علما بأن هذا الشاب لم يتقدم لي رسميا، ولم يحدث بيننا أي نوع من الكلام، منذ بداية هذا الموضوع، وأنا أدعو الله – عز وجل – في صلاتي وقيامي لليل، وعند قراءتي للقرآن بأن يجمع بيني وبينه، ولكن عندما أصلي صلاة الاستخارة أصلي بنية أن يزوجني له إذا كان خيرا، أم أصلي بأي نية؟ علماً بأنني متعلقة بهذا الموضوع جدا، وأنا عند حسن ظن ربي بأنه سيجيب دعائي في هذا الموضوع, ودعوات حضراتكم لي بأن يجمع بيني وبينه، وأن ينجحنا في السنوات القادمة.
الأجابة : إن سؤالك عن صلاة الاستخارة في أمر هذا الرجل الذي تميلين إليه والذي تفكرين فيه وتجدين نفسك تتمنى أن يجمعكما الله – جل وعلا – في بيت الزوجية الطاهر العفيف.. إن هذه الصلاة وحرصك عليها يدل – بحمدِ الله – على نية صالحة ويدل كذلك على التوكل على الله..
إنك تشعرين بأنك لا بد أن تلجئي إلى ربك، وأن تحتمي بحماه، وأن تسأليه من فضله العميم، فهكذا ينبغي أن تكوني دومًا قريبة من ربك مفوضة أمرك إليه، فماذا ستجدين بعد ذلك؟ قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي فهو كافيه، ولا ريب أن صلاة الاستخارة من أعظم السبل التي يتوكل بها العبد على ربه، وهذا الأمر يُشرح لك بعبارة لطيفة، وهي عين جواب سؤالك الكريم.
صلاة الاستخارة :
هو أنك تطلبين من الله أن يختار لك، فأنت تتبرئين من الحول والقوة وتفوضين أمرك إلى الله وتسألينه بعلمه الشامل وقدرته الكاملة بأن ييسر لك الخير حيث كان؛ لأنك لا تعرفين أين هو الخير، وهذا هو الذي يدلك عليه قولك فيها: (اللهم إني أستخيرك بعلمك) أي أسألك أن تختار لي بعلمك الشامل، (وأستقدرك بقدرتك) أي أسألك بقدرتك الكاملة العظيمة، (فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علّام الغيوب) وهذا هو التبرأ من الحول والقوة: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي …) إلى آخر الدعاء، فأنت تقيدين هذا الأمر بأن يكون خيرًا لك، وهذا هو حقيقة التفويض لله عز وجل.
وبهذا يحصل جواب سؤالك الكريم، فإن صلاة الاستخارة إنما تُشرع للإقدام على أمر تريدينه، فمثلاً إذا تقدم لك هذا الخاطب الكريم وأردت أن تعلني موافقتك عليه أم لا؟ فحينئذ تُشرع لصلاة الاستخارة، ويجوز لك أن تصليها من الآن، ولكن بنية أن توافقي عليه إذا تقدم إليك، فلا حرج في هذا، فتكون نيتك في هذه الصلاة الآن أنه إن تقدم إليك فإنك – بإذن الله – ستبادرين إلى الموافقة عليه، فلا حرج عليك بأن تصليها بهذه النية، وقد عرفت بهذا أن صلاة الاستخارة إنما تشرع في الأمر الجائز إذا أراد الإنسان أن يُقدم عليه، وليست هي دعاءً لتحقيق الأمور عمومًا، ولكن هنالك صلاة أخرى نود أن تحرصي عليها: إنها صلاة الحاجة التي شرعها لنا – صلوات الله وسلامه عليه – وحديثها ثابت عنه – صلوات الله وسلامه عليه .
كيفية صلاة الحاجة :
وهي أن تصلي ركعتين نافلتين، ثم تحمدين الله – جل وعلا – وتصلين على النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم تسألين الله – جل وعلا – من فضله في أي حاجة تحتاجينها، فأنت مثلاً تريدين الزوج الصالح، فتدعين بنحو هذا الدعاء الجائز: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم يسر لي زوجًا صالحًا، اللهم فرّج كربتي، اللهم أزل همي، يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ، وربُّ الأَرْض، ورَبُّ العرشِ الكريمِ، اللهم افتح لي فتحًا مبينًا واهدني صراطًا مستقيمًا، رب هب لي زوجًا صالحًا يقر عيني، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا، وارزقنا وأنت الخير الرازقين , فاجعلي دومًا شأنك مع الله جل وعلا، واعرفي – يا أختي – وتيقني أنك طالما أنك محافظة على طاعة الله – عز وجل – فإن الله معك، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، وقال – صلى الله عليه وسلم – : (إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه) أخرجه الترمذي في سننه.
فعليك – يا أختي – برعاية هذا الأمر العظيم، وقد أوصيناك بوصايا ونحن واثقون – بإذنِ الله – أنك عاملة بها، وأنك ملتزمة أمر الله جل وعلا، ونحن أيضًا نختم في هذا الجواب بالدعاء لك، ونتضرع إلى الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء أن يمنَّ عليك من فضله، وأن يفتح عليك من بركاته ورحماته فتحًا مبينًا، وأن يهديك صراطًا مستقيمًا، وأن ينصرك نصرًا عزيزًا، وإن كان زواجك بهذا الرجل خيرًا لك أن يجمعكما على طاعته على أيسر الأمور وأكملها وأحسنها، وأن يشرح صدرك لما يحبه ويرضاه، ونسأل الله أن يجعلك من عباده الصالحين وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه.
وبالله التوفيق.
منقول