وفي ليلة الإثنين من شهر ربيع الأول طلعت الشمس المحمدية حيث صار لايرى رؤيا في ليله ولانهاره إلاجاءت كفلق الصبح
وهذا الزهرى يروى عن عروة عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها
قولها : إن أول مابدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة
حين أراد الله كرامته ، ورحمة العباد به الرؤيا الصادقة
لايرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح ،
قالت : وحبب إليه الخلوة : فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده
واختار صلى الله عليه وسلم لخلوته المحببة إليه جبل حراء وهو أحد جبال مكة المطلة عليها
فكان يخلو به مجاورا فيه يتحنث- أي يزيل الحنث عنه -وهو يراه ويسمعه من الشرك والباطل بين أفراد قومه من قريش
وفي ليلة من ليالي رمضان المبارك ولعلها السابعة عشرة منه
نزل عليه جبريل عليه االسلام يحمل بشرى النبوة تمهيدا لحمل الرسالة إلى الناس كافة.
وها هو ذا إمام المحدثين البخاري رحمه الله تعالى ورضي عنه يروى لنا
عن أمنا عائشة رضي الله عنها قصة بدء الوحى إذ تقول : أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة
في النوم،فكان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء،فيتحنث فيه –
وهو التعبد-الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك،
ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو فى غارحراء
فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال ما أنا بقارىء) قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال اقرأ ، فقلت:ما أنا بقارىء
فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ،فقال :اقرأ، فقلت ما أنا بقارىء،فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني
فقال :{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
فجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال:"زملوني زملوني "
فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر :"لقد خشيت على نفسي"
فقالت كلا والله ما يخزيك الله ابدا ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم،وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق.
.ثم انطلقت خديجة -رضى الله عنها- إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان نصرانياً قرأ الكتب المساوية
وسمع من أهل الإنجيل والقرآن، فسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له ورقة: "هذا الناموس الأكبر
الذي نزل على موسى يقصد يا ليتني فيها جذعا يا ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك" ..فقال الحبيب: "اوَ مخرجيَّ هم"،
قال ورقة: "نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً".
وكان الحبيب لم يقض المدة التى يقضيها فى غار حراء متحنثاً فعاد الى حراء لإتمامها . فلما قضاها وعاد من جواره
بدأ بالبيت كعادته فطاف سبعاً فلقيه ورقة وهو يطوف _ فقال ياابن أخي ، أخبرني بما رأيت
فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ورقة وهو يطوف _فقال ياأبن أخي ، اخبرني بمارأيت .
فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم – ورقة : والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمه
ولقد جاءك الناموس الاكبر الذى جاء موسي ولتكذبنه ولتقاتلنه و لتؤذينه ولئن ادركت ذلك
لانصرن الله نصرا يعلمه . ثم ادنى رأسه منه فقبل يافوخه (1) ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى منزله.
وبهذا كانت خديجة أول من استضاء بنور النبوّة المحمدية وأول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي الذي جاءه ،
كما أن ورقة كان أول الفائزين بالأسبقية لو لا المنيّة اخترمته فلم يشهد ضحى الشمس المحمدية .
إنه بعد تلك المفاجأة السارة له -صلى الله عليه وسلم- ولخديجة -رضي الله عنها – وورقة بن نوفل (غفر الله له)
فتر الوحي وانقطع قرابة الأربعين يوماً . ومات ورقة ، واشتد الألم النفسي بالحبيب -صلى الله عليه وسلم-
حتى صرح لخديجة بأنه خائف على نفسه ، بل كان كالهائم على وجهه في جبال مكة وشعابها ،
وكان كلما اشتد به الحزن تبدى له جبريل يقول له : يامحمد إنك رسول الله حقاً فيُخفف عنه حزنه ويقل ألمه.
وتمضى الأيام وفجأة _ وهو يمشي يسمع صوتاً من السماء فيرفع بصره ،
فإذا الملك الذي جاء بغار حراء قاعد على رفرف(1) بين السماء
والأرض فرعب منه أشد الرعب ورجع أهله يقول : زملوني زملوني (1)
فأنزل الله تعالى قوله
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6)وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)}
الرفرف: البساط من إستبرق والإستبرق الحرير الغليظ.