تخطى إلى المحتوى

الرسول محمد قام بالقسط ودعا إلى العدل 2024

الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم –

قام بالقسط ودعا إلى العدل

العدل بمفهومه الإنساني هو إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقه، وهو خُلق كريم يعني التزامَ الحق والإنصاف في كل أمرٍ من أمور الحياة، والبُعد عن الظلم والبغي والعدوان، وإنَّ نبيَّ الله محمدًا – صلى الله عليه وسلم – قد كان متحلِّيًا بهذا الخلق العظيم، ومُتَّصفًا بهذا الوصف الجليل، ومُتمكِّنًا من هذا النُّبل الكريم، على أعلى وأكبر ما يتصوَّره ويتخيَّله أحدنا في إنسان؛ إذ بُعِث – صلى الله عليه وسلم – بهذا الغرض النبيل؛ ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25].

﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ [الشورى: 15].

فكان العدل من أهمِّ بنود رسالته المُشرقة الهادفة إلى نشْر العدالة الاجتماعية بين الناس؛ يقول ابن القيِّم – رحمه الله -: "فإنَّ الله أرسل رُسله وأنزل كُتبه؛ ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فإذا ظهَرت أمَارات الحق، وقامَت أدلة العقل، وأسفَر صُبحه بأيِّ طريق كان، فثمَّ شرعُ الله ودينه، ورضاه وأمره، والله تعالى لم يَحصُر طُرق العدل وأدلَّته وأَماراته في نوعٍ واحد، وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدلُّ وأظهر، بل بيَّن بما شرَعه من الطرق أنَّ مقصوده إقامة الحق والعدل، وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استُخرِج بها الحق ومعرفة العدل، وجَب الحكم بموجبها ومقتضاها"؛ "إعلام الموقعين، (4/ 373).

وإن القرآن الكريم الذي كان خُلق رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – حافل بآيات تأمر بالعدل مع الناس والإحسان إليهم؛ يقول الربُّ – عز وجل -:﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

ويقول الرب – عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: "يأمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوَّامين بالقسط؛ أي: بالعدل، فلا يَعدلوا عنه يمينًا ولا شمالاً، ولا تأخذهم في الله لومةُ لائمٍ، ولا يَصرفهم عنه صارفٌ، وأن يكونوا متعاونين مُتساعدين مُتعاضدين، مُتناصرين فيه"؛ تفسير ابن كثير، ج (2)، ص (433).

والذي لا يَعدل ولا يَحكم بين الناس بالقسط، فهو في عداد الكافرين والظالمين والفاسقين؛ كما نطَق به القرآن الكريم: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45]، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47].

فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على خُلق عظيم مما جاء به القرآن الكريم من الصفات الكريمة والخِصال الحميدة؛ من العدل، والأمانة، والوفاء، والصدق، والكرم، والعفو، والنُّصح، والتواضع، لا تعدُّ صفة من صفات الخير، إلا وتجد نبيَّنا محمدًا – صلى الله عليه وسلم – قد تبوَّأ القمَّة منها، وحاز قصَب السَّبق فيها.

إنه هو محمد – صلى الله عليه وسلم – نادى بأعلى صوته مُدوِّيًا مُجلجلاً وهو يخطب يوم فتح مكة؛ حيث قال – صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية وتعاظُمها بآبائها، فالناس رجلان: بَرٌّ تقي، كريمٌ على الله، وفاجر شقيٌّ، هيِّنٌ على الله، والناس بنو آدم، وخلَق الله آدم من تراب؛ قال الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]))؛ سنن الترمذي، (3270)، قال الشيخ الألباني: "صحيح".

لقد كان لنا في رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – أُسوة حسنة وقُدوة طيِّبة في عدله مع ربِّه طاعة له وعبادة، وامتثالاً لأمره وانقيادًا، وخضوعًا لحُكمه واستسلامًا، وكذا في عدله مع عباد ربِّه من المسلمين وغير المسلمين، فكان العدل عنده – صلى الله عليه وسلم – أمرًا مطلقًا، لا يتوقَّف عند أصحاب الأديان والأجناس، والعصبيَّات والمصالح المخالفة، ولا غير ذلك من الوشائج الأرضيَّة والعلاقات الدنيوية كائنًا ما كان.

انظر إلى تعامل النبي – صلى الله عليه وسلم – مع غير المسلمين من المشركين بالعدل في قصة يَرويها عبدالرحمن بن أبي بكر – رضي الله عنهما – قال: كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلَّم – ثلاثين ومائة، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((هل مع أحدٍ منكم طعام؟))، فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعُجِن، ثم جاء رجل مشرك مُشعان طويل بغنمٍ يسوقها، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أبيعٌ أم عطيَّة؟))، أو قال: ((أَمْ هِبة؟))، قال: لا بل بيعٌ، فاشترى منه شاة، فصُنِعت، وأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بسواد البطن أن يُشوَى، وايْمُ الله، ما في الثلاثين والمائة إلا قد حزَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – له حُزَّة من سواد بطنها، إن كان شاهدًا أعطاها إيَّاه، وإن كان غائبًا خَبَأ له، فجَعَل منها قَصعتين، فأكلوا أجمعون، وشَبِعنا، ففضَلت القصعتان، فحمَلناه على البعير"؛ صحيح البخاري، رقم (5382).

فهذا رسول الله في جماعة من أصحابه وأنصاره، وهم مائة وثلاثون رجلاً، يُصيبهم الجوع وقد مسَّت الحاجة إلى الطعام، يمرُّ بهم رجل مشرك، فيتعامل النبي – صلى الله عليه وسلم – معه معاملة حسنة، ويشتري منه شاة بثمنها، ولا يُكره الرجل على أن يتنازَل عن الثمن أو يُخفِّف منه، والقوة كانت متوافرة لدى النبي – صلى الله عليه وسلم – والحاجة كانت شديدة، والرجل كان كافرًا، ولكنَّ محمدًا – صلى الله عليه وسلم – كان مطبوعًا على العدل ومجبولاً عليه، ومأمورًا به؛ ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ [الشورى: 15].

وفي المقابل نرى الجيوش الاستعمارية المحتلة لبلاد الإسلام والمسلمين في هذه الأيام، قد حوَّلت البقاع الآمنة إلى أتُّون حرب وشرٍّ، فلا يرعون حُرمة، ولا يَحفظون حقًّا، بل يَعيثون في الأرض فسادًا.

وأعظم من ذلك معاملته – صلى الله عليه وسلم – مع صفوان بن أُمية بالعدل، وذلك بعد فتح مكة، حين توجَّه إلى حُنين وكان صفوان آنذاك مشركًا، واحتاج الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى بعض الدروع للقتال في حُنين، وكان صفوان من تجَّار السلاح في مكة، وكان عنده عدد كبير من السلاح؛ فعن أُناسٍ من آل عبدالله بن صفوان أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يا صفوان، هل عندك من سلاح؟))، قال: عارية أم غصبًا؟ قال: ((لا، بل عارية))، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعًا، وغزا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حُنينًا، فلما هُزِم المشركون، جُمِعت دروع صفوان، ففَقَد منها أَدْراعًا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لصفوان: ((إنَّا قد فقَدنا من أَدراعك أَدراعًا، فهل نَغرَم لك؟))، قال: لا يا رسول الله؛ لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ، قال أبو داود: وكان أعاره قبل أن يُسلم، ثم أسلم"؛ سنن أبو داود، (3565).

تأمَّل أيها القارئ الكريم أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأخذ هذه الدروع من صفوان قهرًا ولا ظلمًا، رغم أنه كان مهزومًا مقهورًا في ذلك الوقت من فتْح مكة على يد محمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه المجاهدين المؤمنين، ومع أنه كان ما يزال على شركه وكفره وعدائه مع الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه؛ طلَب منه هذه الدروع على سبيل الاستعارة، حتى دَهِش صفوان من استعارته للدروع ومحمد – صلى الله عليه وسلم – فاتح منتصرٌ متمكن، فسأله مستفسرًا: عارية أم غصبًا؟ قال: ((لا، بل عارية)).

وهناك قصة أخرى يتجلَّى فيها عدل النبي – صلى الله عليه وسلم – مع غير المسلمين من اليهود، يرويها جابر بن عبدالله – رضي الله عنهما – قال: كان بالمدينة يهودي وكان يُسلفني في تمري إلى الجِداد، وكانت لجابر الأرض التي بطريق رُومة، فجلَست، فخَلاَّ عامًا، فجاءني اليهودي عند الجِداد، ولم أَجِدَّ منها شيئًا، فجعلت أَستنظِره إلى قابلٍ، فيأبى، فأُخبر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال لأصحابه: ((امشُوا نَستنظِر لجابر من اليهودي))، فجاؤوني في نخلي، فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يكلِّم اليهودي، فيقول: أبا القاسم، لا أنظِره، فلمَّا رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – قام فطاف في النخل، ثم جاءه فكلَّمه، فأبى، فقُمت فجُئت بقليل رطبٍ، فوضَعته بين يدي النبي – صلى الله عليه وسلم – فأكل ثم قال: ((أين عريشُك يا جابر؟))، فأخبَرته، فقال: ((افرش لي فيه))، ففرَشته، فدخل فرَقد، ثم استيقظ، فجِئته بقَبضة أخرى، فأكل منها، ثم قام فكلَّم اليهودي، فأبى عليه، فقام في الرِّطاب في النخل الثانية، ثم قال: يا جابر، جِدَّ واقْضِ، فوقف في الجِداد، فجَددتُ منها ما قضَيته، وفضَل منه، فخرَجت حتى جِئت النبي – صلى الله عليه وسلم – فبشَّرته، فقال: أشهد أني رسول الله.

قصة عجيبة يَستدين فيها جابر بن عبدالله، وهو من الصحابة المقرَّبين إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من يهودي، فيأتي موعد قضاء الدين، ولا يَملِك جابر ما يقضي به دَينه، فيطلب منه الإنظار والإمهال لعام، ولكن اليهودي يأبى الإنظار، ويُصِرُّ على أن يأخذ دَينه في موعده، ويتوسط النبي – صلى الله عليه وسلم – بينهما، ويُكثر من الحديث والاستشفاع عند اليهودي، ولكنه يرفض بتاتًا، ويقول: أبا القاسم لا أَنظِره، هنا لم ينظر الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى الحالة التي كان اليهودي يعيشها في المدينة، ولا إلى تاريخ اليهود العدائي مع المسلمين، بل نظر الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى أنَّ الحق مع اليهودي، والأداء واجبٌ، فقام – صلى الله عليه وسلم – بالعدل معه ووفَّاه حقَّه من الدَّين، ولم يَنظر – صلى الله عليه وسلم – إلى ما كان يتمتَّع به هذا الصحابي الجليل من القُربة والصُّحبة، بل نظر إلى قواعد الدين وشرائع الإسلام التي جاء بها من الله تعالى؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].

ثم اقرأ قصة المرأة المخزومية التي سرَقت؛ إذ عرضت أما النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد روَت السيدة عائشة – رضي الله عنها – أنَّ قريشًا أهمَّهم شأن المرأة المخزومية التي سرَقت، فقالوا: مَن يكلِّم فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يَجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكلَّمه أسامة، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أتَشفع في حدٍّ من حدود الله؟!))، ثم قام فاختطَب، ثم قال: ((إنما أهلَك الذين قبلكم: أنَّهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريف ترَكوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، وايْم الله، لو أن فاطمة ابنة محمد سرَقت، لقطَعت يدها))؛ صحيح البخاري، رقم (3475).

هل هناك مثل هذه المواقف في تاريخ أُمة غير أمة الإسلام؟! هل بلغ أيُّ حاكم في بلاد الأرض مثلما بلَغ محمد – صلى الله عليه وسلم – من التجرُّد للحق وإظهار العدل، وتطبيقه على أحسن وجهٍ؟!

وكان من عدل النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه أمر أتْباعه بالتعامل الحسن مع غير المسلمين، ونهاهم عن ضدِّه، فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن قتَل قتيلاً من أهل الذِّمة، لَم يجد ريح الجنة، وإن ريحَها ليُوجَد من مسيرة أربعين عامًا))؛ سنن النسائي، رقم (4749)، قال الشيخ الألباني: صحيح.

ولقد بشَّر الرسول – صلى الله عليه وسلم – العادلين والمُقسطين في هذه الدنيا بالفوز والفلاح يوم القيامة؛ فعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ المقسطين عند الله على منابرَ من نور عن يمين الرحمن – عز وجل – وكلتا يديه يمين، الذين يَعدلون في حُكمهم وأهليهم وما وَلُوا))؛ صحيح مسلم، رقم (4825).

ثم انظر عندما أقام نبي الله محمد – صلى الله عليه وسلم – العدل في اليهود وسوَّى بينهم؛ يقول عبدالله بن عباس: لَما نزَلت هذه الآية: ﴿ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ [المائدة: 42]، ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ﴾ [المائدة: 42]، قال: كان بنو النضير إذا قتلوا من بني قُريظة، أدَّوْا نِصف الدِّيَة، وإذا قتَل بنو قريظة من بني النضير، أدَّوْا إليهم الدِّيَة كاملة، فسوَّى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينهم"؛ سنن أبي داود، رقم (3593).

هذا غَيض من فيضٌ مما وُجِد من صور العدل في حياة محمد – صلى الله عليه وسلم – فإنه قد جاء بالشريعة الغرَّاء التي ترمي إلى تحقيق المصالح وتكميلها؛ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة: إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ويقول: إن الله يُقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يُقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة.

يُروى أنَّ قيصر ملك الروم أرسل رسولاً إلى عمر بن الخطاب؛ ليَنظر أحواله ويشاهد أفعاله، فلمَّا دخل المدينة، سأل أهلها، وقال: أين مَلككم؟ قالوا: ليس لنا ملك، بل لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة، فخرج الرسول في طلبه، فوجَده نائمًا في الشمس على الأرض فوق الرمل الحارِّ، وقد وضع دِرَّته كالوسادة تحت رأسه، والعرَق يسقط منه إلى أن بلَّ الأرض، فلما رآه على هذه الحالة، وقع الخشوع في قلبه وقال: رجل جميع ملوك الأرض لا يقرُّ لهم قَرار من هَيبته، وتكون هذه حالته، ولكنك يا عمر عدَلت فأمِنت، فنِمت، ومَلِكنا يَجور، لا جَرَم أنه لا يزال ساهرًا خائفًا، أشهد أن دينكم لَدين الحق، ولولا أني أتيتُ رسولاً، لأسْلَمت، ولكن سأعود بعد هذا وأُسلم"؛ "التِّبر المسبوك في نصيحة الملوك"؛ للإمام الغزَّالي، (1/ 18).

هذا هو العدل الذي قام به الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه البَررة الراشدون، وبه تُجلَب الخيرات، وتُنزَّل البركات والرحمات، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصَحْبه، وبارَك وسلَّم.

    جزاكي الله خيرا

    بارك الله فيكى

    بارك
    وأعظم من ذلك معاملته – صلى الله عليه وسلم – مع صفوان بن أُمية بالعدل، وذلك بعد فتح مكة، حين توجَّه إلى حُنين وكان صفوان آنذاك مشركًا، واحتاج الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى بعض الدروع للقتال في حُنين، وكان صفوان من تجَّار السلاح في مكة، وكان عنده عدد كبير من السلاح؛ فعن أُناسٍ من آل عبدالله بن صفوان أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يا صفوان، هل عندك من سلاح؟))، قال: عارية أم غصبًا؟ قال: ((لا، بل عارية))، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعًا، وغزا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حُنينًا، فلما هُزِم المشركون، جُمِعت دروع صفوان، ففَقَد منها أَدْراعًا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لصفوان: ((إنَّا قد فقَدنا من أَدراعك أَدراعًا، فهل نَغرَم لك؟))، قال: لا يا رسول الله؛ لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ، قال أبو داود: وكان أعاره قبل أن يُسلم، ثم أسلم"؛ سنن أبو داود، (3565).
    الله فيكي وعجبتني هذه —

    شكرا على المرور الجميل

    الونشريس

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.