تخطى إلى المحتوى

قصة حلم الصغير ، قصص قصيرة للأطفال ، قصص انسانية للأطفال ، حكايات هادفة 2024

حـلم الصـغير

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

أخرَج حافظة نقوده، فبحَث في ثناياها عن عُملة ورقيَّة، بحَث وبحَث، فلم يجد شيئًا، أشبَع طيَّاتها بحثًا وتمحيصًا، لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله، يبدو أنَّها فارغة، تذكَّر أنه وضَع في إحدى الثنايا ورقةً نقديَّة من فئة الخمسمائة، إنَّها وبطاقته الشخصيَّة في ذات الموضع، عمَّ السرور وجهَه حين وجَدها، إنَّه اكتشافٌ يفوق اكتشافَ المبدعين فرحًا وسرورًا، ويدفع شبحَ الحاجة، فكلُّ ما سدَّ حاجةً، فهو محمود، عرَف أنَّها إن خرَجت، ندَّت ندود البعير الهارب، وأضْحَت كأوابد الوحوش، لا يُعرف لها طريق ولا وجهة، ما كان يُفكِّر في المئات من مثلها، ولكنَّها الحاجة، سيف يَخافه الأعزَّاء.

بدَت ورقة النَّقد جديدة يُسمع لها قَرْقعة، صوت عِزٍّ ومَهابة، جعَلت ابنه عبدالرحمن يتَّجه إلى الصوت، ويَرمقها بعينيه، انسلَّ من مكانه واتَّجه إلى أمِّه فلازَمها، اقترَب من أُذنها ووَشْوَش قائلاً: أُمَّاه، لا أُخفيك سرًّا، إنِّي أحلم بورقة كهذه أحملها، أيكون لي ذلك؟

بالتأكيد، سيكون لك ذلك في قابل الأيَّام.

ولِمَ لا يكون الآن؛ فإني أحوج ما أكون لها؟

كنت تهوى الفئات الصغيرة خمسة، عشرة، ما الذي أمال قلبَك للفئات الأكبر؟

ملَّ قلبي من القليل، قلبي يتوق للفئات الأعلى؛ مائة، مائتين، خمسمائة، ألفًا، رؤيتها تُبهج النَّفس، وتسرُّ الخاطر، وَدِدْتُ أن تكون معي يا أمي، أرجوكِ!

وما تفعل بها؟
أُقَرِّبها من خدِّي، ثمَّ أَنقلها إلى أُذني؛ لأَسمع صوتها، أضعها في حافظة نقودي التي لَم يزرها مثل هذه الورقة، ولَم تعرف لها مثيلاً، آه يا أمِّي، متى سيكون لي مثلها ألفين، وأكون من أصحاب المليون؟

إنَّها خُطوة أُولى في الطريق، إنها أوَّل خُطوة في الألف ميل، سأجمع وأجمع، وأُنَمِّي ما أجمع، سيكون لك شأنٌ يا فتى، صبرك يا أمِّي، المال مدارج، ومسالك المُتعة تسير أينما سار، وتوجد معه متلازمة.

تتكلَّم أكبر منك يا صغيري.

أكثر من ذلك، للمال هوامش عِزٍّ ورِيادة، للمال أطيافُ مَهابة، سيكون لي سيَّارة، ورُبما مكاتب وتجارة، ويَصير معي المال عِزًّا وحضارة، صبرك يا أُمَّاه، ستَرين ما يفعل الصغير.

اكتفِ بخمسٍ أو بعشر، تريد خمسمائة يا عبدالرحمن!

إنَّه مبلغٌ كبير.

لَم تَعُد كذلك، قولي لأبي أني أُريدها.

قل له أنتَ، ليس بينك وبينه حاجبٌ ولا سدٌّ.

من فمك أحلى.

أبي لا يرفض لكِ طلبًا.

ولكنَّني أنا أُمك، أرفض هذا الطلب، اطْلُب بالمعقول.

سامَحكِ الله، لَم يكن هذا هو الأمل، خيَّبت رجائي.

انزَوَى عبدالرحمن، وجلَس حزينًا كئيبًا.

توجَّه إليه والده: ما بكِ يا بُني؟
لا شيء يا أبي.

كيف لا شيء ووجهك يُنذر بالعواصف؟
سألتُ أمي شيئًا، لكنَّها رفَضت.

لِمَ يا امرأة؟ وماذا يريد؟
يريد خمسمائة.

دَفعة واحدة، ضربة معلم!

نعم يا أبي، وهل ستُلبِّي لي الطلب؟
بالتأكيد.

حسنًا ادْفَعها لي.

هي لك، ودفَعها إليه، ولكن ستأخذ مكاني اليوم.

لَم أفهمْ يا أبي!

صاحب المال في هذا البيت تُوجَّه إليه الطلبات.

حقٌّ وعدل، ولكن ليس معي إلاَّ هذه الورقة يا أبي.

الوالد: ليس معي شيء.

الأم: اجْلِبْ لنا الخبز يا عبدالرحمن.

عبدالله: أُريد مائة للذهاب إلى الجامعة.

أحمد: أُريد قلمًا ودفترًا يا أخي.

ماجدة: أُريد مائة للتعاون المدرسي.

انهالَت الطلبات طلبًا إثر طلبٍ، كنِبالٍ رُمِيتْ من أقواسٍ عديدة لا تُخطِئ، طلبات بدَّدتْ شَمْلَ ورقته، حتى لَم يبقَ منها شيء، وأفْنَت حُلمه، فشَعَر بألَمٍ في رأسه.

أمي، أمي، رأسي يُؤلِمني، أُريد حبوبًا لوَجَع الرأس، ولِمَ يا بُني؟
الطلبات لا تُحتمل.

جَمَع، وجَمَع، لقد طارَت الورقة، تَحَلَّق إخوانه حوله، وألحُّوا في الطلب: نريد، ونريد.

وماذا تريدون؟ نَتَفوا ريشي قبل أن يظهرَ، انتظروا لحظة: أبي، أبي.

ما بكَ يا بُني؟
دونك الورقة النقديَّة، كاد رأسي ينفجر، وإن بَقِيت معي، شابَ شعر رأسي، لا أحد يأخذ مكان أحدٍ يا أبي، كان الله في عون أرباب الأُسر، فليَهنأ أصحاب المال الوافر، فقليل منه يكفيني، أمي: خمس أو عشر تُرضيني.

    مشكوووووووووووووووووووووووورة

    عآآشت ايدك
    تسلمين

    الونشريس

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.