يظن بعض الناس أن الأنبياء يساوون غيرهم من البشر في كل أحوالهم وأعراضهم وهذا خطأ واضح وجهلٌ ترده الأدلة الصحيحة من الكتاب والسُّنة وهم وإن كانوا يشتركون مع جميع بني آدم في حقيقة الأصل – التي هي البشرية من قوله جلَّ ذكره {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}- إلا أنهم يختلفون عنهم في كثير من الصفات والعوارض وإلاَّ فما مزيَّتهم؟ وكيف تظهر ثمرة اصطفائهم على غيرهم واجتبائهم على من سواهم؟ سنذكر في هذا المبحث شيئاً من صفاتهم في الدنيا وخصائصهم في البرزخ التي ثبتت لهم بنصِّ الكتاب والسنة فالأنبياء هم الصفوة المختارة من عباد الله شرَّفهم الله بالنبوة وأعطاهم الحكمة ورزقهم العقل وسداد الرأي واصطفاهم ليكونوا وسطاء بينه وبين خلقه يبلغوهم أوامر الله ويحذرونهم غضبه وعقابه ويرشدونهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة وقد اقتضت حكمة الله أن يكونوا من البشر ليتمكن الناس من الاجتماع بهم والأخذ عنهم والإتباع لهم في سلوكهم وأخلاقهم
والبشرية هي عين إعجازهم فهم بَشَرٌ من جنس البشر لكنهم متميزون عنهم بما لا يلحقهم به أحد ومن هنا كانت ملاحظة البشرية العادية المجردة فيهم دون غيرها هي نظرةٌ جاهليةٌ شركيَّة فمن ذلك قول قوم نوح في حقه فيما حكاه الله عنهم إذ قال {فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا} من ذلك قول قوم موسى وهارون في حقهما – فيما حكاه الله عنهم إذ قال {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} ومن ذلك قول أصحاب ثمود له فيما حكاه الله عنه بقوله {مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} من ذلك قول أصحاب الأيكة لنبيهم شعيب – فيما حكاه الله عنهم بقوله {قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} ومن ذلك قول المشركين في حقِّ سيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد رأوه بعين البشرية المجردة – فيما حكاه الله عنهم بقوله {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}
فالأنبياء صلوات الله عليهم وإن كانوا من البشر يأكلون ويشربون ويصحُّون ويمرضون وينكحون النساء ويمشون في الأسواق وتعتريهم العوارض التي تمرُّ على البشر من ضعف وشيخوخة وموت إلا أنهم يمتازون بخصائص ويتصفون بأوصاف عظيمة جليلة هي بالنسبة لهم من ألزم اللوازم ومن أهم الضروريات هذه الصفات نلخصها فيما يلي:الصدق والتبليغ والأمانة والفطانة والسلامة من العيوب المُنَفِّرة والعصمة وليس هذا محل تفصيل هذه الصفات فقد تكفلت بها كتب التوحيد وسنذكر هنا بعض الصفات التي يتميز بها الأنبياء عن البشر ونكتفي بذكر ما ثبت في حقِّ سيِّد الأنبياء صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (هل ترون قبلتي هنا؟ فو الله ما يخفى علىَّ ركوعكم ولا سجودكم إني لأراكم من وراء ظهري) وأخرج مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيها الناس إني أمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود فإني أراكم من أمامي ومن خلفي) وأخرج عبد الرازق في جامعه والحاكم وأبو نعيم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إني لأنظر إلى ما ورائي كما أنظر إلى ما بين يدي)
وأخرج أبو نعيم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني أراكم من وراء ظهري) وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطَّتْ السماء وحقَّ لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا ومَلَكٌ واضعٌ جبهته ساجدٌ لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصعداء تجأرون إلى الله) قال أبو ذر (يا ليتني كنت شجرة تعضد)[1] وأخرج الشيخان عن أنس قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتى يُرى بياض إبطيه) وأخرج ابن سعد عن جابر قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد يرى بياض إبطيه) وقد ورد ذكر بيان إبطيه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث عن جماعة من الصحاب قال المحب الطبري (من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره) وذكر القرطبي مثل ذلك وزاد (وأنه لا شعر فيه) أخرج البخاري في التاريخ وابن أبي شيبة في المصنف وابن سعد عن يزيد بن الأصم قال (ما تثاءب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قطّ) وأخرج ابن أبي شيبة عن مسلمه بن عبد الملك بن مروان قال (ما تثاءب نبيٌّ قط)
[1] رواه أحمد والترمذي وابن ماجة
منقول من كتاب [الكمالات المحمدية]
بارك الله فيكِ
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد
بارك الله فيك