سورة التغابن
تفسير الآيات (14- 18):
=======================
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}
.شرح الكلمات:
{إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم}: أيّ من بعض أزواجكم وبعض أولادكم عدوّاً أي يشغلونكم عن طاعة الله أو ينازعونكم في أمر الدين أو الدنيا.
{فاحذروهم}: أي أن تطيعوهم في التخلف عن فعل الخير كترك الهجرة أو الجهاد أو صلاة الجماعة أو التصدق على ذوي الحاجة.
{وان تعفوا}: أي من ثبطكم عن الخير من زوجة وولد.
{وتصفحوا وتغفروا}: أي وتعرضوا عنهم وتغفروا لهم ما عملوه معكم من تأخيركم عن الهجرة أو الإِنفاق في سبيل الله.
{فان الله غفور رحيم}: أي يغفر لمن يغفر ويرحم من يرحم.
{إنَّما أموالكم وأولادكم فتنة}: أي بلاء واختبار لكم فاحذروا أن يصرفوكم عن طاعة الله أو يوقعوكم في معصيته.
{والله عنده أجر عظيم}: أي فآثروا ما عنده تعالى على ما عندكم من مال وولد.
{فاتقوا الله ما استطعتم}: أي ومن يقه الله شح نفسه فيعافيه من البخل والحرص على المال.
{يضاعفه لكم}: أي الدرهم بسبعمائة.
{والله شكور حليم}: أي يُجازى على الطاعة ولا يعاجل بالعقوبة.
.معنى الآيات:
( 14 ) يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، إنَّ مِن أزواجكم وأولادكم أعداء لكم يصدونكم عن سبيل الله، ويثبطونكم عن طاعته، فكونوا منهم على حذر، ولا تطيعوهم، وإن تتجاوزوا عن سيئاتهم وتعرضوا عنها، وتستروها عليهم، فإن الله غفور رحيم، يغفر لكم ذنوبكم؛ لأنه سبحانه عظيم الغفران واسع الرحمة.
( 15 ) ما أموالكم ولا أولادكم إلا بلاء واختبار لكم. والله عنده ثواب عظيم لمن آثر طاعته على طاعة غيره، وأدَّى حق الله في ماله.
( 16 ) فابذلوا- أيها المؤمنون- في تقوى الله جهدكم وطاقتكم، واسمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سماع تدبُّر وتفكر، وأطيعوا أوامره واجتنبوا نواهيه، وأنفقوا مما رزقكم الله يكن خيرًا لكم. ومن سَلِم من البخل ومَنْعِ الفضل من المال، فأولئك هم الظافرون بكل خير، الفائزون بكل مطلب.
( 17 ) إن تنفقوا أموالكم في سبيل الله بإخلاص وطيب نفس، يضاعف الله ثواب ما أنفقتم، ويغفر لكم ذنوبكم. والله شكور لأهل الإنفاق بحسن الجزاء على ما أنفقوا، حليم لا يعجل بالعقوبة على مَن عصاه.
( 18 ) وهو سبحانه العالم بكل ما غاب وما حضر، العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في أقواله وأفعاله.
فى ظلال الآيات:
•وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه في الآية الأولى من هذا السياق وقد سأله عنها رجل فقال: فهؤلاء رجال أسلموا من مكة، فأرادوا أن يأتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم. فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله هذه الآية: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}.. وهكذا رواه الترمذي
بإسناد آخر وقال: حسن صحيح. وهكذا قال عكرمة مولى ابن عباس.
• ولكن النص القرآني أشمل من الحادث الجزئي وأبعد مدى وأطول أمداً. فهذا التحذير من الأزواج والأولاد كالتحذير الذي في الآية التالية من الأموال والأولاد معاً: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}.. والتنبيه إلى أن يكون من الأزواج والأولاد من يكون عدواً.. إن هذا يشير إلى حقيقة عميقة في الحياة البشرية. ويمس وشائج متشابكة دقيقة في التركيب العاطفي وفي ملابسات الحياة سواء.
• فالأزواج والأولاد قد يكونون مشغلة وملهاة عن ذكر الله. كما أنهم قد يكونون دافعاً للتقصير في تبعات الإيمان اتقاء للمتاعب التي تحيط بهم لو قام المؤمن بواجبه فلقي ما يلقاه المجاهد في سبيل الله! والمجاهد في سبيل الله يتعرض لخسارة الكثير، وتضحية الكثير. كما يتعرض هو وأهله للعنت.
•وقد يحتمل العنت في نفسه ولا يحتمله في زوجه وولده. فيبخل ويجبن ليوفر لهم الأمن والقرار أو المتاع والمال! فيكونون عدواً له، لأنهم صدوه عن الخير، وعوقوه عن تحقيق غاية وجوده الإنساني العليا.
• كما أنهم قد يقفون له في الطريق يمنعونه من النهوض بواجبه، اتقاء لما يصيبهم من جرائه، أو لأنهم قد يكونون في طريق غير طريقه، ويعجز هو عن المفاصلة بينه وبينهم والتجرد لله.. وهي كذلك صور من العداوة متفاوتة الدرجات.. وهذه وتلك مما يقع في حياة المؤمن في كل آن.
••ومن ثم اقتضت هذه الحال المعقدة المتشابكة، التحذير من الله، لإثارة اليقظة في قلوب الذين آمنوا، والحذر من تسلل هذه المشاعر، وضغط هذه المؤثرات.
ثم كرر هذا التحذير في صورة أخرى من فتنة الأموال والأولاد.
_________________________________
وكلمة فتنة تحتمل معنيين:
•الأول أن الله يفتنكم بالأموال والأولاد بمعنى يختبركم، فانتبهوا لهذا، وحاذروا وكونوا أبداً يقظين لتنجحوا في الابتلاء، وتخلصوا وتتجردوا لله. كما يفتن الصائغ الذهب بالنار ليخلصه من الشوائب!
•والثاني أن هذه الأموال والأولاد فتنة لكم توقعكم بفتنتها في المخالفة والمعصية، فاحذروا هذه الفتنة لا تجرفكم وتبعدكم عن الله.
وكلا المعنيين قريب من قريب.
وقد روى الإمام أحمد بإسناده
عن عبد الله بن بريدة: سمعت أبي بريدة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما، فوضعهما بين يديه. ثم قال: صدق الله ورسوله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة.
نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما. ورواه أهل السنة من حديث ابن واقد.
____________________________________
•• فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذان ابنا بنته.. وإنه لأمر إذن خطير. وخطر. وإن التحذير والتنبيه فيه لضرورة يقدرها من خلق قلوب النَّاس، وأودعها هذه المشاعر، لتكفكف نفسها عن التمادي والإفراط، وهي تعلم أن هذه الوشائج الحبيبة قد تفعل بها ما يفعل العدو، وتؤدي بها إلى ما تؤدي إليه مكايد الأعداء!
ومن ثم يلوح لها بما عند الله بعد التحذير من فتنة الأموال والأولاد، والعداوة المستسرة في بعض الأبناء والأزواج. فهذه فتنة {والله عنده أجر عظيم}..
ويهتف للذين آمنوا بتقوى الله في حدود الطاقة والاستطاعة، بالسمع والطاعة:
{فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا}..
وفي هذا القيد: {ما استطعتم} يتجلى لطف الله بعباده، وعلمه بمدى طاقتهم في تقواه وطاعته. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-:
«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه».
.من هداية الآيات:
1- بيان أنَّ من بعض الزوجات والأولاد عدواً فعلى المؤمن أن يحذر ذلك ليسلم من شرهم.
2- الترغيب في العفو والصفح والمغفرة على من أساء أو ظلم.
3- التحذير من فتنة المال والولد ووجوب التيقظ حتى لا يهلك المرء بولده وماله.
4- وجوب تقوى الله بفعل الواجبات وترك المنهيات في حدود الطاقة البشرية.
5- الترغيب في الإِنفاق في سبيل الله تعالى والتحذير من الشح فإنه داء خطير.
فائدة:
1_
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني عطاء – هو ابن دينار – عن سعيد بن جبير في قوله : ( اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) قال : لما نزلت الآية اشتد على القوم العمل ، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تخفيفا على المسلمين : (فاتقوا الله ما استطعتم ) فنسخت الآية الأولى .
وروي عن أبي العالية ، وزيد بن أسلم ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والسدي ، ومقاتل بن حيان نحو ذلك .
2_
وفى الآية يأمر تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة.
، فتدل هذه الآيةعلى أن كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنَّه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ".
ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر،
تم تفسير سورة التغابن [ولله الحمد والمنة ونبدأباذن الله فى سورة الطلاق.
جزاكم الله خيراُ على طيب المتابعة وبارك الله في من قرأ ونشر فالدال على الخير كفاعله ورُب حامل فقه الى من هو افقه منه.
المراجع.
ابن كثير تفسير القرآن العظيم .
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء.
في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
السعدى تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله …
الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.