تفسيرسورة القلم
تفسير الآيات(52:50)(آخر السورة)
(50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}
شرح الكلمات:
( يَكَادُ ) بصيغة المضارع ، للإِشارة إلى استمرار ذلك فى المستقبل .
{ليزلقونك بأبصارهم}: أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك.
_ ويقول الطنطاوى:وقوله ( لَيُزْلِقُونَكَ ) من الزَّلَق – بفتحتين – ، وهو تزحزح الإِنسان عن مكانه ، وقد يؤدى به هذا التزحزح إلى السقوط على الأرض ، يقال : زَلَقه يَزْلِقه ، و أزْلقه يُزْلِقه إزلافا ، إذا نحاه وأبعده عن مكانه .
وجاء قوله ( لَيُزْلِقُونَكَ ) بلام التأكيد للإشعار بتصميم على هذه الكراهية ، وحرصهم عليها .
( وَمَا هُوَ ) أى : القرآن الذى أنزلناه عليك
( إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ )أى : تذكير بالله – تعالى – وبدينه وبهداياته . . وشرف لهم وللعالمين جميعا أي الإِنس والجن .فليس بمجنون كما يقول المبطلون.
(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52))
فجعل الله له العاقبة { والعاقبة للمتقين } ولم يدرك أعداؤه فيه إلا ما يسوءهم، حتى إنهم حرصوا على أن يزلقوه بأبصارهم أي: يصيبوه بأعينهم، من حسدهم وغيظهم وحنقهم، هذا منتهى ما قدروا عليه من الأذى الفعلي، والله حافظه وناصره، وأما الأذى القولي، فيقولون فيه أقوالًا، بحسب ما توحي إليهم قلوبهم، فيقولون تارة "مجنون" وتارة "ساحر" وتارة "شاعر". تفسير السعدى
وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
وفى تفسير ابن عاشور:
المعنى : يقولون ذلك اعتلالاً لأنفسهم إذ لم يجدوا في الذكر الذي يسمعونه مدخلاً للطعن فيه فانصرفوا إلى الطعن في صاحبه صلى الله عليه وسلم بأنه مجنون لينتقلوا من ذلك إلى أن الكلام الجاري على لسانه لا يوثق به ليصرفوا دهماءهم عن سماعه ، فلذلك أبطل الله قولهم : { إنه لمجنون } بقوله : { وما هو إلاّ ذكر للعالمين ، } أي ما القرآن إلاّ ذكر للناس كلهم وليس بكلام المجانين ، وينتقل من ذلك إلى أن الناطق به ليس من المجانين في شيء .
لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ
والذكر : التذكير بالله والجزاء هو أشرف أنواع الكلام لأن فيه صلاح الناس .
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
قال تعالى { وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } أي: وما هذا القرآن الكريم، والذكر الحكيم، إلا ذكر للعالمين، يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم.
*وفي الختام يرسم مشهدا للكافرين وهم يتلقون الدعوة من الرسول الكريم , في غيظ عنيف , وحسد عميق ينسكب في نظرات مسمومة قاتلة يوجهونها إليه , ويصفها القرآن بما لا يزيد عليه:
(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)).
* فهذه النظرات تكاد تؤثر في أقدام الرسول [ ص ] فتجعلها تزل وتزلق وتفقد توازنها على الأرض وثباتها ! وهو تعبير فائق عما تحمله هذه النظرات من غيظ وحنق وشر وحسد ونقمة وضغن , وحمى وسم . . مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسب القبيح , والشتم البذيء , والافتراء الذميم: (ويقولون:إنه لمجنون). .
وهو مشهد تلتقطه الريشة المبدعة وتسجله من مشاهد الدعوة العامة في مكة . فهو لا يكون إلا في حلقة عامة بين كبار المعاندين المجرمين , الذين ينبعث من قلوبهم وفي نظراتهم كل هذا الحقد الذميم المحموم !
*يعقب عليه بالقول الفصل الذي ينهي كل قول:
(وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ).والذكر لا يقوله مجنون , ولا يحمله مجنون .
*وصدق الله وكذب المفترون . .
ولا بد قبل نهاية الحديث من لفتة إلى كلمة(لِلْعَالَمِينَ). .
هنا والدعوة في مكة تقابل بذلك الجحود , ويقابل رسولها بتلك النظرات المسمومة المحمومة , ويرصد المشركون لحربها كل ما يملكون . . وهي في هذا الوقت المبكر , وفي هذا الضيق المستحكم , تعلن عن عالميتها . كما هي طبيعتها وحقيقتها . فلم تكن هذه الصفة جديدة عليها حين انتصرت في المدينة – كما يدعي المفترون اليوم – إنما كانت صفة مبكرة في أيام مكة الأولى . لأنهاحقيقة ثابتة في صلب هذه الدعوة منذ نشأتها .
*كذلك أرادها الله . وكذلك اتجهت منذ أيامها الأولى . وكذلك تتجه إلى آخر الزمان . والله الذي أرادها كما أرادها هو صاحبها وراعيها . وهو المدافع عنها وحاميها . وهو الذي يتولى المعركة مع المكذبين . وليس على أصحابها إلا الصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين . سيد قطب رحمه الله
من هداية الآيات:
1_وجوب الصبر على الدعوة مهما كانت الصعاب فلا تترك لأذًى يصيب الداعي.
2- بيان حال المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وما كانوا يضمرونه له من البغض والحسد وما يرمونه به من الاتهامات الباطلة كالجنون والسحر والكذب.
فائدة:
قال شيخ الإسلام الذي ألف كتابه العظيم (الصارم المسلول على شاتم الرسول)
أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر فإنه يجب قتله، هذا مذهب عامة أهل العلم". قال ابن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل"، وممن قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى.
وحكى أبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعي إجماع المسلمين على أن حد من يسب النبي صلى الله عليه وسلم القتل، كما أن حد من سب غيره الجلد.
قال القاضي عياض رحمه الله: أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه يقتل. وقال إسحاق بن راهوية الإمام: "أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئاً مما أنزله الله عز وجل، أو قتل نبياً من الأنبياء أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزله الله".
لا أعلم أحداً من المسلمين – كما يقول الإمام الخطابي – اختلف في وجوب قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم.
وحتى أهل الذمة الذين هم أهل الذمة، الذين أعطوا الأمان والعهد والميثاق، إذا سب الواحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم يقتل مباشرة.
قال الإمام أحمد: "ليس على هذا أعطوا العهد والذمة". لم نعطهم العهد والذمة على سب النبي صلى الله عليه وسلم وشتمه.
بارك الله فيكم على طيب المتابعة ونبدأ بإذن الله تعالى فى تفسير سورة الحاقة دمتم طيبين فى رعاية الرحمن.
المراجع:
_ابن كثيرتفسير القرآن العظيم
_ في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
_ابن عاشور التحرير والتنوير
_الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
_الطنطاوى تفسير الوسيط
_الرد على الصور التي نشرها اليهود فى موقع الشيخ محمد صالح المنجد.