تختلف الفروق الشخصية بين البشر في الطول والوزن والملامح، وكما يمكن أن يكون قصر القامة حالة طبيعية ولا تمثل أي مشكلة طبية، يوجد أيضا قصر القامة الشديد (Short Stature) الذي يمكن أن يكون حالة مرضية تستدعي العلاج، وبخاصة إذا كان هناك فرق ملحوظ بين الطفل وإخوته أو أقرانه في الدراسة، وأحيانا تكون مجرد عرض لأمراض أخرى.
تأخر النمو
الحقيقة أن تأخر النمو المزمن يمكن أن يؤدي إلى قصر القامة الملحوظ وفي الأغلب يتم الخلط في التشخيص بينهما ولكن من الضروري معرفة أن تأخر النمو حالة مرضية تستدعي التدخل الطبي بينما قصر القامة يمكن أن يكون طبيعيا. وتعبير قصير القامة يطلق على الشخص الذي يكون طوله أقل من المعدل الطبيعي مقارنة بأقرانه من نفس العمر والجنس والعائلة، بل والعرق أيضا، حيث إن معدلات الطول تختلف عرقيا من جنس لآخر. ومن المعروف أن سكان شرق آسيا يكون متوسط الطول لديهم أقل من الأوروبيين على سبيل المثال.
وتتدخل في عملية النمو الطبيعي عدة عوامل هرمونية (مثل هرمون النمو Growth Hormone وهرمون الغدة الدرقية Thyroid hormone والأنسولين والهرمونات الجنسية سواء للذكور أو الإناث) وعوامل جينية وغذائية وبيئية ويكون نمو الطفل في الطول مؤشرا على صحة الجسم بشكل عام.
أسباب قصر القامة
هناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى قصر القامة بالنسبة للأطفال؛ ومنها على سبيل المثال:
– أسباب عائلية: بمعنى أن يولد الطفل لأبوين قصيري القامة وفي هذا الحالة يكون النمو طبيعيا ولا يعاني الطفل من مشكلات طبية وتظهر عليه علامات البلوغ في نفس الوقت الذي تظهر فيه على أقرانه. ويصل إلى الطول النهائي للعظام في نفس العمر المتوقع.
– تأخر البلوغ (constitutional delay of growth and development). وهو تعبير يطلق على الأطفال الذين ينمون بشكل طبيعي ولكن يكون هناك تأخر في الوصول للطول النهائي للعظام وتأخر للبلوغ أيضا.
ويكون الطول النهائي لهؤلاء الأطفال طبيعيا مقارنة بأقرانهم وأفراد عائلاتهم ولكنهم يكونون أقصر من أقرانهم في فترة البلوغ، وكذلك تتأخر ظهور علامات البلوغ عليهم سواء كانوا ذكورا أو إناثا.
وفي الأغلب يكون هناك تاريخ عائلي لمثل هؤلاء الأطفال، فمثلا بالنسبة للفتيات تكون الأم أو إحدى الخالات قد حدثت لها دورتها الشهرية الأولى وهي في عمر يتعدى الـ15 عاما، وبالنسبة للذكور كذلك يكون أحد الأقارب أو الوالد كان قد أدرك الطول النهائي له أو بدأ في حلاقة شعر الذقن، وهو في الثامنة عشرة من العمر.
– سوء التغذية المزمن malnutrition. وهي مشكلة عالمية تواجه الأطفال في دول العالم الثالث حيث نقص الغذاء كما وكيفا، ولكن في هذه الحالة يكون هناك تأثير على وزن الطول أكثر من الطول.
وكذلك فإن السبب قد يعود إلى بعض أمراض العظام التي تحول دون نمو العظام بشكل سليم وكامل، وكذلك معاناة الطفل المستمرة من الأمراض المزمنة التي تؤثر على نموه بشكل عام أكثر مما تؤثر على الطول.
وبالإضافة إلى هذه الأسباب الرئيسية توجد أسباب أخرى مثل النقص في هرمون الغدة الدرقية أو هرمون النمو أو بعض الأمراض التي تتعلق بالخلل الكروموسومي مثل حالة «تيرنر» (Turner) التي تصيب الفتيات.
حالة مرضية
يجب معرفة إذا كان معدل نمو الطفل تراجع من عدمه، وكذلك إذا كان هناك فقدان في وزن الطفل وأيضا تتم ملاحظة علامات البلوغ الخاصة بالذكور والإناث مع ملاحظة أنه لا يعتبر الطفل القصير القامة لأسباب عائلية أو لتأخر البلوغ مريضا ويتمتع بصحة جيدة وبمعدل نمو طبيعي، وكذلك معدل الذكاء.
ولكن الطفل الذي يتراجع نموه لسبب طبي مثل سوء التغذية المزمن أو لأسباب هرمونية يعتبر مريضا بالطبع ويحتاج للنصيحة الطبية ومن المقاييس المهمة التي تحدد إذا كان طول الطفل طبيعيا أم لا:
– طول الوالدين. يمكن من خلاله معرفة الطول التقريبي للشخص البالغ تبعا للعامل الوراثي بمعنى أن يتم جمع طول الأب والأم وقسمتهما على 2 وتتم إضافة 6.5 سنتيمتر إلى الذكور أو طرح 6.5 من طول الإناث وتكون هناك فروق بالطبع لكن تكون دون 8 سنتيمترات سواء بالزيادة أو بالنقصان.
– ميعاد البلوغ للوالدين. في حالات تأخر البلوغ يكون من المهم معرفة سن البلوغ لدى الوالدين لأنه في الأغلب يحمل تاريخا عائليا. ويتم سؤال الأم عن ميعاد أول دورة شهرية (في الأغلب تختبر الفتيات الدورة الشهرية لأول مرة في عمر يتراوح بين 12 عاما و13.5 عام) وكذلك الأب، الذي يكون قد استمر نمو طوله لما بعد 18 عاما أو ظهور الشارب والذقن في عمر ما بعد سن الـ18.
– معرفة معدل النمو السابق. معدل النمو الطبيعي في الطول تقريبا نحو 5 سنتيمترات سنويا من عمر 3 وحتى البلوغ، وإذا كان معدل النمو طبيعيا ففي الأغلب يكون قصر القامة نابعا عن فروق شخصية ولا يحمل علامة مرضية من علامات تأخر النمو. ولكن في حالة تراجع معدل النمو في هذه الحالة يكون هناك تراجع في النمو ويكون لأسباب مرضية تستدعى التدخل الطبي.
– الحالة الصحية العامة للطفل. إذا كان الطفل يعاني من أمراض مزمنة أو سوء تغذية تكون عوامل مهمة لتأخر النمو ويمكن أن تكون سبب في قصر القامة.
فحوص قصر القامة
يتم قياس طول الطفل سواء الطول في وضع الوقوف (height) وكذلك في وضع النوم (length) وأيضا يجب إجراء بعض الفحوصات لمعرفة السبب وراء قصر القامة، وإذا كان نتيجة لخلل في الهرمونات يتم قياس هرمونات الغدة الدرقية (T4 TSH) أو حدوث خلل في الغدة النخامية مما ينتج عنه نقص في هرمون النمو (Growth hormone) وكذلك يتم إجراء صورة دم كاملة لمعرفة إذا كان الطفل يعاني من أنيميا حادة مستمرة وأيضا يتم عمل دراسة للكروموسومات لمعرفة وجود خلل جيني قد يتسبب في قصر القامة مثل حالة ترينر (Turner) ويمكن كذلك إجراء أشعة «إكس» لمعرفة الطول النهائي للعظام والحكم على مدى سلامتها.
العلاج
في الحالات المرضية التي يكون فيها قصر القامة عرضا لمرض آخر يجب معرفة السبب وعلاجه ولكن بجانب العلاج الدوائي يجب أن تساند الأسرة الطفل نفسيا وتحيطه بالحنان والرعاية، حيث إن الكثير من الأطفال يكونون مثارا للسخرية من أقرانهم بسبب قصر قاماتهم.
ومن المهم أن يتفهم الوالدان أن قصر القامة الناتج عن أسباب عائلية أو تأخر البلوغ لا يحتاج إلى أي علاج طبي، وأن إعطاء هرمون النمو لن يعود بالفائدة على الطفل، لأنه ببساطة ليس هناك مرض وفي الأغلب لا يعاني هؤلاء الأطفال من أي مشكلات صحية ويتمتعون بمعدل نمو طبيعي.
أما بالنسبة للأطفال الذين توقف نموهم أو تراجع لأسباب مرضية فيجب علاج السبب تبعا لكل حالة، مثلا يتم إعطاء هرمون النمو في حالات الخلل في الغدة النخامية وإعطاء هرمونات الغدة الدرقية في حالة نقص هرمونات الغدة الدرقية أو علاج سوء التغذية أو علاج أي مرض مزمن يعتقد أن يكون هو السبب.
الله يعطيكـِ العآآآفية