عاش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مكة المكرمة طفولته وشبابه، وله فيها ذكريات عزيزة، وحِلْف الفضول وما يتضمنه من مكارم الشيم وعظيم الأخلاق من هذه الذكريات التي ملكت عليه قلبه، حتى أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ
قال بعد أن أكرمه الله بالنبوة والرسالة: ( لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان، ما أحبّ أن لي به حمر النعم ) رواه أحمد .
لخمس عشرة سنة من عمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي شهر ذي القعدة كان حلف الفضول الذي تم بعد حرب الفجار بأربعة أشهر، وسببه أن رجلا من زبيد ( بلد باليمن ) قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل، ومنعه حقه فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص فيهم، فوقف عند الكعبة واستغاث بآل فهر وأهل المروءة، فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مترك، فاجتمعت بنو هاشم، وزهرة، وبنو تَيْم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذو القعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله ليكونُنّ يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يُرد إليه حقه، ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه، وأبرموا هذا الحلف، الذي سمي بحلف الفضول لأن من قام به كان في أسمائه الفضل، كالفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة كما ذكر ذلك البخاري في الأدب المفرد .
وفي هذا الحلف قال الزبير بن عبد المطلب :
إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا ألا يقيم ببطن مكة ظالـــم
أمر عليه تعاقــدوا وتواثقــوا فالجار والمُعترّ فيهم سالم
( والمعترُّ ) هو الزائر .
لقد ساهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تجارب قريش السياسية والعسكرية ، حيثما رأى في هذه التجارب حقا وعدلا، رافضا – من جهة أخرى – كل تصوراتها الخاطئة، ومعتقداتها الشركية، وأخلاقياتها الفاسدة .
وسيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مليئة بالمواقف الدالّة على مشاركته لقومه قضاياهم المهمة، فاشترك وهو في العشرين من عمره في حرب الفجار التي سميت كذلك لوقوعها في الأشهر الحرم، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبّل لأعمامه ويرد عنهم نبال عدوهم .
واشترك في حلف الفضول ، وفي الخامسة والثلاثين من عمره مارس ـ صلى الله عليه وسلم ـ مهمة التحكيم في مسألة وضع الحجر الأسود أثناء تجديد بناء الكعبة، ومن ثم فقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ محط أنظار مجتمعه، ومضرب المثل فيهم، حتى لقبوه بالصادق بالأمين ..
إن حلف الفضول كان تجمعا وميثاقا إنسانيا تنادت فيه المشاعر الإنسانية لنصرة الإنسان المظلوم، والدفاع عن الحق، ويعتبر من مفاخر العرب قبل الإسلام ، وإنّ بريق الرضا والفرح بهذا الحلف يظهر في ثنايا الكلمات التي عبّر بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه بقوله: ( ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت )، فإنّ الحب والحمية للحق، والحرص على تحقيق العدل هو هديه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، فهو القائل في الحديث المشهور عنه صلوات الله وسلامه عليه: ( أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) رواه البخاري.
شكرا ياقمر
يسلمـــــــــــــــــــو
يسلمـــــــــــــــــــو