الصرع من أقدم اضطرابات الدماغ التي عرفها الإنسان، والإصابة به لا تعني الجنون أو التخلف العقلي حيث لا صلة بين الصرع والمرض العقلي، ولكن قد يعاني المصاب بالصرع من الإحباط والاكتئاب أو القلق نتيجة خوفه من مرض الصرع خاصة إذا كانت استجابته للعلاج غير كاملة. وفي حالات نادرة يمكن للصرع أن يكون مصاحبا باختلال نفسي أو اضطراب في الشخصية، كما يمكن للذاكرة أن تضطرب قليلا بسبب الاستعمال المتواصل للأدوية المضادة للتشنجات، ولكن مريض الصرع إنسان طبيعي ويجب أن يمارس نشاطاته وعمله وهواياته كأي شخص آخر.
إن أصل كلمة الصرع بالإنجليزية مشتق من كلمة إغريقية تعني «حالة الشعور بالهزيمة أو التعرض لهجوم». وكان الاعتقاد السائد لدى الناس أن نوبة الصرع تنشأ عن الجن، وعرف الصرع على أنه مرض مقدس. وتلك هي خلفية الأساطير والخرافات والمخاوف التي أحاطت بالصرع وأثرت على مواقف الناس وجعلت تحقيق الهدف المتمثل في حياة عادية للفرد الذي يعاني من الصرع أكثر صعوبة.
تاريخ الصرع
* ما حقيقة مرض الصرع؟ ومتى تم تشخيصه؟ وما مسبباته؟ وهل هو مرض وراثي؟ وما أنواعه؟ وما مواصفات كل نوع؟ وكيف تطورت نوعيات الأدوية المقدمة لمريض الصرع؟ وهل هي أدوية آمنة أم لها مضاعفات؟
وما دور جراحة المخ في العلاج؟ وما الأنواع التي تستجيب للعلاج الجراحي؟ وكيف يتعايش مريض الصرع مع بقية أفراد المجتمع؟ وكيف يتعايش الآخرون معه؟ وهل يمكن لمريض الصرع أن يتزوج؟ ولمريضة الصرع أن تنجب؟
«صحتك» طرحت هذه الأسئلة وسواها على اثنين من ذوي الاختصاص والخبرة في هذا المجال: أ.د. محمد بن محمد سعيد جان، أستاذ واستشاري طب الأطفال والأعصاب قسم الأطفال، بكلية الطب، في جامعة الملك عبد العزيز، ود. صالح باعيسى، استشاري جراحة المخ والأعصاب – أستاذ مشارك بكلية الطب، في جامعة الملك عبد العزيز، فأوضح أولا البروفسور جان أن الصرع (Epilepsy) ليس مرضا وإنما هو علامة لاختلال عصبي داخلي؛ أي إنه عرض لمرض ويجب أن يتكرر، حتى نصل إلى تشخيص حالة الصرع.
وقد ورد ذكر الصرع قبل أكثر من 2024 عام قبل الميلاد، وهناك إشارات لذلك في النصوص الإغريقية القديمة وفي الإنجيل. ولم تكن هناك دراسات جادة إلا في أواسط القرن التاسع عشر، فقد كان السير تشارلز لوكوك أول من حدد المسكنات التي ساعدت على التحكم بالنوبات في عام 1857. وفي عام 1870 قام جون هغلنغز جاكسون بتحديد الطبقة الخارجية للدماغ، وعرفها بأنها ذلك الجزء المعني بالصرع. وأوضح هانز برجز في عام 1929 أن هناك إمكانية لتسجيل نبضات الدماغ البشري الكهربائية.
نشاط المخ الكهربائي
* وعليه، فإن الصرع حالة مرضية مزمنة ناتجة عن زيادة النشاط الكهربائي لخلايا المخ وينتج عنها اختلال في وعي المريض وتصرفاته لمدة مؤقتة تزول من دون إحداث أي تغيرات دماغية بعد زوالها. وليست كل حالات التشنج هي مرض الصرع؛ حيث إنه من الممكن لهذه التشنجات أن تحدث نتيجة أمراض أخرى مثل انخفاض نسبة السكر في الدم.
النوبات التشنجية
* كيف تصنف النوبات التشنجية؟ صنفت المنظمة العالمية لمكافحة الصرع نوبات الصرع (Seizure Classification) إلى نوبات كلية (Generalized Seizure)، ونوبات جزئية (Seizure Partial).
* النوبات الكلية: وهي النوبات التي يرافقها فقدان الوعي وقد تكون صغيرة، ينتج عنها فقدان الذاكرة حيث تبدأ بنظرة شاردة كالسرحان، وفقدان القدرة على النطق، أو الكلام غير المفهوم وكذلك توقف الجسم عن أي حركة، ثم تليها أحيانا رجفة بالعينين وهزة بالرأس أو حركات عشوائية متكررة مثل البلع أو فرك الوجه أو لمس الأشياء المجاورة ثم يفيق المريض. أما النوبات الكبيرة فينتج عنها فقدان للوعي مصاحب بتصلب في الجسم واحتقان في الوجه يليه هزات متكررة في الجسم كله وقد يصاحبها خروج زبد من فم المريض أو قد يعض المريض على لسانه أو يصاحبه خروج البول أو البراز خلال النوبة، وبعد هذه الهزات يدخل المريض في حالة نوم عميق لمدة زمنية متفاوتة حسب درجة الحالة، وعندما يفيق المريض لا يتذكر شيئا عن النوبة سواء كانت صغيرة أم كبيرة.
* النوبات الجزئية: هي النوبات التي لا يفقد فيها المريض الوعي بل يكون مدركا خلال النوبة وبعدها، ويستطيع المريض أن يصف النوبة كاملة. ويمكن لنوبة الصرع أن تنتهي بنهاية النوبة الجزئية ويمكن أن تتطور إلى نوبة كلية صغيرة أو كبيرة.
أنواع النوبات الجزئية
* تشنجات حركية (Motor Seizure) ، وهي تشنجات عضلية تبدأ بجزء من الإبهام أو جزء من اليد وتظل كذلك أو تتطور لتشمل العضو الكامل وتمتد إلى العضو الذي يجاوره مثل حركة تشنجية بالإبهام ثم تتطور لتشمل اليد ثم الذراع ثم الوجه وهكذا (Jacksonian Seizure).
* تشنجات تحدث في مواقف معينة، ومنها:
– التشنجات المرافقة لارتفاع الحرارة Febrile Seizure، وهي تحدث للأطفال بين عمر 3 أشهر و6 سنوات. وتحدث النوبة بمجرد ارتفاع درجة الحرارة عن المعدل الطبيعي، وعادة تكون نتائج الفحص الطبي وتخطيط المخ طبيعية. وتتوقف هذه التشنجات، عادة، بعد عمر ست سنوات.
– حالة التشنج الوحيدة، حيث تحدث للمريض نوبة تشنجية غير مسببة ولا تتكرر.
– النوبات التشنجية التي تصاحب أمراضا معينة مثل انخفاض نسبة السكر بالدم، وتسمم الحمل، والارتفاع المفاجئ لضغط الدم، وتعاطي الكحول أو المخدرات، ومع بعض الأدوية.
– النوبات التشنجية عند مزاولة نشاط معين مثل القراءة، وسماع الموسيقى، والرياضة.. إلخ. وعادة ما تمثل هذه التشنجات نوعا من أنواع الصرع الجزئي.
مسببات الصرع
* في معظم حالات الصرع لا يوجد سبب محدد لعدم انتظام الموجات الكهربائية الدماغية (Dysrhythmia)، ولكن في بعض الأحيان تكون الأسباب معروفة، وأهمها:
– العامل الوراثي، حيث يعاني أكثر من فرد واحد في العائلة من حالة الصرع.
– مضاعفات الحمل والولادة المتعسرة.
– العيوب الخلقية في المخ.
– الخلل الوراثي في الإنزيمات والكيميائيات الجسمية.
– الجلطة والنزف الدماغي.
– أورام المخ.
– التهاب المخ وأغشية السحايا.
ومن الأسباب المعروفة التي تسبب تشنجات مؤقتة تزول بزوال السبب ولا تعتبر حالة صرع: حالات انخفاض السكر بالدم، ونقص الكالسيوم وأملاح الصوديوم في الدم، وانخفاض الأكسجين في الدم مثل حالات توقف القلب المفاجئ، والفشل الرئوي، وفشل وظائف الكبد، وتعاطي المخدرات وتناول الكحول بكثرة.
أما التشنجات الحسية (Sensory Seizure)، فينتج عنها خدران بأحد الأطراف مثال دبيب النمل على الذراع، إضافة إلى إحساس داخلي بالخوف، وتوقف التفكير، واستعادة ذكريات قديمة، والشعور بالوحشة أو الغربة (Deja vu)، وتخيلات مرئية أو سمعية أو شمية (Hallucination) مثل رؤية ألوان أو أشخاص، وسماع طنين أو أصوات أو شم روائح نفاذة مثل رائحة البنج أو مطاط محروق.. إلخ.
أنواع الصرع
* الصرع الجزئي (Partial Epilepsy)، وهو الذي ينتج عن زيادة الشحنات الكهربائية في جزء معين من المخ. ومن أمثلة ذلك: صرع الفص الأمامي، وصرع الفص الخلفي، وصرع الفص التيمبورالي. ومن الممكن أن ينتج عن إصابة معروفة أو غير معروفة في الدماغ ونادرا ما يكون وراثيا.
* الصرع العام (Generalized Epilepsy)، وهو الذي تبدأ فيه زيادة شحنات الكهرباء في المخ كاملا، ويصحبه فقدان الوعي مباشرة أو حركات لا إرادية في الأطراف من دون أي مؤثر أو إحساس سابق. وهناك أنواع عديدة من هذا الصرع، وتلعب الوراثة دورا مهمّا في معظم أنواعه ونادرا ما يكون نتيجة إصابة مبكرة في المخ أو خلل وراثي في إنزيمات أو كيميائيات الجسم. وتصيب أنواع الصرع المختلفة كل الأعمار.
* الصرع غير المحدد (Unclassified Epilepsy) ، إما لأن المريض يعاني من أعراض الصرع الجزئي والصرع العام معا، أو لأن الأعراض والفحوصات لا تسمح بتحديد نوع الصرع.
التشخيص والعلاج
* يصيب الصرع نحو 1 – 2% من المجتمع، وأغلبية حالات الصرع هي من النوع الحميد الذي يستجيب آليا للعلاج الدوائي. أما في الحالات غير الحميدة، فتختلف الخطورة والإعاقة الناتجة عن مرض الصرع باختلاف مسبباته.
ويعتمد التشخيص على الوصف الدقيق للحالة الذي يقدمه المريض أو أسرته للطبيب المعالج، والكشف الطبي الكامل للدماغ، ويليه إجراء فحوصات معينة منها تخطيط الدماغ الكهربائي والصورة المقطعية أو المغناطيسية للمخ وبعض التحاليل المخبرية.
أما علاج الصرع، فيبدأ بالتشخيص الصحيح، ومعرفة مسببات الصرع، وإعطاء العلاج المناسب، والمتابعة الدقيقة التخصصية.
ويكون هدف العلاج إيقاف النوبات التشنجية تماما، وهذا يحدث بالعلاج السليم مع 60 إلى 70% من المرضى، وفي 50% من مرضى الصرع الذين انقطعت عنهم التشنجات لمدة 3 – 5 سنوات يمكن إيقاف أدوية الصرع كليا. وتخفيف نوبات الصرع في فئة الصرع المستعصي الذي تبلغ نسبته نحو 20% من مرضى الصرع، وهذا النوع يحتاج إلى أكثر من نوع من الأدوية أو العلاج الجراحي بالإضافة للأدوية.
وتشمل أنواع العلاج؛ العلاج الدوائي، والجراحي.
أنواع العلاج
* العلاج الدوائي، وتستخدم فيه:
– العلاجات القديمة المتداولة مثل «كاربامازيبين» (Tegretol)، «فيناتوين دايلنتين» (Dilantin) أو «إبانوتين» (Epanutin)، «فالبرويت» (Depakine – Epilim) لعلاج الصرع الجزئي أو الكلي، كلونازيبام «ريفوتريل» Rivotril علاج للصرع العام والجزئي وفعال جدا في الهزات اللاإرادية، و«ديازيبام» (Valium) علاج مؤقت للصرع ويعطى في حالات التشنجات المستمرة عن طريق الوريد في الإسعاف ويمكن إعطاؤه حقنة شرجية للأطفال أو الكبار عند تكرر التشنجات في البيت أو في المستشفى.
– الأدوية الحديثة مثل: لاموترجين «لاميكتال» Lamictal، غابابنتين «نيورنتين» Neurontin لعلاج الصرع الكلي أو الجزئي وفعال في علاج التشنجات المستعصية، فايغابترين «سابريل» Sabril علاج إضافي في علاج الصرع الجزئي، توبايراميت «توباماكس» Topamax دواء جديد يستخدم اختيارا أول أو علاجا إضافيا لمعظم أنواع التشنجات الصرعية لدى الأطفال والكبار، ليفترا سيتام «آيبرا» Keppra يعد هذا الدواء من أحدث التطورات في علاج مرض الصرع حيث يتميز بأسلوب متميز في العلاج وبفاعلية عالية في معظم أنواع الصرع في الكبار والصغار. ويعتبر من الأدوية الآمنة حيث لا يتفاعل مع أي أدوية أخرى ولا يؤثر سلبيا على أجهزة الجسم. بريقابابين (Lyrica) دواء إضافي في علاج مرض الصرع.
* العلاج الجراحي: أوضح د. صالح باعيسى استشاري جراحة المخ والأعصاب أن هناك حالات معينة في أمراض الصرع يمكن للتدخل الجراحي أن يلعب دورا مهمّا في علاجها مثل: الصرع الناتج عن أورام دماغية، وهذا يحدث في حالات قليلة خاصة إذا ظهرت هذه الأعراض في سن متأخرة، والصرع الناتج عن بؤرة محددة وواضحة على الأشعة المغناطيسية والفحوصات الأخرى.
علاجات أخرى
* العلاج بالتنبيه الكهربائي خارج الدماغVagal Stimulation لبعض المرضى الذين لا يستفيدون من الجرعة الدوائية وليس لهم علاج جراحي وهذا يتم بجهاز خاص لتنبيه العصب الحائر في الرقبة.
* العلاج بالتنبيه الكهربائي داخل الدماغ Deep Brain Stimulation وما زال هذا العلاج تحت التجارب العلمية.
* الحمية الغذائية من طراز Ketogenic Diet وهي تعتمد على زيادة نسبة الدهنيات الترايغليسرايدية (الثلاثية) المتوسطة في الغذاء اليومي بحيث تمثل نحو الثمانين في المائة من السعرات الحرارية اليومية (مثل البطاطا المقلية) ويمكن لهذه الحمية أن تساعد في علاج نوبات الصرع عند بعض المرضى ولكن من الصعوبة الالتزام بهذا النوع من الحمية الغذائية. ومن سلبيات الحمية الغذائية الإسهال ونقص الفيتامينات، لذا، لا بد من استشارة الطبيب المتخصص قبل البدء بالحمية الغذائية.
متابعة ومعايشة
* على جميع المرضى المصابين بمرض الصرع التردد على عيادة الطبيب المعالج بصورة منتظمة حتى في الحالات التي تكون فيها النوبات التشنجية مسيطرا عليها عن طريق الأدوية وذلك حتى يتمكن الطبيب من تقييم الحالة بصورة منتظمة، ففي بعض الأحيان تكون هناك مؤشرات بحدوث نوبات صغيرة يمكن علاجها، وكذلك إجراء بعض الفحوصات المخبرية للتأكد من عدم حدوث مضاعفات من الأدوية.
وفي بعض الأحيان قد تتأثر القدرات العقلية لبعض مرضى الصرع وبالتحديد مستوى الذكاء لديهم، وذلك بسبب عيب أو إصابة بالغة في الدماغ، وهذا يحصل بنسبة بسيطة جدا؛ حيث إن غالبية مرضى الصرع تكون نسبة الذكاء لديهم طبيعية. يتمكن غالبية مرضى الصرع من أداء مهام حياتهم الأسرية والعلمية بصورة طبيعية، ما دامت النوبات التشنجية مسيطرا عليها طبيا.
إرشادات لسلامة مريض الصرع من الأخطار
* عدم قيادة السيارة إلا بعد التأكد من السيطرة على نوبات التشنجات لفترة عام على الأقل.
* الابتعاد عن بعض الوظائف مثل الوظائف العسكرية ووظائف النقل العام التي تتطلب قيادة المركبات بجميع أنواعها.
* تستحب ممارسة الرياضة خصوصا الجماعية منها وفي حالة ممارسة الرياضة الفردية مثل السباحة يجب أن يكون مصحوبا بأشخاص آخرين على دراية تامة بالسباحة وعن حالة المريض حتى يمكن إنقاذه إذا احتاج لذلك.
* على مريض الصرع الاحتراس عند استخدام المواقد والأجهزة الطبية.
* يمكن لمريض الصرع الزواج والإنجاب.
* يمكن لمريضة الصرع الحمل والإنجاب، وقد أثبتت الدراسات الطبية أن فترة الحمل والولادة تكون طبيعية لدى معظم النساء المريضات بالصرع، كما يمكنهن إنجاب أطفال أصحاء، وعلى مريضة الصرع الحامل اتباع نصائح الطبيب المعالج وعدم وقف العلاج خلال فترة الحمل أو الوضع.
إن أصل كلمة الصرع بالإنجليزية مشتق من كلمة إغريقية تعني «حالة الشعور بالهزيمة أو التعرض لهجوم». وكان الاعتقاد السائد لدى الناس أن نوبة الصرع تنشأ عن الجن، وعرف الصرع على أنه مرض مقدس. وتلك هي خلفية الأساطير والخرافات والمخاوف التي أحاطت بالصرع وأثرت على مواقف الناس وجعلت تحقيق الهدف المتمثل في حياة عادية للفرد الذي يعاني من الصرع أكثر صعوبة.
تاريخ الصرع
* ما حقيقة مرض الصرع؟ ومتى تم تشخيصه؟ وما مسبباته؟ وهل هو مرض وراثي؟ وما أنواعه؟ وما مواصفات كل نوع؟ وكيف تطورت نوعيات الأدوية المقدمة لمريض الصرع؟ وهل هي أدوية آمنة أم لها مضاعفات؟
وما دور جراحة المخ في العلاج؟ وما الأنواع التي تستجيب للعلاج الجراحي؟ وكيف يتعايش مريض الصرع مع بقية أفراد المجتمع؟ وكيف يتعايش الآخرون معه؟ وهل يمكن لمريض الصرع أن يتزوج؟ ولمريضة الصرع أن تنجب؟
«صحتك» طرحت هذه الأسئلة وسواها على اثنين من ذوي الاختصاص والخبرة في هذا المجال: أ.د. محمد بن محمد سعيد جان، أستاذ واستشاري طب الأطفال والأعصاب قسم الأطفال، بكلية الطب، في جامعة الملك عبد العزيز، ود. صالح باعيسى، استشاري جراحة المخ والأعصاب – أستاذ مشارك بكلية الطب، في جامعة الملك عبد العزيز، فأوضح أولا البروفسور جان أن الصرع (Epilepsy) ليس مرضا وإنما هو علامة لاختلال عصبي داخلي؛ أي إنه عرض لمرض ويجب أن يتكرر، حتى نصل إلى تشخيص حالة الصرع.
وقد ورد ذكر الصرع قبل أكثر من 2024 عام قبل الميلاد، وهناك إشارات لذلك في النصوص الإغريقية القديمة وفي الإنجيل. ولم تكن هناك دراسات جادة إلا في أواسط القرن التاسع عشر، فقد كان السير تشارلز لوكوك أول من حدد المسكنات التي ساعدت على التحكم بالنوبات في عام 1857. وفي عام 1870 قام جون هغلنغز جاكسون بتحديد الطبقة الخارجية للدماغ، وعرفها بأنها ذلك الجزء المعني بالصرع. وأوضح هانز برجز في عام 1929 أن هناك إمكانية لتسجيل نبضات الدماغ البشري الكهربائية.
نشاط المخ الكهربائي
* وعليه، فإن الصرع حالة مرضية مزمنة ناتجة عن زيادة النشاط الكهربائي لخلايا المخ وينتج عنها اختلال في وعي المريض وتصرفاته لمدة مؤقتة تزول من دون إحداث أي تغيرات دماغية بعد زوالها. وليست كل حالات التشنج هي مرض الصرع؛ حيث إنه من الممكن لهذه التشنجات أن تحدث نتيجة أمراض أخرى مثل انخفاض نسبة السكر في الدم.
النوبات التشنجية
* كيف تصنف النوبات التشنجية؟ صنفت المنظمة العالمية لمكافحة الصرع نوبات الصرع (Seizure Classification) إلى نوبات كلية (Generalized Seizure)، ونوبات جزئية (Seizure Partial).
* النوبات الكلية: وهي النوبات التي يرافقها فقدان الوعي وقد تكون صغيرة، ينتج عنها فقدان الذاكرة حيث تبدأ بنظرة شاردة كالسرحان، وفقدان القدرة على النطق، أو الكلام غير المفهوم وكذلك توقف الجسم عن أي حركة، ثم تليها أحيانا رجفة بالعينين وهزة بالرأس أو حركات عشوائية متكررة مثل البلع أو فرك الوجه أو لمس الأشياء المجاورة ثم يفيق المريض. أما النوبات الكبيرة فينتج عنها فقدان للوعي مصاحب بتصلب في الجسم واحتقان في الوجه يليه هزات متكررة في الجسم كله وقد يصاحبها خروج زبد من فم المريض أو قد يعض المريض على لسانه أو يصاحبه خروج البول أو البراز خلال النوبة، وبعد هذه الهزات يدخل المريض في حالة نوم عميق لمدة زمنية متفاوتة حسب درجة الحالة، وعندما يفيق المريض لا يتذكر شيئا عن النوبة سواء كانت صغيرة أم كبيرة.
* النوبات الجزئية: هي النوبات التي لا يفقد فيها المريض الوعي بل يكون مدركا خلال النوبة وبعدها، ويستطيع المريض أن يصف النوبة كاملة. ويمكن لنوبة الصرع أن تنتهي بنهاية النوبة الجزئية ويمكن أن تتطور إلى نوبة كلية صغيرة أو كبيرة.
أنواع النوبات الجزئية
* تشنجات حركية (Motor Seizure) ، وهي تشنجات عضلية تبدأ بجزء من الإبهام أو جزء من اليد وتظل كذلك أو تتطور لتشمل العضو الكامل وتمتد إلى العضو الذي يجاوره مثل حركة تشنجية بالإبهام ثم تتطور لتشمل اليد ثم الذراع ثم الوجه وهكذا (Jacksonian Seizure).
* تشنجات تحدث في مواقف معينة، ومنها:
– التشنجات المرافقة لارتفاع الحرارة Febrile Seizure، وهي تحدث للأطفال بين عمر 3 أشهر و6 سنوات. وتحدث النوبة بمجرد ارتفاع درجة الحرارة عن المعدل الطبيعي، وعادة تكون نتائج الفحص الطبي وتخطيط المخ طبيعية. وتتوقف هذه التشنجات، عادة، بعد عمر ست سنوات.
– حالة التشنج الوحيدة، حيث تحدث للمريض نوبة تشنجية غير مسببة ولا تتكرر.
– النوبات التشنجية التي تصاحب أمراضا معينة مثل انخفاض نسبة السكر بالدم، وتسمم الحمل، والارتفاع المفاجئ لضغط الدم، وتعاطي الكحول أو المخدرات، ومع بعض الأدوية.
– النوبات التشنجية عند مزاولة نشاط معين مثل القراءة، وسماع الموسيقى، والرياضة.. إلخ. وعادة ما تمثل هذه التشنجات نوعا من أنواع الصرع الجزئي.
مسببات الصرع
* في معظم حالات الصرع لا يوجد سبب محدد لعدم انتظام الموجات الكهربائية الدماغية (Dysrhythmia)، ولكن في بعض الأحيان تكون الأسباب معروفة، وأهمها:
– العامل الوراثي، حيث يعاني أكثر من فرد واحد في العائلة من حالة الصرع.
– مضاعفات الحمل والولادة المتعسرة.
– العيوب الخلقية في المخ.
– الخلل الوراثي في الإنزيمات والكيميائيات الجسمية.
– الجلطة والنزف الدماغي.
– أورام المخ.
– التهاب المخ وأغشية السحايا.
ومن الأسباب المعروفة التي تسبب تشنجات مؤقتة تزول بزوال السبب ولا تعتبر حالة صرع: حالات انخفاض السكر بالدم، ونقص الكالسيوم وأملاح الصوديوم في الدم، وانخفاض الأكسجين في الدم مثل حالات توقف القلب المفاجئ، والفشل الرئوي، وفشل وظائف الكبد، وتعاطي المخدرات وتناول الكحول بكثرة.
أما التشنجات الحسية (Sensory Seizure)، فينتج عنها خدران بأحد الأطراف مثال دبيب النمل على الذراع، إضافة إلى إحساس داخلي بالخوف، وتوقف التفكير، واستعادة ذكريات قديمة، والشعور بالوحشة أو الغربة (Deja vu)، وتخيلات مرئية أو سمعية أو شمية (Hallucination) مثل رؤية ألوان أو أشخاص، وسماع طنين أو أصوات أو شم روائح نفاذة مثل رائحة البنج أو مطاط محروق.. إلخ.
أنواع الصرع
* الصرع الجزئي (Partial Epilepsy)، وهو الذي ينتج عن زيادة الشحنات الكهربائية في جزء معين من المخ. ومن أمثلة ذلك: صرع الفص الأمامي، وصرع الفص الخلفي، وصرع الفص التيمبورالي. ومن الممكن أن ينتج عن إصابة معروفة أو غير معروفة في الدماغ ونادرا ما يكون وراثيا.
* الصرع العام (Generalized Epilepsy)، وهو الذي تبدأ فيه زيادة شحنات الكهرباء في المخ كاملا، ويصحبه فقدان الوعي مباشرة أو حركات لا إرادية في الأطراف من دون أي مؤثر أو إحساس سابق. وهناك أنواع عديدة من هذا الصرع، وتلعب الوراثة دورا مهمّا في معظم أنواعه ونادرا ما يكون نتيجة إصابة مبكرة في المخ أو خلل وراثي في إنزيمات أو كيميائيات الجسم. وتصيب أنواع الصرع المختلفة كل الأعمار.
* الصرع غير المحدد (Unclassified Epilepsy) ، إما لأن المريض يعاني من أعراض الصرع الجزئي والصرع العام معا، أو لأن الأعراض والفحوصات لا تسمح بتحديد نوع الصرع.
التشخيص والعلاج
* يصيب الصرع نحو 1 – 2% من المجتمع، وأغلبية حالات الصرع هي من النوع الحميد الذي يستجيب آليا للعلاج الدوائي. أما في الحالات غير الحميدة، فتختلف الخطورة والإعاقة الناتجة عن مرض الصرع باختلاف مسبباته.
ويعتمد التشخيص على الوصف الدقيق للحالة الذي يقدمه المريض أو أسرته للطبيب المعالج، والكشف الطبي الكامل للدماغ، ويليه إجراء فحوصات معينة منها تخطيط الدماغ الكهربائي والصورة المقطعية أو المغناطيسية للمخ وبعض التحاليل المخبرية.
أما علاج الصرع، فيبدأ بالتشخيص الصحيح، ومعرفة مسببات الصرع، وإعطاء العلاج المناسب، والمتابعة الدقيقة التخصصية.
ويكون هدف العلاج إيقاف النوبات التشنجية تماما، وهذا يحدث بالعلاج السليم مع 60 إلى 70% من المرضى، وفي 50% من مرضى الصرع الذين انقطعت عنهم التشنجات لمدة 3 – 5 سنوات يمكن إيقاف أدوية الصرع كليا. وتخفيف نوبات الصرع في فئة الصرع المستعصي الذي تبلغ نسبته نحو 20% من مرضى الصرع، وهذا النوع يحتاج إلى أكثر من نوع من الأدوية أو العلاج الجراحي بالإضافة للأدوية.
وتشمل أنواع العلاج؛ العلاج الدوائي، والجراحي.
أنواع العلاج
* العلاج الدوائي، وتستخدم فيه:
– العلاجات القديمة المتداولة مثل «كاربامازيبين» (Tegretol)، «فيناتوين دايلنتين» (Dilantin) أو «إبانوتين» (Epanutin)، «فالبرويت» (Depakine – Epilim) لعلاج الصرع الجزئي أو الكلي، كلونازيبام «ريفوتريل» Rivotril علاج للصرع العام والجزئي وفعال جدا في الهزات اللاإرادية، و«ديازيبام» (Valium) علاج مؤقت للصرع ويعطى في حالات التشنجات المستمرة عن طريق الوريد في الإسعاف ويمكن إعطاؤه حقنة شرجية للأطفال أو الكبار عند تكرر التشنجات في البيت أو في المستشفى.
– الأدوية الحديثة مثل: لاموترجين «لاميكتال» Lamictal، غابابنتين «نيورنتين» Neurontin لعلاج الصرع الكلي أو الجزئي وفعال في علاج التشنجات المستعصية، فايغابترين «سابريل» Sabril علاج إضافي في علاج الصرع الجزئي، توبايراميت «توباماكس» Topamax دواء جديد يستخدم اختيارا أول أو علاجا إضافيا لمعظم أنواع التشنجات الصرعية لدى الأطفال والكبار، ليفترا سيتام «آيبرا» Keppra يعد هذا الدواء من أحدث التطورات في علاج مرض الصرع حيث يتميز بأسلوب متميز في العلاج وبفاعلية عالية في معظم أنواع الصرع في الكبار والصغار. ويعتبر من الأدوية الآمنة حيث لا يتفاعل مع أي أدوية أخرى ولا يؤثر سلبيا على أجهزة الجسم. بريقابابين (Lyrica) دواء إضافي في علاج مرض الصرع.
* العلاج الجراحي: أوضح د. صالح باعيسى استشاري جراحة المخ والأعصاب أن هناك حالات معينة في أمراض الصرع يمكن للتدخل الجراحي أن يلعب دورا مهمّا في علاجها مثل: الصرع الناتج عن أورام دماغية، وهذا يحدث في حالات قليلة خاصة إذا ظهرت هذه الأعراض في سن متأخرة، والصرع الناتج عن بؤرة محددة وواضحة على الأشعة المغناطيسية والفحوصات الأخرى.
علاجات أخرى
* العلاج بالتنبيه الكهربائي خارج الدماغVagal Stimulation لبعض المرضى الذين لا يستفيدون من الجرعة الدوائية وليس لهم علاج جراحي وهذا يتم بجهاز خاص لتنبيه العصب الحائر في الرقبة.
* العلاج بالتنبيه الكهربائي داخل الدماغ Deep Brain Stimulation وما زال هذا العلاج تحت التجارب العلمية.
* الحمية الغذائية من طراز Ketogenic Diet وهي تعتمد على زيادة نسبة الدهنيات الترايغليسرايدية (الثلاثية) المتوسطة في الغذاء اليومي بحيث تمثل نحو الثمانين في المائة من السعرات الحرارية اليومية (مثل البطاطا المقلية) ويمكن لهذه الحمية أن تساعد في علاج نوبات الصرع عند بعض المرضى ولكن من الصعوبة الالتزام بهذا النوع من الحمية الغذائية. ومن سلبيات الحمية الغذائية الإسهال ونقص الفيتامينات، لذا، لا بد من استشارة الطبيب المتخصص قبل البدء بالحمية الغذائية.
متابعة ومعايشة
* على جميع المرضى المصابين بمرض الصرع التردد على عيادة الطبيب المعالج بصورة منتظمة حتى في الحالات التي تكون فيها النوبات التشنجية مسيطرا عليها عن طريق الأدوية وذلك حتى يتمكن الطبيب من تقييم الحالة بصورة منتظمة، ففي بعض الأحيان تكون هناك مؤشرات بحدوث نوبات صغيرة يمكن علاجها، وكذلك إجراء بعض الفحوصات المخبرية للتأكد من عدم حدوث مضاعفات من الأدوية.
وفي بعض الأحيان قد تتأثر القدرات العقلية لبعض مرضى الصرع وبالتحديد مستوى الذكاء لديهم، وذلك بسبب عيب أو إصابة بالغة في الدماغ، وهذا يحصل بنسبة بسيطة جدا؛ حيث إن غالبية مرضى الصرع تكون نسبة الذكاء لديهم طبيعية. يتمكن غالبية مرضى الصرع من أداء مهام حياتهم الأسرية والعلمية بصورة طبيعية، ما دامت النوبات التشنجية مسيطرا عليها طبيا.
إرشادات لسلامة مريض الصرع من الأخطار
* عدم قيادة السيارة إلا بعد التأكد من السيطرة على نوبات التشنجات لفترة عام على الأقل.
* الابتعاد عن بعض الوظائف مثل الوظائف العسكرية ووظائف النقل العام التي تتطلب قيادة المركبات بجميع أنواعها.
* تستحب ممارسة الرياضة خصوصا الجماعية منها وفي حالة ممارسة الرياضة الفردية مثل السباحة يجب أن يكون مصحوبا بأشخاص آخرين على دراية تامة بالسباحة وعن حالة المريض حتى يمكن إنقاذه إذا احتاج لذلك.
* على مريض الصرع الاحتراس عند استخدام المواقد والأجهزة الطبية.
* يمكن لمريض الصرع الزواج والإنجاب.
* يمكن لمريضة الصرع الحمل والإنجاب، وقد أثبتت الدراسات الطبية أن فترة الحمل والولادة تكون طبيعية لدى معظم النساء المريضات بالصرع، كما يمكنهن إنجاب أطفال أصحاء، وعلى مريضة الصرع الحامل اتباع نصائح الطبيب المعالج وعدم وقف العلاج خلال فترة الحمل أو الوضع.
مشكووووره
شكرا يا غالية
تسلمى
تسلمى
تسلمى
مشكوووووووووورة