أما في بلاد الفرس وهم الذين قبضوا على ناصية الحكم في كثير من البلاد وسنوا القوانين والأنظمة ، لم يكن وضع المرأة عندهم أحسن مما كانت عليه في بلاد النيل والبلاد الصينية ، يقول الدكتور محمود نجم آبادي في كتاب ( الإسلام وتنظيم الأسرة ) : نلاحظ أن قوانين زرادشت ، كانت جائرة وظالمة بحق المرأة ، فإنها كانت تعاقبها أشد العقوبة إذا صدر عنها أقل خطأ ، او هفوة ، بعكس الرجل فإنها قد أطلقت له جميع الصلاحيات يسرح ، ويمرح ، وليس من رقيب عليه .
فهو له مطلق الحرية لأنه رجل ولكن الحساب والعقاب لايكون إلا على المرأة !
ويقول ايضاً : كان أتباع زرادشت يمقتون النساء ، وحالما كانت تتجمع لدى الرجل براهين على عدم إخلاص الزوجة ، كان لامفر لها من الانتحار . وقد ظل هذا القانون سارياً حتى عهد الاكاديين ، وفي عهد السانيين خفَّف هذا القانون ، بحيث صارت المرأة تُسجن جزاء عدم إخلاصها أول مرة ، حتى إذا كررت عملها ، صار لامفر لها من انتحار ويقول ايضاً : بينما كان يحق للرجل من أتباع زرادشت أن يتزوج من امرأة غير زراد شتية فإنه لم يكن يحق للمرأة أن تتزوج من رجل غير زرادشتي وهذا القانون على المرأة كما أسلفنا فقط ، ناهيك عن الاضطهاد والحرمان وأما الرجل فله الحرية في التصرف على هواه وهو المالك لأنه رجل .
(22)
المرأة في البلاد الصينية
لم تكن المرأة في البلاد الصينية أحسن حالاً من اختها في بلاد الفرس ، ويؤخذ من مادة في موسوعة الدين والأخلاق ، أن المجتمع الصيني على العموم كان الناس يعيشون في فوضوية ، فهم أقرب الى الوحوش منهم الى البشر ، كانوا يعرفون امهاتهم ، ولا يعرفون آباءهم ، وكانوا يتزاوجون بلاحشمة ولاحياء ، حتى قام رجل منهم وكان من الحكماء الأقوياء اسمه ( فوه ـ سي ) ( Fh ـ Hsi ) وذلك سنة ( 2736 ـ 2852 ) قبل الميلاد قام هذا الحكيم ووضع لهم القوانين ، وسنَّ لهم الأنظمة ، ولكن المرأة واحسرتاه … لم تنل من السلطة أو الكرامة أي نصيب ، بل كان نصيبها أن تتلقى الاوامر ، وتنفذها بدون أي اعتراض . فإذا كانت لاتزال بنتاً لم تتزوج ، فواجب عليها إطاعة أبيها ، فإذا تزوجت فالطاعة لزوجها ، وإذا مات عنها زوجها أطاعت ابنها الكبير .
وفي المجتمع الصيني القديم ايضاً صاحب الحضارة العريقة ، أن يسير الأب على ما جرى عليه العرف العام ، فالعادة بالميراث أن البنات لايرثن ، وحصة الابن الأكبر من الميراث تكون هي الكبرى ، وليس للبنت أن تطلب من مال أبيها شيئاً لأن البنت لا ترث لأنها ليست بولد .
المرأة في البلاد المصرية
كانت بلاد النيل مهد الحضارات القديمة ، وكان المجتمع المصري القديم يتميز
(23)
بطابع التمدن والرقي في تلك العصور ، ولكن المرأة المصرية كانت بغاية الاضطهاد والهوان ، وكانت تعامل معاملة ازدراء واحتقار كالخدم ، وهي لا تصلح إلا لتدبير شؤون البيت ، وتربية الأطفال .
كان المصري القديم ، يتزوج في مرحلة مبكرة ، وكان يتزوج من اخته وذلك خشية أن تنتقل أملاك الاسرة الى الأغراب ، وقد عرف المصريون القدماء تعدد الزوجات ، وعرفوا التسري ، وكانت الزوجة تحمل التمائم خلال أشهر الحمل ، لتقي حملها من الأرواح الشريرة ، وكان الرجل المصري يفرح إذا بُشر بالمولود الذكر ، ويكفهر وجهه حزناً إذا علم أن زوجته وضعت أنثى ، ومن الطريف أن المصريين القدماء قاموا بتجارب لمعرفة الجنين قبل ولادته خوفاً من أن يكون أنثى .
ويقول الدكتور ميخائيل ابراهيم : لقد حرص المصري على زوجته أشد الحرص ، فلا تخرج من بيتها أبداً إلا لخدمة الآلهة ، أو الخدمة في القصور ، وكانت على جانب عظيم من الذلة والمهانة .
المرأة في بلاد ما بين النهرين
المرأة السومرية :
وأما في العهد السومري ، فقد كانوا يعاملون المرأة معاملة فظة غليظة ، كما كانت تعامل عند جميع الشعوب في تلك الأزمنة . فما كانت مكانتها أحسن من أخواتها في البلاد المجاورة ، وذلك على الصعيد الاجتماعي ، ومن حيث الحرية والكرامة .
(24)
وأما المرأة عند البابليين فكانوا ينظرون إليها نظرة احتقار فهي لم تخلق إلا لإسعاد الرجل .
المرأة الاشورية :
كان المجتمع الأشوري لا يختلف في شكله العام عن تركيب المجتمع البابلي من حيث عدد الطبقات ، والتشابه في البيوت والأثاث واللباس . وبالنظر الى الاهمية التي تعطى عادة للرجال في مجتمع تسوده الروح العسكرية ، أصبح الرجل الاشوري أكبر قوة وتسلطا في حين انخفض مركز المرأة الاجتماعي ، وفقدت بعض الحقوق التي كانت تتمتع بها في الحضارتين : السومرية والبابلية .
فقد أصبحت المرأة الأشورية تعتبر ملكا للرجل وله الحق في أن يحرمها ما تملك ، ويطلقها متى أراد ، ولا فرق بينها وبين الحيوان الأعجم . الرجل يأمر وهي تتلقى الأوامر ، وتنفذها صاغرة ، وليس لها حق الاعتراض (2) .
المرأة عند اليونان :
اليونان من أرقى الامم القديمة حضارة ، وأزهرها وأكثرها تمدناً في التاريخ في عصرهم البدائي كانت المرأة في غاية من الانحطاط وسوء الحال ، من حيث الأخلاق والحقوق القانونية والسلوك الاجتماعي جميعاً فلم تكن لها في مجتمعهم منزلة ـ أو مقام كريم ، وكانت الأساطير ( Mythology ) اليونانية قد اتخذت امرأة خيالية تسمى ( باندورا ) (Pandora ) ينبوع جميع آلام الانسان (1) حضارات العالم في العصور القديمة ـ والرسطى ـ الطبعة الثانية .
(25)
ومصائبه . لقد كان تأثير الاسطورة اليونانية عن ( باندورا ) في عقولهم وأذهانهم ، فلم تكن المرأة عندهم إلا خلقاً من الدرك الأسفل ، في غاية المهانة والذل ، في كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية وأما منازل العز والكرامة في المجتمع ، فكانت كلها مختصة بالرجل (1) .
فالمرأة الأثينية تقضي معظم وقتها في المنزل ، تغزل وتنسج ، وتخيط ثيابها ، وثياب زوجها ، ونجد انها ضئيلة الحظ من الثقافة ، وان بنات أثينا يلزمن البيت في حين يذهب أبناؤها يومياً الى المدرسة ، حيث يتعلمون القراءة والكتابة والحساب ، ويحفظون شعر هوميروس ويعزفون على القيثارة ويقومون بالتمارين الرياضية ، ولم تكن المرأة اللاتينية ، تجلس الى المائدة ، إذا كان عندهم ضيوف غرباء لأنها بمنزلة العبيد والخدم .
المرأة عند الرومان :
الذين تسنموا ذروة المجد والرقي في العالم لمدة طويلة من الزمن هم الرومان وفي هذه الامة ايضاً ، نرى أن القوانين والأنظمة ، كانت تميل الى الظلم والحرمان والاضطهاد تجاه المرأة .
فالرجل رب الاسرة في مجتمعهم ، له حقوق الملك كاملة ، على أهله وأولاده والقانون الروماني كان قد أعطى الرجل حق التصرف بزوجته على هواه ، حتى بلغ من تعسف الرجل وتسلطه في هذا الشأن ، انه يجوز له حتى قتل زوجته في بعض الأحيان .
ولما تقدم الرومان ، خطوات في سبيل الحضارة، وأخذوا يرتقون سلم (1) كتاب الحجاب ـ ابو الاعلى المودودي .
(26)
المدنية ، خفت القسوة في تلك السلطة ، من قتل وتعذيب وأخذت تميل الكفة إلى الاعتدال شيئاً فشيئاً .
لكن بقي نظام الاسرة القديم ، ثابت على حاله ، بل قيدوا النساء بقيود مثقلة ، مما زادهنَّ ذلة ومهانة .
كان الرومان يتسابقون في ميدان التقدم والرقي ، ولكن احتقارهم لنسائهم يعاملوهنَّ معاملة الخدم والإماء ، وينظرون إليهن نظرة الازدراء مما جعل المرأة تنجرف في تيار الاستهتار ، عندما رأت نفسها ، في مثل هذا الانحطاط والانهيار ، ولأنها لاتصلح إلا لإرضاء الرجل ، وتلبية رغباته ، عندها تفجر بركان من الفحشاء والفجور .
وعن المودودي ( ولما تراخت عرى الاخلاق وصيانة الآداب في المجتمع الروماني الى هذا الحد ، اندفع تيار من العرى والفواحش ، وجموح الشهوات ، فأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبرج الممقوت ، وزُينت البيوت بصور ورسوم كلها دعوة سافرة الى الفجور ، والدعارة والفحشاء .
ومن جراء هذا كله ، راجت مهنة المومسات والداعرات . الى أن يقول : ونالت مسرحية فلورا ( Flora ) حضوة عظيمة ، لدى الروم ، لكونها تحتوي على سباق النساء العاريات .
وكذلك انتشر استحمام النساء والرجال في مكان واحد بمرأى من الناس ومشهد . أما سرد المقالات الخليعة ، والقصص الماجنة العارية ، فكان شغلاً مرضياً مقبولاً ، لا يتحرج منه أحد ، بل الأدب الذي كان يلتقاه الناس بالقبول والرضى ، هو الذي يعبر عنه اليوم بالأدب المكشوف ، وهو الذي تبيَّن فيه أحوال الحب ، والعناق والتقبيل سافرة غير مقنعة ، بحجب من المجاز والكنايات . انتهى (1) . (1) الحجاب ـ ابو الاعلى المودودي .
(27)
أقول : وفي القلب حسرة … لقد أصبحنا في زماننا هذا ، وفساد الأخلاق آخذ بناصية جميع المسالك الحياتية تقريباً ، وفي معظم البلاد العربية والاسلامية وإذا استنكر مستنكر على أمواج الفوضى العارمة ، وتيار الفساد الطاغي على النفوس ـ أو أمر آمر بالمعروف ، او نهى عن المنكر ناهٍ وجد نفسه ، بلا ناصر ولا معين ، بل اتهم بالرجعية والتخلف وكما قيل : وإذا تراءى مصلح ساد الفساد وساد والدين أصبح شاكياً لم يبق بين بنيه
يلفى بلا أعوان أهل الجور في البلدان متداعي الأركان غير الحقد والشنآن (1) المرأة في بلاد الهند بلاد الهند ذات حضارة عريقة راسخة ، تتميز بطابع العلم والتمدن ، والثقافة ، منذ أقدم العصور . ولكننا إذا أمعنا النظر نرى أهل بلاد الهند كبقية الامم والشعوب ، التي كانت في الزمن الغابر تعامل المرأة عندهم ، بمنتهى القساوة ، وينظر اليها نظرة الاحتقار .
تتخذ المرأة مملوكة ، وينزل الرجل منها منزلة المالك ـ او المعبود ، وهي محتوم عليها ، أن تظل مملوكة لأبيها بكراً ، ولبعلها زوجة ، ولأولادها ايِّماً .
ثم بعد هذا الهوان ، والذل ، يقدمونها ضحية على نيران زوجها المتوفي ـ أي إذا مات عنها زوجها ، يحرقونها معه بالنار وهي حية . (1) من قصيدة طويلة في رثاء الحسين عليه السلام ـ للسيد علي فضل الله الحسني .
(28)
لقد كان الهندوك يحرقون موتاهم ويحرقون زوجة الميت معه وهي حية . كانوا يلبسونها أفخر ثيابها وحليِّها ، ويأتون بها وكأنها عروس في ليلة الزفاف ، ثم يلقونها فوق الجثة المحترقة لتأكلها النيران وبقيت هذه العادة البشعة ، يتوارثها الأبناء عن الآباء حتى جاء الاسلام ، بنور تعاليمه ، واستنقذ المرأة من المصير الأسود ، فأبطل هذه العادة البشعة وحرم العمل بها وعاقب عليها .
وكان الهنود يحرمون المرأة من جميع الحقوق الملكية ، ومن الأرث ايضاً وعليها ان ترضى بقوانين الزواج ، المتبعة عندهم ، فهم يسلمونها الى أي رجل من الرجال ، بغير رضاها او استشارتها ، وهي ملزمة ان تخضع له ، فهو المالك ولا يجوز لها ان تتخلص من حيازته الى آخر انفاس حياتها .
وكان الشعب الهندي ، يعتقد ، ان المرأة هي مادة الاثم وعنوان الانحطاط الخلقي ، والروحي ، ولا يسلم لها حتى بوجود الشخصية المستقلة كإنسان كامل .
المرأة في نظر بعض الفلاسفة
لقد عاشت المرأة مضطهدة ، ليس لها مجال في هذه الحياة ، إلا تربية الأطفال ، وإرضاء الرجال ، بل هي مخلوق أحط من الرجل والدليل على هذا قول بعض الفلاسفة وأهل الفكر .
قال : ( بردون ) الفيلسوف الاشتراكي في كتابه ( ابتكار النظام ) إن وجدان المرأة أضعف من وجداننا ، بقدر ضعف عقلها عن عقلنا .
وقال الفيلسوف ( روسُّو ) إن المرأة ، لم تُخلق للعلم ولا للحكمة ولا للتفكير ولا للفن ولا للسياسة ، وإنما خلقت لتكون اماً تغذي أطفالها بلبنها ، وتتعهد
(29)
ضعفهم بحسن عنايتها ، وتسلمهم بعد ذلك للأب ، أو للمربي يعتني بهم على نحو ما توحي به الطبيعة ، وترجع هي للقيام بوظيفة الامومة فتحمل ، وتضع ، وتُرضع ، وتتعهد لتعود ايضاً لتحمل ، وتُرضع وتتعهد من جديد ـ وهي وأطفالها دائماً في عنق الرجل (1) . قالت دائرة المعارف الافرنسية عن المرأة : إن تركيبها الجسماني يقرب من تركيب الطفل ، ولذلك تراها مثله ذات حساسية حادة جداً تتأثر بغاية السهولة ، بالاحساسات المختلفة كالفرح ـ والألم ـ والخوف .
وبما أن هذ المؤثرات ، تؤثر في تصورها ، بدون أن تكون مصحوبة بتعقل ، فلذلك نراها لا تستمر لديها إلا قليلاً ؛ ومن هنا صارت المرأة معرضة لعدم الثبات .
هذه الأمة الفرنسية تلك الدولة المتمدنة ، ظل قانونها المدني ، الى امد قريب ، ينص على ولاية الرجل على المرأة ، ويمنعها حرية التصرف بما لها إلا بإذن زوجها .
وقد نقل عن الكاتبة الفرنسية « أرماندين لوسيل اورو » فإنها لم تتمكن من نشر مؤلفاتها حتى اتخذت لنفسها اسم رجل هو جورج صاند ( 1814 ـ 1876 ) الكاتبة والمؤلفة الفرنسية التي حملت اسم الرجال حتى تجد أعمالها طريقها الى النور ، بعد أن فشلت تماماً في إقناع أصحاب الصحف ودور النشر ، أن المرأة ايضاً تستطيع أن تكتب وأن لها عقل المفكر ـ يفكر ـ ويستوعب مثل الرجل (2) . (1) كتاب تاريخ التربية ـ الاستاذ عبدالله المشنوق .
(2) عن المجلة العربي ـ عدد : 220 ـ صفحة 116 .
(30)
مقارنة وتحليل
لقد ذكرت بايجاز حالة المرأة في القرون الغابرة ، وشرحت شرحاً ضئيلاً للتطورات التاريخية ، التي مرت بها لمدة تتراوح الثلاثة آلاف من السنين . وقد مرت على هذه الأرض امم شتى ، وتعاقبت عليها شعوب كثيرة ، مختلفة الاجناس والأديان ، والألوان ، ذوو قوة وبأس شديد ، وكانت لهم حضارات عظيمة ، من التقدم والرقي .
لقد حاول الإنسان بحدود تفكيره ومعرفته ، ان يخط للمرأة طريقاً تسير على هداه ، وتتبع منهاجه ، ولكن كما أسلفنا الميول والعواطف لها تأثير بالغ على العقل والفكر ، تصرفهما عن الحقائق العادلة .
وهكذا مما جعل المرأة حائرة ضائعة ، لا تدري ما تفعل ، ولاتجد أمامها ، إلا دروباً محاطة بالقيد والظلم والتعسف .
لقد ذكرت سابقاً ماحدثنا به التاريخ ، من أن المرأة كانت على جانب كبير من الاضطهاد والذل والمهانة عند جميع الأمم والشعوب ، وخلاصة القول : انها كانت : عند العرب في الجاهلية سلعة تباع وتشترى ، ليس لها أي اعتراض على حياة الذل .
وعند الفرس : ينظر اليها نظرة كلها احتقار وازدراء . وفي الصين : المرأة شيء تافه بالنسبة للرجل ، تتلقى الأوامر وتنفذها .
مقدرة و محفوظة كرامتها
شكرا غاليتي