السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحديث عن المشاكل النفسية للطفل المعوق (حركيا ) سوف يتناول ثلاثة عناصر:
1- معنى الإعاقة ومعنى الحركة.
2- تصحيح بعض المفاهيم الشائعة حول مشاكل المعوقين من الناحية النفسية.
3- مالا ينبغي ، وما ينبغى من المجتمع ، بمختلف خلقاته تجاه هؤلاء المعوقين.
أولا: معنى الإعاقة ومعنى الحركة.
1- معنى الإعاقة:
ان الإعاقة بمعناها الأشمل هى الحيلولة دون اطلاق قدرات الإنسان إما لنقص أصاب هذه القدرات ، أو للعجز عن تنميتها إلى المدى المناسب ، أو للإفتقار إلى مجال عملها بالدرجة الكافية.
فاذا طبقنا هذا المفهوم الشامل على قدرات الإنسان المعاصر لوجدنا أن الإعاقة البشرية عامة أكبر من تصور ، فالمخ البشرى مثلا لا يعمل منه سوى عشرة بالمائة من حجم المستتبات العصبية فى آن ، وهو قادر أن يضاعف هذه النسبة أضعافا كثيرة فى مجالات الابداع والخلق.
فمجالنا هذا المحدود ( الطفل المعاق حركيا ) ينبغى أن يكون تذكرة بمجالات أخرى للإعاقة أخطر وأخفى.
2- معنى الحركة:
فاذا انتقلنا إلى معنى الحركة ، فلابد أن نتذكر أننا نركز هنا على الحركة العضلية المرتبطة بتطور قدرة الإنسان ( الطفل ) فى اكتسابه الوضع واقفا ( على قدميه ) ثم المهارة اليدوية والإصبعية بوجه خاص.
فالحركة من هذا المنطلق هى وسيلة:
أولا: لإخراج الطاقة.
ثانيا: تنمية القدرة.
ثالثا: ممارسة الإرادة.
رابعا: توسيع المجالات.
فاذا ما حرم الطفل من كل هذا:
فإنه سرعان ما يتحور ليحقق حركة أخرى من خلال قدرته التعويضية الرائعة وذلك فى مجالى الفكر والخيال بخاصة ، وهنا ينتقل معنى الحركة إلى ما تفيده الحركة العقلية بمعنى اطلاق القدرات الذهنية فى مجالى الخيال والإبداع بالذات.
ونخلص من هذا إلى أن:
مفهوم الحركة بمعنى التغيير والتجديد والإبداع هو المفهوم اللائق بوعى الإنسان المعاصر ، فالقرد والغزال أقدر على الحركة من الإنسان ، وعلى ذلك فان فخر الإنسان الأسمى هو بحركة عقله واتساع مجال وعيه ، وخاصة بعد أن سيطر على وسائل حركته بتوفقه التكنولوجى عابر القارات باعابر السماوات.
فاذا ما اتسع معنى الحركة فى وعينا هذا الاتساع ، فان بكاءنا على العجز العضلى لابد وأن يتضاءل مع النظر إلى المفهوم الأوسع للحركة التطورية ، والحركة العقلية ، والحركة الابداعية.
ثانيا: تصحيح بعض المفاهيم الشائعة حول الأطفال المعوقين.
1- إن كثيرا مما يسمى مشاكل الطفل المعوق نابع من خيالنا أو اسقاطتنا ، وهذا بدوره نابع من جهلنا أو حيلنا النفسية ( ميكانزماتنا ) ، حيث أننا نتصور هذه المشاكل أكثر مما نختبرها ، ونسقطها عليه أكثر مما نستقبلها منه ، فالطفل بقدرته التكيفية الطبيعية يمكن أن ينسى اعاقته ويتخطاها ، ونحن نذكره بها ونعوقه بها إما من فرط حنو غير ضرورى ، أو فرط إهمال غير انساني.
2- إن نسبة المضاعفات النفسية لا تتناسب بالضرورة مع نسبة الإعاقة الجسدية ، بل لعل العكس هو الصحيح فى بعض الحالات ، أى أنه قد يوجد هناك تناسب عكسى بين نسبة الإعاقة وبين مضاعفاتها النفسية وأقسى أنواع الإضطرابات النفسية من نوع القلق التشككي ، أوهام الإشارة ينتج من الإصابات الطفيفة والعجز الذى لا يعرفه الا صاحبه ، وهو إذ يحاول إخفاءها طول الوقت مركزا عليها وعى اختبار ما اذا كان الغير قد عرفها من عدمه ، وبالتالى يركز على ذاته وعلى استقبال الآخرين له ، أى بفعل ذلك يحدث الإضطراب النفسى سالف الذكر.
ومن هنا تأتى التوصية بالوقاية النفسية بالإهتمام بهذه الإصابات الطفيفة أكثر فأكثر توقيا لهذه المضاعفات النفسية.
3- ان صورة الجسم وتكوين الذات الجسمية تتعرضان لإهتزازات عند الطفل المعوق ، وخاصة فى سن مبكرة مما يتطلب نموا تعويضيا للذات النفسية.
وهنا تنقلب الصورة عند المعوق ، ففى حين يكون الجسم إطارا للنفس فى الإنسان العادى تكون النفس اطارا محتويا للجسم عند المعوق ، الأمر الذى يؤكد ضرورة اعتبارا خاص لنمو الذات النفسية من خلال تنمية العلاقة بالعالم الخارجي ، وبالواقع الآخر.
4- إن مشاكل الطفل المعوق فى التعليم والبيت أكثر من أن تحصى فى هذه العجالة ، ولكن ينبغى ألا نبالغ فى تصور شعوره بالنقص وحاجته إلى الاعتبار الخاص - كما سيلى – قد يعجزه أكثر من عجزه ، فاحترام عجزه ينبغى أن يسير جنبًا إلى جنب مع احترام قدرته ، لا قدرتنا فقط ، على الإنتصار على هذا العجز.
5- لعل من أكبر مشاكل الطفل العاجز هو أن تستعمله الأسرة مشجبا تعلق عليها فشلها وتعاستها ، فتعطى كل فرص البهجة ومشاركة الحياة والإسهام فيها واثراءها تحت ما هو عنوان المبالغة الخاصة فى الإعتبارات المتعلقة باحتياجات طفلها العاجز وظروفه.
ثالثا: ما لا ينبغى وما ينبغى.
ان حجم مشكلة الطفل العاجز تتوقف على موقفنا منه.
وهذا يتطلب الإنتباه إلى محاذير قد تدفعنا إليها:
1- حسن النية.
2- تركيبنا النفسى الخفي.
3- قلة المعلومات المتاحة موضوعيا حول هذه القضية.
وسوف أبدأ بما لا ينبغى حتى نستنتج تلقائيا ما ينبغى:
أولا: ما لا ينبغي.
1- فرط التركيز على الطفل المعاق:
فهو قادر على أن ينسى عجزه ، فلنساعده فى ذلك ، لا بأن ننساه هو شخصيا ، ولكن بأن نتناول عجزه بحجمه ، فالطفل كيان بشرى كامل يستعمل عضلاته وهو ليس دمية فقدت " زنبركها " ، مع التذكرة بأن فرط الإهتمام الدرامى قد يحمل أحيانا من المعانى ما سبق الإشاره إليه وهو احتمال استعماله كمشجب نعلق عليه فشلنا وتعاستنا وهروبنا من مواجهة الحياة والاسهام فيها ، كما لا ينبغى أن نسقط على مثل هذا الطفل داخلنا العاجز ، وكأنه رمز خارجى لعجزنا نحن عن الابداع ، أو كأن شلله الحركى هو المسقط لشللنا التطورى الأمر الذى يعطله ويعطلنا فى آن واحد.
2- أن نعزل مثل هذا الطفل عن المجتمع:
تحت أى دعوى من الدعاوى ما كان إلى ذلك سبيل ، ولنثق فى قدرته وقدرة المجتمع التلقائية على هذا التعامل مع العجز وقبوله والتكيف له ، ولنتذكر أطفالا يلعبون الكرة مع أقرانهم ، يزحفون على مقعدتهم يسحبون رجلهم وراءهم فى نشاط رائع فى الحارات والقري ، فيسمح لهم تلقائيا باللعب بأيديهم ضاربين عرض الحائط بانها كرة قدم لا يخاف زملاؤهم أن يدوسوهم ، ولا يخافون هم أن يداسوا ، وقد يكون هذا المنظر مؤلما لمن لم يتعود عليه ، إلا أنه درس رائع لمن يريد أن يتأكد من قدرة الانسان وفهم الأقران ورحمة الطبيعة فى آن ، والتأكيد على كل ذلك لا ينبغى أن يهون من انجازات الأجهزة التكنولوجية ، ولكنه يؤكد ضرورة احترام الطبيعة البشرية والفطرية قبل وبعد الأجهزة.
3- أن نبالغ فى الشفقة على مثل هذا الطفل.
ولنتذكر أن معنى الشفقة لغة هو الخوف ، وأن معناها الشائع هو " الصعبانية " ، وهى بالعينين شعور قاس متعال قبيح ، أما الشعور الأرقى والأنسب فهو الرحمة التى كتبها الله على نفسه بمعنى المشاركة والفهم والإحترام لما يشمل العدل والتعاطف المسئول والألم الداخلي.
وهذا يحتاج إلى درجة من النضج النفسى والعطاء الصامت أكثر مما يحتاج للتوعية الذهنية والنصائح السطحية.
4- أن يلهينا شرف العناية بهذه المشاكل الهامة الظاهرة الخطيرة عن مشاكل الإعاقة الأخفى والأخطر.
اذ يجدر بنا أن نتذكر أن الإنسان المعاصر عامة هو معاق بالضرورة ، اذ هو لا يستعمل قدراته التى خلقها الله له بالقدر المناسب لإمكانياته أو لإحتياجاته واحتياجات مجتمعه وبنى جنسه ، فتعاطفنا مع الطفل المعاق يكون لائقا ومناسبا ومفيدا اذا تذكرنا اعاقتنا فى مجالات أهم ، وأننا كلنا فى الهم شرق ، ومع اختلاف مجالات الإعاقة.
وبعـد…..
فاذا كان هذا لا ينبغى فإننا نستطيع استنتاج ما ينبغى تلقائيا ، فأوجز هذه التوصيات فى خطوط عريضة محدودة:
ثانيا: ما ينبغي.
1- أن نعامل المعوق فى داخلنا قبل ظاهر سلوكنا:
باعتباره انسانا عاديا تماما يحتاج إلى حسابات أخرى فى التعامل والفرص المتاحة لا أكثر ولا أقل بلا شفقة رخوة أو استعلاء دعى.
2- أن تتاح الفرص الدراسية والثقافية للطفل المعوق.:
بجرعة أكبر وأكثر تركيزا وتنوعا من الطفل العادى ، وذلك لإتاحة مجال للحركة التطورية الفكرية والإبداعية بديلا عن الحركة الفيزيائية العضلية المفصلية.
3- أن تجد الأسرة:
من خلال اسهام المجتمع طريقا آخر لحل مشاكلها بعيدا عن التركيز على إعاقة الطفل ، فتكون العناية بالصحة النفسية لكل أفراد الأسرة هى السبيل لإطلاق سراح الطفل من سجن شفقتهم وتركيزهم ، مع التحذير من الجانب الآخر من حركة البندول أى من فرط الإهمال تجنبا للمشاركة فى الألم.
4- أن يدخل المعوق المدارس العادية ما أمكن:
مع العناية بترشيد زملائه بطريق غير مباشر بحجم الإعاقة ومعناها وتنمية المشاعر الإنسانية التراحمية الواجبة ، والعناية باختبار المدرسين على درجة مناسبة من النضج والوعى.
5- أن تخصص برامج تعليمية كاملة ومنظمة:
فى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة للفئة التى لا تستطيع الذهاب أصلا إلى المدرسة وربما عمت الفائدة لدارسى المنازل جميعا.
6- أن تتاح فرص أكبر ومخفضة ما أمكن ، للمعوقين وأسرهم:
للحصول على الكتب والأدوات الفنية ( إعارة أو إقتناء بشكل سهل ومجانى أو بثمن رمزى ).
7- أن تتاح فرصة أكبر لأسر المعوقين:
للحصول على مسكن أرحب وتسهيلات مهنيه خاصة ، لإتاحة الفرصة المكانية والوقتية للعناية المناسبة للطفل المعوق ، على أن هذا لا يعنى تمييزا خاصا وإنما يعنى تعويضا واجبا.
وأخيرا…..
فانى أدعو الله أن تكون دلالة الإهتمام المفرط بالأطفال المعوقين هو علامة صحية تدل على درجة يقظة المجتمع ومسئوليته بما يشمل ضمنا العناية بغير المعوقين ظاهرا ، فالمجتمع الصحيح والصحى ، كما نأمل لمجتمعنا ، هو المجتمع الذى يتيح أكبر الفرص لقدرات أفراده فى السواء والمرض ، فى العجز والحركة.
وفقنا الله إلى عمل الخير وخير العمل.