هل من الممكن أن يوجد زوجان غريبان؟ أو حبيبان لدودان؟ أو سجينان محبان؟ هل تخيلت يوما أنه يوجد واقع يترجم مثل هذه الحالات؟ فيوجد زوجان غريبان يعيشان معا تحت سقف واحد؟
وهل دار بخلد أحد أنه يوجد شخصان محبان مضطران للإقامة ففي سجن واحد؟ وماذا لو عرفنا أن كل هذه الثنائيات هي أقرب ما يعبر عن حالة الانفصال النفسي بين الزوجين؟ قضية الانفصال النفسي الصامت بين الأزواج، هي واقع موجود على مسرح الحياة الزوجية، فكم من الصور، وكم من المشاهد، وكم من القصص، وكم من البيوت التي تعتبر مثلا لحياة زوجية غابت عنها لغة الحب، وخلت من جو التفاهم، وجفت من دفء الحنان.
وعندما تصبح العلاقة الزوجية مجرد صورة، وعندما يخلو كل شئ بين الزوجين من معناه الفعلي، وعندما تفرغ تلك العلاقة الرائعة من محتواها الحقيقي، يصبح حينئذ استمرار الحياة الزوجية من الصعوبة بمكان، الا أن كلا الزوجين * أو أحدهما * قد يقبل الاستمرار في تلك العلاقة الجافة، واستمرار ذلك الزواج الصامت، وقد يكون القبول باستمرار ذلك الوضع الغريب، راجعا لعدد من الأسباب، التي قد يكون بعضها منطقيا ومفهوما، وقد يكون بعضها الآخر غير معقول ولا مقبول، فكأن الزوجين * أو أحدهما * قد اختار الحياة في الصمت، أو التشاغل بالنفس في عالمه الخاص، أو الوحدة والانفصال النفسي عن الزوج.
الانفصال النفسي
يمكن تعريفه بأنه: حالة نفسية، يشعر فيها أحد الزوجين أو كليهما بمشاعر سلبية تجاه الطرف الآخر، بما يؤدي إلى عدم إمكانية التواصل العقلي والنفسي والجسمي بينهما، وينفرد كل منهما بحياة عقلية ونفسية خاصة، فيستمر الزواج شكلا، وينتهي مضمونا.
مظاهر الانفصال
للانفصال النفسي بين الزوجين مظاهر تدل عليه، وبعضها قد يكون أسبق في الظهور من بعض، كما أن بعضها قد يكون أكثر ضررا من البعض الآخر، وتلك السمات هي:
1* شيوع الصمت في جلسات الزوجين معا.
2* صعوبة التفاهم بين الزوجين في الصغير والكبير.
3* الشعور بغربة كل طرف عن الطرف الآخر.
4* تباعد المسافات النفسية والعقلية والسلوكية بين الزوجين تدريجيا.
5* عدم الرضا عن أفكار الطرف الآخر وتصرفاته بشكل كامل.
6* تسلل الانفصال بين الزوجين في صمت وهدوء، بشكل قد لا يشعر معه أحد الزوجين بالانفصال التدريجي للطرف الآخر عنه.
7* الشعور بعدم تقبل الطرف الآخر نفسيا، وصعوبة تخيل تقبله كزوج.
8* عدم الترحيب بالحوار مع الطرف الآخر، ولا حتى السماح له بسرد ذكريات الماضي الجميلة.
9* رفض محاولات التودد والتقرب من الطرف الآخر.
10* شيوع روح النقد الشديد للطرف الآخر.
11* الشعور بصدود وعزوف غير معروف السبب عن التعامل مع الآخر.
12* ندرة الموضوعات المشتركة التي يتناولها الزوجان في الحديث.
13* إذا ما تعامل مع زوجه، يكون عبوسا، أو مكفهر الوجه، أو جامد الملامح، أو زائغ النظرات، أو خجولا، أما إذا تعامل مع الآخرين أصبح خفيف الدم، حلو الحديث.
14* ندرة التعبير عن المشاعر الطيبة، وندرة التلامس الجسمي بينهما.
أسباب الانفصال النفسي
ـ الفشل في الحصول على اهتمام الطرف الآخر، مما يؤدي إلى التباعد النفسي التدريجي بين الزوجين، وتظل الفجوة النفسية بينهما في الزيادة إلى أن تستعصي على الرتق.
ـ قد يتم الاختيار منذ البداية بناء على بعض المقومات الخاطئة، التي تفي بمتطلبات الحياة الزوجية، والتي لا تؤدي إلى التفاهم الصحيح بين الزوجين، أو قد يتم الاختيار بناء على أحد المقومات التي لا تكفي وحدها لاستمرار العلاقة الزوجية.
ـ تسرب الملل والفتور إلى العلاقة الزوجية دون اهتمام الزوجين بالقضاء عليهما منذ ظهورهما في حياتهما الزوجية، والملل والفتور لهما مؤشرات إذا ما لاحظها الزوجان فقد يسهل التغلب عليها قبل استفحال الأمر.
ـ اشتعال العاطفة وضراوة الحب قبل الزواج يؤدي إلى التغاضي عن عيوب الطرف الآخر منذ البداية، فالانشغال بالحب والعاطفة دون إعمال العقل في سمات الطرف الآخر وتعرف مزاياه وعيوبه، قد يضيع على الطرفين فرصة الإفادة من المزايا، ويضعهما في مواجهة التعامل المباشر والصعب مع العيوب التي كان يمكن تجنبها منذ البداية.
ـ عدم السعي الحثيث للوصول إلى السعادة المنتظرة من الزواج، وانتظار الطرف الآخر حتى يعمل وحده على تحقيقها، ومن الخطأ تعطيل الحياة وانتظار السعادة التي قد لا تجئ نتيجة الانتظار، ومن السذاجة أن يظل أحد رهن شئ منتظر قد لا يجيء، فيؤدي هذا الانتظار الكئيب إلى الرتابة والملل، وقد صدق المثل الشعبي الذي يقول: «الانتظار صعب».
ـ الخوف أو الخجل من شيوع فكرة بين الأقارب والجيران عن الزوجين مؤداها أن لديهما مشكلات زوجية، مما يدفعهما * خصوصا الزوجة *لتحمل الرتابة والملل، وتحمل حياة الانفصال النفسي بجفافها وجفائها.
ـ عدم اعتماد الزوجين مبدأ المصارحة بينهما، وتجنب المناقشات التي تتناول تحليل المشكلات التي يتعرض لها الزوجان، وتجنب فتح الموضوعات التي تحتاج إلى الصراحة في معالجتها، وتعتمد على الوضوح في طرحها، مما يؤدي إلى إقامة حاجز بينهما، ويظل ذلك الحاجز يزداد سمكه بزيادة عدم الصراحة في التعامل.
ـ اختلاف الميول والاهتمامات المشتركة بين الزوجين، وقد يرجع ذلك إلى اختلاف المستوى الثقافي الذي يؤدي بدوره إلى اختلاف طرق التفكير وأساليبه، مما يجعل التفاهم بين الزوجين عملية صعبة ومعقدة، وبالتالي يصير الاختلاف بينهما على كل صغير وكبير.
ـ العنف المتبادل بين الزوجين: فالعنف سواء كان من قبل الزوج تجاه زوجته، أو كان موجها من الزوجة لزوجها، يثير مشاعر في غاية السوء بين الزوجين أهمها النفور القوي بين الزوجين، والذي يقوم بدوره بتدمير العلاقة بينهما.
ـ يظن كثير من الأزواج أن العلاقة الحميمة بين الزوجين منفصلة عن العلاقات الشخصية، ويظنها مستقلة عن مسألة الخصام أو الرضا بينهما، فيلجأ كثير منهم إلى طلب ممارسة تلك العلاقة الخاصة جدا بعد الخلافات الزوجية، دون مراعاة لشعور المرأة.
أنواع الانفصال النفسي
ما يتعلق بعلم الزوجين: فقد يعيش أحد الزوجين أحيانا في وهم كبير، فيتوهّم أن زوجته تجلّه أعظم إجلال، وتقدره أكبر تقدير، وتحترمه أيّما احترام، وقد يصل به الوهم إلى أنه قد يعتقد أن زوجته تعيش أحلى أيام عمرها معه، وأنها تخشى نهاية العمر من جمال ما تشعر به من متعة معه، فهو لا يفكر إطلاقا في أن زوجته قد تكون غير راضية في بعض الأحيان عن بعض أفكاره، أو بعض تصرفاته، أو بعض علاقاته، وبالتالي فهو لا يختبر مدى رضاها عن حياتها معه، ولا يختبر مدى موافقتها على طريقته في الحياة، ولا يجلس معها جلسات تقويمية بهدف تعديل مسار الحياة إن هي اعوجت، ولا يتجنب عادات الناس المرذولة التي تغضب منها نساؤهم والتي ينتقدهم هو عليها، فتجده يمارس أساليبهم ولكنه لا يتخيل أبدا أن زوجته قد تغضب مما تغضب منه الأخريات، وحين يعلم أنها غضبي يلومها لوما شديدا، حتى يصل بهم الأمر إلى ما لايرغب أحد، وهو الانفصال النفسي بينهما.
ما يتعلق بعلم المجتمع: وترجع معرفة المجتمع بالموضوع أو عدم معرفته به إلى عدد من الأسباب منها: رغبة أحد الزوجين في درأ الخطر قبل أن يتفاقم فيحكي للآخرين، أو ثرثرة أحد الزوجين بشكل طبيعي، أو كثرة الشكوى للأقارب في مقابل الكتمان الشديد، أو اليأس من محاولة الإصلاح، أو قد يكون أحد الزوجين عنيدا، أو أن يكون المجتمع الذي يعيش فيه ليس به شخص كبير يحترمه الزوج وينزل على رأيه، فلا يسمع إلا كلام نفسه، ولا يعتبر بأحد، ولا يرتدع بكلام أحد، ويرى أنه كبير وخبير بما يكفي لأن يعرف مصلحة نفسه، ويلوم الآخرين عندما يحاولون توجيه النصح له.
مراحل الانفصال النفسي
ـ المرحلة الأولى: نقص التفاهم: في هذه المرحلة يكون الاختلاف بين الزوجين اختلافا فكريا، فتشوب العلاقة بينهما نقص التفاهم، وفيها يستمر معدل الاختلاف في الفهم في التناقص، ولا يستطيع كل منهما التماس العذر للآخر، ويظن كل منهما أن الطرف الآخر يقصد مضايقته، ولا يريد إلا مخالفته.
ـ المرحلة الثانية: الانفصال الفكري: وفي هذه المرحلة ينعدم التفاهم بين الزوجين بالكلية، بعد أن ظل في التناقص في المرحلة السابقة دون توقف ودون علاج، فإذا انعدم التفاهم بين الزوجين تماما، يحدث ما يسمي بالانفصال الفكري، فلايكون ثمة التقاء بينهما في الفكر، ونتيجة لذلك، لا تُطرح بين الزوجين أية أفكار، ولا تناقش بينهما أية موضوعات.
ـ المرحلة الثالثة: ازدياد المشكلات كما ونوعا: وفي هذه المرحلة يزداد عدد المشكلات كمّا فتنتشر بطريقة مستعرضة، فتشمل معظم جوانب حياة الزوجين، وتزداد فيها المشكلات نوعا وعمقا، فتصبح كل مشكلة على حدة وكأنها جبل يوشك أن ينهار على رأس الزوجين، وتظل في التعمق والتوغل حتى تستعصي على الحل، وفي هذه المرحلة يفكر الزوجان كثيرا في الانفصال الفعلي بالطلاق، وذلك نتيجة تكرار الاصطدام بينهما، وإذا كانت طبيتعهما الشخصية تسمح بتبادل العنف.
ـ المرحلة الرابعة: الانفصال الجسدي: وفي هذه المرحلة يكون التعامل المباشر والتلامس الجسدي بين الزوجين في أضيق حدوده، وتصبح فيها ممارسة العلاقة الخاصة بينهما عملاً روتينياً أشبه بأداء الوظيفة، مما يعقّد علاقتهما، ويزيد مستوى كراهية كل منهما للآخر، وبعد تكرار ممارسة العلاقة الجنسية بينهما دون استمتاع، ودون إشباع نفسي، قد يعمد أحدهما أو كلاهما إلى الإنفصال الجسدي عن الآخر بطريقة عملية، فقد يبدأ أحدهما في استخدام فراش مستقل في نومه، ولم يكونا معتادين ذلك الأمر من قبل، ويبدأ بينهما التقصير المتعمد أحيانا في العلاقة الحميمة.
ـ المرحلة الخامسة: الانفصال النفسي: وهذه المرحلة هي الأخيرة، وتلك هي المرحلة التي نعنيها، وفيها يصبح الزوجان وكأنهما غريبان يعيشان في بيت واحد، أو كأنهما سجينان في زنزانة واحدة، لايتقبل كل منهما الآخر ولا يستطيع مفارقته في نفس الوقت، وإذا فكر في مفارقته تجده لا يقدر عليها.
الآثار النفسية للانفصال
تتلخص المضار التي تصيب الأسرة والأبناء فيما يلى:
ـ يتسبب الانفصال النفسي بين الزوجين في دفع الزوجين * أحدهما أو كليهما * أو دفع بعض الأبناء إلى إدمان بعض العقاقير، أو الوقوع فريسة سهلة في براثن المخدرات.
ـ قد يتسبب في التفكك الأسري، فتجد كل من الزوجين مشغول بنفسه، ومهموم بمعاناته من زوجه، وبالتالي فهو مشغول باستمرار عن الأبناء.
ـ قد يتسبب في وضع أطفال تلك الأسر المضطربة في ظروف اجتماعية ونفسية وتربوية غاية في الصعوبة، فيظل الأطفال يعانون من الإحباط والصراع، مما يعوق نموهم الاجتماعي والانفعالي والخلقي، وقد يصيروا عرضة للإضطرابات النفسية والانحرافات السلوكية المختلفة.
ـ قد يتسبب في شعور كل من الزوجين بالعار نتيجة عدم إمكانية التفاهم، وصعوبة إدارة المنزل، والشعور أيضا بالدونية نتيجة المقارنة بينهم وبين من هم أقل منهم في الإمكانات الشخصية والمادية والعلمية.
الحلول المقترحة
ـ التجديد والتغيير للحياة الزوجية، ودفع رتابتها، وعدم السماح للصمت بسيادة الموقف، هو الإجراء الأول الذي يتم اتخاذه درءا للمخاطر التالية للفتور والصمت.
ـ اعتماد مبدأ الصراحة والمكاشفة والشفافية وكل المعاني والأساليب والطرق التي تؤدي إلى الوضوح بين الزوجين في أثناء التفاهم بينهما، فإنه لا يلجأ إلى المداراة والمناورة إلا المخطئ الذي ينوي التغطية على الأخطاء التي يقوم بها.
ـ التوقف بحسم عند أول مشكلة أراد الزوجان حلها معا ثم لم يجد كل منهما نفسه مستعدا للتنازل عن رأيه أو التنازل عن بعض ما يحب، فالتعامل بمرونة مع المشكلات، وتبادل الآراء الجادة، مع تقديم كل ما يستطيعه أحدهما من تنازلات، هو الطريق الأفضل والأولى قبل أن يندم كل منهما، ولن يفيد الندم أحدهما بشئ في وقت من الأوقات، فإنه يأتي وقت على الزوجين يتمنى كل منهما لو تنازل كلية عن كل ما كان يتمسك به في مقابل إنهاء حالة الانفصال المزرية التي يتمنى الخلاص منها بأي شكل من الأشكال ولكنه لا يستطيع.
م|ن
شكرا غاليتى
|
الف شكر يا قمر