تخطى إلى المحتوى

انشراح الصدر وعلاقته بالهداية وتيسر الأمور 2024

انشراح الصدر وعلاقته بالهداية وتيسر الأمور

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفصل رسل العالَمين، وعلى آله وصحبه ومَن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فقال – تعالى -: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].

قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: "فأعظم أسباب شرح الصدر التوحيدُ، وعلى حسَب كماله وقوته وزيادته يكونُ انشراحُ صدر صاحبه، قال الله – تعالى -: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22]، وقال – تعالى -: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125]؛ فالهُدَى والتوحيدُ من أعظم أسباب شرح الصدر، والشِّركُ والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه، ومنها: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد، وهو نور الإيمان، فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب، فإذا فُقِد هذا النور من قلب العبد، ضاق وحرج، وصار في أضيق سجن وأصعبه.

وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((إذا دخل النورُ القلبَ، انفسح وانشرح))، قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: ((الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله))، فيُصِيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النورُ الحسيُّ والظلمة الحسية، هذه تشرح الصدر، وهذه تضيقه"؛ اهـ[1].

قلتُ – الكاتب -:
في هذه الآية.. الآية التي ابتدأت بها المقال تلاحظ أن الله – سبحانه – علَّق الهداية بانشراح الصدر، كما علَّق الضلالة بضيق الصدر والحرج؛ فيتلازم انشراح الصدر والهداية، كما تتلازم الضلالة وضيق الصدر، فكل مهتدٍ منشرحُ الصدر، كما كل ضالٍّ ضيِّقُ الصدر منكد، وأعظم ما يَهتَدِي به المرء، ويسعد به، وينشرح به قلبه – التوحيدُ الخالص، الذي يجعله يستشعر أنه مستمتع بعبودية الله، ومشرَّف ومكرَّم بها في الدنيا والآخرة؛ كما قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، وقال – تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ [الحج: 18]، وقال – تعالى -: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وبذلك تعلم أن كل المُشتَكِين من ضيق الصدر أُتوا من رقَّة الدين وضعفه، كما ستلاحظ في القصة التي سنوردها قريبًا عمليًّا وواقعًا؛ إذ لا بد أن يكون المؤمن حق الإيمان صبارًا شكورًا، كما جاء هذا الوصف في القرآن الكريم في آيات كثيرة: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم: 5]، وثبت في الصحيح: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْه سرَّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاء صبر، فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم.

أحد السلف كان أقرع الرأس، أبرص البدن، أعمى العينين، مشلول القدمين واليدين، وكان يقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا ممن خلق، وفضَّلني تفضيلاً "، فمر به رجل، فقال له: ممَّ عافاك؟ أعمى، وأبرص، وأقرع، ومشلول، فممَّ عافاك؟ فقال: ويحك يا رجل! جعل لي لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا!

سبحان الله، وَسِع صبره أن يتحمَّل كل هذه الأمراض برحب الصدر، وبالقلب الشاكر، وباللسان الذاكر، وما ذاك إلا أن مَن رزقه الله باتباع الهُدَى ودين الحق فإنه لا يضل ولا يشقى، كما قال – تعالى -: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123- 124]، وقال – تعالى -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

وسبب انشراح صدر المؤمن هو نور الحق الذي يستضيء به، والرحمة واللين اللذان أودعهما الله في قلبه، ثم انعكاس هذا النور واللين والرحمة في جوارحه؛ فاكتسب منها الحياة الحقيقية الطيبة، قال – تعالى -: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]، وقال – تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52-53].

فقد وصف الله – سبحانه – صراطه بميزتين عظيمتين كالتالي:
الميزة الأولى: مالك هذا الصراط – وهو الله جل جلاله – اشتمل ملكُه ما في السموات والأرض، فلا يمكن أن يخرج من قبضتِه وملكه وتصرُّفه وإرادتِه شيءٌ مهما كان – سبحانه.

والميزة الثانية: كل الأمور تصير إليه، كما قال – تعالى -: ﴿ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70].

وهذا كما قال – تعالى – في أول سورة إبراهيم: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 1- 2].

لذلك من البديهي جدًّا أن تجد – أيها القارئ الكريم/ أيتها القارئة الكريمة – أن من أظهر مواصفات المؤمنين المخلصين الحقيقيين كذلك إقرار القوة والحول كلها لله وحده، وإقرار مصير الأمور كلها لله وحده، وهذا فعلاً هو كمال الانقياد والاستسلام لله وحده، ومعنى الحوقلة والاسترجاع، كما أنهما تضمنتا ما جاء في قوله – تعالى -: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].

فعند ذلك لا بد أن تتحقَّق في العبد المؤمن الطائع المستسلم لله وحدَه أعظمُ صفات الإيمان والهداية، كما سيجد بذلك – لا محالة – نورًا يشرح الله به صدرَه، ويحيا به حياة طيبة، ما دام أصبح منقادًا راضيًا لأقدار الله، ويدور مع الحق حيث دار؛ في اليسر والعسر، وفي السراء والضراء، والمنشط والمكره، بل هذه هي الهداية التي جاءتْ في قوله – سبحانه -: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].

ولا يخفى عليك – أيها القارئ الكريم/ أيتها القارئة الكريمة – أن هذا الصراط المستقيم هو الذي ندعو ربنا أن يهدينا إليه ليلاً ونهارًا، فمَن هداه إليه كان من المنعَّمين مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا، ومَن ضلَّ عنه كان من المغضوبِ عليهم والملعونين، وساء أولئك رفيقًا.

وأيضًا من الفلاح والهداية والنور على نور لِمَن شرح الله صدرَه للإسلام: أن يخبتَ قلبه لله، ولا يقسو قلبه من ذكر الله؛ كما قال – تعالى -: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 22-23]، وقال – تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]، وفي الصحيح: ((مَثَلُ الذي يَذكُرُ ربَّه والذي لا يَذكُر: كمَثَلِ الحيِّ والميت)).

وفي ذكرِ الله انشراحٌ لصدر المؤمن، وزيادة لإيمانه، وبركة، ونور على نور لقلبه، يحترق به شيطانه إذا حاول أن يوسوس له، وإخبات، وقربة، وعبادة لا انقطاع فيها، كيفما كان، وبأي حالة كان، إلا في دورة المياه، كما هو ذكر وشرف للمؤمن؛ حيث يذكره الله إذا ذكره، قال – تعالى -: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].

وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله – تعالى -: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خير منه)).

وهذا النور الذي يكتسبه المؤمن من هدايته إلى الحق وانشراح صدره – حريٌّ به، ومطلوبٌ منه أن يدعو الله أن يرزقه إيَّاه آناء الليل وأطراف النهار، وفي أي وقت تتيسَّر له؛ كما جاء في الدعاء المأثور: ((اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا))، وعن ابن عباس – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، ومن أمامي نورًا، ومن خلفي نورًا، واجعل لي في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا))؛ أحمد، والنسائي، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزياداته.

أما علاقة انشراح الصدر بتيسير الأمور، فواضحةٌ جليَّة إذا تدبَّرت في آيات الكتاب الكريم؛ إذ كل شيء أساسه الذي يقوم عليه هو الهداية، التي هي الإخلاص واتباع الكتاب والسنة أولاً، ثم انشراح الصدر بذلك ثانيًا، فإذا طلب الله – سبحانه – من عباده عدمَ انشراح الصدر للكفر في حالة الإكراه، وتضيق النفس وتعذيبها، فمن باب الأولى والأحرى ألاَّ ينشرح للكفر في حالة الفسحة والحرية التامة، بل الواجب على المسلم أن يُعلِن عداوته للكفر وأهله وبراءته منهم، وموالاته ومحبته لأهل الإسلام والمؤمنين؛ كما ثبت في صحيح البخاري – رحمه الله – عن أنس – رضي الله عنه -: ((ثلاث مَن كنَّ فيه وجدَ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)).

فلا يمكن لِمَن لم يشرح الله له صدره بالإيمان والتوحيد – ولو تيسرت له أموره المادية – أن يعيش حياة طيبة مطمئنة، بل لا بد أنه سيعيش معيشة ضيقة ضنكًا نكدًا.

وهكذا هو الواجب على المسلم العابد أن يتفكَّر في تحقيق عبادة ربه، ويتعرض في ساعات الإجابة كلها عابدًا قانتًا لله، يرجو رحمته، ويخاف عقابه؛ لعلمه أنه في هذه الدنيا في حالة الفسحة والاختبار والعمل، قال – تعالى -: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
"العبد دائمًا بين نعمةٍ من الله يحتاج فيها إلى شكر، وذنبٍ منه يحتاج فيه إلى الاستغفار، وكلٌّ من هذين من الأمور اللازمة للعبد دائمًا، فإنه لا يزال يتقلب في نعم الله وآلائه، ولا يزال محتاجًا إلى التوبة والاستغفار"؛ اهـ.

قال – تعالى -: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾ [طه: 25 – 27].

وقال – تعالى -: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 1 – 6].

فقد قدَّم موسى – عليه السلام – في دعائه بسؤال انشراح الصدر بنور الهداية قبل تيسير الأمور؛ كما قدم الله سبحانه في سورة الشرح في سياق امتنانه على عبده الكريم رسول الله بانشراح الصدر، ثم ذكر الله بعد ذلك: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5 – 6]؛ إذ الهداية والنور اللذان يشرح الله بهما صدرَ المؤمنين مفتاحٌ للتيسير؛ كما جاء في الحديث: ((احفَظِ الله يحفظْك))، ((وتعرَّف على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة)).

فالمُعْتَدون على حدود الله لا يحفظهم الله، بل ولا يستحقون التيسير إلا بعد خروجهم مما هم واقعون فيه، كما أن الذين يطغون ويَبْطَرون عند النعمة وينسون ربهم – قد لا يجدون استجابة في حال شدتهم، وهم في أمسِّ الحاجة إليه والاضطرار، والله المستعان.

إذًا لا بد من الحذر من ذلك كله، والتغير بالتوبة، والفرار إلى الله، والاستسلام إليه في كل شيء قبل فوات الأوان؛ ليصيبنا الله بلطفه ورحمته، وقد قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

أما الذين لم يستسلموا لله وحده، ولم يتوكلوا على الله وحده حق التوكل في كل أمورهم، ولم يقولوا من قلبهم: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]، بل راموا حلّ مشاكلهم من أعدائهم، فقد ضلُّوا ضلالاً مبينًا، وخَسِروا الدنيا والآخرة خسرانًا عظيمًا، وإنما يجب على المؤمنين الحقيقيين حق الإيمان الاعتصامُ بالله وحده قولاً وعملاً ونية؛ كما قال – تعالى -: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: 78]، وقال – تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

_________________________
[1] خير مَن رأيت تكلَّم في أسباب انشراح الصدر الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتابه "زاد المعاد" (2/23 – 28)، فراجعه فإنه بحث نفيس وقيم، وإنما الذي تكلمت عنه هو مجرد ما وجدت من تأملات في هذه الآيات القرآنية – بحمد الله ومنته وتوفيقه – والله أعلم.

    الونشريس

    بارك الله فيكى

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.