أقوام من نسل حمّير يتجاهلون القرن الحادي والعشرين
على بعد 655كم تقريبا من مدينة الحوطة بمحافظة لحج وبمسافة سبع ساعات معظمها في طرق وعرة وصعبة,
يعيش أبناء وأحفاد "تلّب بن حسن الحميري" أحد ملوك حمير وعددهم بالمئات
يقطنون في منطقة تلب يافع لبعوس وتصل إليهم عبر طريق وعرة وتسير فيها سيارات ذات الدفع الرباعي
قرية يافعية حميرية جميلة تكسوها الخضرة وتحيط بها المدرجات الزراعية من كافة الجهات،
وتتدفق عليها السيول في مواسم الأمطار، ويتميز أبناء تُلَّب بالطيبة والبراءة والكرم،
وهي شيمهم, ويندهش الزائر عند مقابلة أبناء تُلَّب من تلك التجاعيد على رؤوسهم ويسيرون حفاة الأقدام..
صحيح أنهم في القرن الواحد والعشرين لكنهم يعيشون القرون الوسطى في هذه المنطقة المعزولة عن العالم تماما,
ويحتفظون باللغة الحميرية. لا يتعلمون ويمنعون أولادهم من التعليم.
لا يتعالجون, وإذا مرض أحدهم فيعالجوه بالعسل والأعشاب والكي.
يتزوجون فيما بينهم البين, والمهر حفظ سورة من صغار السور القرآنية.
يرفضون الاختلاط بالمجتمع ومواكبة التطورات غير مقيدين في جداول الانتخابات بل يقاطعون ألانتخابات,
ولم تصل لهم لجان التعداد السكاني ولا ينتمون لأي توجه أو حزب
يقول الشيخ خضر الحميري إن في عزلة تُلَّب20 ألف شجرة بن،
وتعتمد الزراعة بالدرجة الأولى على مياه الأمطار ومن خلال السيول الآتية والمتدفقة
من جبل اليزيدي – هربة – جبل ذي كباب – صوان،
وهي أسماء لجبال وشعاب تحمل للمزارعين كميات من المياه الغزيرة في موسم الأمطار.
ولا توجد لديهم أي خصومات ومنازعات لكنهم يحملون السلاح ويتأبطون أحزمة مليئة بالرصاص
ويمتلكون أسلحة تراثية قديمة وجنابي من النوع المرصع بالذهب والفضة
ولا يمكن لهم أن يفارقوا السلاح حتى وقت النوم, كما أنهم يتعاطون القات أحيانا
ولديهم طبائع وتصرفات لايمكن البوح بها يسمونها خصوصيات.
ويجمع أحفاد "تلب" ترابط أسري,
لكنهم يخفون نساءهم ويمنعونهن من الخروج إلا في حالات اضطرارية كما يقولون,
ولا يشاهدون التلفزيون, حتى بث شبكات الهاتف المحمول غير موجود في مناطقهم.
وتجمع عزلة "تلب" عدة قرى, منها:
"نبب – دار الصلابة – القرية – ذراع المعلامة – ضرمئة – الدقة – أسفل هربة – أسفل تُلَّب – القرن
مشاهد غريبة ومذهلة لا يصدقها المرء, رأينا أطفالا وأناسا يعيشون في الألفية الثالثة،
لكن بمظاهر وحياة عصور ما قبل الميلاد..
أطفال حفاة الأقدام لا ينتعلون الأحذية، وبرؤوس تغطيها تجاعيد الشعر الطويل غير المصففة،
ولغة لسانهم تقول: "ع النية", فلا يزيدون على ذلك إلا بإذن زعيمهم أو رئيسهم الذي يمنحهم الإذن بالكلام
أو بالحديث مع أي شخص غريب أتى إليهم, وبالطبع يمنحهم زعيمهم الإذن ليس باللغة العربية،
وإنما بلغتهم الحميرية, حيث يرسل لهم إشارة بعينه أو بتقاسيم وجهه فقط،
والأخيرة هي السائدة بين حميريي «تُلُّب».
وحين حاولنا الانفراد بأي شخص منهم للحديث معنا، رفضوا التحدث باستثناء كلمة واحدة "ع النية",
وتعني كل واحد يمضي في سبيل حاله وعلى نيته,
ليظل شيخ المنطقة صالح محسن الحمّيري هو المتحدث بكل شيء
وإن كان من حديث لشخص آخر فيكون بإذن الشيخ.
وفي "تلب" وجدنا أطفالا يحملون السلاح, ويستعرضون أجسامهم,
ووجدنا أسماء مميزة كـ"دهشل علوي"، و"تبّع", و"ذي نواس", و"شمر يهرعش", و"ذي القرن"،
وغيرهم من الأطفال الذين يفتخرون بأسمائهم وأشكالهم الحمّيرية, لكنهم محرمون من التعليم والعلم,
ويتوارثون عاداتهم جيلا بعد جيل.
يشير مدير مديرية لبعوس يافع سامي العياشي أن هؤلاء معروفون بين المجتمع اليافعي,
ولا يشكلون أي خطر سياسي, داعيا الباحثين إلى دراسة حالتهم
ويعتبر أبناء يافع حمل السلاح جزءا من شخصية الإنسان كبقية المناطق الريفية,
لكنه وبالرغم من ذلك, فلا توجد أي جرائم في المنطقة التي تنعم باستقرار وهدء.
– لقد انتزعت هذه المعلومات بصعوبة بالغة من سكان "تلب".
ودّعنا أهالي منطقة تلب بن حسن الحميري, وعبق التاريخ يفوح منها راسما لوحة بديعة معلقة في جبل اليزيدي.
إنها متحف حي للإنسان اليافعي الحميري, تتجسد فيها أساليب الحياة القديمة والأصيلة
ونمط العيش الفريد والعادات والتقاليد والأعراف القبلية العربية
والشواهد الحية على تاريخ سرو حمير وحضارتها القديمة