بدأ تأسيس الجالية اليهودية في مصر
و في أوقات الأزمات التي بدأ يتعرض لها اليهود من سكان المملكة الجنوبية، و التي حكمها الملوك من نسل داود، س، مع نهايتها، بدأ سكانها في النزوح لمصر، برغم نهي التوراة الصريح لهم بالعودة لمصر. و برغم تحذير النبي إرميا من النزوح لمصر، كتاب إرميا الفصول 41 و 42 و 43 و 44 . و إن كان هذا النزوح لا يمنع أن تكون هناك جاليات يهودية سابقة على نزوح اليهود في عهد إرميا، ذلك إن العلاقات التجارية كانت قائمة بين مصر و اليهود المقيمين بفلسطين، كما ذكر في التاناخ إستيراد سليمان، س، بواسطة تجاره، لخيول و مركبات مصرية، كتاب الملوك الأول، الفصل العاشر، الآيات 28 و 29.
و كان نزوح اليهود في عهد إرميا النبي، معاصرا لحكم الملك المصري إبريس من ملوك الأسرة السادسة و العشرين الفرعونية. كما أن بعض اليهود عملوا كمرتزقة في جيوش الأسرة السادسة و العشرين الفرعونية، فأقام لهم أحد ملوكها مستعمرة في جزيرة الفنتين – فيلة – في جنوب مصر و سمح لهم بإقامة معبد هناك، و تواجد اليهود في مدينة أسوان، و قد إغلق المعبد في العصر الفارسي بأمر من الملك داريوس توددا للكهنة المصريين للإله خنوم المقيمين بالجزيرة، حيث شكل وجود المعبد اليهودي بالقرب منهم شوكة في أعينهم على حد تعبير أودلف أرمان (عالم المصريات الشهير)، كما إختفت المستعمرة و الوجود اليهودي في بدايات القرن الرابع قبل الميلادي. أما عن اليهود النازحين، الناجين من السبي البابلي، و القادمين في عصر النبي إرميا، فقد إستقروا أولا في مدينة تحفنحيس الواقعة على مشارف دلتا النيل، و منها تفرقوا في أنحاء مصر المختلفة فمنهم من إستقر بمنف و تانيس و منهم من أقام بالدلتا و الصعيد
حكامها في التاناخ ( المعروف في المسيحية بالعهد القديم أو التوراة و المزامير و الأمثال و كتب الأنبياء)، و قد تراوحت العلاقة بين علاقات طيبة إلى عدائية، فنجد على سبيل المثال ذكر لزواج الملك سليمان، س، ثاني ملوك بني إسرائيل، من ابنة فرعون مصر – أي حاكم مصر – كتاب الملوك الأول، الفصل الثالث، الآيتان 1 و 2. مثلما أيضا نجد أيضا تحالفات أقامها بعض الملوك من نسل داود، س، مع حكام مصر، تلك التحالفات التي أدانها أنبياء بني إسرائيل في التاناخ. و على الجانب الأخر نجد أيضا علاقات عدائية أحيانا أخرى كما في النص الذي أمر بنقشه الملك مرينبتاح بن رمسيس الثاني، و الذي يخلد فيه إنتصاره على إسرائيل بقوله: و إسرائيل هزمتها لم يعد لساكنيها من وجود.
وعندما أثار حامية الفنتين عطف أبسمتيك الأول (663-609) على الإغريق إلى حد أنهاهربت إلى بلاد النوبة، مما اضطر أبسميتك إلى تجنيد حامية أخرى من المرتزقةالآسيويين، يحتمل أن هذه الحامية الجديدة كانت تتضمن عدوًا من اليهود. ويحتمل كذلكأن جيش أبسمتيك الثاني (594-589) الذي قاده إلى النوبة كان يضم جنودًا من اليهود.
وقد عثر في الفنتين على مجموعة قيمة من الوثائق الأرامية. وبالرغم من أن أقدم وثيقة أرامية وصلت إلينا ترجع إلى السنة السابعة من حكم دارا الأول (522-486م) فإن إحدى هذه الوثائق تشير إلى أن المعبد الذي أقامته المستعمرةاليهودية في الفنتين يرجع إلى عهد ملوك مصر، أي إلى ما قبل الفتح الفارسي. وإزاءذلك وإزاء ما أسلفناه عن احتمال انخراط اليهود في سلك الجيش المصري على عهد ابسمتيك الأول والثاني لا يبعد أن تاريخ المستعمرة اليهودية في الفنتين يرجع إلى أواخرالقرن السابع أو أوائل القرن السادس قبل الميلاد.
ويستوقف النظر أن يهودالفنتين، وغيرهم من يهود مصر، كانوا لا يعبدون إلهًا واحدًا، إذ تذكر الوثائقالأرامية خمسة آلهة. ولما كان لمعبدهم في الفنتين خمسة مداخل، فإنه يظن أن كل مدخلمنها كان تحت رعاية واحد من هذه الآلهة. ولاشك في أن "يهوه" كان إلههم الأكبر ولافي أن معبدهم في الفنتين كان يسمى "معبد يهوه"، أما الآلهة الأربعة الأخرى فكانتعنات وبتل واشوم وحرم (Anath, Bethel, Ishur, Heren).
ويحدثنا المؤرخ اليهودي يوسف بأن الإسكندر الأكبر عندما فتح مصر أسكنفي منطقة طيبة جنود سانبالات (Sandallat) حاكم ساماريا، وأنزل عددًا من اليهود فيحي خاص بهم في الإسكندرية. لكنه لم يقم بعد دليل على وجود السامريين في طيبة على عهد الإسكندر ولا على أن الإسكندر هو الذي خصص حيًا لليهود في الإسكندرية، بل إن يوسف نفسه يعود في موضع آخر فيعزو إلى خلفاء الإسكندر تخصيص حي لليهود في الإسكندرية. وعندما ضمت فلسطين إلى مصر في بداية عهد البطالمة نزحت أفواج من اليهودإلى مصر من تلقاء نفسها، هذا فضلاً عن أن بطلميوس الأول نقل أفواجًا أخرى منهمليستقروا في مصر. وقد ازداد توافد اليهود على مصر في عهد بطلميوس الثاني الذي وصفبأنه صديق اليهود بسبب ما كلأهم به من الرعاية أكثر من أي ملك آخر من ملوك البطالمة حتى قيل إنه أفتدى أسراهم من ماله الخاص، وأجزل الهدايا القيمة لمعبدهم في بيت المقدس. وقد أنزل بطلميوس الثالث في الأراضي المستصلحة بالقيوم عددًا من اليهود الذي أسرهم في أثناء الحرب السورية الثالثة.
وتشير النقوش والوثائق البرديةوالآثار إلى انتشار اليهود في أنحاء مصر طوال عصر البطالمة، ففي الجبانة اليهوديةبالإبراهيمية في الإسكندرية وجدت مقابر لليهود من عهد البطالمة الأوائل وقد وجدتهياكل لليهود في أثربيس (Athribis= بنها) وماجدولا وسخديا وهرموبوليس بارفا وواديالنطرون وجزنفيريس (Xenephyris) وكروكديلون بوليس وأرسبنوي والكسندرونيسوس (Alexandrou Nesos) بالفيوم، وكذلك في ليونتوبوليس (Leontopolis) وهو الهيكل الذيمنحه بطلميوس الثالث حق حماية اللاجئين إليه ومما يجدر بالذكر أنه كانت توجد فيالفيوم قرية تدعى ساماريا وأنه وجدت نقوش يهودية في معبد بان في أبولونوبوليس (أدفو) بمنطقة طيبة.
وقد كان اليهود يمارسون في مصر مختلف الحرف والمهنكالزراعة وتربية الماشية وإدارة المصارف المالية والتزام الضرائب والجندية وأعمالالحراسة على النيل وقد تولى بعضهم مناصب ذات شأن في خدمة الحكومة، إذ نعرف (من بينهم ضابطًا وقائدًا ورئيسًا للشرطة في أثريبيس وسكرتيرًا للملك (هيبومنيما توجرفوس) وموظفًا كبيراً في الإدارة لعله كان حاكم إقليم هليوبوليس.
وقد لوحظ أنما وصل إلينا من الرسائل المعادلة لليهود التي ترجع إلى العصر الهلينيسي والعصرالروماني لا يتضمن اتهامهم بالاشتغال بالربا.
ومع ذلك فإن تاجرًا إغريقيًا كتب في عام 41 ميلادية إلى صديق له في الإسكندرية كان يعاني ضائقة مالية يوصيه بألا يدخر وسعًا في الوفاء بالتزاماته على أن يبتعد عن اليهود. والواقع أن البرديات الأرامية ترينا أنه قبل عصر البطالمة كان اليهود رجالاً ونساءً يقرضون الأموال بفوائد قد تصل أحيانًا إلى 60% غير أن الوثائق البردية لا تبرر الرأي القائل بأن العمل الرئيسي ليهود مصر كان الاشتغال بالتجارة وإقراض الأموال.
ولقد نزل اليهود بأنحاء مصر المختلفة، إلا أن أكثرهم كانوا يعيشون في الإسكندرية في الحي الرابع من هذه المدينة، وكانت تنقسم إلى خمسة أحياء يحمل كل منها اسم حرف من أولى حروف البجاء الإغريقية. وكان الحي اليهودي في الإسكندرية يحاور الحي الملكي من الناحية الشمالية الشرقية، ويمتد حتى شاطئ البحر، لكن اليهود لم يكونوا مرغمين على السكنى في الحي الرابع، فقد انتشروا فيما بعد حتى شغلوا الجانب الأكبر من حي آخر فضلاً عن انتشارهم في أحياء أخرى من المدينة، إلا أنهم كانوا يفضلون أن يعيشوا متكتلين بالقرب من بعضهم بعضًا، كما يفعلون اليوم في المدن التي ينزلون بها. وكان يوجد بالإسكندرية بطبيعة الحال عدد من الهياكل اليهودية لمثل هذه الجالية الكبيرة. وكان أكبر هذه الهياكل في العصر الروماني من أعظم المباني في الإمبراطورية، ويقال إنه كان كبيرًا إلى حد أن صوت الكاهن الذي يقوم بالمراسم الدينية كان لا يسمع من آخر القاعة فكان يقف شخص في الوسط يحمل عامًا يشير به في اللحظات التي يجب أن يقال فيها "آمن". وقد ورد في الوثائق ذكر هياكل يهودية في الإسكندرية من عهد البطالمة، ومثل ذلك الهيكل الذي بناه شخص يدعى أليبوس (Alypus) ـ وكان دون شك أحد أثرياء اليهود ـ باسم كليوبترا السابعة وبطلميوس "للإله الأكبر السميع".
يتبع
فى عصر البطالمة
ويحدثنا المؤرخ اليهودي يوسف تارة بأن الإسكندر جعل يهودالإسكندرية متساوين في الحقوق المدنية مع المقدونيين، وتارة بأن الإسكندر خصصلليهود حيا معينا في الإسكندرية وساواهم في الحقوق المدنية مع المقدونيين، وبأنهحتى العصر الروماني كان يهود الإسكندرية يدعون مقدونيين، وتارة بأن الإسكندر سمح لليهود بالإقامة في الإسكندرية على قدم المساواة مع الإغريق وأن خلفاءه أيدوا هذا الحق فضلاً عن أنهم خصصوا لليهود حيًا معينا. ويحدثنا يوسف أيضًا استقروا في تلك المدنية منذ البداية.
وقد فسر بعض المحدثين ذلك بأن يهود الإسكندرية كانوايتمتعون بالحقوق المدنية كاملة. ونحن نعتقد أن هذا هو فعلاً ما أراد يوسف إدخاله فيروع الناس تأييدًا ليهود الإسكندرية في كفاحهم المرير مع الرومان من أجل الفوزبحقوق المواطنة حتى لا يدفعوا ضريبة الرأس. ومن البديهي أنه لو كان اليهود يتمتعونفعلاً بحقوق المواطنة في الإسكندرية منذ إنشائها لما حرمهم الرومان تلك الحقوقوفرضوا عليهم ضريبة الرأس، فقد أبقى الرومان على الأوضاع التي وجدوها في البلادعندما فتحوها.
ومن ثم فإن كل القرائن تشير إلى عدم تمتع يهود الإسكندرية بالحقوق المدنية ومرد ذلك إلى المساهمة في الحكومة الإدارة نتيجة للتمتع بالحقوق المدنية كانت تقتضي عبادة آلهة المدينة وهو ما كان اليهود في عصر البطالمة يعتبرونه كفرًا. فقد كان يصاحب الراسم المدنية والحفلات الرياضية تقديم القرابين للآلهة الوثنية والقسم بتلك الآلهة والمشاركة في الأكل مما قدم إليها من قرابين، وكان ذلك لا يتفق ومراعاة الشريعة اليهودية مراعاة دقيقة.
حقًا إننا رأينا أن يهود الفنتينكانوا يعبدون قبل عصر البطالمة آلهة وثنية، لكن يبين أنه بمضي الزمن التزم اليهودحدود ديانتهم بدليل ما سنراه من إصرارهم في عهد فيلوباتور على رفض عبادة ديونيسوسبرغم ما انطوى عليه ذلك من الإضرار بهم ولو أن الإسكندر والبطالمة الأوائل كانوا قدمنحوا يهود الإسكندرية فعلاً الحقوق المدنية لما منهم فيلوباتور بمنحهم حقوقًا مساوية لحقوق مواطني هذه المدينة إذا أقبلوا على عبادة ديونيسوس. وفضلاً عن ذلكفإنه عندما كانت الإسكندرية تعاني قحطًا وأمرت كليوبترا السابعة بتوزيع منح منالقمح على مواطني الإسكندرية لم يكن لليهود نصيب من هذه المنح لأنهم لم يكونوا فيعداد مواطني العاصمة. ويرى "بل" أن خطاب كلاوديوس إلى الإسكندريين يتضمن فقرة تدلدلالة قاطعة على عدم تمتع اليهود بحقوق المواطنة. ونص هذه الفقرة أن يهودالإسكندرية يستفيدون مما في حوزتهم ويستمتعون بثروة عريضة في م دينة ليست مدينتهم. وإزاء كل هذه الاعتبارات يمكننا الجزم بأن اليهود لم يتمتعوا إطلاقًا بحقوق المواطنة في الإسكندرية. ونحن نرى أنه لا يجوز أن تفهم من عبارات يوسف للتوبة أكثرمن السماح ليهود الإسكندرية بالإقامة فيها في حي خاص وتكوين جالية قومية لهم علىنحو ما فعل الإغريق والمقدونيون.
وقد رأينا الدليل على حدببطلميوس الثالث على اليهود وتسامحه معهم إلى حد أنه منح أحد هياكلهم حق حمايةاللاجئين إليه. أما بطلميوس الرابع فإنه نهج سياسة معادية لليهود، فالكتاب الثالثمن تاريخ المكابيين يروي كيف أن هذا الملك زار بيت المقدس، عقب انتصاره في موقعةرفح، وأعرب عن رغبته في دخول قدس الأقداس في معبد اليهود. وقد احتج كبير الكهنةواليهود دون طائل، ولم يحل دون رغبة الملك إلا العناية الإلهية، لأنه خر مريضًابالباب، مما كان سببًا في السياسة العدائية التي اتبعها فيما بعد إزاءاليهود.
ويرى بعض المؤرخين أن هذه القصةمخترعة من أولها إلى أخرها لعدم وجود ما يؤيدها، بينما يرى البعض الآخر أنها مزيجمن الخيال والحقيقة. ويبدو الخيال واضحًا في محاولة صاحب هذه القصة تصوير العنايةالإلهية على نحو تبدو معه كأنها تقف على الدوام بالمرصاد لإنقاذ "الشعب المختار"،لكن الحفل الذي كان يهود مصر يقيمونه في وقت معين لم يكن اختراعًا بل حقيقيًا ولابدمن أن له منشأ تاريخيًا. ونحن نميل إلى الاعتقاد بأن هذه القصة لم تخل من الحقيقة،إذ لا يستبعد على هذا الملك الماجن رغبته في دخول أقدس مكان في الديانة اليهوديةبدافع الرغبة في الاستطلاع، وباعتباره هو نفسه إلهًا يعبد في سائر معابد مصر،ولاسيما ان القرار الذي اتخذه مؤتمر الكهنة المصريين في منف في شهر نفومبر بأنالملك طاف بأماكن أخرى تحت سيطرته ودخل المعابد التي توجد فيها، ولايبعد أن معبدبيت المقدس كان أحد هذه المعابد.
ويعتبر هذا العطف نحو اليهود نقطة هامة لا في تاريخ اليهود فحسب بل فيتاريخ مصر أيضاً، فإنه منذ ذلك الوقت بدأت تظهر الرسائل الإغريقية التي تهاجماليهود والرسائل اليهودية التي تهاجم الإغريق، كل تلك الرسائل التي ملأت تاريخالعصر الهلينيسي بالأكاذيب، وهبطت بمستوى الأمنة في كل أدب القرن الثاني قبلالميلاد. فقد اتهم الإغريق اليهود بأن حضارتهم ليست أصيلة وإنما منقولة عن غيرهم،وأنه لا ترطبهم بالأجناس الأخرى أية مشاعر إنسانية ولذلك يعيشون منطويين علىأنفسهم، وأنهم ملحدون لا يتعرفون بوجود آلهة أخرى غير يهوه. وقد دافع اليهود عنأنفسهم وأسرفوا في دفاعهم إلى حد أنهم زعموا أن حضارتهم أقدم الحضارات، وأنهم همالذين ابتدعوا العلوم والفنون والفلسفة ولقنوها للشعوب الأخرى.
وفي عهد هذا الملك نشطت الرسائل المعادية لليهود والمناصرة لهم، إذ يبدو أن تأييد اليهود لبطلميوس السادس في حياته، ثم لابنه وزوجه بعد مماته، أثار فيرجال بطلميوس الثامن الرغبة في القضاء على كرامة اليهود وأهميتهم، ومن ثم ظهرتحملات لاذعة ضد اليهود الذين قابلوها بالسلاح نفسه. ومهما تكن قيمة هذه الرسائل، فإنها تشير إلى عداء الملك وأعوانه لليهود واستمرار العداء بين الإغريقواليهود.
وقد ساعد على استمرار العداء بين الإغريق واليهود النزاع الذي وقع في عهد الحكم التالي بين كليوبترة الثالثة وابنها بطلميوس التاسع سوتر الثاني. وكانهذا الملك يميل إلى شد أرز أنطيوخوس التاسع ضد أخيه أنطيوخوس الثامن واليهود، علىحين أن كليوبترا الثالثة كانت تود مناصرة الجانب الآخر لكراهيتها لأنطيوخوس التاسعفضلاً عن رغبتها في مساعدة يهود فلطسين، ليسهل عليها التدخل في شئون سوريا، ولكي تضمن ولاء يهود مصر في النزاع الداخلي. ولذلك فإن كليوبترا الثالثة أقتفت أثر أبيها فيلومتور وأمها كليوبترا الثانية، واتبعت سياسة مشبعة بالعطف نحو اليهود.
وليس في المصادر ما يشير إلى أن اليهود لقوا أي اضطهاد في عهد البطالمة الذين تبوأوا عرش مصر بعد ذلك، لكنه يبدو أن العداء بين الإغريق واليهوداستمر قائمًا حتى نهاية أسرة البطالمة. غير أن هذا العداء، الذي كان منشؤه سياسيًاقبل كل شيء، لم يتخذ شكلاً عنيفًا ويتعد المشادات الكلامية إلا في العصرالروماني.
ويمكننا أن تستخلص مما مر بنا أن سياسة البطالمة الدينية بوجه عامإزاء اليهود كانت تقوم على أساس التسامح الديني، الذي قامت عليه سياستهم الدينيةإزاء المصريين والإغريق. وليس أدل على ذلك من كثرة عددهم في مصر، حتى أن عدد يهودمصر بلغ في العصر المسيحي نحوًا من مليون، في وقت كان كل سكان مصر يبلغون فيهنحوًا من سبعة ملايين ونصف مليون نفس. وذلك بالرغم من الاضطهادات العنيفة الدمويةالتي شهدها يهود مصر وذهب الكثير منهم ضحيتها في العصر الروماني، منذ عهد كاليجولا (37-41) حتى هادريانوس (118-138).
ويمكننا أن تسخلص مما مر بنا أن سياسةالبطالمة الدينية بوجه عام إزاء اليهود كانت تقوم على أساس التسامح الديني، الذيقامت عليه سياستهم الدينية إزاء المصريين والإغريق. وليس أدل على ذلك من كثرة عددهمفي مصر، حتى أن عدد يهود مصر بلغ في العصر المسيحي نحوًا من مليون، في وقت كان كلسكان مصر يبلغون فيه نحوًا من سبعة ملايين ونصف مليون نفس. وذلك بالرغم منالاضطهادات العنيفة الدموية التي شهدها يهود مصر وذهب الكثير منهم ضحيتها في العصرالروماني، منذ عهد كاليجولا (37-41) حتى عهد هادريانوس (118-138).
ويبدو أن سياسة البطالمة بوجه عام كانت مشبعة بالعطف على اليهود، لأن فلسطين كانت واقعة بينشقي الرحي، أو بعبارة أخرى كانت ميدان الحروب بين البطالمة والسلوقيين، الذين كانوا ينافسونهم في الاستيلاء عليها. وبطبيعة الحال كان عطف البطالمة على يهود مصر يكسبهم تأييد يهود فلسطين، ويساعدهم على تحقيق أهدافهم في سوريا .
يتـــــــــبع
و قد ظل المصريين في بعض مناطق مصر الوسطى، يتذكرون أحداث تلك الثورة بالرغم مرور مائة عام على إشتعالها، و ظل المصريين في تلك المناطق يذكرون الرومان بصدقاتهم عندما حاربوا معهم جنبا إلى جنب ضد اليهود، و ظلت ذكرى إخماد تلك الثورة إحتفالا للمصريين بالرغم من مرور مائة عام على حدوثها، فقد كانت ثورة مدمرة دمرت فيها طرق و أحرقت فيها بيوت و خربت فيها ممتلكات. كانت نتيجة ثورات اليهود، أن قلص الرومان إمتيازتهم، ففي عام 70 للميلاد، و بالرغم من عدم اشتراك يهود مصر في الثورة التي حدثت في فلسطين، فإن السلطات الرومانية أغلقت معبد اليهود بمنف، كما ألزم اليهود بدفع ضريبة قيمتها درخمتان عن كل ذكر بالغ، و التي كانوا يقدمونها من قبل للمعبد الرئيسي ببيت المقدس، و ذلك لبناء معبد للإله الروماني جوبيتر الذي أحرق اليهود معبده في ثورتهم تلك ببيت المقدس. و قد إستمر الرومان في جباية تلك الضريبة حتى بعد إنتهاء بناء المعبد و ذلك حتى القرن الثاني للميلاد. على إن الرومان لم يحاولوا رغم ذلك أن يرغموا اليهود بمصر على التحول عن عاداتهم، فأبقي لهم حق العيش حسب معتقداتهم و عادتهم، و سمح لهم بختان مواليدهم، و هو الأمر الذي حرم منه المصريين فيما عدا الذين يسلكون سلك الكهنوت
أما عن أعداد اليهود في ذلك العصر، فيلاحظ ضخامتها بالمقارنة بالعصور التالية مع إنتشار المسيحية و الإسلام، حيث وصل عدد اليهود في دول حوض البحر المتوسط في العصر الروماني إلى ما لا يقل عن عشرة بالمائة من السكان. و ذكر العهد الجديد الكثير من تلك التجمعات، و أورد فيلون السكندري اليهودي أن تعداد يهود الأسكندرية في حياته كان مليونانسمة و كان الحي اليهودي هو أحد الأحياء الخمسة بالمدينة. على إنه يجب الأخذ في الإعتبار بأن اليهود في العصرين البطلمي و الروماني عرف عنهم نشاطهم التبشيري المحموم، و الذي أشار إليه الإنجيل، بما يعني أن هناك فارق بين اليهودي في العصرين الإغريقي و الروماني و ما سيليهما من عصور، و بين بني إسرائيل الأصليين .
المؤلف : محمد أبو الغار
دار الهلال – مصر
وإمعاناً في إظهار مكونات يهود مصر يصور الكتاب الحياة الاجتماعية لهذه الأقلية المتغلغلة في النسيج الاجتماعي عبر المدارس والمستشفيات والمعابد والمتاجر الكبرى ووظائف الدولة المرموقة، معرجاً على التطور الهائل الذي حدث في الشخصية اليهودية المصرية وكيف أدى التطور في القضية الفلسطينية إلى إحداث شرخ في علاقة يهود مصر بباقي المصريين.
كما ناه يركز على حقيقة أن يهود مصر كانوا وجهاء ومثقفين وأغنياء خلافاً للشعب المصري الفقير آنذاك الأمر الذي فاقم من عزلتهم في كانتونات وأحياء خاصة كما هو حالهم دائماً.
حال اليهود المصريين من مذاهب وأصول عرقية إنهم مختلفون ومتفرقون ما بين سكان حارة اليهود في القاهرة ويهود الإسكندرية وما بين السفارديم والاشكناز وطائفتي اليهود القرائين واليهود الربانيين اللتين اختصت بهما مصر دون غيرها من الدول العربية باعتبارهما أكثر الطوائف اليهودية قرباً من المصريين لغة وواقعاً اجتماعياً.
وبكثير من التفصيل أيضا يجيب الكاتب عن سؤال الجنسية المصرية واليهود في مصر باعتبارهم مصريين أولاً وأخيراً
تلك المرحلة التاريخية التي جمعت وجودهم على أرض مصر وصعود "مصر الفتاة" و" الإخوان المسلمين " وكنوع من التاريخ يقسم الكاتب تاريخ يهود مصر إلى فترتين: الأولى قبل الخمسينيات والثانية من عام 1957 إلى نهاية الستينيات حيث انتهى الوجود اليهودي في مصر تماماً
أهم الشخصيات اليهودية التي لعبت دورا مهما في تاريخ مصر من أبي حصيرة و "موسي قطاوي" باشا و"يعقوب صنوع" و"فكتور نحمياس" كرموز اقتصادية وسياسية مروراً برموز الفن كـ"ليلى مراد" و"توجو مزراحي" وانتهاء بعشرات العائلات المصرية اليهودية الشهيرة مثل: "شملا"، و"حاييم" و"نجار" و"سموحة" وغيرها…
إن يهود مصر لعبوا أدواراً معلنة وأخرى مستترة في السياسة المصرية منذ القرن التاسع عشر ومن ضمن الأدوار المعلنة تأييد ثورة عرابي ومن ثم ثورة سعد زغلول، والمثير أن اليهود كانوا على علاقة بالحكم في مصر منذ عهد محمد علي حتى الملك فاروق وحتى بعد ذلك بكثير.
أما الصحافة اليهودية فقد كان لها صولات وجولات في مصر حيث أنشأ اليهود خلال ستة عقود أكثر من 50 صحيفة بلغات متعددة خاصة الفرنسية منها حيث كانت لغة التخاطب والدراسة لأغنياء يهود مصر.
ومن هذه الصحف صحيفة " إسرائيل" التي صدرت عام 1920 بثلاث لغات: العربية والعبرية والفرنسية لصاحبها اليهودي المصري ألبرت موصيري.
والأكثر غرابة من إنشاء صحف يهودية في مصر في وقت مبكر هو تعاطف صحف مصرية غير يهودية مع "الصهيونية" ومع اليهود آنذاك.
هو الذي يحدث عن يهود مصر ودورهم ومواقفهم داخل الكيان المصطنع والدولة العبرية وصولاً إلى حقيقة تاريخية تقول إن أكثر اليهود عداءً للعرب هم اليهود العرب!
تعددت الاسباب والنتيجة واحدة وهو خروج اليهود من مصر ولكن يظل السؤال معلقا الى الان: هل خسرت مصر بخروج اليهود، وكسبت اسرائيل؟
قبل ان نصل لمرحلة الثورة كان لابد من الرجوع الى حقيقة وضع اليهود في مصر قبل قيام ثورة يوليو 1952 وبداية هجرة اليهود الى مصر بتشجيع من محمد علي. وقد تمتع اليهود الذين زادت هجرتهم الى مصر في عهد الخديوي اسماعيل بكل الامتيازات الاجنبية، وحسب تعداد السكان لعام 1917 فقد بلغ عدد افراد الجالية اليهودية في مصر 59.581 نسخة، وكان التطور الاقتصادي في مصر هو عامل الجذب الاساسي لقدومهم واستيطانهم فيها.
كان البنك العقاري المصري والذي تأسس عام 1880 اول بنوك مصر واسسته ثلاث عائلات يهودية سوارس ـ رولو ـ قطاوي. كان رأسمال البنك عند تأسيسه 40 مليون فرنك فرنسي، وصل الى 8 ملايين جنيه عام 1942 وقد لعب هذا البنك دورا خطيرا في الاقتصاد الزراعي المصري فنتيجة القروض التي منحها للملاك الزراعيين اصبح يتحكم في اكثر من مليون فدان مصري.
وفي عام 1898 تم انشاء البنك الاهلي المصري والذي لعب دورا هاما في تاريخ مصر الاقتصادي، كان رأسماله 3 ملايين جنيه استرليني، وقد تحول الى بنك مركزي عام 1951، وكان «روفائيل سوارس» هو صاحب امتياز التأسيس يشاركه «ميشيل سلفاجو» و«ارنست كاسل».
كذلك البنك التجاري المصري والذي عرف وقت تأسيسه عام 1905 باسم بنك التسليف الفرنسي ثم تحول الى شركة مساهمة مصرية باسم البنك التجاري المصري عام 1920 وكان رأسماله مليون و200 الف جنيه استرليني.
هذه البنوك الثلاثة كانت اشهر البنوك التي سيطر عليها يهود، وكان هناك بنوك اخرى صغيرة ساهمت في تشكيل الحياة الاقتصادية في مصر.
كما اشتهر اليهود في تجارة الاقمشة والملابس والاثاث حتى ان شارع الحمزاوي والذي كان مركزاً لتجارة الجملة كان به عدد كبير من التجار اليهود، كذلك جاءت شركات مثل شركة شملا: وهي محلات شهيرة اسسها «كليمان شملا» كفرع لمحلات شملا باريس، وقد تحولت الى شركة مساهمة عام 1946 برأسمال 400.000 جنيه مصري.
شيكوريل: اسستها عائلة شيكوريل عام 1887 ورأس مجلس ادارتها «مورنيو شيكوريل» عميد العائلة، وكان رأسمال الشركة 500.000جنيه، وعمل بها 485 موظفاً اجنبياً و142 موظفاً مصرياً.
بونتر يمولي: اشهر شركات الديكور والاثاث، اسسها هارون وفيكتور كوهين.
جاتينيو: سلسلة محلات اسسها موريس جاتينيو الذي احتكر تجارة الفحم ومستلزمات السكك الحديدية وقد كان لموريس جاتينيو دور في دعم الحركة الصهيونية ومساعدة المهاجرين اليهود.
وكانت عائلة «عدس» من العائلات اليهودية الشهيرة في عالم الاقتصاد واسست مجموعة شركات مثل بنزايون ـ عدس ـ ريفولي ـ هانو ـ عمر افندي.
كما احتكر اليهود صناعات اخرى مثل صناعة السكر ومضارب الارز التي اسسها سلفاتور سلامة عام 1947 برأسمال 128.000 جنيه مصري، وكانت تنتج 250 طن ارز يوميا، وشركة الملح والصودا التي اسستها عائلة قطاوي عام 1906.
كذلك وصلت سيطرة اليهود الى قطاع الفناق فقد ساهمت موصيري في تأسيس شركة فنادق مصر الكبرى برأسمال 145.000 جنيه وضمت فنادق كونتيننتال ـ ميناهاوس ـ سافوي ـ سان ستيفانو.
نشط اليهود ايضا في امتلاك الاراضي الزراعية وتأسست شركات مساهمة من عائلات احتكرت بعض الزراعات مثل شركة وادي كوم امبو التي تأسست عام 1904 بامتياز مدته 99 عاماً، ورأسمال 300.000 جنيه مصري وامتلكت 30.000 فدان في كوم امبو غير 21.000 فدان وشقت 91كم من المصارف والترع و48 كم من السكك الحديدية.
كذلك شركة مساهمة البحيرة التي تأسست في يونيو 1881 برأسمال 750.000 جنيه مصري وامتلكت 120.000 فدان.
وعلى هذا الاساس استطاع اليهود في مصر تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة بلغت اقصاها في الفترة من 1940 وحتى 1946 في الوقت الذي كان الاقتصاد العالمي يعاني ركودا نتيجة ظروف الحرب العالمية الثانية واستطاع يهود مصر ان يصبحوا اغنى طائفة يهودية في الشرق الاوسط، ولم يتأثروا بالغاء الامتيازات الاجنبية عام 1937 أو انخفاض معدلات الهجرة الى مصر، أو حتى صدور قانون الشركات رقم 138 والذي صدر في يوليو 1947 لتنظيم الشركات المساهمة.
يتبع
وفي أوائل الثلاثينات هاجرت مجموعة من يهود سالونيكي والنمسا والمجر وبولندا إلى مصر هربا من صعود النازية في ألمانيا.الهجرة إلى فلسطين عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، قامت السلطات العثمانية في فلسطين بترحيل نحو خمسة آلاف يهودي إلى مصر
وحسبما يورد الكتاب فان سوارس رئيس الجالية اليهودية في الإسكندرية قام بالضغط على
القنصليات الأجنبية في الإسكندرية لتلعب دورا في حماية ومساعدة اليهود، وقد أنشأت الجالية مدارس لأطفالهم وكان عدد التلاميذ يتعدى الالف، وكانت لغة التدريس هي العبرية وظلت هذه المدارس مفتوحة لمدة 3 سنوات حتى عام 1918 حين عاد اليهود إلى القدس مرة أخرى وساهم في توفير الأموال اللازمة للمهاجرين يهود القاهرة وإنجلترا وأميركا.
وكان اليهود المصريون يعاملونهم بكثير من
الحذر والقلق لانهم لاحظوا انهم مختلفون، بينما كان اليهود المهاجرون يعتقدون أن اليهود المصريين كسالى ومحافظون للغاية.ويشير أبو الغار الى ان اليهود لعبوا دورا مهما في مصر الحديثة
التي يمكن أن يعد قدوم الحملة الفرنسية نقطة بداية لها، وكانت دعوة نابليون اليهود إلى الوقوف في صفه ومساعدته وما أبداه من تعاطف مع فكرة إعطاء وطن قومي لليهود هي أول بادرة في هذا الاتجاه من قوة أوروبية كبرى.
واثناء حكم محمد علي حدث انفتاح كبير في مصر على الأوروبيين والأرمن ومختلف الجنسيات الأجنبية.وقد بدأ اليهود حينئذ يحتلون وضعا متميزا، ووصل عددهم لما يقرب من تسعة الاف يهودي في عهده. وبدأت الجالية اليهودية تتبوأ مناصب مهمة، وكان أهمهم يعقوب مؤسس عائلة قطاوي الشهيرة، وقد تولى منصب رئيس الصرافيين وجامعي الضرائب وعدة مناصب توازي منصب وزير الخزانة الآن، وفي تعداد عام 1927 أصبح عدد اليهود 55063 ثم اصبح 64165 عام 1947 وهو اخر تعداد قبل هجرة اليهود النهائية من مصر خلال العقد التالي، وهناك من يقدرهم بنحو 75 الفا حيث ان الكثيرين منهم لم يسجلوا انفسهم في التعداد.وقد لعب اليهود دورا كبيرا ـ حسب الكتاب ـ في الاقتصاد المصري فمنهم شيكوريل الذي أسس متاجر شيكوريل وريكو وساهم في تأسيس بنك مصر.
وكان شيكوريل الأب رئيسا للغرفة التجارية المصرية وقاضيا في المحكمة المختلطة وانشأ سوارس بنكا، وسمي احد ميادين القاهرة المهمة باسمه، لكن تغير الاسم عام 1922 إلى ميدان مصطفى كامل. وهناك موسى قطاوي الذي أسس خط سكة حديد أسوان وشرق الدلتا وشركة ترام وسط الدلتا. وهناك أيضاً عائلة منشه ـ من اصل نمساوي ـ وعاشت في الإسكندرية وحضر عميدها إلى مصر أثناء افتتاح قناة السويس وبدأ حياته صرافا ثم اشترك في مشروعات كثيرة. مشروع استيلاء على وطن
* تذكر كتب التاريخ ان هناك ثلاثة مشروعات للاستيطان اليهودي أثنان منها في مصر احدهما في منطقة شرم الشيخ، وآخر في العريش، اما الثالث فكان في فلسطين. وقد فشل مشروع شرم الشيخ الذي بدأ نهاية القرن الـ 19 بسبب المعارضة العثمانية، وهجوم زعماء البدو، ثم كان مشروع العريش الذي يذكر أبو الغار أنه وافقت عليه بريطانيا، كما يذكر المؤلف.. وقد وصلت البعثة الصهيونية إلى مصرعام 1903 لعمل ترتيبات لاستيطان منطقة العريش وهجرة ملايين اليهود اليها، مع عمل الترتيبات اللازمة لفتح مياه النيل إلى المنطقة.
لكن المشروع تأجل بسبب معارضة قوية من اللورد كرومر بالرغم من موافقة الحكومة البريطانية، فقد كان يرفض أن يتدخل أحد في مشروعاته الزراعية في مصر التي تعتمد على النهر.ويذكر الكتاب إلى ان أول جمعية صهيونية في مصر تكونت عام 1897 وسرعان ما تكونت 14 جمعية في القاهرة والإسكندرية واتحدت عام 1917 وكونت الاتحاد الصهيوني وكان رئيسه جاك موصيري واصدروا مجلة «إسرائيل» بالفرنسية، ونظموا احتفالا كبيرا بمناسبة إصدار وعد بلفور، حضره 8 آلاف يهودي، كما ارسل موصيري برقية شكر إلى رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج. ومعروف ان 4 الاف يهودي فقط غادروا مصر إلى فلسطين في الفترة من 1917 ـ إلى 1947 ومعظمهم لم يكونوا مصريين أصلا بل مغاربة ويمنيين واشكيناز ويرجع البعض ذلك إلى الحالة المادية الممتازة لليهود المصريين والأمن الذي كان يتمتعون به.
وقد ازدادت هجرة اليهود من مصر بعد فضيحة لافون عام 1955، تلك العملية التي حاول فيها الموساد الاسرائيلي افساد العلاقة بين مصر والدول الاجنبيةعن طريق اظهار عجز السلطة عن حماية المنشآت والمصالح الاجنبية. وقتها كان عدد اليهود في مصر 145 الف يهودي جرى تهريبهم بأموالهم عن طريق شبكة «جوشين» السريةالتي كانت تتولى تهريب اليهود المصريين الى فرنسا ـ ايطاليا ـ ثم الى اسرائيل.
وقد تضاربت الآراء حول مسألة خروج اليهود من مصر، البعض اكد ان عبدالناصر طردهم، واخرون قالوا انهم خرجوا من تلقاء انفسهم
يقول الدكتور محمد ابو الغار
لماذا خرج اليهود من مصر؟ يقول أبو الغار ان ما حدث للفلسطينيين في الأربعينات غير مسار الشارع من تيار مصري وطني إلى تيار عربي قومي، ولو كان اليهود المصريون يريدون فعلا ان ينصهروا في بوتقة الشعب المصري لأعلنوا بوضوح ان ما يحدث في فلسطين عمل غير إنساني، وانهم يتفقون مع الشعب المصري في تأييده للفلسطينيين، لكن ذلك لم يحدث، بل بالعكس عندما قويت شوكة الدولة اليهودية حتى قبل إعلانها تحول بعض اليهود المصريين إلى الصهيونية وبدأت هجرة البعض إلى إسرائيل
وعندما قامت ثورة يوليو 1952 كانت حريصة على طمأنة اليهود والحفاظ على ممتلكاتهم وأمنهم، وكانت هناك أقاويل عن احتمال قيام مباحثات بين عبد الناصر وإسرائيل لكن الحكومة الإسرائيلية سرعان ما نفذت عملية سوزان التي جندت فيها يهودا مصريين، والتي يعتبرها أبو الغار أظهرت اليهود بمظهر الطابور الخامس في وطنهم، وردا على إعدام اثنين من الإرهابيين اليهود، قامت اسرائيل بالهجوم على غزة، ثم كان العدوان الثلاثي الذي اشتركت فيه إسرائيل بدون سبب وشارك ضمن جنودها اليهود المصريون الذين جندوا في إسرائيل ومن الأسباب أيضا ازدياد نفوذ الصهيونية العالمية التي ضغطت على اليهود المصريين لترك مصر ترغيبا في حياة افضل في إسرائيل
كما ان التوجه المصري كان ضد القوى المرتبطة بقوى أجنبية وبهذا خرج من مصر ما بين عامي 56 و1960 نحو 36 ألف يهودي منهم 13 ألف يهودي نقلتهم الوكالة اليهودية إلى إسرائيل وبقيت أعداد قليلة اخذت تهاجر رويدا رويدا حتى لم يتبق منهم سوى 300 يهودي فقط عام 1970 من اصل ألف يهودي في عام النكبة
ويقول الدكتور نبيل عبد الحميد استاذ التاريخ المعاصر والحديث:
كل الظروف تضافرت في اخراج اليهود من مصر بعد الثورة فعبد الناصر كزعيم له مسار وطني شعر أن من واجبه اخراج اليهود، وبخاصة بعد فضيحة لافون، بالاضافة الى ان الفكرة الصهيونية سيطرت على عقول اليهود في مصر ففي اسرائيل كانوا يروجون لفكرة ارض الميعاد، والاستقرار والوطن القومي، وهذه تيمات عزف عليها الصهاينة لكن الترحيل الفعلي لباقي اليهود تم بعد عام 1961 بعد صدور قرارات التأميم، فلم يعد لليهود مكان في الحياة الاقتصادية ففروا بأموالهم وانفسهم.
لكن ينبغي الا ننسى ان هناك يهودا لم ينظروا لديانتهم على انها جنسية، ولكنها مجرد ديانة وكانوا مصريين حتى النخاع، وهناك المحامي الشهير المصري اليهودي شحاته هارون الذي اصر على عدم ترك مصر، ومات فيها وبعد وفاته رفضت عائلته استقدام حاخام من اسرائيل للصلاة عليه.
أما د. رفعت السعيد امين عام حزب التجمع يقول: 80% من سماسرة البورصة المصرية كانوا يهودا ولكن لا ننسى ان الثورة لم تتعرض لمشكلة اليهود الا بعد عدوان 1956 لانه لم تظهر مشكلة منهم قبل ذلك، وليس صحيحاً انه تم ترحيل اليهود بسبب ديانتهم، ولكن بسبب الخوف من أن يصيروا طابورا خامسا لاسرائيل في مصر. ورغم ذلك بقي في مصر عدد من اليهود الذين لم يكونوا على علاقة باسرائيل والرافضين للصهيونية.
والثورة لم تفكر في التصدي لمشكلة اليهود بعد قيامها لانها لم تكن مستعدة لاستيعاب البنية الاقتصادية المملوكة لليهود ولا شك ان هناك يهوداً ظلموا من جراء هذا القرار والنتائج طبعا كانت تركهم لمصانعهم وارضهم وشققهم وكلنا يعلم اين ذهبت شقق اليهود اخذتها الحراسة وتم توزيعها على ضباط الجيش.
ويقول د. يونان لبيب رزق: خروج اليهود من مصر بدأ مع تقدم القوات الالمانية في صحراء مصر الغربية فقد خشي اليهود من انتصار الالمان في الحرب، وتكرار مذابح النازي في مصر ففروا الى جنوب افريقيا ومع قيام الثورة كان هناك حرص على عدم الصدام باليهود لكن اول صدام بين اليهود والثورة كان بعد غارة اسرائيل على غزة عام 1955، ثم كانت التصفية الاجبارية بعد عدوان 1956 كان اليهود شاعرين بوجود عداء ضدهم في الوقت الذي بدأ فيه تمصير المؤسسات الاقتصادية فشعروا ان هناك اتجاهاً ضدهم. ولا شك ان اسرائيل كسبت من يهود مصر الذين مثلوا اضافة اقتصادية لها، والان لا نستطيع القول هل اخطأ عبد الناصر أم لا، فالمسائل لا تؤخذ الا بوضع الظروف التاريخية المحيطة بالقرار في عين الاعتبار.
ويؤيد خالد محيي الدين عضو مجلس قيادة ثورة يوليو ذلك قائلا: كان الجو العام ضد اليهود، الناس في الشارع كانت ترفض ما يحدث، ليس السلطة بمفردها، وعبد الناصر كان حريصاً على ان يمنعهم من اللعب بمقدرات البلاد، وامسك البلد بيد من حديد، وهذا لم يرض اليهود، وكان خروج الكثير منهم بعد عام 1956
لم تكن حارة اليهود حارة بالمعنى الحرفي، فهي كما يورد أبو الغار، في الحقيقة حي كامل فيه شوارع وحارات كثيرة متصلة ببعضها البعض، وتقع في وسط القاهرة بين القاهرة الإسلامية والخديوية،
وسكنها أعداد كبيرة من المسلمين والأقباط. وكان سكانها من اليهود مرتبطين بأمرين أولهما الدخل المحدود والثاني القرب من مصادر الرزق بالنسبة للحرفيين في الصاغة وغيرها. أما من تحسنت احواله المادية فكان يهجر الحارة إلى عابدين أو باب اللوق أو باب الشعرية. ومن يغتني أكثر، ينتقل إلى العباسية أو مصر الجديدة، ولم تكن الحارة ـ الشهيرة ـ مكانا إجباريا ملزما لسكن اليهود في أي زمان من التاريخ الحديث لمصر.
تمتع يهود مصر بحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية واستفادوا منمساندة الحكومة المصرية لهم والتي تمثلت في تزويدهم بأراضي البناء واموال لاقامةالمعابد، اشهر تلك المعابد والموجودة حتى الان معبد القاهرة الكبير في 17 شارع عدليوقد شيدته عائلة موصيري عام 1903 ويعد من اجمل المعابد اليهودية في القاهرة، تمتجديدة عام 1981 باموال تبرع بها المليونير الصهيوني «نسيم جاعون». هذا المعبد يحرصعلى زيارته السائحون اليهود والطائفة اليهودية في مصر يؤدون صلواتهم فيه، قام شيمعون بيريس بافتتاح تجديد المعبد رسميا عام 1990.
معبد فيثالي مادجار بشارع المسلة
وهو على بعد خطوات من قصر الرئاسة المصرية بمنطقة مصر الجديدة
المعادي يوجد معبد مائير انائيم في 55 شارع 13 وكان المحامي اليهودي يوسف سلامةمقيما به حتى وفاته في سبتمبر عام 1981
وهو من أقدم وأشهر معابد اليهود في الإسكندرية. شيد عام 1354 تعرض للقصف من قبل الحملة الفرنسية علي مصر عندما أمر نابليون بقصفه لإقامة حاجز رماية للمدفعية بين حصن كوم الدكة والبحر، وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1850 بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد علي.
رئيس الطائفة اليهودية الحالي بالأسكندرية د. ماكس سلامه، طبيب الاسنان المعروف بالإسكندرية، 92 عاما. و يرأس الطائفة منذ 6 سنوات
بشارع فاطمة اليوسف بحي سبورتنج الذي أنشئ عام 1928
معبد جرين:الذي شيدته عائلة جرين بحي محرم بك عام 1901
ومعبد يعقوب ساسون عام 1910 بجليم
ومعبد كاسترو الذي أنشأه موسي كاسترو عام 1920 بحي محرم بك
ومعبد نزاح اسرائيل الاشكنازي عام 1920،