخدم المسلمون في بحوثهم الفلكية المراصد ، وأول من أنشأ المراصد في الإسلام الخليفة العباسي "المأمون" وكان محبًّا للعلم ويشجع العلماء ، فأمر ببناء مرصد على جبل "قاسيون" في "دمشق" ، وفى "الشماسية" في بغداد ، وفى مدة خلافته وبعد وفاته أنشئت عدة مراصد في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي .
وأقام أبناء "موسى بن شاكر" مرصدًا في بغداد ، وفيه استخرجوا حساب العرض الأكبر ، كما أنشأ الفاطميون في مصر مرصدًا على جبل المقطم عرف باسم المرصد الحاكمى ، وكان مرصد "مراغة" ببلاد "فارس" الذي بناه "نصير الدين الطوسى" من أشهر المراصد وأكبرها ، واشتهر بآلاته الدقيقة وتفوٍّق المشتغلين فيه، وامتازت أرصاد هذه المراصد بالدقة ، واعتمد عليها علماء أوروبا في عصر النهضة وما بعده في بحوثهم الفلكية ، وإلى جانب هذه المراصد كانت توجد مراصد أخرى ، مثل : مرصد "ابن الشاطر" بالشام ، ومرصد "الدينورى" بأصبهان ، ومرصد "ألغ بك" بسمرقند ، ومراصد أخرى في الأندلس ( إسبانيا والبرتغال) وبلاد المغرب العربي .
واستعان العلماء المسلمون في هذه المراصد بآلات وأجهزة ومعدات غاية في الدقة وجمال الصنعة يعرفون بها الظواهر الفلكية ، وكثير من هذه الآلات كان من اختراع علماء المسلمين ، ولم تعرف من قبلهم ، كما استعانوا من اختراع الحضارات السابقة مثل :
"الإسطرلاب" الذي احتفظ باسمه اليوناني ، فإن المسلمين طوروا فيه وصنعوا منه نماذج عديدة تجمع بين الدقة وجمال الصيغة ، ولازالت كثير من متاحف العلماء تحتفظ بنماذج من هذه الإسطرلابات وهى تستخدم في قياس ارتفاعات الكواكب عن الأفق وتعيين الزمن .
إسهامات المسلمين في علم الفلك :
بعد أن ترجم المسلمون المؤلفات الفلكية للأمم التي سبقتهم صححوا بعضها ونقحوا بعضها الآخر وزادوا عليها ، ولم يقفوا في علم الفلك عند حد النظريات بل تجاوزوا ذلك إلى عمليات الرصد .
ويجمع علماء الفلك اليوم على أهمية النتائج التي توصل إليها علماء الفلك المسلمون ومن هذه النتائج :
* أن المسلمين أول من أثبت بالتجربة والمشاهدة والحساب نظرية أن الأرض كروية .
* أن بعض علماء المسلمين مثل "الفرغانى" و"ابن رسته" حسبوا أبعاد الشمس والقمر و"الزهرة" و"المريخ" و"عطارد" و"زحل" و"المشترى" عن مركز الأرض ، وقدر "البتانى" أن بعد الشمس في أبعد أفلاكها يساوى (1146) مرة مثل نصف قطر الأرض ، وفى أقرب مواقعها تساوى (1070) مرة مثل نصف قطر الأرض ، وإذا كانت في متوسط بعدها فإنها تساوى (1108) مرة ، وهذه الأرقام قريبة جدًّا من النتائج التي وصل إليها العلماء في هذا العصر .
* قيام "الحسن بن الهيثم" باختراع أول كاميرا في التاريخ ، وسماها "الخزانة المظلمة ذات الثقب" وهى عبارة عن صندوق مطلي من الداخل باللون الأسود ، وبه ثقب من ناحية ، ولوح خارجي مصنفر من الناحية الأخرى .
وقد استعمل علماء الفلك المسلمون هذه الكاميرا في مراصدهم حيث تظهر على اللوح الزجاجي صور صافية للنجوم والكواكب ، مما ساعد على معرفة نسبها وأحجامها وفى اكتشاف نجوم جديدة لا تزال تحمل الأسماء العربية حتى اليوم .
* أنهم رسموا خرائط ملونة للسماء ، وقد ألف "عبد الرحمن الصوفي" كتاباً بعنوان "صور الكواكب الثابتة" عن النجوم الثوابت به خرائط مصورة ، وبين فيه مواضع ألف نجم، وكلها رصدها بنفسه ، ووصفها وصفًا دقيقًا ، ووضع أقدارها من جديد بدقة متناهية تقترب من التقديرات الحديثة .
* أنهم ابتكروا تقاويم شمسية فاقت في ضبطها وإتقانها كل التقاويم السابقة ، وحسبوا أيام السنة الشمسية بأنها ( 365) يوماً وست ساعات وتسع دقائق وعشر ثوانٍ ، وهو يختلف عن الحساب الحديث بمقدار دقيقتين و(22) ثانية .
* أن "عباس بن فرناس" العالم الأندلسي إلى جانب كونه أول مخترع للطائرة ، فهو أول مخترع للقبة الفضائية ، فقد أقام في ساحة بيته قبة ضخمة جمع فيها النجوم والأفلاك ، والشهب والنيازك والبرق والرعد ، وكان يزوره الولاة والعلماء والأعيان فيعجبون من اختراعه هذا .
* ثمانية عشر عالماً إسلاميًّا على سطح القمر :
وخير شاهد على فضل علماء المسلمين وإنجازاتهم في علوم الفلك أن اختارت الهيئة الفلكية العالمية ثمانية عشر عالمًا إسلاميًّا ، وقررت وضع أسمائهم على تضاريس القمر؛ اعترافًا بفضلهم على أبحاث الفضاء ، وفى هبوط الإنسان على سطح القمر ومن هؤلاء :
"إبراهيم الفزارى" ، "محمد الفرغانى" ، "أبو ريحان البيرونى" ، "جابر بن حيان" ، و"ابن بطوطة" الرحالة المشهور ، و"عمر الخيام" الذي قام بأبحاث مهمة في مرصده حول دوران الكواكب حول الشمس .
أشهر علماء الفلك المسلمين :
البتانى : هو "محمد بن جابر بن سنان البتانى" ، ولد في "بتان" من نواحي "حُرَّان" وإليها ينسب سنة (244ه) يعده كثيرون من عباقرة العالم الذين وضعوا نظريات مهمة ، وأضافوا بحوثًا مبتكرة في الفلك والجبر والمثلثات ، واشتهر برصد الكواكب والأجرام السماوية ، وعلى الرغم من أنه لم تكن لديه آلات دقيقة كالتي يستعملها الفلكيون الآن ، فقد تمكن من إجراء أرصاد لاتزال محل دهشة العلماء وإعجابهم ، وتوفى سنة (317 ه = 929م)
* ابن يونس المصري : هو "على بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصري" كان من مشاهير الرياضيين والفلكيين الذين ظهروا بعد "البتانى" ، وقد عرف الفاطميون في مصر قدر "ابن يونس" ، فأجزلوا له العطاء ، وبنوا له مرصداً على جبل المقطم ، وجهزوه بكل ما يلزمه من الآلات والأدوات .
وابن يونس هو مخترع "الرقاص" بندول الساعة ، وكان كثيرون يعتقدون أن هذا الاختراع
من ابتكار العالم الإيطالي الشهير "جاليلو" المتوفى سنة (1642م) لكن هذا غير صحيح ، وقد أثبت العلماء الأوربيون المنصفون هذا الاختراع أنه لابن يونس المصري .
* البيرونى : هو "محمد بن أحمد أبو الريحان البيرونى" ، ولد سنة ( 362ه = 973م) في "خوارزم" ، وعرف بأنه كان صاحب عقلية كبيرة ، ونبغ في كثير من العلوم وكانت له ابتكارات وبحوث مستفيضة في الرياضيات والفلك والطبيعة .
وله في علم الفلك إسهامات عظيمة ، فقد أشار إلى دوران الأرض على محورها ، وألف كتابًا في الفلك يعد أشهر كتاب ظهر في القرن الخامس الهجري ، ووضع نظرية لاستخراج مقدار محيط الأرض ، عرفت باسم "قاعدة البيرونى" وللبيرونى أكثر من (120) كتابًا ترجم بعضها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية وتوفى سنة ( 440ه = 1048م) .
ولا يزال علم الفلك اليوم مليئًا بالمصطلحات وأسماء الكواكب والأبراج ذات الأصل العربي ، الأمر الذي يشهد على فضل علماء المسلمين على هذا اليوم ، من ذلك :
الجدي Algedi
فم الحوت Famul – hout
سعد السعود Sada Saoud
السرطان Sheratan
العقرب Acrab
الشولة Alasha
منقوول