تخطى إلى المحتوى

جمع اموال الناس للاعمال الخيريه حكم جمع اموال الناس للاعمال الخيريه 2024

  • بواسطة

الونشريس

فضيلة الشيخ عبد الرحمن – رفَع الله قَدرك –
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ ما حُـكم جمع المال لأجل الصدقات والمشاركة في الأعمال الخيرية ؟
يعني يأتي إنسان ويقول لإخوانه يوجَد المشروع الفلاني الخيري وتوجَد أسرة محتاجة فهاتوا أموالاً أجمعها لكي أعطيهم
وهل الأفضل أن يُبلِّغ الإنسان إخوانه بالمشروع فقط أم يجوز له أن يجمع منهم أموالهم لكي يشاركوا ؟
طيب إذا كان المشروع مثلاً يكلِّف ألف ريال وأخبر الإنسان عشرة مِن إخوانه بالمشروع بحيث أن يدفع كل واحدٍ منهم 100 ريال ويجمعها هو
فهل مثل هذا يجوز ؟
وما الضابِط في المشاركة بأعمال الخير وسؤال الناس وجمع المال ، وماذا عن قِصة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تكلم وحثّ الناس لجمع الصدقات لكي يعطيها أهل الصُّـفة ؟
وجزاك الله عني وعن كل سائل خير الجزاء ووفقك الله لمرضاته وأفاض عليك مِن نعمائه وشملك برحماته وأسبغ عليك السرور والعافية .

الونشريس

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

هذا يَدخل في سؤال الناس ، وقد نُهينا عن سؤال الناس ، وما يتبعه مِن إلحاح وإحراج للآخَرين ، وما يترتّب عليه مِن ضغينة لو رُدّ .
وكل هذه أمور منهي عنها ؛ لِمَا يترتّب عليها .

وإذا كان يَحْرُم على الإنسان إذلال نفسه ، والإلحاح والإلحاف في سؤال غيره ، وهو يسأل لِنفسه لو جاز له السؤال ، فلئن يُقال بِحُرمة ذلك فيمن يسأل لِغيره أوْلَى .
أي : أنه يَحرُم على الإنسان الإلحاح في السؤال ، ولو كان يسأل لغيره .

وقد نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُذل المؤمن نفسه .

وبوّب الإمام النووي في " شرح صحيح مسلم " : باب النَّهْيِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ . ثم قال :
مَقْصُودُ الْبَابِ وَأَحَادِيثِهِ النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى وَجْهَيْنِ ؛ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا حَرَامٌ ، لِظَاهِرِ الأَحَادِيثِ ، وَالثَّانِي حَلالٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِثَلاثِ شُرُوطٍ :
أَنْ لا يُذِلَّ نَفْسَهُ ، وَلا يُلِحَّ فِي السُّؤَالِ ، وَلا يُؤْذِيَ المسؤول ، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَهِيَ حَرَامٌ بِالاتِّفَاقِ . اهـ .

ولم يُرخِّص الإمام أحمد رحمه الله في سؤال الرجل لِغيره مع وُجود الحاجة ؛ لِمَا يترتّب على ذلك مِن : إذلال نفسه ، وما يَجده في نفسه لو رُدّ ، ولأنه يَدخل في سؤال الناس .
قال ابن مُفْلِح في " الفروع " : وَإِنْ سَأَلَ لِرَجُل مُحْتَاجٍ فِي صَدَقَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ، فَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد: لا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَكَلَّمَ لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ لِغَيْرِهِ ؟ التَّعْرِيضُ أَعْجَبُ إلَيَّ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَجَمَاعَةٌ لا ، وَلَكِنْ يَعْرِضُ ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَسْأَلْ ، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ : رُبَّمَا سَأَلَ رَجُلا فَمَنَعَهُ فَيَكُونُ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّهُ قَالَ لِسَائِلٍ : لَيْسَ هَذَا عَلَيْك . وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ . اهـ .

وسؤال الناس مُحرَّم .
قال ابنُ القيمِ : مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوقِ مُحَرَّمَةً فِي الأَصْلِ ، وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ . اهـ.

وربما أهان الإنسان نفسَه بسؤال الناس ، وإن كان يسأل لِغيره .
وذلك لِمَا في سُؤالِ الناسِ " مِنَ الذُّلِّ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَإِرَاقَةِ مَاءِ الْوَجْهِ لِغَيْرِ خَالِقِهِ، وَالتَّعَوُّضِ عَنْ سُؤَالِهِ بِسُؤَالِ الْمَخْلُوقِينَ " كما قال ابنُ القيم .

وربما لا يؤجَر الإنسان على جَمْع هذا المال ، بل لعلها لا تبرأ ذِمَته في بعض الأحيان .
فقد يَكون سؤال بعض الناس بقصد إرادة الخير ، إلاّ أنه لا يلبث أن تتدخّل حظوظ نفسه ، مِن إرادة ثناء الناس ومَدْحِهم ؛ بأن فلانا يَفعل الخير ويَجمع التبرعات .. إلى غير ذلك مِما تتطلّع إليه النفس .
وإمَّا مِن الوقيعة في بعض الناس إذا وَعَدوه ثم لم يُعْطُوه ، فينقلب إحسانه إلى إساءة ، ومُجرّد الوعد لا ينبني عليه شيء ، ولا يَجب فيه شيء ؛ فلو وَعَده إنسان أن يُعطيه شيئا ، ثم لم يُعطِه ، فلا حرج عليه .

فلا تَجوز الوقيعة فيه ، ولا ذمِّه بين الناس ، ولا الكلام فيه .
فيكون مَن يَجْمَع المال لِغيره حينئذ داخلا تحت قول ابن مسعود رضي الله عنه : كَم مِن مُرِيد للخير لن يُصيبه !

وأما براءة الذِّمَـة ؛ فربما جَمَع الإنسان الأموال ، وقد لا يُحافِظ عليها ، وربما اقترض بعضهم منها ، مُتأوّلاً بأن له حُكم القائمين على الزكاة !
وهذا لا يَحِلّ له ، وليس له حُكم القائمين على الزكاة .
أو لعله يَتصرَّف بها باجتهاده بِغير ما جُمِعَت له ، وبِغير الوَجْه الذي أخرجها أصحاب الأموال له .

وحَسْب الإنسان أن يُعرِّض بِوجود الحاجة ، كما قال الإمام أحمد رحمه الله .
ولا يُحرِج نفسه ، ولا يُحرِج غيره ؛ فإن سؤال الناس ذُلٌّ على كل حال .
قال ابنُ القيمِ : سُؤالُ النَّاسِ عيبٌ وَنقصٌ فِي الرَّجُلِ وذِلَّةٌ تنَافِي الْمُرُوءَةَ إلاَّ فِي الْعِلْم . اهـ .

والإلحاح وإحراج الناس مذموم .
قَالَ ابنُ عبدُ البَرِّ: الإِلْحَاحُ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ مَذْمُومٌ ؛ لأَنَّهُ قَدْ مَدَحَ اللَّهُ بِضِدِّهِ ، فَقَالَ (لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا). اهـ .

وأما ما جاء في صحيح مسلم من حديث جرير رضي الله عنه أنه قال : كنا ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم مِن مُضَر بل كلهم مِن مُضَر ، فَتَمَعَّر وَجْه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ثم خرج ، فأمر بلالاً فأذّن وأقام فصلى ، ثم خطب فقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَة ) إلى آخر الآية : ( إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) والآية التي في الحشر (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) تَصَدّق رجل من ديناره من درهمه ، مِن ثوبه ، مِن صاع بُرِّه ، مِن صاع تَمْره ، حتى قال : ولو بِشِقِّ تَمْرة .. الحديث .
فهذا إنما كان مِنه عليه الصلاة والسلام لأنه إمام الناس ، ولا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بعد أن فَتَح الله عليه ، وكثُر المال .
ولم يُؤثَر سؤال الناس عن الصحابة رضي الله عنه ؛ فَدَلّ ذلك على أنه لا يَجوز سؤال الناس ، ولا يسأل إلاّ السلطان أوْ مَن يقوم مقامه ممن يُقدِّر المصلحة إذا لم يُوجد في بيت المال شيئا .
ولم يَستَدلّ العلماء بهذه الواقعة على جواز سؤال الناس في المساجد .
بل كان السلف يَطردون الشحاذين من المساجد .
فقَدْ كَانَ عِكْرِمَةُ إذا رأى السُّؤَّالَ يومَ الجمعةِ سبَّهُم ويَقولُ : كَانَ ابنُ عباسٍ يَسُبُّهُم ويقولُ : لا يَشهدونَ جُمعةً ولا عِيدا إلاَّ للمَسْألةِ والأذى ، وإذا كانتْ رغبةُ النَّاسِ إلى اللهِ كانت رغبتُهُم إلى النَّاسِ .

وجاءَ في تَرجَمةِ ابنِ جريرٍ الطَّبريِّ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ الْمُكْتَفِيَ أَرَادَ أَنْ يُحَبَّسَ وَقفًا تجتمعُ عَلَيْهِ أَقَاويلُ العُلَمَاءِ ، فَأُحْضِرَ لَهُ ابْنُ جَرِيْرٍ، فَأَملَى عَلَيْهِم كِتَابا لِذَلِكَ، فَأُخْرِجتْ لَهُ جَائِزَةٌ، فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِها ، فَقِيْلَ لَهُ : لاَ بُدَّ مِنْ قَضَاءِ حَاجَة .
قَالَ: أسأَلُ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يمْنَعَ السُّؤالَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ؛ فَفَعَل ذَلِكَ .

وسُئلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ السُّؤَالِ فِي الْجَامِعِ: هَلْ هُوَ حَلالٌ؟ أَمْ حَرَامٌ؟ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ وَأَنَّ تَرْكَهُ أَوْجَبُ مِنْ فِعْلِهِ ؟
فَأَجَابَ :
أَصْلُ السُّؤَالِ مُحَرَّمٌ فِي الْمَسْجِدِ وَخَارِجَ الْمَسْجِدِ إلاَّ لِضَرُورَةِ . اهـ .

وكما أسلَفْت : حسْب الإنسان أن يُعرِّض بالحاجة ، ويذكر ما يحتاجه الناس ، سواء في جَمْع التبرعات ، أو في ذِكر ذلك للناس ، دون إلحاح أو إحراج أو أذيّة للناس .

وأمْر أخير : أنه قد يكون من الناس من يُريد التبرّع ويرغب فيه ، ولكنه لا يُريد أن يكون ذلك أمام الناس ، فربما أراد التبرّع عن طريق التحويل المصرفي ، أو يكون التبرّع عن طريقه هو ، إلى غير ذلك .
ومثل ذلك : ما يَقع مِن إحراج مِن تمرير أشخاص أمام المصلِّين يَجمعون التبرّعات .
وربما أتى مَن يَجْمع التبرّعات وألحّ وأحرج غيره بِحَضْرَة الناس .

ومُجرَّد الوعد باالتبرّع لا ينبني عليه شيء .

    جزاكي الله خيراا

    الونشريس
    بارك الله فيكي

    بارك الله فيكي

    جزاكم الله خيرا

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.