بسم الله الرحمن الرحيم
●●
●●
السؤال: هل الوصول للفردوس الأعلى من الجنة طريق صعب ،
وقليل من يصله ؟
رسولنا الكريم قال
( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى …. الحديث)
فهل لو أكثرت من الدعاء ( اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة ) ،
هل ممكن أن أبلغها بفضل الله تعالى ، حتى ولو كان عملي
لا يوصلني لتلك المنزلة ؟
وما هي أقرب الأعمال التي توصلنا
إلى هناك بإذن الله تعالى ؟
أيضا هناك حديث لرسولنا صلى الله عليه وسلم
(من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة :
اللهم أدخله الجنة ….الحديث)
فهل يجوز لي أن أقول مباشرة
(اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة)
بدلا من قول (اللهم إني أسألك الجنة) ؟؟.
..,✿
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى الترمذي (2450) وحسنه
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ،
أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ) .
صححه الألباني في "صحيح الترمذي" وغيره .
فالجنة سلعة غالية ، والفردوس الأعلى أعلى الجنان وأفضلها ،
ولا يصل إليها إلا من اختصهم الله بمزيد فضله .
وروى الترمذي (3174) وصححه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
( َالْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا )
وصححه الألباني .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ) متفق عليه .
فإذا كانت الجنة محفوفة بالمكاره وأنواع المشاق ،
فكيف بأعلى درجاتها وأسمى منازلها ؟
هذا يدل على أن الأمر ليس بالأمر الهين .
قال ابن القيم :
" أنزه الموجودات وأظهرها ، وأنورها وأشرفها
وأعلاها ذاتا وقدرا وأوسعها : عرش الرحمن جل جلاله ،
ولذلك صلح لاستوائه عليه ، وكل ما كان أقرب إلي العرش
كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه ؛
ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان
وأشرفها وأنورها وأجلها ، لقربها من العرش ،
إذ هو سقفها ، وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق ،
ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير "
انتهى .
"الفوائد" (ص 27)
وأهل الفردوس الأعلى هم السابقون المبادرون
إلى فعل الخيرات كما أمروا ، قال الله تعالى :
( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ )
الواقعة/10 – 12
قال السعدي :
" والمقربون هم خواص الخلق "
انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 833)
قال ابن كثير :
" من سابق إلى هذه الدنيا وسبق إلى الخير ،
كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة ،
فإن الجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان "
انتهى .
"تفسير ابن كثير" (7 / 517)
ثانيا :
ليعلم أن من أعظم أسباب حصول المطلوب ،
والنجاة من المرهوب : الدعاء ،
فإن الدعاء هو العبادة ،
كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
وكما أنه عبادة محبوبة لله ، فهو سبب في حصول المطلوب ،
ومن أراده الله به خيرا ، وفقه لأسبابه ،
ويسر له العمل الذي يؤهله لذلك ؛
كما قال تعالى :
( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى *
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )
سورة الليل /5-10 .
روى البخاري (2790)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ،
فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ
وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ )
قال الحافظ :
" يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فَوْقَ جَمِيعِ الْجِنَانِ ,
وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ وَتَعْظِيمًا لِلْهِمَّةِ – :
( فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ )
"انتهى .
ثالثا :
اعلم ـ يا عبد الله ـ أن نيل الدرجات في الدنيا والآخرة ،
ليس بالأماني ولا الأحلام ، وإنما هو بسلوك أسباب ذلك ،
ولولا ذلك ما كان فرق بين الصادق والكاذب ،
وهذا من حكمة الله تعالى في تكليفه لعباده ،
وأمرهم بما أمرهم به .
قال الله تعالى :
( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا
يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا *
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا )
سورة النساء /123-124.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
أي: { لَيْسَ } الأمر والنجاة والتزكية
{ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ }
والأماني : أحاديث النفس المجردة عن العمل ،
المقترن بها دعوى مجردة ،
لو عورضت بمثلها لكانت من جنسها .
وهذا عامّ في كل أمر ، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية ؛
… فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها " .
"تفسير السعدي" (205) .
رابعا :
ومن أهم الأعمال التي تبلغ المسلم الدرجات العلى ،
ولعلها أن تبلغه الفردوس الأعلى برحمة الله :
– الجهاد في سبيل الله :
وقد تقدم في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وروى مسلم في صحيحه (1884)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( يَا أَبَا سَعِيدٍ ، مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا
وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ . فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ ،
فَقَالَ : أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ ،
وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ
مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ !!
قَالَ : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ،
الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .
– الإخلاص والصدق مع الله :
روى مسلم (1909)
من حديث سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ
وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ).
قال النووي رحمه الله :
" َفِيهِ : اِسْتِحْبَاب سُؤَال الشَّهَادَة ,
وَاسْتِحْبَاب نِيَّة الْخَيْر "
انتهى .
– الإيمان بالله والتصديق بالمرسلين :
قال الله تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا )
الكهف / 107
قال السعدي :
" يحتمل أن المراد بجنات الفردوس :
أعلى الجنة ، وأوسطها ، وأفضلها ،
وأن هذا الثواب ، لمن كمل فيه الإيمان
والعمل الصالح ، والأنبياء والمقربون .
ويحتمل أن يراد بها : جميع منازل الجنان ،
فيشمل هذا الثواب ، جميع طبقات أهل الإيمان ،
من المقربين ، والأبرار ، والمقتصدين ،
كل بحسب حاله ، وهذا أولى المعنيين لعمومه "
انتهى . تفسير السعدي – (488)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ
الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ
لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ
لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ ؟ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ) .
متفق عليه .
قال الحافظ :
" قَوْلُهُ : ( وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ )
أَيْ حَقّ تَصْدِيقهمْ ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ
رُسُله وَصَلَ إِلَى تِلْكَ الدَّرَجَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
– إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد
وانتظار الصلاة بعد الصلاة :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا
ويرفع به الدرجات ؟ )
قالوا : بلى يا رسول الله ،
قال : ( إسباغ الوضوء على المكاره ،
وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ،
فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ) .
رواه مسلم (251) .
– الطاعات التي ورد في الأخبار الصحيحة
أنها سبب في معية النبي صلى الله عليه وسلم ومصاحبته في الجنة :
روى مسلم (489) عن ربيعة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه
قَالَ : كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي :
سَلْ فَقُلْتُ : أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ .
قَالَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ هُوَ ذَاكَ .
قَالَ : فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ .
وروى مسلم (2983)
أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ )
وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى .
وروى أيضا (2631) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ )
وَضَمَّ أَصَابِعَهُ .
وروى الإمام أحمد (12089) عَنْ أَنَسٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ
حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ )
وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى .
صححه الألباني في "الصحيحة" (296)
وبالجملة : فالاجتهاد في الأعمال الصالحة ،
والمسارعة في الخيرات ، واستدامة العمل الصالح ،
وصنائع المعروف ، ومسابقة أهل الخير والصلاح :
أصل الوصول إلى غاية المأمول في الدنيا والآخرة ،
ولو كانت تلك الغاية هي الفردوس الأعلى .
والله أعلم .
جزآآكـ الله خيراً
وجزاكى مثله حبيبتى منورانى
بارك الله فيكي حبيبتي