تخطى إلى المحتوى

الولد بين الطبع والشرع 2024

  • بواسطة

الولد بين الطبع والشرع

روى عبدالرزَّاق والحاكم عن الأسود بن خلف: أن النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أخَذ يومًا حسنًا وحُسينًا، فجعل هذا على هذا الفخذ، وهذا على هذا الفخذ، ثم أقبل على الحسن فقبَّله، ثم أقبل على الحسين فقبَّله، ثم قال: ((اللهمَّ إني أحبُّهما فأحِبَّهما))، ثم قال: ((إنَّ الولد مَجْبَنةٌ مَبْخَلةٌ مَجْهَلةٌ مَحْزَنةٌ))؛ ورواه كذلك الطبراني عن خولة بنت حكيم، دُونَ ذكر الحسن والحسين، والحديث صحَّحه العراقي في "تخريج الإحياء"، والألباني في "صحيح الجامع".

وفي هذا الحديث العظيم بيانٌ لما طُبِع عليه الوالدان مع الولد – ذكرًا كان أو أنثى – ولما تجلبه محبَّةُ الوالدين للولد، وليس في الحديث القبول لهذه الصفات، أو الاستِسلام لها والرضا بها؛ بل فيه الإشارة لِمُحاسَبة النفس عليها، والتخلُّص منها.

وهذا الحديث يُشبِه ما روى بُرَيدَة بن الحَصِيب – رضِي الله عنه – قال: "خطَبَنا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فأقبَل الحسن والحسين – رضِي الله عنهما – عليهما قميصان أحمران، يعثران ويَقُومان، فنزل فأخَذَهما فصعد بهما، ثم قال: صدق الله؛ ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [التغابن: 15]، رأيت هذينِ فلم أصبر))، ثم أخذ في الخطبة"؛ (أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والبيهقي وابن خُزَيمة وابن أبي شيبة والحاكم، وقال: على شرط مسلم، ووافَقَه الذهبي والألباني كما في "صحيح أبي داود").

وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَجْبَنة))؛ أي: مَدعاة للجبن؛ وذلك أن حُبَّ والدَيْه له يصدُّهما عن مَواطِن الشجاعة؛ كالجهاد والهجرة، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وكل ما هو مَظِنَّة الأذى.

وكثيرٌ من الآباء اليومَ يَفِرُّون من الالتِزام بالأوامر الشرعية الظاهِرة، أو العمل الدعوي الإسلامي؛ خوفًا على أبنائهم أن يَتَشرَّدوا من بعدهم، وهذا من سوء الظنِّ بالله – تعالى – إذ كيف يضيع الله – تعالى – أولادهم، وقد باعوا له أنفسهم؟

وهذا الخوف على الأبناء إنما يُلقِيه الشيطان في قلب الوالد؛ ليصدَّه عن الخير والحقِّ، فإذا ما استَعاذ الأب أو الأم منه، زال – بإذن الله تعالى.

وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَبْخَلة))؛ أي: الولد سببٌ لشحِّ الوالد وبخله؛ وذلك حتى يُوَفِّر له المال والراحة، فيمتَنِع عن أداء حقوق الله وحقوق الناس؛ ليكنز له المال، ويُوَفِّر له الحياة الكريمة في ظنِّه!

ثم إن كان هذا البخل في أمرٍ واجب، كان على الأب وحدَه إثمه وحسابه، وإن كان في مُستَحبٍّ كان أجرًا قد ضيَّعه، ومنزلة لم يَبلُغْها.

وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مجهلة))؛ أي: سببٌ لوقوع والدَيْه في الجهل؛ وذلك لكثرة الانشِغال به وبمتطلَّباته عن الصبر على العلم وتحصيله، حتى يضيق وقت الوالد على أبنائه وحاجتهم، فلا يكاد يَتفرَّغ لطلب العلم وتزكية نفسه.

والعلم الصحيح من أعظم أسباب تزكية النفوس وإصلاح القلوب، وكان عبدالله بن المبارك – رضي الله عنه – يقول: عجبت لِمَن لم يطلب العلم، كيف تدْعوه نفسه إلى مكرمة؟!

وإذا ضيَّع العبد العلم، فإنه من باب أَوْلَى يضيع العمل، الذي هو طوق نجاته في الآخرة، فيقدم على الله مُفلِسًا.

وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَحْزَنة))؛ أي: بسبب ما يُصِيب الولد من أيِّ أذًى، وكذلك بسبب ما يَعجِز عنه من طلباته، فإنَّ والدَيْه يحزنان لحزنه، كما أنَّ الأبوَيْن يحزنان لفوات برِّه بهما، أو عقوقه لهما.

وحزن الوالدين على الابن وإن كان شيئًا قد جُبِلاَ وطُبِعَا عليه، إلاَّ أنَّه ينبغي أن يُهذَّب بالشرع، فتَرسِيخ الإيمان بالقَدَر في قلبَيْهما من أسباب تخفيفه، كما أنَّ الإيمان باليوم الآخر ولقاء المتحابين والأخلاَّء في جنَّة الخلد، يُقلِّل من آلامهما، وكذلك الإيمان بأنَّ الله – تعالى – هو الخالق فله حقُّ التصرُّف التامُّ في عِباده، يخفِّف من وجعهما على الابن؛ كما في حديث أسامة بن زيد – رضِي الله عنهما – قال: كُنَّا عند النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذ جاءه رسول إحدى بناته تدْعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ارجع فأخبرها أنَّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمًّى، فمُرْها فلتصبر ولتحتَسِب))، فأعادت الرسول أنها أقسمتْ لتأتينَّها، فقام النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وقام معه سعد بن عبادة ومُعاذ بن جبل، فدُفِع الصبي إليه ونفسُه تقَعْقَع كأنها في شَنٍّ، ففاضَتْ عيناه، فقال له سعد: يا رسول الله، ما هذا؟! قال: ((هذه رحمةٌ جعَلَها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرُّحَماء))؛ (أخرجه البخاري ومسلم).

وكلُّ هذه الصفات التي ذكَرَها النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – في هذا الحديث، من الفتنة المذكورة في قوله – تعالى -: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن: 15].

ولذلك نقول: الواجب على الآباء:
• تذكُّر ما عند الله من الأجر العظيم، وعدَم الانسِياق وراء أهوائهم فيهم، فإنَّ ما عند الله – تعالى – خيرٌ لهم من أبنائهم ومتعتهم بهم، وفي الحديث: أن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((يَتْبَعُ الميتَ ثلاثةٌ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد: يتبعه أهلُه ومالُه وعملُه، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله))؛ (أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس – رضي الله عنه).

فهذه حقيقة واضحة نغفل عنها نحن – الآباءَ – نضيع أعمارنا – وربما دينَنا – من أجل أولادنا وأهلنا، ثم هم يرجعون عَنَّا ويتركوننا وأعمالَنا.

• مُحاسَبَة أنفسهم على تصرُّفاتهم تجاه أبنائهم، وهل هي مُوافِقة لشرع الله – تعالى – أم مخالفة له؟ مع ردْع النفس عن كلّ تصرُّف بُنِي على تقديم هواها على مراد الله – عزَّ وجلَّ – والمرءُ إذا اعتاد المحاسبة ضُبطتْ نفسُه واستَقامتْ على أمر الله – تعالى – ورأى الهفوة منه جبلاً عظيمًا يكاد أن يسقط عليه، وهذا بخِلاف مَن أطلَق لنفسه وأعماله العنان، فإنَّه يَتَمادَى في المُخالَفة ويَراها أصغر الصغائر، فلا هو يَرجِع عنها، ولا هو يتوب منها، حتى تعوجَّ نفسه ولا تُطِيق الاستِقامة.

• معرفتهم أنَّ أبناءهم لن ينفعوهم إذا ما عصوا الله – تعالى – من أجلهم؛ بل هذا من أعظم أسباب خذلانهم وعقوقهم لهم؛ إذ الجزاء من جنس العمل، والله – عزَّ وجلَّ – يُعاقِب عبده بما عصاه به، وهذا مُشاهَد كثيرًا جدًّا في مجتمعاتنا اليومَ بين الآباء والأبناء.

ودين الإسلام الذي هو الوسطية، لم يكن ليُصادِمَ طباعنا وما جُبلنا عليه؛ بل ولا حتى حظوظ نفوسنا ما لم تكن معصية الله – تعالى – لكنَّه كذلك لم يجعل الطِّباع البشرية تغلب على تزكية النفوس وصلاحها، فأمَرَنا بتهذيبها والرقي بها، ومن هذا الباب قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن الولد مَجْبَنة…)).

فعن عائشة – رضِي الله عنها – قالت: جاء أعرابيٌّ إلى النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: تُقَبِّلون الصبيان؟ فما نقبِّلهم، فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أوَأَملِك لك أن نزع الله من قلبك الرحمةَ))؛ (أخرجه البخاري ومسلم).

فجعل – صلَّى الله عليه وسلَّم – تقبيل الأولاد من الرحمة، كما جعل البكاءَ عليهم إذا أصابهم مكروهٌ من الرحمة؛ كما في حديث أسامة في الصحيحين وقد سبق، وقد كان – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُداعِب الأطفال ويُلاعِبهم، ويقول لأخي أنس بن مالك: ((يا أبا عمير، ما فعل النغير؟))؛ (أخرجه البخاري ومسلم)، ويسجد – صلَّى الله عليه وسلَّم – سجدة فيطوِّلها، فيسأله أصحابه: يا رسول الله، لقد سجدت في صلاتك هذه سجدةً ما كنت تسجدها، أشيئًا أُمِرت به أو كان يُوحَى إليك؟ فيقول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كل ذلك لم يكن، ولكنَّ ابني ارتحلني؛ فكرهت أن أُعجله حتى يقضي حاجته))؛ يعني: الحسن – رضِي الله عنه – (أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وصحَّحه ووافَقَه الذهبي).

وهكذا لا يُصادِم الشرع الطباع؛ ولكنَّه يُهَذِّبها حتى لا تطغى على النفس وتُخرِجها عن وظيفتها الأساسية في هذه الحياة، وهي العبودية لله – عزَّ وجلَّ – وحدَه.

وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

والحمد لله ربِّ العالمين.

    الف شكر حبيبتى

    الله عليكي يااماني الموضوع جميل جدا وياريت فعلا ان يوصل للجميع وبخاصة سوبر مامي وده مش عشان حاجة للللللللل والله انا بهزر بس ده هزار علي الوضوع الي نزلته وكانت بتهزر معايا هي والله حبيبتي وصاحبتي وبنتي وربنا يخليهم ويخليكوا بجد والله الموضوع جميل جدا وتستحقي اعلي تقييم برافوووووووووووووووووو

    بارك الله فيكى

    مشكوووووووووووووورة

    الونشريس

    جزاكى الله خيرا

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.