وعن ابن عمر قال: قال رسول الله "استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة"[رواه البزار وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1110)]
أما من فـــاته الحج ولم يقدره الله له، ماذا يفعل؟!
إن الذي مُنِعَ من الحج والعمرة لمحـــروم،
ولكي بنجبر كسر من فاته الحج؛ فلينوي نيةً صادقة ويعزم عزمًا أكيدًا، ويصدق مع الله في أنه لو تيَّسرت له الأسباب أن يحُجَّ في كل عام فسوف يحُجَّ ..وحينها سَيُكُتِب له أجر الحج ..
فالمتخلف عن الحج شريكٌ للسائر إلى الحج، إذا فاته بعذر ..
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟، قَالَ "وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ"[صحيح البخاري]
يا سائرين إلى البيت العتيق لقد … سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا … ومن أقام على عذر كمن راحا
فمن رحمة الله عزَّ وجلَّ أن جعل أجر من عجز عن العمل وحَزِن لفواته وتمنى حصوله مثل أجر العامل .. لا ينقص من أجره شيء، وكذلك في الوزر .. لكن الفريضة لا تسقط عنه، ومتى تيسرت له الأسباب يجب عليه أن يحج.
فضائـــل الحج والعمرة
تأمل فضائل الحج والعمرة ومناقبهما العظيمة؛ لكي تصدق في العزم عليهما وحتى إن حبسك العذر عن أدائهما تنال ثوابهما بصدق نيتـــك وعزمك إن شاء الله تعالى ..
1) الحج هو الجنــــة وينفي الفقر والذنوب ..
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله "تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة"[رواه الترمذي وصحح الألباني، مشكاة المصابيح (2524)]
فلا يفتقر أبدًا من ينفق ماله في الحج أو العمرة ..
فإنها تجارة رابحة مع الله سبحانه وتعالى، وسيرزقك من حيث لا تحتسب ولن تخسر أبدًا ..
قال الشِّبلي: "مَنْ رَكَنَ إلى الدنيا أحرقته بنارها، فصار رمادًا تذروه الرياحُ، ومَنْ رَكَنَ إلى الآخرة أحرقته بنورها، فصار ذهبًا أحمر يُنتفع به " [جامع العلوم والحكم (44:19)]
2) فرصتك لتكفير جميع سيئاتك وعتق رقبتك من النـــار ..
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"[متفق عليه]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ"[متفق عليه]
وكيف لا ينوي المسلم أن يحج كل عام، وهو فرصته في العتق من النـــار؟
3) الحج جهــــاد ..
ولنبشر النســاء بأجر الجهـــاد،عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟، فَقَالَ "لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ: الْحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَا أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ . [صحيح البخاري]
وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله "الحج جهاد كل ضعيف"[رواه ابن ماجه وحسنه الألباني، صحيح الجامع (3171)]
4) الحــــاج في ضمان الله ..
قال رسول الله "ثلاثة في ضمان الله عزَّ وجلَّ: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عزَّ وجلَّ، ورجل خرج غازيًا في سبيل الله تعالى، ورجل خرج حاجًا"[صحيح الجامع (3051 )]
قال المناوي: "في ضمان الله، أي: في حفظه وكلاءته ورعايته" [فيض القدير]
من كان في حفظ الله، فمن يُضيعه؟ .. من كان في ضمان الله، فأي شيءٍ عليه؟
5) الحجـــاج والعمار وفد الله ..
عن ابن عمر : أن رسول الله قال "الغازي في سبيل الله عزَّ وجلَّ، والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم"[رواه ابن ماجه وصححه الألباني، صحيح الجامع (4171)]
اللهم أرزقنا الحج والعمرة،،
أعمال يُكتَب لك بها أجر الحج والعمرة يوميًا
1) ذكر الله سبحانه وتعالى ..
فذكر الله راحةٌ المشتــاق، وهدوء القلب المُعــاق .. عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم؟ وأرفعها في درجاتكم؟ وخير لكم من إنفاق الذهب والورق؟ وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟"، قالوا: بلى، قال "ذكر الله"[رواه مالك وصححه الألباني، مشكاة المصابيح (2269)]
وبالأخص ذكر الله سبحانه وتعالى دبر كل صلاة .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ. قَالَ "أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟، تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ"، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ "تَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ"[صحيح البخاري]
2) صلاة الفجر في جماعة والذكر حتى الشروق ..
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله "من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة"، قال: قال رسول الله "تامة تامة تامة"[رواه الترمذي وحسنه الألباني (586)]
3) حضور الجماعات والمشي إلى التطوع ..
عن أبي أمامة أن رسول الله قال: "من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين"[رواه أبو داوود وحسنه الألباني، صحيح الجامع (6228)].. وقال "من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة"[رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الجامع (6556)]
4) العمرة في رمضان ..
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رسول الله "عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي"[متفق عليه]
5) الصلاة في مسجد قباء ..
عن النبي قال "الصلاة في مسجد قباء كعمرة"[رواه الترمذي وصححه الألباني (324)] .. وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله "من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1181)]
وكثير من النفوس يعسر عليها التنزه عن كسب الحرام والشبهات، ويسهل عليها إنفاق ذلك في الحج والصدقات .. قال بعض السلف: "ترك فعل الشيء مما يكرهه الله أحب إليَّ من خمسمائة حجة"، أي: هناك ما هو أولى من مجرد فعل الفرائض، وهو التعفف عن كسب الحرام، والتنزه عن المال الحرام، فهذا من أعظم ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى.
كف الجوارح عن المحرمات أفضل من التطوع بالحج وغيره، وهو أشد على النفوس .. قال الفضيلُ بن عياض "ما حجٌّ ولا رِباطٌ ولا جهادٌ أشدَّ مِنْ حبس اللسان، ولو أصبحت يهمُّكَ لسانُك، أصبحتَ في غمٍّ شديد"
العمل الصالح في العشر الأول من ذي الحجة أفضل من الجهاد في سبيل الله ..
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ" (يعني أيام العشر)، قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ، قَالَ "وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ"[صحيح البخاري]
والجهاد أفضل أعمال الإسلام وهو أفضل من الحج، كما أخبر بذلك النبي .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟، قَالَ "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟، قَالَ "جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟، قَالَ "حَجٌّ مَبْرُورٌ"[صحيح البخاري]
الحكمة من تشريع العمل الصالح في أيام العشر وليالها
إن الله سبحانه وتعالى قد غرس في قلوب المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، ولما كان ليس كل أحد قادرًا على مشاهدته كل عام .. فرض الله على المستطيع الحج مرةً واحدةً في العُمُر، وجعل موسم العشر موسمًا مشتركًا بين السائرين والقاعدين ..
فمن فاته الحج، ليس من الممكن أن يُضيِّع الإجتهاد في الطاعة في هذه الأيـــام المباركة .. لله فيها نفحــات وعطايـــا وكرم ..
يقول ابن الجوزي: إخواني، إن لم نصل إلى ديارهم، فلنصل انكسارنا بانكسارهم .. إن لم نقدر على عرفات، فلنستدرك ما قد فات .. إن لم نصل إلى الحجر، فليلن كل قلب حَجَر .. إن لم نقدر على ليلة جمع ومنى، فلنقم بمأتم الأسف هاهنا ..
رأى بعض الصالحين الحاج في وقت خروجهم، فوقف يبكي ويقول: واضعفــــــاه .. ثم تنفس وقال:
هاهي فرصةٌ من ذهب جـــاد الله علينا بها في هذا الزمـــان، ألا وهي: أيــــام العشر ..
تشبهوا فيها بالحجاج والعُمَّار؛
من عجز عن حجَّ البيت والبيت منه بعيــد، فليقصد ربَّ البيت فإنه أقرب إلى عبده من حبل الوريـــد ..{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: 186]
أخوتـــــاه، اذبحوا الهوى بسكيــــن الطاعة مع ذبحكم للأضاحي ..
شكرا لكم